< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواحد وخمسون: البيان الرابع للاستحالة ما أفاده المحقق النائيني ـ ره ـ

 

البيان الرابع للاستحالة ما أفاده المحقق النائيني[1] ـ رحمه الله ـ بلزوم الدور، وقد برهن المحقق النائيني على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر بلزوم الدور، وأخذ ما هو متأخر متقدماً، لكن لا بلحاظ متعلق الأمر بل بلحاظ متعلق المتعلق، ومتعلق متعلق الأمر اصطلح عليه الميرزا النائيني عنوان الموضوع أي أن الدور يثبت بلحاظ موضوع الأمر.

توضيح ذلك ببيان مقدمتين:

المقدمة الأولى بمثابة الكبرى والمقدمة الثانية بمثابة الصغرى.

المقدمة الأولى إن الأحكام شرعية لها متعلقات ولها متعلقات المتعلقات، فهناك متعلقات أولية وهناك متعلقات ثانوية، يطلق عليها متعلق المتعلق أو الموضوع.

فمثلاً: يحرم شرب الخمر، فالحكم الشرعي وهو الحرمة قد تعلق بالشرب فالشرب هو المتعلق، لكن الشرب قد تعلق بالخمر فالخمر هو متعلق المتعلق، ففي هذه القضية يحرم شرب الخمر يوجد متعلق أولي وهو الشرب أي أن الحرمة قد تعلقت أولاً وابتداءً بالشرب، ويوجد متعلق ثانوي أي أن الشرب قد تعلق بالخمر ولا معنى لافتراض الشرب من دون افتراض وجود خمر، فالخمر هو متعلق المتعلق ويفترض وجوده في رتبة سابقة على المتعلق، فنفترض وجود الخمر قبل أن نفترض وجود الشرب.

وهكذا حينما تقول: إذا وجدت لك زوجة وجب عليك الإنفاق عليها، فالوجوب قد تعلق أولاً بالإنفاق فهو متعلق، والإنفاق الذي هو متعلق الوجوب قد تعلق بالزوجة فالزوجة هي متعلق المتعلق، وهي موضوع الوجوب، فموضوع وجوب الإنفاق هو وجود زوجة.

وهكذا في قولك: صل عند الزوال إلى القبلة فالوجوب قد تعلق بالصلاة والصلاة قد تعلقت بالوقت أي بوقت الزوال وبوقت بوقت الزوال ومكان الصلاة وهو القبلة فالحكم هو الوجوب ومتعلقه الصلاة فالصلاة متعلق الوجوب، وهذا المتعلق وهو الصلاة قد تعلق بوقت معين وهو الزوال، وقد تعلق بمكان معين وهو القبلة.

إذاً المتعلقات الأولية هي عبارة عن تلك الأفعال التي يكون ذلك الحكم الشرعي مقتضياً لإيجادها كالصلاة والإنفاق أو مقتضياً للزجر عنها كشرب الخمر فالصلاة متعلق لوجوب الصلاة في أقيموا الصلاة وشرب الخمر متعلق للحرمة في لا تشرب الخمر هذه هي المتعلق الأولية.

وأما متعلقات المتعلقات وهي المتعلقات الثانوية فهي عبارة عن الأشياء الخارجية التي يكون المتعلق الأول مربوط بها من قبيل الخمر في لا تشرب الخمر فالشرب متعلق أولي لكن الشرب قد تعلق بالخمر فالخمر متعلق ثانوي فالخمر أمر خارجي قد تعلق به المتعلق.

وكالعقد في وجوب الوفاء بالعقد، فالوجوب قد تعلق بالوفاء الذي هو متعلق أولي وابتدائي، والوفاء قد تعلق بالعقد فالعقد متعلق المتعلق فهو متعلق ثانوي.

وهذا الموضوع الذي هو المتعلق المتعلق يؤخذ دائماً شرطاً للحكم وقيداً في الحكم وحيث إن الحكم مجعول بنحو القضية الحقيق والقضية الحقيقية تكون كل شرائطها وقيودها مفروضة الوجود لذلك يقال أن الموضوعات أي متعلقات تؤخذ مفروضة الوجود في مقام جعل الحكم، فالحاكم حينما يريد أن يحكم بوجوب الوفاء بالعقد يقول: إذا وجد عقد فيجب الوفاء به، وإذا وجدت لك زوجة يجب الإنفاق عليها، وإذا كانت القبلة موجودة والوقت داخلاً وجبت عليك الصلاة إلى القبلة، وإذا هناك يوجد خمر فيحرم عليك شربه وهكذا في جميع الأمثلة.

فالموضوع يؤخذ مقدر الوجود في فعلية الحكم، وبتعبير المحقق النائيني ـ رحمه الله ـ أخذ الموضوع مفروض الوجود في مقام جعل الحكم على نهج القضية الحقيقية.

ونتيجة أخذ الموضوع مفروض الوجود تكون فعلية الحكم وثبوته تابعاً لفعلية موضوعه وتحقق موضوعه.

ففعلية وجوب الوفاء بالعقد فرع فعلية وجود عقد خارجاً فما لم يوجد عقد خارجاً لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد، وما لم يوجد عقد وقبلة لا تجب الصلاة في الوقت إلى القبلة لأن المشروط عدم عند عدم شرطه، والمفروض أن هذه الموضوعات أخذت شرائط وفرض وجودها في مقام جعل الحكم فيكون فعلية المجعول تابعاً لفعلية هذه الشرائط ووجودها خارجاً هذا بحسب عالم الفعلية.

وأما بحسب عالم اللحاظ وعالم الجعل وعالم الاعتبار وعالم الإنشاء تكون مرتبة وجود الموضوعات قبل مرتبة الحكم بالنظر الإنشائي والتصوري للجاعل.

إذاً هناك سبقان سبق رتبي خارجي وسبق رتبي لحاظي اعتباري سبقان:

السبق الأول رتبي حقيقي خارجي فوجود العقد في الخارج سابق على وجوب الوفاء بالعقد هذا سبق رتبي حقيقي ملاكه إن فعلية المجعول منوطة بفعلية موضوعه.

السبق الثاني سابق رتبي لحاظي اعتباري أي أن الجاعل قبل أن يجعل الحكم يلحظ وجود الموضوع ومتعلق المتعلق، فلحاظ الموضوع ومتعلق المتعلق في ذهن الجاعل سابقٌ على نفس الجعل والإنشاء، فالمولى قبل أن يضع الحكم لابد أن يلحظ هذه الأشياء والموضوعات لأن المولى في مقام الجعل أناط جعله وحكمه بفرض وجود هذه الأشياء.

إذاً خلاصة المقدمة الأولى إنه يجب التمييز بين المتعلقات الأولية والمتعلقة الثانوية المسماة بالموضوعات فالمتعلقات الأولية ليست قيداً في الحكم ولم تؤخذ كقيد وشرطٍ في الحكم وليست مفروضة الوجود في مقام جعل الحكم، كيف تكون كذلك والحال أن هذه المتعلقات من تبعات نفس الحكم ومن نتائج نفس الحكم؟!

بخلاف متعلقات المتعلقات التي هي نفس الموضوعات فهي دائما تؤخذ كقيد وشرط في الحكم.

وحيث إن الحكم مجعول على نهج القضية الحقيقية وحيث إن الموضوع في القضية الحقيقية دائماً يؤخذ مفروض الوجود إذاً هذه القيود والشروط أي الموضوعات تكون قد أخذت مفروضة الوجود في جعل ولحاظ الحكم أولاً وفي فعلية الحكم ثانياً إذ يوجد سبقان:

الأول سبق خارجي فلابد من تحقق الموضوع في لكي يكون الحكم فعلياً أيضاً.

والسبق الثاني سبق لحاظي اعتباري أي أن الجاعل والمولى والمشرع قبل أن يشرع يلحظ هذه الموضوعات ثم يجعل الحكم عليها.

إذاً ينتج عن ذلك تقدمان رتبيان:

الأول تقدم رتبي بلحاظي الوجودي الخارجي للموضوع وهو متقدم على فعلية الحكم المجعول.

الثاني تقدم رتبي بحسب النظر التصوري واللحاظي والاعتباري في نظر المولى فيتقدم لحاظ الموضوع على جعل الحكم لذلك الموضوع.

فهذه المقدمة بمثابة الكبرى.

خلاصتها ونتيجتها:

الحكم فعلي بفعلية موضوعه، كما أنه مجعول بعد لحاظ موضوعه.

إذا يوجد تقدمان للموضوع ومتعلق المتعلق على الحكم:

التقدم الأول تقدم نظري لحاظي اعتباري فالمولى أولاً يلحظ متعلق المتعلق ثانياً يجعل الحكم.

ثانياً تقدم خارجي فلا بد من تحقق وفعلية الموضوع خارجاً لكي يثبت فعلية الحكم ثانياً.

المقدمة الثانية هي بمثابة الصغرى لهذه الكبرى، فبحثنا في استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر، وهنا المتعلق هو قصد امتثال الأمر، ومتعلق المتعلق هو نفس الأمر، فإذا كان نفس الأمر متعلقاً للمتعلق أي أنه موضوع لقصد امتثال الأمر وهذا يعني أن الموضوع، وهو الأمر، قد تقدم على ماذا؟

لاحظ معي جيداً: الموضوع وهو نفس الأمر قد تقدم على قصد امتثال الأمر.

ومن هنا يلزم الدور إذ أن الأمر يتوقف على قصد امتثال الأمر لأن قصد امتثال الأمر قد أخذ كقيدٍ في نفس الأمر.

المقدمة الثانية وقصد امتثال الأمر يتوقف على الأمر لأن الأمر موضوعٌ لقصد امتثال الأمر إذ أن الأمر متعلق المتعلق وقصد امتثال الأمر متعلقٌ.

تكون النتيجة: الأمر يتوقف على قصد امتثال، وقصد امتثال الأمر يتوقف على الأمر، فيتوقف الأمر على الأمر، وهذا الدور وهذا التوقف ليس بلحاظ متعلق الأمر كما في البيانات الثلاثة الأول بل هذا الدور والتوقف بلحاظ متعلق المتعلق الذي هو الموضوع.

إذاً لو أخذ قصد امتثال الأمر قيداً في متعلق الأمر إذا يصبح عندنا متعلقان متعلق ومتعلق المتعلق أما متعلق فهو نفس قصد الامتثال وهذا المتعلق ليس مأخوذاً في الحكم، وأما متعلق المتعلق فهو نفس الأمر.

فإذا كان الأمر كذلك طبقنا عليه الكبرى المنقحة في المقدمة الأولى وهي أن المتعلقات الثانوية يلزم أخذها قيوداً في الأمر وفي الحكم مفروضة الوجود في مقام الجعل.

تكون النتيجة: إن نفس الأمر يجب أن يؤخذ قيداً في الأمر ومفروض الوجود فيه.

وهذا التقدم أيضاً بلحظ الفعلية وبلحاظ اللحاظ والاعتبار.

الأمر الأول بلحاظ عالم الفعلية فإننا نقول إن كل مجعول فعليته تابعة لفعلية موضوعه أي لفعلية تلك القيود والمتعلقات الثانوية التي أخذت مفروضة الوجوب، فوجوب الوفاء فعليته تابعة لفعلية العقد فهنا أيضاً تكون فعلية الأمر بالصلاة تابعةٌ لفعلية متعلق المتعلق أي المتعلقات الثانوية التي منها نفس الأمر، فتكون فعلية الشيء متوقفة على فعلية نفسه، وهذا تهافت بحسب عالم الفعلية.

الثاني التهافت بلحاظ عالم الجعل والإنشاء فالمولى بالنظر التصور اللحاظ في عالم الجعل يرى أن جعله يتحقق بعد لحاظ وافتراض الشروط والقيود المأخوذة في الحكم أي بعد لحاظ الموضوع أي بعد لحاظ متعلق المتعلق والمتعلقات الثانوية.

إذاً المولى إذا أراد أن يجعل ويلحظ وينشئ الحكم فإنه يلحظ في الرتبة السابقة متعلق المتعلق أي أنه إذا أراد أن يأمر لا بد أن يلحظ متعلق المتعلق.

ومن هنا الأمر فحينئذ يلزم التهاف حيث يرى المولى كأن أمره بعد أمره، ولا يمكن أن نشكل ونقول يقول المولى هكذا إذا كان أمري موجوداً فأمري موجود إذ من الواضح أن هذا لا معنى له ولا معنى لأن يشكل المولى قضية يكون جزاؤها عين نفس شرطها.

خلاصة النكتة في بيان المحقق النائيني[2] الخلاصة:

هو التمييز بين المتعلق الأولي والمتعلق الثانوي، والالتفات إلى نكتة أن ما يكون مأخوذ مفروض الوجود وقيداً في الحكم ليس هو نفس المتعلق بل متعلق المتعلق، وفي مقام بحثنا أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر سؤال ما هو المأخوذ؟

قصد امتثال الأمر فهذا متعلق.

أخذ في ماذا؟

في متعلق الأمر يعني في الأمر فالأمر هو متعلق المتعلق فيلزم أن يتقدم الأمر الذي هو متعلق متعلق على نفس الأمر في عالم اللحاظ أولاً وعالم الفعلية ثانياً فهذا تهافتان في عالم اللحاظ والفعلية معاً.

هذا تمام الكلام في البيان الرابع للميرزا النائيني للبرهنة على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر.

وقد أجاب عليه تلميذه الوفي السيد أبو القاسم الخوئي[3] ، ويأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 


[1] فوائد الأصول، تقرير الكاظمي لبحث النائيني، ج1، ص77 و 78.
[2] محاضرات في علم الأصول، الفياضي، ج2، ص158.
[3] محاضرات، الفياض، ج2، ص158.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo