< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وخمسة وأربعون: الجواب الثالث للشهيد الصدر ـ ره ـ على إشكال المحقق العراقي

 

الجواب الثالث للشهيد الصدر على إشكال المحقق العراقي

مفاده إن إشكال المحقق العراقي مبني على أن إطلاق الهيئة يقيد بإطلاق المادة، وهذا أول الكلام فإشكال المحقق العراقي يبتني على أن الوجوب المستفاد من هيئة «اغسل» يقيد بعدم الإتيان بالمتعلق خارجاً أي عدم الإتيان بالغسل خارجاً، كما لو قال المولى: «صلّ» إذا لم يكن هناك صلاة أو اغسل إذا لم يتحقق الغسل، لكن هذا التقييد أساساً ليس بصحيح فإن مفاد الهيئة وهو الوجوب لا يقيد بعدم الإتيان بالمادة وقد حقق الشهيد السيد محمد باقر الصدر هذا المطلب بشكل مفصل في بحث الترتب والتزاحم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ومنشأ تخيل أن مفاد الهيئة وهو الوجوب يقيد بمفاد المادة وهو متعلقها خارجاً دعوى أن الوجوب متى يسقط؟ أليس يسقط خطاب صلّ أو اغسل بعد الإتيان بالمتعلق خارجاً؟ فإذا صلى المكلف أو قام بالغسل خارجاً سقط عنه خطاب صلّ أو غسل.

ومعنى سقوط وجوب الغسل أو الصلاة أن الوجوب مقيد بعدم وقوع المادة خارجاً وهي الغسل أو الصلاة.

والصحيح إن فعلية الوجوب لا تسقط بالإتيان بالمتعلق خارجاً وإنما يسقط فاعلية ومحركية الوجوب.

إذاً الإتيان بالمتعلق كالصلاة أو الغسل يسقط فاعلية وباعثية ومحركية خطاب صلّ أو اغسل ولا يسقط نفس خطاب صلّ أو اغسل ولا يسقط فعلية الخطاب، فخطاب صلّ تعلق بصرف الوجود الجامع بين الأفرد.

فلو فرض أن المكلف أتى بصرف الوجود خارجاً بالإتيان بأحد أفراد الغسل أو الصلاة خطاب صلّ أو اغسل عن المحركية والفاعلية عقلاً لأن المكلف يتحرك نحو صرف الوجود الجامع بين الأفراد العرضية والطولية وصرف الوجود قد تحقق خارجاً ولو بالإتيان بالحصة غير المقدورة فلا معنى لأن يأتي بصرف الوجود مرةً أخرى لأن خطاب صلّ يبقى بلا أثر.

لا أن مفاد الهيئة وهو الوجوب مقيدٌ بعدم وقوع المادة والمتعلق خارجاً على حد تقييد الوجوب بسائر الشرائط والخصوصيات.

واضح الفارق أو لا؟

تارة نقول نفس الوجوب وجوب الغسل أو الصلاة فيه قيود وشروط ومن شروطه ألا يأتي بالمتعلق خارجاً، وتارة نقول: الوجوب مطلق وغير مقيد من جهة الإتيان بالمتعلق خارج لكن فاعلية الوجوب وباعثية ومحركية الوجوب تسقط عند الإتيان بصرف الوجود ولو بالإتيان بفرد يصدق عليه أنه غسل أو صلاة ولو من دون اختيار.

بناءً على هذا لا يكون إطلاق المادة مقيداً لإطلاق الهيئة أصلاً حتى يتأتى الإشكال، وإنما متى ما ثبت الامتثال يسقط الوجوب عن الفاعلية والمحركية، ومتى ما لم يكن هناك امتثال بقى الوجوب على الفاعلية والمحركية.

وحينئذ إذا تقيد إطلاق المادة بالحصة الاختيارية كما يقول الميرزا النائيني، وصدر من المكلف حصة غير اختيارية فالوجوب هنا يبقى على إطلاقه، ولم يسقط الوجوب لا عن الفعلية ولا عن فاعلية.

أما أن الوجوب لم يسقط عن الفعلية فلأن الوجوب مطلق وليس بمقيد بالمادة التي هي مقيدة بخصوص الحصة الاختيارية فالوجوب فعلي.

وأما أن الوجوب لم يسقط عن الفاعلية فلأنه لا يوجد امتثال في المقام لأن الامتثال إنما يكون في خصوص الحصة الاختيارية التي قيدت بها المادة، والإتيان بالحصة غير الاختيار كالغاسل لا عن اختيار لا يعد امتثالا فيبقى الوجوب محركاً نحو خصوص الحصة الاختيارية.

فإشكال المحقق العراقي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ كان مبنياً على تقييد إطلاق الهيئة بإطلاق المادة، وهذا ليس بتام، وإنما إطلاق الهيئة ثابتٌ على كل حال، غاية ما في الأمر إن إطلاق المادة يوجب سقوط الوجوب عن الفاعلية والمحركية لا أن إطلاق المادة يوجب سقوط الوجوب عن الفعلية وتفصيل هذا البحث سيأتي إن شاء الله في بحث الترتب.

الجواب الرابع لو تنزلنا وسلمنا بأن إطلاق الهيئة يكون مقيداً لكن من قال بأن إطلاق الهيئة مقيدٌ بعدم وقوع الصلاة بعنوان أنها صلاة أي أن إطلاق الهيئة مقيدٌ بعدم وقوع المتعلق خارجاً وهو ما أنكرناه في الجواب الثالث، بل ندعي ونقول: إن إطلاق الهيئة مقيدٌ بعدم امتثاله فكأنه قال: صل ما لم تمتثل فهناك قيد واحد عقلي عام وهو قيد عدم الامتثال وهو يقيد به إطلاق الهيئة ولو ببرهان استحالة بقاء الوجوب بعد امتثاله.

إذا إطلاق الهيئة مفاد الهيئة وهو الوجوب مقيد بعدم الامتثال وإطلاق المادة يحقق الامتثال إذ أن المادة كما تشمل الحصة الاختيارية للغسل تشمل أيضاً الحصة غير الاختيارية للغسل، فلو غسل لا عن اختيار فإنه يتحقق الامتثال تمسكاً بإطلاق المادة، وإذا تحقق الامتثال لم يجب الغسل مرة أخرى لأن وجوب الغسل مقيد بعدم الامتثال وإطلاق المادة يحقق صغرى الامتثال فيرتفع الوجوب.

إذا إطلاق الهيئة يقيد بعدم الامتثال وإطلاق المادة يحقق فيقول هذا امتثالٌ فيكون خارجاً عن إطلاق الهيئة باعتباره امتثال.

فلو قيد إطلاق المادة بخصوص الحصة الاختيارية ولو بمقيد منفصل أسقطه عن الحجية فيثبت حينئذ أن الحصة غير الاختيارية ليست امتثالاً، فلو قبلنا مبنى الميرزا النائيني القائل بأن حكم العقل يقيد إطلاق المادة بخصوص الحصة الاختيارية ولا يشمل الحصة غير الاختيارية لأن التحريك إنما يكون نحو اختياري دون غير الاختياري فتكون النتيجة إن المادة قيدت بمقيد متصل كما هو ظاهر الحكم العقلي.

ولو تنزلنا وقلنا أنه مقيد منفصل فإنه يرفع الحجية عن إطلاق المادة للحصة غير الاختيارية فتختص المادة بخصوص الحصة اختياري، وبالتالي يثبت أن الحصة غير الاختيارية ليست امتثالاً.

فإذا ليست خارجة عن إطلاق الهيئة فيتمسك بإطلاق الهيئة بالنسبة للمكلف الذي أتى بالحصة غير الاختيارية فلا يكون ممتثلاً، ويجب عليه الغسل، هذا إذا قيدنا إطلاق المادة.

وأما إذا التزمنا بإطلاق المادة وأن إطلاق المادة محفوظ ولم يقيد بخصوص الحصة الاختيارية فلو أتى المكلف بالحصة غير الاختيارية صدق عليه أنه قد امتثل.

وبالتالي لا يشمله إطلاق الهيئة لأن الوجوب قد قيد بعدم امتثال وقد امتثل.

إذاً هذا الإشكال من المحقق العراقي ليس بتام نظراً لهذه الأجوبة الأربعة للشهيد الصدر.

والخلاصة في المقام الأول الذي نبحثه لا ننسى كلامنا في المقام الأول وهو تأسيس الأصل اللفظي فيما لو جاء بحصة لا عن اختيارٍ كما لو غسل لا عن اختيارٍ وشك أنه يجب عليه إعادة أو لا؟ فهل الغسل غير الاختياري يجزي ويسقط خطاب اغسل أو لا؟

اتضح أن مقتضى إطلاق المادة هو السقوط والإجزاء لأن مقتضى إطلاق المادة هو تعلق الوجوب بالجامع بين الحصة الاختيارية والحصة غير الاختيارية، وهذا التعلق بنحو صرف الوجود، والإتيان بالجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور إذا جاء بالفرد المقدور.

إذاً مقتضى الأصل اللفظي هو الإجزاء والسقوط.

هذا تمام الكلام في المقام الأول تأسيس الأصل اللفظي واتضح أنه يقتضي السقوط.

المقام الثاني تأسيس الأصل العملي وهو أيضاً يقتضي السقوط ويقتضي الإجزاء وعدم وجوب إعادة أما لماذا؟ فلنشرع في بيان مبنانا ثم مبنى الشهيد الصدر لأنه طويل.

نحن نبني على ما بنى عليه سيد أساتذتنا أبو القاسم الخوئي[1] ـ رحمه الله ـ .

وخلاصة الكلام:

الأصل العملي يقتضي البراءة لأن الوجوب قد تعلق بالجامع وتعلق الوجوب بالجامع معلوم، وإنما الشك في تعلق الوجوب بخصوص الحصة المقدورة فتجري أصالة البراءة عن وجوب خصوص تلك الحصة، فجامع الغسل مقدورٌ، وقد تعلق به الوجوب، لكننا نشك يعني هذا صار دوران الأمر بين الأقل والأكثر، هل يجب الأكثر وهو قيد الاختيار أو يجب الأقل أن تأتي بالغسل سواء عن اختيار أو لا عن اختيار؟ فتجري البراءة عن هذا المقدار الزائد.

وهكذا أجاد وأفاد سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ في تقرير بحث الشهيد[2] واختصر التفصيلات الثلاثة التي ذكرها الشهيد وفي هذه التفصيلات الثلاثة التزم الشهيد الصدر بالبراءة.

قال السيد الحائري ما نصّه:

«المقام الثاني في الأصل العملي وتحقيقه هو نفس التحقيق في المسألة الأولى فلو لم يعلم بتعلق الوجوب بخصوص الحصة الاختيارية جرت البراءة عن الخصوصية» أي خصوصية الاختيار «ولو علم بذلك وشك في تقيد الوجوب بعدم وقوع غير الاختيارية بنحو الشرط المتأخر جرت البراءة» لأنه يحصل شك في أصل تحقق الوجوب إذا كان بنحو الشرط المتأخر هذا الثاني.

الثالث «أو بنحو الشرط المقارن جرى الاستصحاب إن قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وإلا جرت البراءة في الفروض الفقهية وفق التفصيل الذي مضى في المسألة الأولى».

وقد ذكرنا في المسألة الأولى أنه في تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ وتقرير السيد كاظم الحائري التزم الشهيد الصدر بالبراءة في جميع الفروض لكن في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر التزم بالبراءة في أغلب الفروض والتزم بالاشتغال في فرض واحد، وهكذا هذا في المسألة الأولى وهكذا في المسألة الثانية الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ بناء على تقرير الشيخ حسن عبد الساتر لهذه الدورة التزم بجريان الأصل العملي في فرضين يعني جريان البراءة والتزم بجريان الاشتغال في فرض آخر.

الفرض الأول الذي التزم بجريان البراءة فيه الفرض الأول إن قيل بإمكان تعلق الوجوب بالجامع بين الحصة الاختيارية والحصة غير الاختيارية، إذا فالشك في المقام يكون داخلا في الأقل والأكثر الارتباطيين باعتبار أنه يعلم بوجوب الجامع بين الحصتين ولا يعلم بوجوب الزائد على ذلك فيدخل في الأقل والأكثر الارتباطيين وفيه تجري البراءة.

الفرض الثاني لو فرض بأن الوجوب علم تعلقه بخصوص الحصة الاختيارية وشك في أن الوجوب هل هو مقيد بعدم الحصة غير الاختيارية أو لا؟

هنا يفصل الشهيد بين الشرط المتأخر والشرط المقارن يقول فهنا إن كان الشك في تقييده على على نحو الشرط المتأخر بمعنى أن ثبوت الوجوب بخصوص الحصة الاختيارية منوط من أول الأمر بعدم وقوع الحصة غير الاختيارية إلى الأخير إذا فلو وقعت الحصة غير الاختيارية في الأثناء يكون ذلك موجباً للشك في أصل الوجوب وحينئذ لا مجال لاستصحاب الوجوب ولا لأصالة الاشتغال بل تجري البراءة لأنه شك في أصل الوجوب.

إذا إذا كان بنحو الشرط المتأخر أيضاً تجري البراءة لأن أصل الوجوب ينتفي إذا جاء لاحقاً بالحصة غير المقدورة.

الصورة الثالثة وأما إذا كان الشك في تقييده على نحو الشرط والقيد المقارن إذا فهذا الوجوب من أول الأمر كان ثابتاً على كل حال لأنه لم يكن هناك مسقطٌ وبعد أن تقع الحصة غير الاختيارية في الأثناء يشك في أن ذلك الوجوب هل سقط أو لم يسقط؟

فإن قيل بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية فهو وإن قيل بعدم جريانه تصل النوبة إلى البراءة والاشتغال وحينئذ إن كانت المسقطية المحتملة من باب المسقطية بالتعذر بمعنى أن الغرض محبوب للمولى لكنه متعذر فحينئذ يصير الشك من باب الشك في القدرة فتجري أصالة الاشتغال.

هنا موطن فارق أنه في حالة الشرط المقارن وإذا كانت النكتة هي المحبوبية.

وإن كانت المسقطية المحتملة من باب إخراج الغرض عن كونه غرضاً ومحبوباً للمولى بحيث أنه لم يبق محبوباً للمولى إذا فتجر البراءة كما تقدم تفصيله في المسألة السابقة[3] .

لكنه في الختام في التذنيب ذكر أنه لو راجعنا الفقه فإنه في الفرضيات الفقهية الممكنة دائماً تجري البراءة ولا تجري أصالة الاشتغال كما ذهب إلى ذلك المشهور، لذلك يقول[4] :

«فإذا شك في صدور الإذن وعدم صدوره تجري أصالة الاشتغال ولكن هذا مجرد فرضية في الفقه، وقد عرفت أنه في الموارد المتعارفة فقهياً تجري أصالة البراءة».

والخلاصة يلتزم السيد الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ بجريان البراءة في جميع الفروض الفقهية الممكنة والواقعة. نعم، في فرض واحد غير واقعي التزم بجريان أصالة الاشتغال وهو إذا كان الشك إذا كان الشرط من باب الشرط المقارن وكانت النكتة في المسقطية هي ملاك المحبوبية.

عموماً لا داعي هذه التفاصيل يكفي أنه علم بالجامع وجوب الجامع معلوم صار شك بين الأقل والأكثر الارتباطيين ما هو الأكثر؟ التقييد بخصوص الحصة المقدورة.

في هذه الحالة ماذا يقتصر على الأقل وهو القدر المتيقن وتجري البراءة عن الأكثر الذي هو التقييد الزائد بخصوص الحصة المقدورة.

النتيجة النهائية:

الأصل اللفظي والأصل العملي كل منهما يثبت البراءة ويثبت السقوط والإجزاء، والله العالم في المسألة الثانية.

المسألة الثلثة في التعبد والتوصلّية يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] محاضرات في أصول الفقه، تقرير الشيخ الفياض، ج43، من موسوعة الإمام الخوئي، ص45.
[2] ج2، من مباحث الأصول، من القسم الأول، ص143.
[3] تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، ج4، ص173.
[4] ص176.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo