< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواحد وأربعون: ما يسقط بفعل نفس المكلف إذا صدر منه الاختيار

 

المسألة الثانية ما يسقط بفعل نفس المكلف إذا صدر منه بلا اختيار، فإذا شك المكلف في كون الواجب تعبدياً أو توصلياً بالمعنى الثاني أي ما يسقط بفعل نفس المكلف الصادر منه بلا اختيار فهل أن مقتضى الأصل أن الواجب يسقط بالإتيان بالحصة الغير اختيارية الصادرة من المكلف نفسه أو لا يسقط؟

مثلاً: لو قال له المولى: اغسل، وجاء بالغسل لا عن اختيار ولا عن قصد فهل غسل المكلف غير الاختياري مسقط للوجوب المستفاد من قول المولى اغسل أو لا؟

والكلام في هذه المسألة يقع أيضاً في مقامين في تأسيس الأصل اللفظي وفي تأسيس الأصل العملي.

المقام الأول مقتضى الأصل اللفظي فلو قال المولى: اغسل، فهنا يوجد مادة وهي الغسل وتوجد هيئة وهي صيغة فعل، ولنتكلم أولاً عن المادة، ويوجد فيها احتمالان:

الاحتمال الأول أن نفرض وجود قرينة تدل على أن مادة الغسل مقيدة بخصوص الحصة الاختيارية فإذا تقيدت المادة بخصوص الحصة الاختيارية فحينئذ يمكن الرجوع إلى إطلاق الهيئة لإثبات أن وجوب الحصة الاختيارية ثابت على الإطلاق سواء أتى المكلف بالحصة الغير اختيارية أو لم يأت بها، فمقتضى إطلاق الهيئة هو عدم سقوط التكليف بالإتيان بالحصة الغير الاختيارية من المكلف نفسه.

ومن الواضح في الاحتمال والفرض الأول أنه أمكن الرجوع إلى إطلاق الهيئة بعد الالتزام بأن المادة مقيدة بخصوص الإتيان بالحصة الاختياري الاحتمال.

الثاني إذا فرض أن للمادة إطلاق يشمل الحصة الاختياريه ويشمل الحصة غير الاختيارية فلم يثبت تقيد المادة بخصوص الحصة الاختيارية فنلتزم بأنه أريد بالمادة بمقتضى إطلاقها الجامع بين الحصة الاختيارية والحصة الغير اختيارية فحينئذ يثبت بإطلاق المادة الإجزاء والسقوط بالحصة غير الاختيارية لأن هذا مصداق للواجب الذي هو الجامع ولا تصل النوبة حينئذ إلى الرجوع إلى الهيئة والتمسك بإطلاق الهيئة لإثبات عدم السقوط لأن الوجوب الذي هو مفاد الهيئة لا يعقل أن يكون له أثرٌ مع وجود متعلقه خارجاً والمفروض أن المتعلق هو الجامع وقد وجد الجامع خارجاً ولو في الحصة الغير اختياريه.

إذاً لابد من تنقيح الأمر في المادة وأن المادة هل هي مطلقة تشمل الجامع بين الحصة الاختيارية والحصة غير الاختيارية فلا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الهيئة والتمسك والتمسك بإطلاق الهيئة لإثبات أن الحصة غير الاختيارية غير كافية.

أو أن المادة من أول الأمر مقيدة، وبالتالي يمكن الرجوع إلى إطلاق الهيئة.

إذاً قبل التمسك بإطلاق الهيئة لابد من معرفة المادة وأنها مطلقة أو لا؟

إذاً يتوجه بحثنا إلى أن المادة هل هي مطلقة أو مقيدة؟

وليس المراد أن المادة بطبعها الأولي هل هي مقيدة أو مطلق فإنه من الواضح أن مادة الغسل في قولنا اغسل وبحسب الوضع اللغوي لم توضع مادة الغسل لخصوص الحصة الاختيارية بل وضعت للجامع بين الاختيار وغير الاختيار فمن الناحية اللغوية لا إشكال في قابلية المادة للإطلاق والشمول لغير الحصة يعني للحصة غير الاختيارية وإنما الإشكال وقع في إطلاق المادة لا لحاض أمور لغوية بل لوجود محاذير عقلية ثبوتية تقتضي تضييق وتقييد إطلاق المادة، وتخصيص المادة بخصوص الحصة الاختيارية.

إذا بحثنا عن إطلاق وتقييد المادة لا من ناحية لغوية بل من ناحية وجود محاذير ثبوتية عقلية تمنع من الالتزام بإطلاق المادة، فهل توجد إشكالات عقلية ثبوتية تمنع من التمسك بإطلاق المادة التي بحسب طبعها اللغوي هي عامة ومطلقة تشمل الحصة الاختيار والحصة غير الاختيارية.

إذاً البحث سيقع في بيان الإشكالات العقلية التي تمنع من التمسك بإطلاق المادة.

الإشكال الأول للمحقق الميرزا النائيني[1] ـ رحمه الله ـ ومفاد إشكال الميرزا النائيني أن الأمر في اغسل وغيره إنما هو بداعي المحركية والباعثية للمكلف نحو المادة، ومن الواضح أن داعي المحركية لا يعقل إلا نحو المقدور فلا معنى لتحريك الشخص نحو شيء ومادة لا يقدر عليها فبهذه القرينة العقلية وهي استحالة التحريك نحو غير المقدوم يلتزم بأن المادة المبعوث نحوها هي الحصة الاختيارية بالخصوص لا مطلق المادة الجامعة بين الاختيارية وغير الاختيارية.

وقد أجيب على إشكال الميرزا النائيني بجواب من قبل الشهيد الصدر والسيد الخوئي ـ رحمهما الله ـ جواب الشهيد الصدر.

لو سلمنا أن صيغة افعل مفادها هو داعي المحركية وأن هذا الداعي لا يكون إلا نحو المقدور إلا أن الكلام في المقام إنما هو في أن متعلق الأمر وهو الغسل إنما يكون هو الجامع بين الحصة الاختيارية وغير الاختياريه بنحو صرف الوجود لا بنحو مطلق الوجود.

بمعنى أن فعل اغسل يرجع إلى طلب وتحريك واحد نحو صرف وجود الغسل أي أن المولى المحرك لعبده يريد صرف النتيجة وهو الغسل الخالص، وهذا الغسل الخالص يجمع بين الغسل الاختياري والغسل غير الاختياري فلا توجد أوامر متعددة بل يوجد أمر واحد اغسل يراد به صرف وهي تحقق الغسل في الخارج.

وليس مرجع قول المولى اغسل إلى طلبات متعددة تنحل بعدد الأغسال في الخارج بحيث يكون للغسل الاختياري طلب وللغسل غير الاختياري طلب آخر على نحو الانحلال ومطلق الوجود بل المدعى في المقام هو إطلاق المادة بنحو صرف الوجود بحيث يكون الطلب واحداً ومتعلقاً بصرف وجود الغسل المأخوذ مطلقاً من حيث كونه بالاختيار وبغير الاختيار.

فإذا حملنا الغسل على صرف وجود الغسل فحينئذ يقال لا بد من كون هذا الصرف لأن متعلق الباعثية ليس هو الأفراد، ومن الواضح أن صرف الوجود الجامع بين الاختياري وغير الاختياري اختياري لأنه يكفي في القدرة على الجمع الملحوظ بنحو صرف الوجود القدرة على أحد أفراده وبما أن أحد أفراد الجامع اختياري فهذا الجامع اختياري واضح بعد أنه الجامع بين الاختياري وغير الاختياري مقدور نظراً للقدرة على إيجاد الحصة الاختيارية.

الخلاصة:

إن إطلاق المادة المدعى لو كان إطلاقاً انحلالياً بنحو مطلق الوجود بحيث يرجع الأمر إلى طلبات بعدد أفراد الغسل فحينئذ يقام بعدم معقولية شمول فعل اغسل للحصة غير الاختيارية، ولو التزمنا بالشمول للزم التحريك نحو الحصة غير الاختيارية، لكن الشهيد الصدر لا يدعي أن إطلاق المادة إطلاق انحلالي بنحو مطلق الوجود بل يدعي أن إطلاق المادة بنحو صرف الوجود.

وبالتالي ليس في المقام إلا طلب وتحريك واحد هذا الطلب الواحد متعلق بالجامع بين الاختياري وغير اختياري، وهذا الجامع بين الاختياري وغير الاختياري هو اختياري إذ يكفي في اختياريته كونه مقدوراً بلحاظ بعض أفراده.

ثم يستدرك ويقول: نعم، لو ارجعنا التخيير العقل إلى التخيير الشرعي، وقلنا أن الأمر المتعلق بصرف وخالص الوجود يرجع إلى أوامر متعددة بعدد الأفراد على سبيل البدل بحيث يكون الأمر بالحصة الغير الاختيارية مقيد بترك الحصة الأخرى.

هذا مرجع التخيير الشرعي يوجد أمر بعدم امتثال الأمر الآخر إذا يكون أمر بالحصة الغير الاختيارية وأمر بالحصة الاختيارية غايته أنهما أمران بدليان أي أن الإتيان بأحدهما مشروط بترك الآخر فحينئذ يلزم الإشكال.

فإذا ارجعنا التخيير العقلي إلى التخيير الشرعي والتخيير الشرعي مرجعة إلى عدة أوامر بعض هذه الأوامر لحصص اختيارية وبعض هذه الأوامر لحصص غير اختيارية هنا يستحكم الإشكال، كيف؟

يتعلق الأمر بحصة غير اختيارية مقدورة.

لكن الشهيد الصدر لا يرى أن إطلاق المادة بنحو مطلق الوجود يعني يوجد انحلال في الأوامر بل يرى أن أمر اغسل بنحو صرف الوجود يعني الصرف المطلوب طلب واحد هو صرف تحقق الغسل صرف تحقق الغسل له جامع يجمع بين الغسل الاختياري والغسل غير الاختياري يعني يوجد طلب واحد فقط تعلق بالجامع وهذا الجامع مقدور لأن الجامع بين الفعل المقدور والفعل غير المقدور أيضاً مقدورٌ نظراً لتحقق القدرة على إيجاد بعض أفراد هذا الجامع المقدورة.

فإذا ارجعنا الأمر بالمادة إلى الأمر بصرف الوجود لا الأمر بمطلق الوجود فحينئذ لا يرجع الأمر إلى أوامر عديدة متعددة ومشروطة بعدد الأفراد بل هو أمر واحد يتعلق بصرف الوجود وهذا الأمر الواحد يتعلق بالجامع والجامع مقدورٌ لأن الإتيان بالجامع بين المقدور وغير المقدور مقدورٌ إذا أتيت ببعض الأفراد المقدورة.

إذا إشكال المحقق النائيني ـ رحمه الله ـ وهو أنه إذا التزمنا بإطلاق المادة يلزم تعلق الأمر بالحصة غير المقدورة ويستحيل التحريك نحو الحصة غير المقدورة فهذا الإشكال ليس بتام بناءً على جواب الشهيد الصدر لأن المراد بإطلاق المادة ليس هو مطلق وجود المادة الذي ينحل إلى عدة أوامر بعدد أفراد المادة فيصير أمر يتعلق بالحصة المقدورة وأمر يتعلق بالحصة غير المقدورة فيستحكم الإشكال كما لو ارجعنا التخيير العقلي إلى التخيير الشرعي أي وجود عدة أوامر مشروط الإتيان بأحدها بترك الأخرى.

وأما إذا التزمنا بأن المراد بالإطلاق في المادة هو صرف الوجود والذي يحقق صرف الوجود الجامع بين الحصة المقدورة غير المقدورة والإتيان بالجامع بين الحصة المقدورة وغير المقدورة مقدورٌ لأنه يمكن تحقيق الجامع بالإتيان بمصداق مقدور وفرد مقدور فصار الأمر والطلب تعلق بالمقدور ولم يتعلق بغير المقدور فيصح أن نلتزم بإطلاق المادة من دون أن نلتزم بأن التحريك صار نحو غير المقدور بل نلتزم بأن المادة مطلقة تشمل المقدورة وغير المقدورة ونلتزم أيضاً بأن التحريك والبعث إنما هو تحريك واحد نحو أمر مقدور وهو الإتيان بالجامع بين المقدور وغير المقدور.

هذا تمام الكلام في جواب الشهيد على الإشكال الأول وهو للميرزا النائيني لكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ له جواب آخر فقد أجاب السيد الخوئي على كلام الميرزا النائيني بوجهين آخرين يأتي عليهما الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] فوائد الأصول، تقرير الشيخ محمد علي الكاظمي، ج1، ص75 و 76.أجود التقريرات، تقرير السيد الخوئي، ج1، ص101.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo