< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثلاثة وخمسون: أدلة الشهيد الصدر على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر قيداً في متعلق الأمر

 

تطرق الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ إلى أربعة بيانات قد أقيمت على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر وناقشها بأجمعها لكنه بعد ذلك ذكر أن مقتضى التحقيق في المقام أنه لا يعقل أخذ قصد امتثال الأمر قيداً في متعلق الأمر وفاقاً لأصحاب هذه الوجوه والبيانات الأربعة المتقدمة وإن اختلفا أسلوب البرهنة على ذلك ثم ذكر أربعة وجوه أخرى على الاستحالة، وهذه الوجوه الأربعة الأخرى يمكن أن تعتبر مستقلة عن البيانات الأربعة المتقدمة، ويمكن أن تعتبر إصلاحاً وتنقيحاً لبعض ما أفيد من الوجوه الأربعة التي استدل بها على الاستحالة.

ومن هنا نشرع في بيان الوجوه الأربعة التي استدل بها الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر قيداً فيما يتعلق الأمر:

الوجه الأول ويمكن اعتباره إصلاحاً وتنقيحاً لما أفاده المحقق النائيني ـ رضوان الله عليه ـ الذي ذكرناه في الرابع المتقدم فلا بد أن يبين الشهيد الصدر في هذا الوجه الأول ملاكاً للاستحالة يندفع به ما أورده السيد الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ على أستاذه الميرزا النائيني[1] .

وخلاصة ما تقدم في البيان الرابع ورد:

هو أن الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ كان يرى أن المتعلقات الثانوية أي متعلق المتعلق التي يتوقف عليها المتعلق الأولي من قبيل الوقت والقبلة والعقد والزوجية فهذه المتعلقات الثانوية يجب أن تؤخذ قيوداً في الحكم وفي الوجوب ولابد أن تفرض موجودة في عالم جعل الحكم أي أن متعلق المتعلق أخذ كقيد في موضوع الحكم فهذه ضابطة عامة ذكرها الميرزا النائيني وهي أن المتعلق لا يؤخذ في الموضوع لكن متعلق المتعلق يؤخذ كقيد في موضوع أي حكم.

ومن هنا طبق الميرزا النائيني هذه الكبرى الكلية على صغرى بحثنا وهي نفس الأمر فلو أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر في حينئذ يكون قصد امتثال الأمر هو المتعلق أي المتعلق الأولي ويكون الأمر هو متعلق المتعلق، ومتعلق المتعلق الذي هو الأمر يجب أن يؤخذ قيداً في موضوع الأمر، وهذا يلزم منه تقدم الشيء على نفسه إذ أن الأمر قد أخذ في نفس الأمر.

والخلاصة إذا أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر فحينئذ يصبح المتعلق هو قصد امتثال الأمر ومتعلق المتعلق هو نفس الأمر ومتعلق المتعلق أخذ في موضوع الأمر فيصير الأمر تقدم عليه قصد امتثال الأمر وقصد امتثال الأمر تقدم عليه الموضوع الذي أخذ فيه متعلق متعلق وهو نفس الأمر فيصير قد أخذ الأمر في نفس الأمر يلزم أن يتقدم الأمر على نفسه ويتأخر وهذا دور باطل.

وكان كلام الميرزا النائيني على نحو الإطلاق أي أن كل متعلق المتعلق يؤخذ في موضوع ذلك الحكم.

وقد ناقشه السيد الخوئي في منع هذا الإطلاق، وقال: لا يوجد برهان عقلي على أن كل ما يتوقف عليه المتعلق من المتعلقات يجب أن يؤخذ قيداً في الأمر ومفروض الوجود في مقام الجعل والإنشاء فليس كل متعلق متعلق يؤخذ كقيد في موضوع الحكم، نعم متعلق المتعلق يؤخذ كقيد في موضوع الحكم إذا توفر أحد ملاكين:

الأول إثباتي وهو الاستظهار العرفي.

والثاني ثبوتي وهو وجود محذور عقلي عند عدم أخذ متعلق المتعلق قيداً في الحكم.

ففي أحد هذين الموردين يجب أخذ متعلق المتعلق كقيد في موضوع الحكم ويفرض موجوداً، وإنما يلزم المحذور عند السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فيما إذا كان هذا الشيء أمراً غير اختياري فحينئذ لو لم يؤخذ في موضوع الأمر قيداً وشرطاً للزم إطلاق الأمر حتى لحال فقد هذا الأمر الغير اختياري وبذلك يلزم التكليف بغير المقدور.

إلى هنا في هذا المورد أي مورد وجود المحذور العقلي يتفق كلام المحقق النائيني وكلام تلميذه المحقق الخوئي.

لكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يستثني من ذلك شيئاً واحداً وهو الأمر غير الاختياري الذي يحصل بنفس الخطاب والأمر مثل هذا الأمر الغير الاختياري فهذا لا يلزم أخذه قيداً في الموضوع لأن الأمر الذي هو غير اختياري حتى لو لم نأخذه قيداً في الموضوع فهو حاصل على كل حال لأن الأمر يكفل وجود نفسه.

ولنضرب مثالاً فرضياً:

فلو افترضنا أن أمر المولى يحرك الفلك ويوجد الزوال، إذا يأمر يتحرك الفلك وإذا يؤمر يتحقق الزوال، فحينئذ لا يحتاج المولى إلى أن يقيد أمره بأنه سوف يتحرك الفلك أو يوجد الزوال ما يحتاج أن يأتي بهذا القيد لأن هذا القيد يتحقق بمجرد صدور الأمر فما دام مضمون التحقق ومكفول الوجود بنفس الخطاب وبنفس الأمر فلا يلزم أخذه قيداً ولا يترتب عليه محال ولا يلزم منه تقدم الشيء على نفسه.

من هنا يبدأ الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ في التركيز على هذه الإضافة التي ذكرها السيد الخوئي، وحاول بها السيد الخوئي أن يتملص من إشكال أستاذه الميرزا النائيني.

يقول الشهيد الصدر[2] ـ رحمه الله ـ : إن أخذ قصد الامتثال في متعلق الأمر يلزم منه توقف المتعلق وهو الصلاة مع قصد الامتثال على أمر غير اختياري وهذا الأمر الغير الاختياري ليس هو نفسه الأمر كما قال الميرزا النائيني حتى يجيب السيد الخوئي بأن الأمر مكفول بنفس الخطاب وبنفس الأمر بل الأمر غير الاختياري شيء آخر غير الأمر وهو وصول الأمر، ووصول الأمر غير اختياري للمكلف وغير مقدور فلا بد أن يؤخذ قيداً في الموضوع، وبالتالي يثبت إشكال الميرزا النائيني.

وتوضيح هذا المطلب ببيان مقدمتين:

المقدمة الأولى خلاصتها إن امتثال الأمر لا يتوقف فقط على صدور الأمر بل يتوقف أيضاً على ووصول الأمر ووصول الأمر غير اختياري للمكلف كما أن وصول الأمر لا يحصل بنفس الأمر وبنفس صدور خطاب الأمر.

إذا الإتيان بالصلاة بقصد امتثال الأمر لا يتوقف فقط على وجود الأمر واقعاً فقط بل يتوقف أيضاً على وصول الأمر الذي صدر واقعاً إلى المكلف ولو بأدنى مراتب الوصول فهناك الوصول القطعي والوصول الظني والوصول الاحتمالي والمكلف لا يعقل أن تصدر منه الصلاة بقصد امتثال الأمر حتى لو لم يحتمل صدور أمرٍ فلو أتى المكلف بالصلاة بقصد امتثال الأمر وهو يجزم أنه لم يصدر أمر ولم يحتمل وجود أمر فهذا منه تشريع محرم وهذه بدعة محرمة شرعاً.

إذا لكي يمتثل المكلف الصلاة بقصد امتثال الأمر لابد من وصول الأمر إلى المكلف ولو بأدنى مراتب الوصول وهو الوصول الاحتمالي فيأتي بالصلاة برجاء وصول الأمر.

إذاً المتعلق في المقام وهو الصلاة متوقف على وصول الأمر والتصديق به ولو ظناً أو احتمالاً.

الآن نطبق القاعدة لاحظ موطن الفرق بين كلام الميرزا النائيني والشهيد الصدر في البيان الرابع قلنا إن المتعلق هو قصد امتثال الأمر ومتعلق المتعلق هو نفس الأمر لكن في الوجه الأول السيد الشهيد الصدر يقول المتعلق هو قصد امتثال الأمر ومتعلق المتعلق هو وصول الأمر وليس نفس الأمر فلابد من بحث متعلق المتعلق وهو وصول الأمر، فنقول:

وصول الأمر شيء غير اختياري للمكلف حاله حال نفس الأمر الذي أيضاً هو أمر غير اختياري للمكلف لكن الفارق بينهما أن نفس الأمر وإن كان غير اختياري لكنه يتحقق بنفس خطاب الأمر بينما وصول الأمر شيء غير اختياري ولا يتحقق وصول الأمر بنفس صدور الأمر.

إذ أن الخطاب يكفل وجود الأمر لا أن الخطاب يكفل وصول الأمر فنطبق على وصول الأمر نفس القاعدة التي اعترف بها السيد الخوئي إذ قال إذا توقف المتعلق على أمر غير اختياري لا يكفل وجوده نفس ولا يتحقق بنفس الخطاب فإن مثل هذا الأمر الغير الاختياري يجب أن يؤخذ قيداً في موضوع الحكم فكلام السيد الخوئي ينطبق ما إذا قلنا إن متعلق المتعلق هو وصول الأمر وليس نفس الأمر، فالمتعلق وهو الصلاة بقصد امتثال الأمر يتوقف من المكلف على أمر غير اختياري وهو وصول الأمر الشرعي وليس واقع صدور التن الشرعية ووصول الأمر الشرعي غير اختياري ولا يتحقق بنفس الخطاب لوضوح أن الخطاب يجعل على نهج القضية الحقيقية لا القضية الخارجية.

وبالتالي صدور الخطاب لا يتكفل وصول الخطاب فالخطاب قد يصل وقد لا يصل.

إذا بمقتضى هذه الكبرى المعترف بها من قبل السيد الخوئي لابد أن يكون وصول الأمر مأخوذاً في موضوع الأمر وهذا أمر غير مقدور فيستحيل أخذ وصول الأمر في متعلق الأمر.

نعم، إذا كان الأمر مجعولاً على نهج القضية الخارجية الجزئية كما لو توجه المولى إلى شخص بعينه، وقال له: صل بقصد القربى فهنا المولى تكفل إيجاد الأمر وتكفل إيصال الأمر لأن القضية خارجية فهنا لا حاجة إلى أخذ الوصول قيداً في الموضوع، لكن إذا كان الحكم مجعولاً على نهج القضية الحقيقية فالخطاب لا يكون منشأ للوصول.

إذاً الوصول أمر غير اختياري وقد توقف عليه المتعلق وهو الصلاة والخطاب لا يكفل وصول الأمر فيجب أن يؤخذ وصول الأمر في موضوع الأمر فينحل قوله: «صلّ بقصد الأمر» إلى قوله: «إذا كان الأمر واصلاً إليك فصلي بقصد الأمر».

هذا تمام الكلام في المقدمة الأولى خلاصة الأمر الغير اختياري كمتعلق المتعلق هو وصول الأمر وليس نفس الأمر كما يقول الميرزا النائيني.

المقدمة الثانية خلاصتها ما تم البرهن عليه في بحث القاطع وهو أنه يستحيل أخذ وصول الحكم في موضوع شخص ذلك الحكم وهذا المطلب قد اتفقت عليه كلمات المانعين للاستحالة بما فيهم السيد الخوئي الذي منع استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر وقال بالجواز.

كما أن السيد الخوئي يعترف باستحالة أخذ نفس الحكم في موضوع شخصه وذلك لأنه لو أخذ وصول ذلك الحكم في موضوع ذلك الحكم للزم التهافت، كيف يلزم التهافت؟

لأن الحكم بمقتضى كونه قد قيد بوصول نفسه فلابد أن يكون الحكم متأخراً لأنه مقيد والقيد وهو الوصول يكون متقدماً فيكون الحكم بمقتضى كونه مقيداً قد تأخر رتبة عن وصول نفسه.

إذا لاحظ المقدمة الأولى إذا لاحظنا الحكم مقيداً بالوصول فمن ناحية الرتبة الحكم متأخر والقيد وهو الوصول متقدم، ومن ناحية أخرى إذا لاحظنا كون الوصول انكشاف لنفسه يعني الوصول كاشف عن نفس الوصول فيكون الوصول متأخراً رتبةً لأن الانكشاف في طول المنكشف يعني فرع المنكشف بحسب نظر المنكشف لديه فيكون الوصول والانكشاف في طول الأمر، وبالتالي يكون كل واحد منهما في طول الآخر.

يعني صار الحكم متأخر رتبة عن الوصول لأن الحكم مقيد والوصول مقيد، ومن جهة أخرى الوصول كاشفٌ عن الحكم فبالنسبة للمنكشف له في الدرجة الأولى الكاشف وهو الوصول في الدرجة الثانية الحكم الذي انكشى صار الوصول من جهة متقدمة ومن جهة متأخرة فإذا تمت هاتان المقدمتان يتبرهن استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر.

يعني بالنسبة للمقدمة الثانية الوصول يعني وصول الحكم وصول الأمر يكشف عن الأمر، والأمر قد أخذ فيه قيد الوصول فصار الوصول يتوقف على الوصول، واضح أو لا؟!

وهذا الوجه للشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ يمكن أن يكون توضيحاً وتنقيحاً لبيان الميرزا النائيني، والفرق أن الميرزا النائيني كان يدعي أن تعلق الأمر بالصلاة مع قصد امتثال الأمر يتوقف على أن يكون نفس الأمر مأخوذاً في الموضوع بينما الشهيد الصدر يرى أن تعلق الأمر بالصلاة مع قصد امتثال الأمر يتوقف على أن يكون وصول الأمر قد أخذ في الموضوع وهذا محال كما أن الأول محال بنظر الميرزا النائيني فإذا ضممنا المقدمة الأولى إلى المقدمة الثانية يستحيل أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر.

الخلاصة والزبدة بشيء بسيط:

يستحيل أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر لأن الصلاة هي متعلق الأمر وهذه الصلاة فرع وصول الأمر بالصلاة فوصول الأمر بالصلاة هو متعلق المتعلق ومتعلق المتعلق وهو الوصول أمر غير مقدور للمكلف ويلزم من أخذه الدور والتهاون إذ أن وصول الأمر فرع وجود الأمر بالصلاة وجعل الأمر بالصلاة يتوقف الوصول أي وصول الأمر فيتوقف وصول الأمر على وصول الأمر وهذا دور يلزم منه التهافف هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

الوجه الثاني يأتي عليه الكلام، وصىلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


[1] فوائد الأصول، تقرير الكاظمي، ج1، ص87.مناقشة السيد الخوئي في محاضرات في أصول الفقه، الشيخ محمد إسحاق الفياض، ج1، من ص185 إلى 161.
[2] الشيخ حسن عبد الساتر، بحوث في علم الأصول، ج4، ص208.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo