< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة واثنان وأربعون: جواب السيد الخوئي ورد الشهيد الصدر عليه انتصاراً للنائيني

 

قد أجاب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ على كلام من الميرزا النائيني بوجهين يراجع أجود التقريرات تقرير السيد الخوئي لبحث الميرزا النائيني هامش صفحة مئة وواحد.

بيان ذلك:

الوجه الأول لو قيل بأن صيغة الأمر هو المحركية والباعثية أي النسبة الإرسالية فما ذهب إليه الميرزا النائيني صحيح لأن التحريك نحو غير المقدور غير معقول.

ولكن بناء على أن مفاد صيغة الأمر هو اعتبار الفعل على ذمة المكلف والاعتبار سهل المؤونة ولا يوجد أي محذور عقلي في اعتبار الفعل على ذمة المكلف حتى لو لم يكن الفعل اختيارياً إذ أن الاعتبار سهل المؤونة، وليس في الاعتبار أي جنبة تحريك حتى نشترط في الفعل أن يكون اختيارياً، وإنما العقل الحاكم بلزوم الامتثال يحكم به على القادر لا محالة لا على العاجز.

هكذا أفاد سيدنا الخوئي ـ رحمه الله ـ .

وناقشه الشهيد السيد محمد باقر الصدر قائلاً هذا الجواب لا يمكن المساعدة عليه وذلك أن نظر الميرزا النائيني ليس إلى المدلول التصوري حتى يتكلم السيد الخوئي في الاعتبار بل نظر الميرزا النائيني إلى المدلول التصديقي لصيغة الأمر وأن المتكلم حينما جاء بصيغة الأمر كان بداعي البعث والتحريك، وهذا القصد والداعي يستحيل أن يتوجه من العاقل إلا إلى خصوص الحصة الاختيارية، فمن يقصد التحريك لا يقصد التحريك نحو الحصة غير الاختياريه بل يقصد التحريك نحو خصوص الحصة الاختياريه.

إذا نظر الميرزا النائيني إلى المدلول التصديق لصيغة وهيئة الأمر وليس إلى المدلول التصوري فسواء كان المدلول هو الاعتبار أو المدلول هو الطلب فعلى كل حال قصد هذا المتكلم مطعم بداعي البعث والتحريك، فحتى لو صدر منه اعتبار محض فإن هذا الاعتبار إنما صدر بداعي إيجاد الفعل والتسبب إلى تحقق الفعل خارجاً فعلى كل حال دعي البعث والتحريك مستفاد من المدلول التصديقي.

وأما النزاع الذي ذكره السيد ـ رحمه الله ـ من أنه هذا اعتبار وهو سهل المؤونة فهذا ناظر إلى المدلول التصوري، فالمشهور يرى أن المدلول التصوري لصيغة الأمر هو النسبة الإرسالية والسيد الخوئي أنكر أن يكون المدلول التصوري هو الموضوع له أن الصيغة موضوعة للمدلول التصوري، وقال بنظرية التعهد يعني قال بأن الصيغة للمدلول التصديقي رأساً.

فأحد هذين القولين لا شأن لنا به الآن هذا خارج عن موطن بحثنا واضح إن شاء الله إذا الوجه الأول لا يمكن المساعدة عليه.

الوجه الثاني نقض السيد الخوئي على الميرزا النائيني فقد ذكر الميرزا النائيني في بحث الضد والتزاحم أنه لو فرض أن الصلاة وقعت مزاحمة لإزالة النجاسة عن المسجد وفرض أن واجب إزالة النجاسة عن المسجد أهم من واجب أداء الصلاة فهنا يسقط الأمر بالصلاة رأساً لو التزمنا بعدم إمكان الترتب، وقلنا إن ترتب وجوب الصلاة المهم على ترك وجوب الإزالة الأهم هذا الترتب غير معقول، فلو أنكرنا بحث الترتب الذي أقره وشيد أركانه في عصرنا الميرزا النائيني وأنكرنا بحث الترتب كمن كان قبله فحينئذ يسقط وجوب الصلاة لمعارضته للإزالة، فلو صلى في المسجد ولم يزل النجاسة عن المسجد فهل تصح هذه الصلاة المأتي بها أو لا؟

وفي بحث التزاحم قال الميرزا النائيني: إن تصحيح الصلاة يتوقف على إحراز ملاك الصلاة، فكيف يمكن إحراز ملاك الصلاة؟ وقد بين المحقق النائيني ذلك يراجع فوائد الأصول تقرير الكاظمي لبحث النائيني صفحة خمسة وسبعين الجزء الأول صفحة خمسة وسبعين وستة وسبعين.

فقال الميرزا النائيني: يمكن التمسك بإطلاق المادة لإثبات الملاك لأن المادة وهي الصلاة في قولنا صل وقعت موضوعاً لمطلبين الأول الوجوب والثاني الملاك فبلحاظ محمولها الأول سقط الوجوب يقيناً باعتبار أن وجوب الصلاة مزاحم للواجب الأهم وهو الإزالة، ولكن مادة الصلاة بلحاظ محمولها الثاني وهو الملاك يمكن التمسك بإطلاق المادة فيه فيثبت وفاؤها بالملاك.

وبصورة موجزة:

تعارض ووجوب إزالة النجاسة وهو الأهم مع وجوب الصلاة وهو المهم إنما يسقط التكليف وهو الوجوب وجوب الصلاة، لكنه لا يسقط المدلول الالتزامي لهذا الوجوب وهو ملاك الصلاة، وملاك الصلاة مطلق فنتمسك بإطلاق مادة الصلاة لتصحيح الصلاة المأتي بها هذا على مبنى النائيني.

واضح إن شاء الله الآن السيد الخوئي ينقض عليه هذا كلامنا في بحث التزاحم.

وأما في مقامنا وهو الفعل الاختياري وغير اختياري كما لو غسل عن غير اختيارٍ فهل الغسل غير الاختياري؟ يسقط وجوب الغسل أو لا؟

فيقول السيد الخوئي: إن صح أن نثبت بإطلاق المادة وجدانها للملاك في مورد المزاحمة إذا فلنتمسك بإطلاق المادة بلحاظ محمولها الثاني وهو الملاك فيثبت قيام الملاك بالجامع بين الاختياري وغير الاختياري فيثبت بذلك السقوط بالحصة الغير الاختيارية نظير ما تقدم من الميرزا النائيني في بحث المزاحمة فأي فرق بين المقامين.

وبعبارة أخرى: نقض الشهيد الصدر على السيد الخوئي في مقامنا وهو أنه لو جاءنا أمر اغسل فهل يمكن أن نتمسك بإطلاق اغسل لكي يشمل الحصتين وهي الحصة الاختيارية أو الحصة غير الاختيارية وهنا قال الميرزا النائيني: لا يعقل التمسك بإطلاق صيغة وهيئة وأمر اغسل لأن الأمر إنما يكون بداعي التحريك والتحريك لا يكون إلا للحصة المقدورة دون الحصة غير المقدورة، إذا لابد من تقييد الأمر والصيغة والهيئة بخصوص الحصة المقدورة،

وهنا ينقض عليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بأنه وإن سقط إطلاق الهيئة والأمر وهو المحمول الأول لقوله اغسل لكننا نتمسك المحمول الثاني وهو إطلاق مادة الغسل فملاك الغسل هو تحقق النتيجة في الخارج الغسل سواء حصل الغسل عن قدرة أو لا عن قدرة، فإذا سقط المدلول المطابقي وهو الأمر بالغسل فهذا لا يعني سقوط المدلول الالتزام وهو الملاك فنتمسك بإطلاق مادة الغسل لكي يشمل الحصة المقدورة والحصة غير المقدورة.

وبذلك يمكن تصحيح الصلاة كما أن النائيني صحح الصلاة في فرض ترك الإزالة تمسكا بعموم ملاك مادة الصلاة كذلك في المقام يمكن تصحيح الغسل غير الاختياري تمسكا بعموم مادة الغسل.

إلى هنا واضح أو لا؟ لأنه خطوة البحث دقيق وعميق.

لكن الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ أجاب بالنيابة عن الميرزا النائيني ببيان فهذان البيانان ليسا للمحقق النائيني وإنما هما تبرع من الشهيد الصد إذ قال يمكن للميرزا النائيني أن يجيب على الوجه الثاني للسيد الخوئي بوجود فارق بين باب المزاحمة والمقام.

البيان الأول إنه في المقام وإن كان إطلاق المادة في نفسه بلحاظ المحمول الثاني جارياً ولكنه معارضٌ بإطلاق الهيئة بخلاف باب المزاحمة فإن مادة الصلاة بلحاظ محمولها الثاني وهو الملاك لا يعارض إطلاق المادة إطلاق وجوب الإزالة لأن الوجوب ساقطٌ رأساً بالمزاحمة.

إذاً لاحظوا جيداً البيان الأول في باب التزاحم بين وجوب الإزالة ووجوب الصلاة إذا أنكرنا بحث الترتب وقلنا إن وجوب الصلاة لا يترتب على ترك الإزالة فحينئذ إذا لم يزل لا يوجد أمر بالصلاة، أمر بالصلاة ما موجود، واضح أو لا؟

بالتالي هنا نتمسك بوجود ملاك الصلاة الملاك موجود لكن الأمر ما موجود فالتمسك بإطلاق المادة لا يعارض بالتمسك بإطلاق الهيئة، بخلاف ما نحن في يلا لاحظ ما نحن فيه:

عندنا إطلاق للمادة وهو إطلاق مادة اغسل فمادة اغسل تشمل حصتين: حصة اختيارية وحصة غير اختياريه، هذا بالنسبة إلى ماذا؟ إلى إطلاق المادة، وعندنا إطلاق الهيئة اغسل، واغسل وردت في مقام البعث والتحريك فهي مقيدةٌ بخصوص الحصة الاختيارية ولا تشمل الحصة غير الاختيارية، فإطلاق الهيئة لابد من تقييده بالحصة الاختياريه بخلاف إطلاق المادة يشمل الحصة الاختياريه والحصة غير الاختيارية فيتعارض إطلاق المادة مع إطلاق الهيئة فيتساقطان وتصل النوبة إلى الأصل العملي.

وبالتالي خرجنا موطن بحثنا ونحن موطن بحثنا التمسك بالأصل اللفظي لا التمسك بالأصل العملي.

أهلاً بناصرنا، نحن نقول يتعارض إطلاق المادة مع إطلاق الهيئة المقيد، عندنا قرينة متصلة وقرينة منفصلة، فإذا كانت القرينة منفصلة وهي داعي التحريك فإنه ينعقد إطلاق ظهور أولي للإطلاق ينعقد غاية ما في الأمر القرينة تضيقه وتقيده، لذلك قلنا أهلاً بناصرنا الآن واضح التعارض أو لا؟

إطلاق مادة غسيل يشمل حصتين: مقدورة وغير مقدورة، إطلاق هيئة وصيغة اغسل هذا الإطلاق مقيد بقرينة وهي داعي التحريك والبحث فهذا الإطلاق مقيد بخصوص الحصة الاختيارية، فيتعارض الإطلاقان.

إذاً في المقام الوجوب ليس ساقطاً وإنما يشك في أن الإتيان بالحصة غير الاختيارية يسقط الوجوب أو لا يسقطه فحينئذ إطلاق مادة اغسل بلحاظ المحمول وهو الملاك يسقط الوجوب وإطلاق الهيئة بلحاظ الوجوب يثبت الوجوب فيتعارض الإطلاقان، وتصل النوبة إلى الأصل العملي وهذا خروج عن موطن بحثنا وهو التمسك بالأصل اللفظي لا بالأصل العملي واضح إن شاء الله أو لا؟

البيان الثاني أن يقال بأن المادة وإن وقعت موضوعاً لكلا المحمولين الوجوب والملاك لكن موضوعيتها للملاك في طول وفي فرع موضوعيتها للوجوب بمعنى أن صيغة الأمر افعل تدل بالمطابقة على وجوب المادة وتدل بالالتزام على وجود الملاك ولا إشكال عند جميع الأصوليين في أن الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية في الوجود، وإنما اختلفوا في تبعيتها في الحجية.

وقد ذهب الميرزا النائيني ومشهور طبقته كالمحقق العراقي إلى أن الدلالة الالتزامية ليست تابع للدلالة المطابقة في الحجية بل إنما تتبعها في خصوص الوجود هذا واضح الآن الأصل هذا.

بناءً على هذا يقال في مورد المزاحمة في خطاب صل حيث انعقد ظهور ودلالة مطابقية في وجوب الصلاة ودلالة التزامية في ثبوت ملاك وجوب الصلاة غاية الأمر أن خطاب أزل يكون كاشفاً عن بطلان المدلول المطابق وهو وجوب الصلاة فخطاب أزل يعني عدم وجوب الصلاة وأما المدلول الالتزامي وهو رجحان الصلاة ووجود ملاك الصلاة فلا كاشف عن بطلانه فلعل الملاك موجود فيؤخذ بالدلالة الالتزامية لأن الدلالة الالتزامية غير تابعة للدلالة المطابقة في الحجية فتثبت الدلالة الالتزامية على الحجية هذا في مورد المزاحمة، هذا مورد المزاحمة يعني المقيس.

وأما المقيس عليه وهو محل الكلام فإذا قال المولى اغسل فإن المدعى للميرزا النائيني عدم انعقاد دلالة مطابقية أصلاً بلحاظ الوجوب فضلاً عن الملاك لأن الكاشف عن بطلان المدلول المطابق وهو الوجوب يعتبر قرينة متصلة بالخطاب وهو داعي البعث والتحريك وهذا لا يناسب الأمر الغير اختياري بالبداهة فهذه قرينة متصلة على أن الواجب يختص بخصوص الحصة الاختيارية فلا ينعقد للخطاب ظهور من أول الأمر.

فإذا لا يوجد وجوب أصلاً، أصلاً إذا ملاك ما موجود لا يوجد إطلاق للمادة من أول الأمر لا بلحاظ المدلول المطابقي ولا بلحاظ المدلول الالتزامي، وهذا بخلافه في مورد المزاحمة فإنه في مورد المزاحمة القرينة منفصلة وهو خطاب أزل فلا تهدم أصل الدلالة ولا تفني أصل الظهور.

الخلاصة:

عند التعارض بين أزل وصل، أزل منفصلة إذا خطاب صل يوجد يعني ينعقد إليه ظهور في وجوب الصلاة فإذا انعقد المدلول المطابقي وهو وجوب الصلاة ينعقد أيضاً المدلول الالتزامي وهو ملاك الصلاة فإذا جاءت قرينة منفصلة أزل فإنها تنفي خصوص المدلول المطابقي وجوب الصلاة ولا دليل على أنها تنفي المدلول الالتزامي بخلاف المقام الذي هو مورد بحثنا وهو خطاب اغسل فإن الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ يدعي وجود قرينة متصلة تقول: لا يعقل التحريك والدفع نحو غير المقدوم يعني من البداية ومن الأساس خطاب اغسل ما يتوجه إلى الحصة غير المقدورة بل يتوجه من البداية إلى خصوص الحصة المقدورة فلا ينعقد من البداية ظهور في وجوب الغسل للحصة غير المقدورة حتى ندعي أن الوجوب ينتفي ونتمسك بإطلاق المادة بل أصل انعقاد وجوب الغسل للحصة غير المقدورة غير منعقد فلا يبقى ملاك حتى يعني المدلول المطابقي غير موجود فأنت ثبت العرش ثم النقش ثبت المدلول المطابقين ثم بعد ذلك المدلول الالتزامي وهو الملاك.

وبهذا يتضح أن جواب السيد الخوئي الثاني ليس بتام بناءً على هذين البيانين من الشهيد الصدر، والصحيح في جواب الإشكال الأول هو ما ذكره الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ من التمسك بإطلاق صرف المادة، وصرف المادة طبيعي المادة يشمل الجامع بين الحصة المقدورة وغير المقدورة والإتيان بالجامع بين المقدور وغير المقدور مقدورً.

هذا تمام الكلام في جواب الإشكال الأول واتضح أن إشكال أن الإشكال الأول ليس بتام بناءً على جواب الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ .

الإشكال الثاني على إطلاق المادة يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo