< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وتسعة وأربعون: البيان الثاني للاستحالة هو لزوم الدور

 

البيان الثاني للاستحالة هو لزوم الدور، فإذا أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر لزم الدور.

بيان ذلك:

إن كل أمرٍ مشروط بالقدرة على متعلقه، فالأمر متأخر عن القدرة على متعلقه تأخر المشروط عن شرطه لاستحالة التكليف بغير المقدور فالأمر بالصلاة مشروطٌ بالقدرة على أداء الصلاة، فالأمر بالصلاة مشروطٌ، والقدرة على أداء الصلاة شرطٌ والمشروط متأخرٌ عن شرطه، فلو فرض أنه أخذ في متعلقه كان الأمر بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال مشروطاً بالقدرة على الصلاة بقصد الامتثال، والمكلف لا يقدر على ذلك إلا بعد الأمر فهذه القدرة متوقفة على الأمر لأنها تنشأ منه، وحينئذ يتوقف كل منهما على الآخر فيلزم الدور، فالأمر متوقف على القدرة والقدرة متوقفة على الأمر.

وبعبارة أخرى: إذا أخذ قصد امتثال الأمر كقصد امتثال الصلاة في متعلق الأمر وهو الصلاة، والحال إن نفس الأمر بالصلاة مشروطٌ بالقدرة على إتيان الصلاة، صار الأمر بالصلاة متأخر عن القدرة والحال إن القدرة على الامتثال لا تكون إلا بتقدم الأمر فصارت القدرة على الامتثال متقدمة ومتأخرة، القدرة على امتثال الصلاة تتوقف على الأمر بالصلاة والأمر بالصلاة يتوقف على القدرة على الإتيان بالصلاة، فتوقف الأمر بالصلاة على الأمر بالصلاة، وتوقفت القدرة على الإتيان بالصلاة على ماذا؟ على القدرة على الإتيان بالصلاة، واضح هذا الدور.

وفيه إننا نسلم الأمر الأول وهو أن القدرة الإتيان بالصلاة تتوقف على سبق الأمر بالصلاة فإذا لا يوجد أمر بالصلاة لا يأتي الكلام امتثال الصلاة والقدرة على امتثال الصلاة.

لكننا لا نسلم المقدمة الثانية وهي أن الأمر بالصلاة يتوقف على القدرة على الإتيان بالصلاة هذا أول الكلام بل ندعي إن الأمر بالصلاة يتوقف على إمكان تحقق القدرة على الإتيان بالصلاة، فمثلاً: لو كان المكلف مشلولاً وهو غير قادرٍ على القيام في الصلاة، وجاء عالم كبير له تأثير على المجنون، ولربما من كلام العالم وأمره يتحرك المشلول ويخرج عن شلله، فحينئذ لا حرج في أن يقول العالم للمشلول قم صل مع أن القدرة على الإتيان بالصلاة ليست محرزة عند الأمر لكن يمكن أن يستأنس المشلول ويحرك عضلاته ويقوم يصلي وتصير كرامة للعالم.

فالأمر لا يتوقف على القدرة بل الأمر يتوقف على إمكان تحقق القدرة فلا دور، صار القدرة على الإتيان بالصلاة وامتثالها تتوقف على أمر بالصلاة، لكن الأمر بالصلاة لا يتوقف على القدرة بل يتوقف على إمكان القدرة.

إذاً بعبارة علمية: إن القدرة على قصد امتثال الأمر متوقفةٌ على الأمر وهذا مسلمٌ لكن لا نسلم أن الأمر يتوقف على تحقق القدرة فإن دليل اشتراط القدرة هو العقل الحاكم باستحالة التكليف بغير المقدور والعقل لا يحكم بذلك إذا كان نفس التكليف ونفس الأمر موجداً للقدرة، فلو فرض أن أمر المولى للمشلول يوجد تكويناً استيناسه بحيث يبرأ من الشلل فلا بأس أن يقول له قم ولا يكون الأمر إحراجياً للعبد فالميزان في اشتراط التكليف بالقدرة إنما هو عدم الإحراج من قبل الأمر ويكفي في عدم الإحراج نشوء القدرة من نفس الأمر وبهذا يرتفع الدور لأن القدرة متأخرة عن تأخر المعلول عن علته هذا بالنسبة للمقدمة الأولى.

لكن بالنسبة إلى المقدمة الثانية لا يكون الأمر متأخراً عن القدرة تأخر المشروط عن شرطه وإنما يكون الأمر متأخراً عن إمكان حصول القدرة بالأمر وقت العمل أي أنه توجد قضية شرطية أنه لو أمر لكان قادراً وقت العمل وهذا مطلب واقعي ثابت.

وهذا الذي ذكرناه من أن الأمر لا يتوقف على حصول وتحقق القدرة بل الأمر يتوقف على إمكان تحقق القدرة وقت العمل غير ما يقال هذا المطلب غير ما يقال من أن الأمر يشترط فيه القدرة وقت العمل فإن اشتراط القدرة وقت العمل لا يرفع إشكال الدور بل يبقى إشكال الدور لأنه إن فرض الأمر مشروطاً بالقدرة في وقت العمل قلنا إن القدرة في وقت العمل أيضاً مشروطة بالأمر وهذا دور يعني القدرة متوقفة على الأمر والأمر متوقف على القدرة وقت العمل.

والجواب الصحيح أن نقول: إن الأمر ليس متوقفاً ولا مشروطاً بالقدرة لا حين الأمر ولا حين العمل بل الأمر مشروط بإمكان القدرة وبرهان الاشتراط إنما هو حكم العقل والعقل لا يأبى عن تكليف العاجز إذا كان نفس التكليف هو نفسه الأمر موجباً لزوال العجز.

هذا تمام الكلام في البيان الثاني واتضح أن الاستحالة ليست تامة وهذا البيان ليس بتام.

البيان الثالث..

يراجع تقرير مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري، الجزء الثاني، صفحة مئة وخمسين.

بحوث في علم الأصول تقرير الشيخ حسن الساتر الجزء الرابع صفحة مئة وواحد وتسعين.

ومفاد البيان الثالث للاستحالة إن الأمر إذا تعلق بالصلاة مع قصد امتثال الأمر أصبح المكلف عاجزاً عن الإتيان بالصلاة مع قصد امتثال الأمر.

إذا أخذ قيد قصد امتثال الأمر في الصلاة التي هي متعلق الأمر يوجب عجز المكلف عن الامتثال، فيكون أمراً بغير المقدور والأمر بغير المقدور غير معقول.

الخلاصة: إن أخذ قيد امتثال الأمر في المتعلق كالصلاة يوجب الأمر بغير المقدور وهو غير معقول.

توضيح أنه أمر بغير المقدور يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن المولى يوجب على المكلف الصلاة فقط، فمتعلق أمر المولى هو الصلاة فقط، لكن يمكنه أن يصلي ويأتي بقصد امتثال الأمر فحينئذ يكون المكلف قادراً على الإتيان بالصلاة مع قصد امتثال الأمر إذ الفرض بناءً على الاحتمال الأول أن متعلق الصلاة هو خصوص الصلاة لكنه في مقام الامتثال ضم قيداً إلى المتعلق فجاء بالصلاة مع قصد امتثال الأمر.

فإن فرضنا أن الأمر تعلق بذات الصلاة ولم يؤخذ في متعلقه قصد الامتثال فلا إشكال في المسألة لأن ذات الصلاة أصبحت متعلقاً لأمر فيمكن للعبد أن يأتي بالصلاة بقصد امتثال الأمر المتعلق بها وهو قادر على ذلك.

الاحتمال الثاني إن الأمر لا يتعلق بالصلاة فقط بل يتعلق بالمجموع المركب من الصلاة وقيد امتثال الأمر فلا يكفي الإتيان بالصلاة فقط بل لا بد من الإتيان بالمقيد وهو الصلاة وبالقيد وهو قصد امتثال الأمر.

فإذا لم تقع ذات الصلاة متعلقا للأمر فلا يعقل أن يقصد بها امتثال الأمر لأن قصد امتثال الأمر بالصلاة فرع أن يكون ذلك الأمر متعلقاً بالصلاة فقط مع أننا فرضنا أن الأمر لم يتعلق بالصلاة فقط بل تعلق بالصلاة حال كونها مقيدةً بقصد امتثال الأمر فالمتعلق ليس هو ذات الصلاة فقط بل متعلق الأمر بالمجموع المركب من الصلاة وقيد امتثال الأمر وبهذا لا يتأتى للمكلف أن يقصد امتثال الأمر بذات الصلاة.

وبناءً عليه يكون امتثال غير مقدور له ويكون الأمر أمراً بغير المقدور واضح إن شاء الله الإشكال.

وقد أجاب مشهور الأصوليين على البيان الثالث بما مفاده أن الأمر وإن تعلق بالصلاة المقيدة بقصد امتثال الأمر ولم يتعلق بذات الصلاة لكن هذا الأمر أمرٌ نفسي استقلالي قد تعلق بالمجموع المركب من الصلاة وقيد الامتثال لها.

وهذا الأمر النفسي الاستقلالي ينحل إلى أوامر ضمنية بعدد الأجزاء والتقييدات.

إذاً فذات الصلاة التي هي جزء الواجب ينالها أمر ضمني لا محالة ويتعلق بها، وحينئذ يصح أن يؤتى بها بقصد امتثال ذلك الأمر الضمني دون قصد امتثال ذلك النفسي الاستقلالي.

والخلاصة: يوجد أمر استقلالي نفسي واحد وهو إن الأمر قد تعلق بالمركب أي الصلاة المقيدة بقصد امتثال، وفي ضمن هذا الأمر الاستقلالي يوجد ماذا؟ وجوبات انحلالية أوامر انحلالية في ضمنه يوجد أمر بالصلاة من دون تقييدها بقصد امتثال الأمر.

يعني يوجد ضمن الأمر الاستقلالي أمر بالصلاة وأمر بالمقيدات فيصح للمكلف أن يأتي بهذا بأن يمتثل للأمر الضمني أن يأتي بالصلاة ويقصد بها امتثال الأمر.

وهذا المطلب لا يصح في سائر الموارد فلا يصح أن يؤتى بجزء الواجب كالركعة الأولى بقصد امتثال الأمر منفصلاً عن باقي الاجزاء بأن يفصل الركعة الأولى عن الركعة الثانية لكن في خصوص المقام يصح لأن الجزء الثاني أو القيد هو نفس قصد امتثال الأمر فلو أتى المكلف بذات الصلاة، وضم إليها الجزء الآخر وهو قصد امتثال الأمر فيحنئذ يصدق عليه أنه امتثل.

خلاصة جواب المشهور:

انحلالية الأمر النفسي الاستقلالي المتعلق بالمجموع المركب أو المقيد إلى أوامر ضمنية انحلالية بنحو يكون كل جزء أو كل تقيد منه حصة من هذا الأمر الاستقلالي، ومن حصص الأمر الاستقلالي الأمر الضمني المتعلق بالصلاة، فيأتي المكلف حينئذ بذات الصلاة ويضم إليها قيد امتثال الأمر، وبالتالي يكون التكليف بالصلاة مقدوراً لا أنه ليس بمقدور.

لكن جواب المشهور أشكل عليه بإشكالين:

الأول غير وارد.

والثاني وارد عليه.

فما هما الإشكالان؟ وهل يمكن الجواب عليهما؟ هذا ما يأتي بيانه في الدرس القادم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo