< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواثنان وخمسون: جواب السيد الخوئي على البيان الرابع للاستحالة للمحقق النائيني ـ ره ـ

 

جواب السيد الخوئي على البيان الرابع للاستحالة للمحقق النائيني.

قد أجاب السيد الخوئي[1] ـ رحمه الله ـ وناقش البيان الرابع الذي ذكره الميرزا النائيني للاستحالة، وحاصل مناقشة السيد الخوئي هو منع إطلاق المقدمة الأولى في برهان المحقق النائيني المؤلف من مقدمتين.

فقد ذكر الميرزا النائيني في المقدمة الأولى لبرهانه أن المتعلقات الثانوية تؤخذ دائماً كقيد في الأمر وكشرط مفروض الوجود في جعلها وإنشائها، ولازم ذلك أخذ الأمر مفروض الوجود في مقام جعل الأمر.

فالسيد الخوئي يقول: أيها الميرزا النائيني أنت تقول دائماً متعلق المتعلق يشكل موضوعاً للحكم ونحن ننفي هذا الإطلاق والدوام ونلتزم بأن متعلق المتعلق يشكل موضوعاً للحكم ويفرض مقدر الوجود للحكم إذا توفر أحد ملاكين: الأول إثباتي والثاني ثبوتي، فإذا جاءنا موردٌ لم يتوفر كلا الملاكين فلا الملاك الإثباتي موجود ولا الملاك الثبوتي أيضاً موجود، ففي مثل هذه الحالة لا نلتزم أننا نفترض متعلق المتعلق دخيلاً في الموضوع ومفروضاً مقدر الوجود.

نعم، في خصوص ما إذا توفر الملاك الإثبات أو الملاك الثبوتي فإننا نلتزم في إحدى هاتين الصورتين إذا تحققت أن متعلق المتعلق يؤخذ كقيد مقدر الوجود.

ومن هنا يقع الكلام في بيان الملاكين فالكلام في مقامين:

المقام الأول الملاك الإثبات وهو الاستظهار العرفي، فإذا استظهر عرفاً من الدليل أن المولى لا يريد متعلق المتعلق وأن متعلق المتعلق ليس من مقدمات الواجب وإنما هو من مقدمات الوجوب فحينئذ هذا الاستظهار بنفسه يكون كاشفاً عن أخذ هذا القيد قيداً في الوجوب أي مفروض الوجود.

فمثلاً: حينما يقول المولى: «أوفوا بالعقود أو يجب الوفاء بالعقود» فالعرف لا يفهم أن العقد مقدمة وجودية للوفاء بالعقد لأنه من لم يكن عنده عقد يجب عليه أن يفي بالعقد إذا عقد فسواء توفر العقد أو لم يتوفر يجب الوفاء بالعقود ولا يفهم العرف أن العقد مقدمة وجودية بحيث أنه لم يكن لديه عقد يجب عليه أن ينشأ عقداً حتى يفي بذلك العقد، وإنما يفهم العرف من هذا البيان أن مقدم وجوبية لا مقدمة وجودية.

وأن المولى لا يلزم من ليس عنده أن يحدث العقد وإنما المولى يقول: لمن أحدث العقد يجب عليه أن يفي بمقتضى العقد.

إذا نفس هذا الاستظهار العرفي يكون قرينه على أن العقد قد أخذ مفروض الوجود في وجوب الوفاء بالعقد، فالعقد أخذ كقيد مفروض في الوجوب لا الوجود، فهو أخذ كقيد مفروض في الوجوب لا الواجب.

إذا يرجع قوله: «أوفوا بالعقود» بقرينة هذا الاستظهار إلى قضية شرطية مفادها إذا وجد لديك عقد فيجب الوفاء به هذا هو الملاك الإثباتي.

المقام الثاني الملاك الثبوتي وهو عبارة عن لزوم محذور عقلي إذا لم يؤخذ القيد كقيد مفروض الوجود كأن يلزم محذور التكليف بغير المقدور، فإذا كان متعلق المتعلق أمراً غير اختياري للمكلف، فحينئذ ـ مثل الزوال والقبلة هذا أمر غير اختيار ـ فحينئذ لابد للمولى من أن يأخذه قيداً في الوجوب ومفروض الوجوب في مفروض في مقام جعل الوجوب.

إذ لو لم يأخذه قيداً في الوجوب وجعل الوجوب على الإطلاق لزم التكليف بغير المقدور، فلو قال المولى: تجب عليك صلاة الظهر ولم يقيدها بالزوال تجب مطلقاً، زالت الشمس أو لم تزل، فالزوال لابد يؤخذ كقيد في وجوب صلاة الظهر إذ لو لم يؤخذ كقيد فحينئذ يستحيل تكليف المكلف بوجوب صلاة الظهر والحال أن الزوال ليس يعني تحقيق الزوال ليس أمراً مقدوراً للمكلف.

إذاً الزوال هنا يجب أن يؤخذ قيداً في الوجوب ومفروض الوجود في مقام جعل الحكم لأن الوجوب لو لم يقيد بالزوال لكان مطلقاً وكان معنى هذا الذي عند الزوال سواء وجد الزوال أو لم يوجد زوال هذا معناه التكليف بغير المقدور.

وبالتالي لا بد أن يكون الزوال في الوجوب لأن لا يلزم فعلية الوجوه في حال فقدان الزوال وبه يلزم التكليف بغير المقدور.

إذاً أخذ قيدٍ مفروض في الوجوب يتوقف على ثبوت أحد ملاكين:

الملاك الأول إثباتي وهو الاستظهار العرفي.

الملاك الثاني ثبوتي وهو لزوم محذور عقلي إذا لم يؤخذ هذا القيد كقيد مفروض الوجود في الوجوب.

ولكن لو جاءنا مورد لا يوجد فيه لا محذور ثبوتي ولا محذور إثباتي، فحينئذ لا معنى لجعل القيد مفروض الوجود في الوجوب، ولا نلتزم بأخذ متعلق المتعلق قيداً في الحكم ومفروض الوجود في مقام جعل الأمر.

مثال ذلك:

لو قال المولى: لا تشرب الخمر، فهنا يوجد حكم وهو الحرمة التي دلّ عليها النهي ويوجد متعلق وهو الشرب، ويوجد متعلق المتعلق وهو الخمر إذ أن المتعلق وهو الشرب قد تعلق بالخمر، فهنا هل نقول لتحقق حرمة شرب الخمر لا بد من وجود الخمر خارجاً؟ وهل لابد من أخذ متعلق المتعلق وهو الخمر هنا أن نأخذه مفروض الوجود؟ فيصير كلام المولى لا تشرب الخمر يعني إذا وجد الخمر فلا تشربه.

هذا إذا افترضنا أنه موجود نفترض أن متعلق المتعلق لابد أن يكون مفروض الوجود.

ولكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لا يستظهر ذلك ويقول مرجع القضية إلى هكذا: توجد حرمة فعلية لشرب الخمر سواء وجد خمر أو لم يوجد خمر، فهنا لا يوجد استظهار عرفي يقتضي أخذ الخمر قيداً في الموضوع، ولا يوجد محذور عاقلي في عدم أخذ الخمر قيداً في الموضوع.

ولذلك لا يؤخذ الخمر كقيد في الموضوع فيكون مرجع قوله: يحرم شرب الخمر إلى هذه القضية توجد حرمة فعلية لشرب الخمر سواء وجد الخمر أو لم يوجد.

بخلاف ما إذا أخذت الخمر وهو متعلق المتعلق كقيد في الموضوع فتؤول قضية لا تشرب الخمر إلى إذا وجد خمر فإنه يحرم شربه.

إذاً السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يسلم بالمقدمة الأولى وهي أخذ متعلق المتعلق في الموضوع لكنه يمنع إطلاق المقدمة الأولى فيقول: إن المقدمة الأولى تتم إذا وجد الملاك الإثباتي وهو الاستظهار العرفي يعني العرف يرى أنه لابد يفرض هذا القيد في الموضوع.

أو الملاك الثبوتي يعني إذا لم نأخذ هذا القيد في الموضوع يلزم محذور عقلي كالتكليف بغير المقدور.

وأما إذا لم يوجد الملاك الثبوتي أو الملاك الإثبات فلا نلتزم بأخذ متعلق المتعلق كقيد في الموضوع.

إلى هنا تمت الكبرى ومنعنا إطلاقها واضح إن شاء الله؟! الآن يطبق السيد الخوئي هذا التفصيل الذي ذكره في المقدمة الأولى الآن أخذنا الكبرى يأتي إلى الصغرى ما هو موطن بحثنا؟

أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر، وكان مفاد البيان الرابع أنه المتعلق هو قصد الامتثال، ومتعلق المتعلق هو نفس الأمر، فيلزم من أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر توقف الأمر على نفسه إذ قصد امتثال الأمر يتوقف على الأمر والأمر يتوقف عن قصد امتثال الأمر فيتوقف الأمر على الأمر.

وبالتالي لو أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر فسوف يكون نفس الأمر متعلقاً للمتعلق أي موضوعاً.

والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يسلم بهذه الصغرى لو تمت، ولكنه يقول: بأن هذا لا يتم إذ ليس من الضروري في كل موضوع أن يكون مأخوذاً مفروض الوجود في مقام جعل ذلك الحكم وإنما يلزم أخذه مفروض الوجود في حالتين:

الحالة الأولى حالة وجود ظهور عرفي وهو الملاك الإثباتي.

الحالة الثانية حالة محذور عاقلي في عدم أخذه قيداً وهذا الملاك الثبوتي.

ولنشرع في بيان الملاكين في هذه الصغرى أخذ قصد امتثال الأمر في الأمر.

الأمر الأول في الملاك الإثبات وهو الاستظهار العرفي.

ومن الواضح أن المولى حينما يقول: صلّ بقصد امتثال الأمر فإنه ليس بهذا الخطاب ظهور عرفي في وجود حالة منتظرة من ناحية الأمر بوجه من الوجوه.

بعبارة أخرى: إن العرف لا يستظهر تقدم الأمر على الأمر فالملاك الإثباتي القائم على الاستظهار غير موجود.

الثاني الملاك الثبوتي وهو لزوم وجود محذور عقلي إذا لم نأخذ الأمر الذي هو متعلق المتعلق كقيد في موضوع الأمر، وهذا الملاك الثبوتي أيضاً غير موجود في المقام لأنه وإن كان غير اختياري للمكلف، هذا الأمر غير اختياري للمكلف، وحال الأمر حال القبلة وحال الوقت فإنهما غير اختياريين للمكلف.

ولكن توجد نكتة فارقة بين الوقت والقبلة من جهة، وبين الأمر من جهة أخرى فيجمعهما ويجمع هذه الأمور عدم الاختيارية، فالوقت ليس اختيارياً للمكلف كما أن القبلة تابعة لثبات الأرض وليست اختيارية للمكلف، وكذلك أمر المولى ليس اختيارياً للمكلف.

هذه نقطة الاشتراك عدم اختيارية.

ولكن هناك نقطة فارقة بينهما وهي أن المولى لو لم يأخذ الوقت والقبلة قيداً ومفروض الوجود للزم إطلاق الوجوب لحالة عدم الزوال وحالة عدم وجود قبلة، فحينئذ يقول المولى هكذا: صلّ عند الزوال سواء زالت الشمس أو لم تزل.

وهنا يلزم التكليف بغير المقدور كيف يوجب عليه أن يصلي عند الزوال إذا لم تزل الشمس والحال أن زوال الشمس أمر غير اختياري للمكلف؟! فالمحذور الثبوت ثابتٌ بالنسبة إلى قيد الزوال وإلى قيد القبلة مثلاً يقول له: صلّ إلى القبلة سواء عرفت القبلة أو لم تعرف القبلة، وجدت قبلة أو لم توجد قبلة فيلزم تكليف بغير المقدور.

ولكن في موطن بحثنا لاحظوا النكتة المهمة جداً دقيقة هنا لا يلزم من إطلاق الأمر لحالة عدم التكليف بغير المقدور لأن الأمر بنفس وجوده إذا تحقق ينفي عدم الأمر، فإذا أمر المولى فنفس وجود الأمر يرفع حالة عدم الأمر، فصحيح إن نفس الأمر ليس من اختيار المكلف حاله حال القبلة وحاله حال الزوال، ولكن عند الإطلاق في هذين الموردين يلزم التكليف بغير المقدور، فإذا قال المولى: صل عند الزوال سواء زالت الشمس أو لم تزل فإذا لم تزل الشمس وأوجبنا عليه الصلاة يلزم التكليف بغير المقدور.

الآن نحن في موطن بحثنا أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر يعني الأمر مأخوذ في الأمر جيد هنا حتى لو هنا نقول هكذا: إذا وجد الأمر انتفى قهراً عدم الأمر.

إذا إذا لم يؤخذ الأمر قيداً في موضوع الأمر ولم يؤخذ الأمر مفروض الوجود في الأمر فلا يلزم إطلاق الأمر لحالة عدم الأمر لأنه بنفس وجود الأمر ينتفي عدم الأمر وبتحقق الأمر يستحيل حينئذ أن لا يكون هناك أمرٌ فهذا القيد وهذا الموضوع وهو الأمر يوجد بنفس خطاب الأمر وبذلك يختلف عن بقية الموضوعات فبمثل خطاب صلّ عند الزوال لا يوجد الزوال لأن الزوال مربوط بحركة الفلك، وهكذا بخطاب صلّ إلى القبلة لا توجد القبلة لأن القبلة بثبات الأرض.

إذا فيجب أن يكون هذا الخطاب بنفسه مقيداً بالوقت والقبلة إذ لو لم يقيد بالوقت والقبلة لكان الخطاب مطلقاً بحال فقد الزوال والقبلة، وهذا معناه التكليف بغير المقدور.

لكن في مقامنا ما يحتاج أن نأخذ الأمر في الأمر حتى لو لم يؤخذ الأمر فمتعلق المتعلق الذي هو نفس الأمر وإن كان أمراً غير اختياري لكنه هذا الأمر يوجد بنفس الخطاب الأمر ويحفظ بنفس جعل الوجوب فلا يعقل أن يكون للخطاب إطلاقٌ لحال فقد الأمر حتى لو لم يقيد، وعليه فلا يلزم في المقام تقييده.

هذا تمام الكلام مناقشة السيد الخوئي[2] فإن قبلنا مناقشة السيد الخوئي يكون ما أفاده الميرزا النائيني ليس بتام ولا يتم البيان الرابع وبالتالي تكون البيانات الأربعة التي ذكرت للاستحالة ليست تامة.

لكن الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ بعد أن أبطن البيانات الأربعة التي أقيمت للبرهنة على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر، قال: «إن مقتضى التحقيق في المقام أنه لا يعقل أخذ قصد امتثال الأمر قيداً في متعلق الأمر» وفاقاً لأصحاب الوجوه الأربعة، وإن اختلف أسلوب البرهنة، ويقيم عدة وجوه قد تعتبر مستقلة وقد تعتبر متممة للبيانات الأربعة خصوصاً بيان المحقق النائيني الذي هو البيان الرابع.

تتمة البحث بعد رجوعنا من زيارة الحسين إن بقينا أحياء، وصلى الله على محمدٍ وآله الأطهار.

 


[1] محاضرات، الشيخ الفياض، ج2، ص158.
[2] محاضرات الفياض، ج2، ص158 إلى 161.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo