< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصحيح في المسألة الأولى

 

محل البحث: الأوامر-الجهة الرابعة(التعبدي والتوصلي)-الأصل فيما شك هل يسقط الواجب بفعل الغير أو لا

 

الصحيح في المسألة الأولى هو عدم السقوط والتوصلية بمقتضى الأصل اللفظي والأصل العملي.

خلاصة ما قلنا

ذهب الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ أن مقتضى الأصل اللفظي في فعل الأجنبي المحض هو عدم السقوط، وكذلك بالنسبة إلى الفعل التسبيبي فإنه يفصل فيه بينما إذا كان للفعل نسبة صدورية إلى الفاعل فقط فإنه يلتزم بالسقوط بخلاف ما إذا كان للمادة نسبتان صدورية ومحلية، فإنه يلتزم بعدم السقوط، هذا بالنسبة إلى الأصل اللفظي.

وأما بالنسبة إلى مقتضى الأصل العملي فقد فصل الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ بين أن يكون الوجوب متقيداً بعدم إتيان الغير على نحو الشرط المتأخر فحينئذ يرتفع الوجوب وتجري أصالة البراءة وبين أن يكون الوجوب مشروطاً بعدم إتيان الغير بنحو الشرط المقارن.

والتزم فيه بجريان البراءة أيضاً.

الإختلاف في تقريرات الشهيد الصدر

وهنا اختلفت تقريرات الشهيد الصدر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ ففي الشرط المقارن ذكر نكتتين في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر الجزء الرابع صفحة مئة وثلاث وخمسين[1] إلى صفحة مئة وستة وخمسين، وفي تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ ذكر نكتتين بحوث الأصول الجزء الثاني صفحة ستة وستين وسبعة وستين،[2] وفي تقرير السيد كاظم الحائري مباحث الأصول الجزء الثاني صفحة مئة واثنين وثلاثين إلى مئة وأربعة وثلاثين[3] ذكر ثلاث نكات.

واذا رجعنا إلى هذه التقريرات الثلاثة نجد أن الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ التزم بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية في تقريراته الثلاثة، ولكن لو التزمنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما عليه الشهيد الصدر أو غضضنا النظر عن جريان استصحابه كما يقول الشهيد الصدر أو عدم جريانه في الشبهات الحكمية كما يقول السيد الخوئي فهل المورد من موارد جريان أصالة الاشتغال أو المورد من موارد جريان أصالة البراءة؟

ذهب الشهيد الصدر في تقرير السيد كاظم وتقرير السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ إلى أن المورد من موارد جريان أصالة البراءة في كلتا النكتتين اللتين ذكرهما في تقرير السيد محمود الهاشمي وفي النكات الثلاث التي ذكرها في تقرير السيد كاظم الحائري.

لكن الشهيد الصدر في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر ذهب إلى جريان أصالة الاشتغال في النكتة الأولى وجريان أصالة البراءة في النكتة الثانية.

ولا بأس بذكر هذه النكات الثلاث ثم التعليق عليها:

النكتة الأولى.. طبعاً بحثنا هو ماذا؟ مثاله الواضح في المسألة الأولى وجوب قضاء الصلوات على الابن الأكبر، فلو قضى الأجنبي الصلاة عن الميت وشك الابن الأكبر، هل سقط من ذمته وجوب القضاء عن أبيه أو لا؟ فهل الأصل هو التوصلية؟ والمهم أن يتوصل إلى قضاء الصلاة عن أبيه فيكون قضاء الأجنبي قد أجزأ عن قضاءه فنحكم بالسقوط؟ أو الأصل عدم التوصلية وعدم السقوط؟ فلا يسقط وجوب القضاء من ذمة الابن الأكبر بقضاء الأجنبي.

هنا احتمال مسقطية فعل الغير عن فعل الابن الأكبر يكون لأحد وجوه ثلاثة:

الوجه الأول أو النكتة الأولى احتمال كون فعل الغير مستوفياً للغرض المولوي فيسقط به التكليف لحصول الملاك، هذه نكتة الحصول على الملاك[4] .

يراجع تقرير السيد كاظم الحائري سنذكر هذه النكات من هذا التقرير، وهذه النكتة وهذا الاحتمال يستلزم ثبوتاً كون الوجوب مقيداً من أول الأمر بعدم إتيان الغير ولو بنحو الشرط المتأخر حينما لم يمكن التكليف بالجامع بين فعل نفسه وفعل غيره فهذا يدخل في الفرض السابق، ما هو الفرض السابق أن يكون الشرط متأخراً هذه النكات الثلاثة للفرد الثاني أن يكون الشرط مقارناً، وقد ذكرنا في الفرض الأول أنه إذا كان الشرط متأخراً فحينئذ إذا تحقق الشرط فهذا يعني لم يتحقق الوجوب من أول الأمر فإذا لم يتحقق الوجوب من أمر أول الأمر لا معنى لجريان الاستصحاب لعدم وجود يقين سابق ولا معنى لجريان أصالة الاشتغال لأنه لا يوجد شغل يقيني سابق، وبالتالي تجري هنا البراءة الشرعية هذا تقرير السيد كاظم الحائري وأيضاً في تقرير السيد محمود الهاشمي[5] ، بينما في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر[6] التزم بما التزم به المشهور من جريان أصالة الاشتغال.

أعيد وأكرر حتى يصير الفارق واضح:

مات الأب وجب القضاء على الابن الأكبر قام الأجنبي وصلى عن الأب الميت وبصلاة الأجنبي شك الابن الأكبر في وجوب ما القضاء عليه، وكان منشأ الشك أن ما جاء به الأجنبي واجداً للملاك فإذا كان ما جاء به الأجنبي واجداً فحينئذ يسقط وجوب القضاء عنه، وإن لم يكن واجداً للملاك يجب عليه أن يأتي بالصلاة ويجب عليه أن يقضي.

الشهيد الصدر في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر يقول: وجوب القضاء على الابن الأكبر معلوم وجداناً قبل أن يأتي به الأجنبي فلما قضى الأجنبي عن الميت حصل شكٌ فتجري قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني هو على يقين باشتغال ذمته بوجوب القضاء عن أبيه وحينما قضى الأجنبي وشك هل أن قضاء أجنبي واجد للملاك أو لا؟ يحصل الشك فتجري قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني كما عليه المشهور هذا في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر.

وأما في تقرير أستاذنا المرحوم السيد محمود الهاشمي[7] وتقرير أستاذنا السيد كاظم الحائري[8] ـ عافاه الله وحفظه ـ فالتزم بجريان البراءة.

والسر في ذلك:

إرجاع الشرط المقارن إلى الشرط المتأخر يعني هو علم وجداناً بوجوب القضاء عليه عنده موت أبيه لكن هذا وجوب مشروط بشرط متأخر وهو ماذا؟ أن لا يقضي الأجنبي عن أبيه، فإذا تحقق الشرط المتأخر وهو قضاء أجنبي عن أبيه وقضى فحينئذ لا يتحقق الوجوب المتقدم أصلاً لا تقدم للوجوب.

فإذا لا يوجد وجوب معلوم وجداناً فيصير شك في التكليف ويكون مجرى للبراءة الشرعية.

أقول ما أفاده الشهيد الصدر في تقرير السيد كاظم الحائري وتقرير السيد محمود الهاشمي خروج عن أصل الفرض إذ أننا في الفرض الثاني نفترض أن يكون الشرط مقارناً لا أن يكون الشرط متأخراً.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول أو النكتة الأولى نكتة ماذا؟ استيفاء الملاك.

النكتة الثانية احتمال كون فعل الغير موجباً لسقوط رغبة المولى لا من باب حصول الملاك واستيفائه بل من باب أنه يخرج الملاك عن كونه محبوباً للمولى، وهذا طبعاً غير وارد في الشرعيات عادة والحكم فيه هو البراءة سواء فرض ذلك بنحو الشرط المتأخر أو فرض بنحو الشرط المقارن.

أما إذا فرض بنحو الشرط المتأخر فقد مضى الكلام فيه فهذا معناه أنه لا يوجد وجوب متقدم هذا الشرط المتأخر، وأما إذا فرض بنحو الشرط المقارن فالوجوب ابتداء وإن كان ثابتاً وقد افترضنا عدم جريان الاستصحاب كأصل موضوعي لكن الشك الآن في أصل المحبوبية والغرض لا في تحققه أو في القدرة على إيجاده، وبما أن الشك الآن هذا شك في التكليف فتجري فيه أصالة البراءة هذا على مبنى الشهيد الصدر.

النكتة الثالثة احتمال كون فعل الغير معذراً لحصول الغرض وموجباً لامتناعه فيسقط الخطاب للعجز عن تحصيل الغراض، وعندئذ قد يتصور أن هذا مجرى للاشتغال إذ مع فرض العلم بعدم حصول الملاك بفعل الغير واحتمال كون فعل الغير معجزاً عن تحصيله واحتمال عدم كونه معجزاً عنه يدخل ذلك في باب الشك في القدرة وهو مجرى للاشتغال إلا أن الصحيح بنظر الشهيد الصدر جريان البراءة.

بيان ذلك:

إنه على تقدير كون فعل الغير مفوتاً للغرض فهذا تفويت مأذون فيه من قبل المولى فعلياً ببرهان أن المولى لم يوجب الإسراع في العمل قبل أن يأتي به الغير فهو الذي جوز له التأجيل وإن علم بأنه سوف يأتي به الغير.

إذا فحينما أتي به الغير يشك هذا العبد أنه لو ترك الفعل فهل يكون هذا تفويتاً للملاك غير مأذون فيه؟ أو لا يكون هذا تفويتاً للملاك؟ وذلك لعدم فوت الملاك بفعل الغير أو لم يصدر منه إلا تفويت مأذون فيه لأنه قد فات الملاك بتأخيره إلى أن فعل الغير، فهذا شك في أصل الإذن والمنع وهو مورد للبراءة.

هنا يعلق أستاذنا السيد كاظم الحائري يقول: هذا الفرد الثالث مرجعه إلى الشرط المتأخر يعني ارجع الشرط المقارن إلى الشرط المتأخر.

أقول بناء على هذه النكات الثلاث في الشرط المتأخر فإن الوجوب المتقدم المعلوم وجداناً لا يزال باقياً فلو قضى الأجنبي وشك الابن في سقوط وجوب القضاء عنه إما للنكتة الأولى وهي احتمال أن فعل الأجنبي قد استوفى الملاك.

وإما للنكتة الثانية وهي انقلاب الملاك وكون فعل الأجنبي موجباً لسقوط رغبة المولى واستبدالها من محبوبية إلى مبغوضية.

وأما للنكتة الثالثة وهي احتمال كون فعل الأجنبي معذراً لحصول الغرض من قضاء الابن وموجباً لامتناعه فعلى هذه النكات الثلاث بأجمعها يبقى أن الابن الأكبر بمجرد موت أبيه يعلم وجداناً بتوجه وجوب القضاء عليه، ولا تقل أن هذه النكات الثلاث بملاك الشرط المتأخر فإذا تحقق الشرط كشف هذا الشرط المتأخر عن عدمه تقدم وجوب سابق فإن كلامنا في الفرض الثاني وهو أن يكون الشرط مقارناً لا أن يكون الشرط متأخراً أي أن الوجوب محرز بالوجدان ولا يحتاج إلى برهان فتجري قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

والخلاصة:

مقتضى الأصل العملي هو جريان الاستصحاب إن قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وفاقاً للشهيد الصدر وخلافاً للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

وأما إذا التزمنا بعدم جريان الاستصحاب وفاقاً للسيد الخوئي وخلافاً للشهيد الصدر أو غضضنا النظر عن جريان الاستصحاب، فهل مقتضى الأصل العملي هو جريان البراءة كما يقول الشهيد الصدر أو جريان أصالة الاشتغال كما يقول المشهور وعليه السيد الخوئي؟

الصحيح ما عليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من جريان أصالة الاشتغال فمقتضى الأصل العملي هو جريان أصالة الاشتغال حتى مع وجود هذه النكات الثلاثة وعدم جريان البراءة، بل مقتضى الأصل اللفظي في المقام الأول ومقتضى الأصل العملي في المقام الثاني هو عدم السقوط، فإذا أتى الأجنبي بالصلاة فإنها لا تسقط عن ذمة الولد الأكبر بحسب الأصل اللفظي وبحسب الأصل العملي.

أما بحسب المقام الأول وهو الأصل اللفظي طبعاً وفاقاً للسيد الخوئي[9] أما الأمر المقام الأول مقتضى الأصل اللفظي فإن أمر التكليف في المقام يدور بين كونه مشروطاً بعدم قيام غير المكلف وبين كونه مطلقاً أي سواء قام به غيره أو لم يقم به فهو لا يسقط عنه.

وهذا الوجه معقول ثبوتاً ولا محذور فيه إثباتاً فالإطلاق في مقام الاثبات يقتضي عدم الاشتراط وأنه لا يسقط ذمة المكلف بقيام غيره به.

فلو شككنا في سقوط الواجب عن ولي الميت بفعل غيره تبرعاً أو استنابة فبطبيعة الحال يرجع الشك إلى الشك في الإطلاق والاشتراط ومقتضى إطلاق الخطاب عدم الاشتراط فتكون النتيجة مقتضى الأصل اللفظي عدم التوصلية يصير مقتضى الأصل اللفظي عدم السقوط عن ولي الميت هذا في المقام الأول.

في المقام الثاني إما أن نلتزم الذي هو مقتضى الأصل العملي إما أن نلتزم بوجود وجوب سابق محرز وجداناً وإما أن لا نلتزم بذلك.

فإذا التزمنا بعدم وجوب وجوب سابق كما لو قلنا بنحو الشرط المتأخر فحينئذ لا وجود فيكون مجرى البراءة وأما إذا التزمنا بوجود وجوب سابق فحينئذ يجري الاستصحاب بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

وإذا تنزلنا جدلاً وقلنا إن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية كما يقول السيد الخوئي فإنه تجري قاعدة الاشتغال لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فمع إحراز فعلية التكليف ثم شك المكلف في بقاء التكليف الفعلي وارتفاعه بإتيان الأجنبي به فيكون هذا من موارد جريان قاعدة الاشتغال.

فالصحيح في المسألة الأولى وهو أنه لو شك في التعبدية والتوصلية وسقوط والواجب بفعل الغير كابن الميت الذي توجه إليه الوجوب بقضاء توجه إليه وجوب قضاء الصلاة عن أبيه، وجاء الأجنبي وصلى عنه، فإنه بموت أبيه يكون توجه وجوب القضاء على الولي والابن الأكبر فعلياً فيكون مجرى للاستصحاب بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، وإن أنكرنا ذلك يكون مجرى الاشتغال من دون فرق بين النكات الثلاثة التي ذكرها الشهيد ولا تكون مجرى البراءة الشرعية، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.

المسألة الثانية يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo