< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثلاثة وأربعون: الإشكال على إطلاق المادة

 

الإشكال الثاني على إطلاق المادة للحصة غير المقدورة ما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن الإطلاق يستحيل إذا استحال التقييد على مبنى المحقق النائيني ـ رحمه الله ـ لأن الإطلاق عنده هو عدم التقييد فيما من شأنه أن يقيد فالتقابل بين الإطلاق والتقييد عند الميرزا النائيني هو تقابل الملكة وعدمها.

وبناءً عليه نقول في المقام: إن تقييد الوجوب بالحصة غير الاختيارية غير معقولٍ، وإذا استحال التقييد إذاً لا يعقل الإطلاق[1] .

لكن هذا الكلام لا يناسب السيد الخوئي ولا ينبغي منه فإن الإطلاق المطلوب في المقام إنما هو الإطلاق في مقابل التقييد بالحصة الاختيارية وليس الإطلاق في مقابل التقييد بالحصة غير الاختيارية.

والسر في ذلك:

إن إطلاق الطبيعة لحصتين عبارة عن تقييد الطبيعة بما يقابل تلك الحصة، وليس عدم تقييد الطبيعة بنفس تلك الحصة.

مثال ذلك: لو قال المولى: «أكرم العالم» فانطباق العالم على العالم الهاشمي ينشأ عدم تقييد العالم بغير الهاشمية، وهكذا انطباق العالم على غير الهاشمي ينشأ من عدم تقييد العالم بالهاشمي، وكذا الكلام في المقام فإن إطلاق المادة وهي الغسل الحصة غير الاختيارية وهي المقصودة في المقام أي الغسل غير الاختياري ينشأ من عدم تقييد الغسل بالحصة الاختيارية للغسل، والتقييد بالحصة اختيارية للغسل معقولٌ فالإطلاق المطلوب أيضاً معقول، ولا ينشأ من تقييد الطبيعة وهي الغسل بالحصة غير الاختيارية فكأن إشكال الخوئي ـ رحمه الله ـ نشأ من تخيل أن الإطلاق المطلوب يكون في مقابل التقييد بالحصة غير الاختيارية إنما الأمر ليس كذلك وإنما نشأ من تقييد الطبيعة كمثال الغسل بالحصة الاختيارية المقدورة وهي الغسل عن اختيار[2] .

واضح إن شاء الله الإشكال الثاني وجوابه؟

وللتفصيل أكثر كما في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول الجزء الرابع صفحة مئة وخمسة وستين ومئة وستة وستين.

يوجد في خطاب «أكرم العالم» تقيدان وفي مقابل كل منهما إطلاق:

التقييد الأول التقييد بالهاشمي وفي مقابله الإطلاق بمعنى عدم التقييد بالهاشمية وهذا الإطلاق ومن نتائج هذا التقييد هذا الإطلاق من نتائجه تطبيق عنوان العالم على غير الهاشمي.

التقييد الثاني التقييد بغير الهاشمي وفي مقابله إطلاق بمعنى عدم أخذ قيد غير الهاشمي، ومن نتائج هذا الإطلاق تطبيق العنوان على الهاشمي.

وبهذا يصح أن يقال بأن تطبيق العنوان على كل حصة هو من شؤون الإطلاق بمعنى عدم التقييد بالحصة الأخرى أي عدم التقييد بالحصة المقابلة لا بنفس الحصة.

ولنطبق هذا على محل بحثنا ومحل الكلام، فلو قال المولى: «اغسل» فالمادة هي الغسل، ولها حصتان: الأولى الغسل الاختياري، والثانية الغسل غير الاختياري، وهنا نريد أن نجعل المادة وهي منطبقة على الغسل غير الاختياري أي على الحصة غير الاختيارية كما جعلنا العالم منطبقاً على غير الهاشمي فيمكن جعل المادة منطبقة على غير الاختيار بالإطلاق بمعنى عدم تقييد الغسل بالحصة الاختيارية للغسل كما أن العالم لا نقيده بخصوص الهاشمي، فلو قيد المادة بالاختياري إذا لما انطبقت المادة على غير الاختياري فالإطلاق أي إطلاق الغسل للحصة الاختيارية وغير الاختيارية بمعنى عدم التقييد بالاختياري هذا هو الملاك في انطباق الطبيعة والمادة على غير الاختياري.

إذاً منشأ هذا الإشكال هو تقييد الطبيعة كالغسل بالحصة غير الاختيارية وهذا ليس بصحيح، الصحيح أن منشأ الإطلاق هو عدم تقييد الطبيعة الغسل بالحصة الاختيارية للغسل هذا تمام الكلام في الإشكال الثاني.

الإشكال الثالث على التمسك بإطلاق المادة للحصة غير الاختيارية إشكال اللغوية، فيقال: لا يوجد أي أثر لإطلاق المادة للحصة غير الاختيارية بعد فرض عدم إمكان تحرك العبد نحو هذه الحصة في مقام الامتثال.

والخلاصة:

إذا افترضنا أن العبد لا يمكن أن يمتثل الحصة غير الاختيارية فلا معنى لهذا الإطلاق بل يكون لغواً.

وفيه: يمكن أن تذكر ثمار وأشياء كثيرة لهذا الإطلاق، منها ما ذكره السيد الخوئي في محاضرات الفياض الجزء الثاني صفحة مئة وثمانية وأربعين ومئة وتسعة وأربعين.

وهي أنه يكفي لصحة هذا الإطلاق فائدة إثبات السقوط بالحصة غير الاختيارية لو أتى بها العبد صدفة فيثبت ببركة إطلاق المادة سقوط الوجود الحصة غير الاختيارية وتكفي هذه الثمرة على أن الإطلاق لا يحتاج إلى مؤونة حتى تشكل عليه بإشكال اللغوية فالإطلاق ليست له مؤونة زائدة حتى يأتي فيه إشكال اللغوية.

ومنها أيضاً لو قيل: إن الإطلاق لا يوجد له أثر زائد فكذلك أيضاً التقييد ليس له أثر زائد فيتخير المولى في الإتيان بالإطلاق أو التقييد فإذا اختار المولى الإطلاق لا بأس بذلك هكذا قال سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري مباحث الأصول الجزء الثاني صفحة مئة وأربعين.

هم يقولون هكذا أنت تأتي بالإطلاق وهذا الإطلاق لغو عبثٌ لا فائدة من ورائه هذا أصل الإشكال.

الجواب: الإطلاق ليس مدلولاً لفظياً كالعموم بل الإطلاق يستفاد من قرينة الحكمة ومقدمات الحكمة فلا يحتاج إلى مؤونة فالمتكلم لم يأتي بمؤونة حتى تقول إنه جاء بلغو وعبث، وإذا التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل الملكة والعدم، وقلت هذا الإطلاق ليس فيه مؤونة، التقييد أيضاً ليس فيه مؤونة، فالنتيجة أن يكونوا أن يكون المتكلم مخيراً.

عموماً إذا هذه الإشكالات الثلاثة على التمسك بإطلاق المادة كالغسل للحصة غير الاختيارية كالغسل عن اختيار ليست تامة فتكون النتيجة النهائية يمكن التمسك بإطلاق المادة لإثبات السقوط والإجزاء، فلو قال المولى: اغسل، وجاء المكلف بالغسل لا عن اختيار، وشككنا في سقوط وجوب الغسل عنه، فهل لابد أن يأتي بالغسل عن اختيار أو يكفي ويكتفي بالحصة التي جاء بها لا عن اختيار؟ فإن مقتضاه إطلاق المادة هو الشمول للحصة غير الاختيارية وبالتالي يكون مقتضى الأصل اللفظي هو السقوط والإجزاء.

ولكن لو تنزلنا جدلاً وقلنا إن الإطلاق إطلاق المادة ليس بتام فهل مقتضى القاعدة السقوط والإجزاء كما هو حال المادة أو لا؟

ومن الواضح إننا إذا تمسكنا بإطلاق المادة لا تصل إلى التمسك بإطلاق الهيئة والصيغة، لكن إذا أنكرنا إطلاق المادة فحينئذ تصل النوبة إلى التمسك بإطلاق الهيئة، فنقول: صيغة افعل صيغة اغسل مطلقة، فإذا غسل لا عن اختيارٍ وشككنا أن الغسل لا عن اختيار هل يوجب سقوط إطلاق الصيغة اغسل؟

كان الجواب الإطلاق موجود فنحكم بعدم السقوط وعدم الإجزاء فحينئذ نتمسك بإطلاق صيغة اغسل لإثبات عدم السقوط وعدم الإجزاء.

ومن هنا وقع البحث أنه لو أنكرنا إطلاق المادة التي توجب السقوط والإجزاء، فهل تكون النتيجة هي عدم السقوط وعدم الإجزاء كما يدعى أنه يستفاد من إطلاق الهيئة والصيغة أو لا؟

التفتوا جيداً إطلاق مادة الغسل يشمل الحصة المقدورة وغير المقدورة، إطلاق صيغة اغسل يشمل المكلف الذي غسل لا عن اختيار فيجب عليه أن يأتي بغسل عن اختيار.

إذاً هناك تنافي بين الإطلاقين بين إطلاق المادة الذي يقتضي الإجزاء والسقوط، وبين إطلاق الهيئة والصيغة الذي يقتضي عدم الإجزاء وعدم السقوط.

فإذا سلمنا بوجود إطلاق المادة التي تحكم بالإجزاء لا تصل النوبة والمرتبة إلى إطلاق الهيئة، ولكن لو أنكرنا إطلاق المادة، فهل النتيجة تعني عدم السقوط أو النتيجة تعني السقوط؟

قد يقال كما أن التسليم بإطلاق المادة يقتضي السقوط كذلك التسليم بعدم إطلاق المادة يقتضي السقوط، وذلك بأحد تقريبين:

التقريب الأول التمسك بملاك المادة المطلقة، وهو ما ذكرناه سابقاً عن السيد الخوئي[3] ـ رحمه الله ـ ومفاده: التمسك بإطلاق المادة بلحاظ محمولها الثاني الذي هو الملاك لا بلحاظ محمولها الأول الذي هو الطلب والتكليف، فإذا لم يثبت إطلاق المادة بلحاظ المحمول الأول وهو الطلب والتكليف فليثبت إطلاق المادة بلحاظ محمولها الثاني الذي هو الملاك فيثبت إطلاق الملاك فيثبت إطلاق المادة بلحاظ الملاك، وبالتالي تفي الحصة غير الاختيارية بالملاك كما أن الحصة الاختيارية تفي بالملاك وهذا يقتضي السقوط بالحصة غير الاختيارية، فكما أمكن التمسك بإطلاق المادة لإثبات السقوط والإجزاء كذلك يمكن التمسك بالملاك بعد إنكار إطلاق المادة لإثبات السقوط والإجزاء.

وقد ناقش الشهيد الصدر أستاذه السيد الخوئي بأن هذا يتم في باب المزاحمة ولا يتم في المقام نظراً لتعارض الإطلاقين إطلاق المادة الذي يقتضي السقوط والإجزاء وإطلاق الهيئة الذي لا يقتضي السقوط ولا يقتضي الإجزاء هذا كان البيان الأول، والبيان الثاني الطولية طولية الملاك للطلب.

ولا يدعي الشهيد الصادر أن الميرزا النائيني يلتزم بكلا الوجهين بل أن الشهيد ذكر الوجهين بناء على اقتضاء واقع المطلب لهما.

هذا تمام الكلام في التقريب الأول إذا يمكن إثبات السقوط بالتمسك بالملاك.

التقريب الثاني عدم إمكان التمسك بإطلاق الهيئة، وهنا بحث عميق دقيق للمحقق العراقي[4] ، فليراجع هذا المبحث بعمق ودقة لأنه ستتم مناقشته إن شاء الله تعالى.

التقريب الثاني يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] محاضرات في أصول الفقه، الشيخ الفياض، ج1، ص150، الطبعة القديمة حسب طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.فوائد الأصول، تقرير الكاظمي لبحث السيد الخوئي، ج1، ص82.أجود التقريرات، تقرير السيد الخوئي لبحث الميرزا النائيني، ص105 هامش 104.
[2] مباحث الأصول، السيد الأستاذ السيد كاظم الحائري، ج2، القسم 1، ص139.
[3] محاضرات الفياض، ج2، ص150 و 151.
[4] بدائع الأفكار، ج1، تقرير الميرزا هاشم الآملي، ص249 و 250.وقد نقل عن الميرزا الهاشمي، في تقرير نهاية الأفكار، الشيخ محمد تقي البروجردي، ج1، ص207.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo