< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وستة وأربعون: المسألة الثالثة هل يسقط الواجب بالحصة المحرمة؟

 

المسألة الثالثة من مسائل التعبد والتوصلي هي فيما إذا شك في السقوط بالتوصلية بمعنى السقوط بالحصة المحرمة، فمثلاً: لو وجب غسل الثوب وشك في أنه هل يسقط بالغسل الغصبي المحرم أو لا يسقط الغسل بالإتيان بالغسل المحرم؟

ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول في تأسيس الأصل اللفظي.

المقام الثاني في تأسيس الأصل العملي.

المقام الأول الأصل اللفظي، وهنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يفرض أن الحصة المحرمة كانت محرمة بنفس العنوان الذي وقع واجباً دون أن يكون هناك تعدد في العنوان، ففرض الاحتمال الأول هو فرض اتحاد العنوان، فعنوان الوجوب والحرمة واحدٌ وهو عنوان الغسل في مثالنا.

كما لو فرض أن الغسل بماء النيل حرام، ووجب أصل الغسل بالماء، فالوجوب والتحريم قد اتجه إلى عنوان الغسل، غاية ما في الأمر أن عنوان الغسل بمطلقه وقع موضوعاً للوجوب المشار إليه بعنوان اغسل كما أن عنوان الغسل بقيده بالنيل وقع موضوعاً للتحريم في قوله: «لا تغسل بماء النيل» فعنوان الوجوب والتحريم واحد وهو الغسل غاية ما في الأمر أن الوجوب تعلق بالمطلق والتحريم قد تعلق بالمقيد، وفي مثل ذلك لا إشكال في أن إطلاق في دليل الواجب «اغسل» لا يشمل هذه الحصة المحرمة وهي الغسل بماء النيل سواء قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي أو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي.

والسر في ذلك:

أن من يقول بجواز اجتماع الأمر والنهي إنما يقول بذلك فيما إذا تعدد العنوان وكان عندنا عنوانان متغايران كعنوان صلّ وعنوان لا تغصب، فالوجوب تعلق بعنوان الصلاة والتحريم تعلق بعنوان آخر وهو عنوان الغصب فهي حركة واحدة في الأرض المغصوبة وهي الصلاة وفعل واحد لكن له عنوانان: عنوان أنه صلاة وعنوان أنه تصرف بدون إذن المالك فهو تصرف غصبي.

فبحث إمكان اجتماع الأمر والنهي أو امتناع اجتماع الأمر والنهي هو في فرض تعدد العنوان لا في فرض اتحاد العنوان، والاحتمال الأول والفرض الأول ناظرٌ إلى صورة اتحاد العنوان، فالعنوان واحد وهو الغسل غاية في الأمر إن الوجوب تعلق بالإطلاق مطلق المادة مطلق الغسل والتحريم تعلق بحصة خاصة وهي خصوص من ماء النيل.

ففي مثل ذلك إطلاق المادة في دليل الواجب اغسل لا يشمل الحصة الخاصة المحرمة وهي الغسل بماء النيل حتى بناء على القائلين بجواز اجتماع الأمر والنهي فالمادة وهي الغسل تكون مقيدة لا محالة بالحصة المحللة الغسل بغير ماء النيل.

وحينئذٍ لو فرض أن الحصة المحرمة قد وقعت وغسل بماء النيل وشك حينئذ هل سقط الوجوب من ذمته أو لم يسقه؟ فحينئذ نتمسك بإطلاق الهيئة أي الوجوب الذي هو مفاد الهيئة «اغسل» وهو يثبت وجوب الغسل مطلقاً سواء لم يغسل أبداً أو غسل بالحصة المحرمة بأن غسل بماء النيل، فتكون النتيجة: عدم السقوط.

والخلاصة:

الاحتمال الأول ناظرٌ إلى اتحاد العنوان، وحينئذ يقيد إطلاق المادة بخصوص الحصة المحللة ولا يشمل الحصة المحرمة، فإذا جاء بالحصة المحرمة كالغسل بماء النيل وشك في الإجزاء والسقوط وعدمه فإنه لا يستطيع أن يتمسك بإطلاق المادة حيث قيدت بل يتمسك بإطلاق الهيئة الدالة على وجوب الغسل مطلقاً سواء لم يغسل من أول الأمر أو غسل بالحصة المحرمة فيشمله إطلاق الهيئة.

فبناءً على الاحتمال الأول يصير الأصل اللفظي يقتضي عدم السقوط وعدم الإجزاء فلا يكتفي بالغسل بماء النيل بل لا بد أن يغسل بغيره.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول وهو صورة اتحاد العنوان.

الاحتمال الثاني تعدد العنوان، فإذا كانت الحصة المحرمة لها عنوان آخر غير عنوان الوجوب من قبيل عنوان الغصب كما لو كان الغسل بهذا الماء حراماً من باب أنه غصب لا من باب أنه غسل فيندرج الاحتمال الثاني وهو تحدد العنوان تحت بحث اجتماع الأمر والنهي.

وهنا مسلكان:

المسلك الأول امتناع اجتماع الأمر والنهي وبناءً على الامتناع واستحالة الاجتماع لا يشمل دليل إطلاق الواجب بالحصة المحرمة نظراً لامتناع اجتماع الأمر والنهي، وبالتالي لا يمكن أن نتمسك بإطلاق المادة بل نتمسك بإطلاق الهيئة فإذا جاء بالحصة المحرمة بأن غسل غسلاً غصبياً وشككناه في سقوط وجوب الغسل فالأصل يقتضي عدم السقوط وعدم الإجزاء إذ إننا نتمسك بإطلاق الهيئة «اغسل» يعني يجب أن تغسل مطلقاً سواء لم تغسل أو جئت بالحصة الغصبية المحرمة من الغسل.

إذا بناءً على الاحتمال وهو اتحاد العنوان الأصل عدم السقوط، بناءً على المسلك الأول من الاحتمال الثاني الاحتمال الثاني تعدد العنوان المسلك الأول امتناع اجتماع الأمر تكون النتيجة كالاحتمال الأول الأصل عدم السقوط.

المسلك الثاني جواز اجتماع الأمر والنهي فهل يمكن التمسك بإطلاق المادة لإثبات الإجزاء والسقوط أو لا يمكن التمسك بإطلاق المادة فنتمسك بإطلاق الهيئة لإثبات عدم السقوط وعدم الإجزاء، وهنا يوجد اتجاهان:

الاتجاه الأول للميرزا النائيني والسيد الخوئي[1] .

وهذا الاتجاه في هذه المسألة من جواز اجتماع الأمر والنهي ارجع هذه المسألة وبناها على مسألة أخرى وهي أنه هل يشترط في الواجب أن يكون له حسن فعلي وفاعلي معاً كما يقول الميرزا النائيني أو أنه يكفي في ثبوت الواجب أن يكون له حسن فعلي فقط ولو لم يكن له حسن فاعلي كما يقول السيد الخوئي؟

فإن قلنا بمسلك الميرزا النائيني وأنه لكي يكون الواجب واجب فلا بد من اشتراط الحسنيين: الحسن الفعلي والحسن الفاعلي معاً فهنا لا يعقل وقوع الغسل بالمغصوب مصداقاً للواجب لأننا وإن بنينا على جواز اجتماع الأمر والنهي، وبالتالي فعل الواجب وهو الغسل أو الصلاة مغاير لفعل الحرام وهو الغصب فالواجب والحرام موجودان بوجودين بناءً على جواز اجتماع الأمر والنهي فإن جواز اجتماع هو عبارة عن تعدد الحرام والواجب ومغايرة أحدهما للآخر، ولكنهما موجودان بفاعلية واحدة وإيجاد واحد وهذه الفاعلية والإيجاد إما حسنة وإما قبيحة.

وبالتالي بما أنه غصب فهنا الفاعلية قبيحة ولا يوجد فيها حسن فاعلي فلا يتحقق ملاك الواجب وهو اشتراط اجتماع الحسن الفعلي والفاعلي بناء على مبنى الميرزا النائيني.

وأما إذا التزمنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وقلنا بأنه يكفي في تعقل الواجب وتحقق الواجب شرط واحد فقط وهو أن يكون فيه حسن فعلي فقط دون الحسن الفاعلي أن يكفي أن يكون الفعل من حيث هو وبما هو حسن وجيد وإن كان من حيث الإيجاد له غير حسن إذا فلا بأس بإطلاق المادة في المقام لأن المادة الواجبة وهي الغسل غير المادة المحرمة وهي الغصب، فهذا له حسن فعلي وهو الغسل وذاك له قبح فعلي وهو الغصب.

فالميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ اختار اشتراط الحسن الفاعلي بالإضافة إلى الحسن الفعلي، والسيد الخوئي أنكر ذلك الاشتراط وقال يشترط في الواجب أن يكون فعله حسن ولا يشترط أن يكون الحسن الفاعلي متوفراً.

هذا تمام الكلام في الاتجاه الأول من المسلك الثاني جواز اجتماع الأمر والنهي من الاحتمال الثاني تعدد العنوان.

الاتجاه الثاني وهو الصحيح للسيد الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ وهو أنه سواء اشترطنا الحسن الفاعلي كما قال الميرزا النائيني أو لم نشترط كما قال السيد الخوئي فالمدار كل المدار على المبنى في جواز الأمر اجتماع الأمر فإننا إذا قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي من باب مغايرة الواجب للحرام فإننا لا نرى بأساً من التمسك بإطلاق المادة.

أما بناءً على عدم اشتراط الحسن الفاعل فأيضاً كذلك فلا فرق بين اشتراط الحسن الفاعلي كما يقول الميرزا النائيني وعدم اشتراطه كما يقول السيد الخوئي.

والسر في ذلك:

إن القائل بجواز اجتماع الأمر والنهي إذا كان يدعي تعدد الحرام مع الواجب وجوداً فلا بد أن يدعي تعددهما إيجاداً أيضاً وفاعلية لأن تعدد الفعل مساوقٌ لتعدد الفاعلية وتعدد الوجود مساوق مع تعدد الإيجاد.

يا أخي يا أخي هذه الصلاة واحدة في الأرض المغصومة وهذا الغسل بماء النيل واحد ومن يرى جواز اجتماع الأمر والنهي يقول يوجد عنوانان يشيران إلى وجودان عنوان صلاة تعلق به الواجب وعنوان غصب تعلق به التحريم عنوان غسل تعلق به الوجوب وعنوان ماذا؟ غسل بماء النيل تعلق به التحريم.

فالقائل بجواز اجتماع الأمر والنهي يقول: تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنوان والوجود يعني يوجد فعلان فعل صلاة وفعل غصب، وتعدد الوجود يستلزم تعدد الإيجاد، فما المانع أن نقول: هذه الصلاة فيها وجود للواجب وهو الصلاة ووجود للحرام وهو الغصب، وفيها حسن وقبح فاعلي فيها الحسن الفاعلي وهو سلامة النية بإتيان الصلاة وفيها السوء الفاعلي وهو قبح النية بقصد الغصب، فتعدد الوجود يكشف عن تعدد إيجاد.

إذاً الواجب هنا حسنٌ فعلاً وفاعلية والحرام هنا قبيح فعلاً وفاعليةً ولا اجتماع لأحدهما مع الآخر إذا الصحيح بناء المسألة في المسلك الثاني على جواز اجتماع الأمر والنهي ولا دخل للاتجاه الأول أنه يدخل الحسن الفاعلي كما يقول الميرزا النائيني أو لا يدخل الحسن الفاعلي كما يقول السيد الخوئي، فلنقرر المسألة بناء على الاتجاه الثاني للشهيد الصدر وهو أن المدار كل المدار على عنوان جواز اجتماع الأمر والنهي ولا ربط لهذا العنوان بمسألة أخرى وهو أن الواجب هل يشترط فيه الحسن الفاعلي بالإضافة إلى الحسن الفعلي كما يقول الميرزا النائيني؟ أو يشترط فيه الحسن الفعلي فقط دون الحسن الفاعل كما يقول السيد الخوئي؟

فلنتأمل في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وأنها هل تقتضي السقوط أو لا تقتضي السقوط؟

فإما أن نلتزم بجواز اجتماع الأمر والنهي وإما أن نلتزم بامتناع اجتماع الأمر.

إذاً الصحيح بناءً على الاتجاه الثاني أن يكون الاحتمال الثاني وهو تعدد العنوان مبني فقط على مسألة جواز أو امتناع اجتماع الأمر والنهي، وهنا مسلكان:

المسلك الأول إذا قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي يكون مقتضى الأصل اللفظي هو السقوط لأننا نتمسك بإطلاق المادة فمن جاء بالغسل الغصبي يصدق عليه أنه غسل فيسقط عنه وجوب الغسل.

المسلك الثاني إذا قلنا باجتماع بامتناع اجتماع الأمر والنهي فحينئذ إطلاق المادة لا يشمل الحصة المحرمة، وبالتالي لا يبنى على تقييد المادة في هذه الحالة لا يمكن أن نتمسك بإطلاق المادة لأنها قد قيدت بالحصة المحللة، وبالتالي لا يمكن أن نتمسك بإطلاق المادة فنتمسك بإطلاق الهيئة ومفاد الهيئة هو الوجوب فهيئة «اغسل» تثبت وجوب الغسل مطلقاً سواء لم تغسل أبداً أو غسلت بالحصة الغصبية فتكون النتيجة عدم السقوط.

هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل اللفظ في المسألة.

والخلاصة:

إما أن نبني على الاحتمال الأول وهو اتحاد العنوان، وإما أن نبني على الاحتمال الثاني وهو تعدد العنوان، إذا بنينا على الاحتمال الأول وهو وحدة العنوان النتيجة تكون ماذا؟ عدم السقوط، إذا بنينا على الاحتمال الثاني تعدد العنوان إما أن نبني على جواز اجتماع الأمر والنهي وإما أن نبني على الامتناع.

إذا بنينا على الجواز فالأصل يقتضي السقوط لأن المادة تشمله، وإذا بنينا على الامتناع فإن إطلاق المادة لا تشمله بل يشمله إطلاق الهيئة فيكون الأصل يقتضيه عدم السقوط.

هذا تمام الكلام في بيان المقام الأول تأسيس الأصل اللفظي للمسألة.

المقام الثاني تأسيس الأصل العملي للمسألة الثالثة يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] فوائد الأصول، الكاظمي، ج1، ص76، تقرير الميرزا النائيني.محاضرات الشيخ الفياض، ج2، ص148، تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض لأبحاث السيد الخوئي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo