< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التحقيق في المقام

 

محل البحث: الأوامر-الجهة الرابعة(التعبدي والتوصلي)-الأصل فيما شك هل يسقط الواجب بفعل الغير أو لا

 

البحث في المسألة الأولى هو حول الشك في السقوط بفعل الغير

الشك في السقوء بفعل الغير على نحوين:

فقد ذكرنا في المقام الأول أنه يعقل ثبوتاً تعلق الوجوب بالجامع بين فعل المكلف وفعل الغير خصوصاً الفعل التسبيبي من الغير الذي يكون ناشئاً من المكلف، إذاً الشك في سقوط الواجب بفعل الغير له نحوان معقولان ثبوتاً، وهما:

النحو الأول أن يكون مرجعه إلى الشك في دائرة الواجب.

النحو الثاني أن مرجعه إلى الشك في دائرة الوجوب.

تفصيل ذلك:

النحو الأول أن يكون مرجعه إلى الشك في دائرة الواجب بحيث لا يعلم أن الواجب هل هو خصوص الفعل المباشري أو هو الجامع بين الفعل المباشري والتسبيبي؟ فيكون مرجع الشك في السقوط بفعل الغيب إلى الشك في الأقل والأكثر في دائرة الواجب لأن الجامع معلوم الوجوب، غاية ما في الأمر يشك في قيد المباشرية فهل أخذ في هذا واجب قيد المباشرية أو لم يؤخذ؟ فتجري البراءة عن هذا القيد الزائد كما هو الحال في سائر موارد الأقل والأكثر الارتباطيين ولا مجال حينئذ لإجراء الاستصحاب ولا لإجراء أصالة الاشتغال فيما إذا كان الشك يرجع إلى الشك في دائرة الواجب وضيقه.

النحو الثاني لو فرض العلم بدليل من الخارج أن الواجب هو خصوص الفعل المباشري، ولكن وقع الشك في إطلاق الوجوب وتقييده ولا يدرى أن وجوب هذا الفعل المباشر هل يختص بما لم يأت به الغير أو أن هذا الوجوب مطلق سواء أتى الغير به أو لم يأت به فالشك في نفس الوجوه في أنه وجوب مطلق سواء أتى به الغير أو لم يأتي به.

إذاً لا يسقط بفعل الغير هذا إذا قلنا ماذا؟ أن هذا الوجوب مطلق.

تقييد الواجب بعدم إتيان الغير؛ له صورتان

وأما إذا قلنا أن هذا الوجوب مقيد بعدم إتيان الغير بالفعل فحينئذ يسقط الوجوب بإتيان الغير بالفعل إذا كان الشك على هذا النحو وهنا يوجد تفصيل لأن تقيد الوجوب عدم إتيان الغير له صورتان: إذ أن هذا الشرط إما أن يكون متأخراً وإما أن يكون مقارناً.

تفصيل ذلك:

الصورة الأولى أن يكون الوجوب مقيداً بعدم إتيان الغير على نحو الشرط المتأخر بحيث لو أتى الغير بالفعل ولو بعد سنة مثلاً فلا وجوب من أول الأمر فلو قضى الأجنبي عن الأب صلاته بعد سنتين فهذا يعني أنه لم يتوجه وجوب من أول الأمر إلى ابنه الأكبر، فسقوط وجوب قضاء ما فات الأب الابن من حين وفاة أبيه مشروط بعدم إتيان الغير بالصلاة عن الميت إلى الآخر.

فلو أن أجنبي قام بالصلاة عن الميت ولو بعد سنة أو سنتين أو عدة سنوات فهذا يكشف أنه من أول الأمر لم يتعلق وجوب بحق الولي أي لم يتوجه وجوب قضاء الصلوات عن الأب على ابنه الأكبر، وهذا معنى أن وجوب الصلاة على الابن الأكبر مشروط بعدم إتيان الأجنبي بنحو الشرط المتأخر.

الصورة الثانية أن الوجوب مشروطاً بعدم إتيان الغير بنحو الشرط المقارن بمعنى أنه ما دام لم يأتي الغير بالفعل فالوجوب ثابتٌ في حق الابن الأكبر فلو أتى الغير بالفعل فالوجوب يسقط فالوجوب في كل آنٍ مشروط بعدم الغير بالفعل في ذلك الآن فما لم يأتي الغير فالوجوب ثابتٌ وإن أتى الغير به سقط الوجوب.

الفرق بين الصورتين (الدفع والرفع)

أتفرقون بين الدفع والرفع؟ فالرفع كرفع الصخراء فرع وضعها، وأما الدفع فإنه لا يعني وضع الصخرة، ففي الصورة الأولى أي الشرط المتأخر هناك دفع للوجوب عن الولي، فإذا قضى الأجنبي الصلاة عن الميت سيكون بذلك قد دفع أصل الوجوب عن ولي الميت، فلم يتوجه وجوب أصلاً للابن الأكبر وبالتالي لا معنى لجريان الاستصحاب إذ لا يوجد وجوب سابق ليحصل الشك اللاحق ولا معنى لجريان أصالة الاشتغال لأنها تعني الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهنا لا يوجد اشتغال يقيني.

ففي الصورة الأولى يكون الشرط المتأخر إذا تحقق في الخارج دافعاً لأصل الوجوب.

بخلاف الصورة الثانية وهي صورة الشرط المقارن فإن الوجوب موجود وفي كل آن يتوجه إلى الولي والابن الأكبر غاية ما في الأمر إذا قضى الأجنبي الصلاة عن الأب الميت فإنه يرفع هذا الوجوب من ذمة الابن الأكبر.

فلو شككنا أمكن جريان الاستصحاب نظراً لوجود يقين سابق بوجوب قضاء الصلاة على الابن الأكبر وكذلك يمكن أن نتمسك بقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقين نظراً لوجود يقين مسبق واضح الفارق والثمرة.

فإذا كان المشكوك من الصورة الأولى أي بنحو الشرط المتأخر بحيث يحتمل أن الوجوب مقيدٌ بعدم إتيان الغير بنحو الشرط المتأخر، فهنا لو أتى الغير بهذا الفعل يكون الوجوب مشكوكاً من أول الأمر لاحتمال أن الوجوب مشروط بعدم إتيان الغير ولو فيما بعد بنحو الشرط المتأخر، فبعد إتيان الغير بالفعل يشك أنه هل حدث وجوب في حق الابن الأكبر من أول الأمر أو أنه لم يحدث وجوب؟

لأن الوجوب إن كان مشروطاً بعدم إتيان الغير بالفعل بنحو الشرط المتأخر وجاء الأجنبي بقضاء الصلاة فحينئذ لم يحدث وجوب من البداية في حق الابن الأكبر.

لكن لو التزمنا أن الوجوب مطلق فحينئذ قد حدث وجوب ونشك في أصل حدوث الوجوب من أول الأمر إذا التزمنا بوجود شرط متأخر فإذا شككنا في أصل حدوث الوجوب لا معنى لإجراء الاستصحاب ولا معنى لإجراء أصالة الاشتغال.

أما الاستصحاب فلأنه فرع ثبوت الوجوب حدوثاً مع أنه لا يقين بالوجوب حدوثاً، وأما أصالة الاشتغال فلأنها بملاك أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقين وهنا لا شغل يقيني من أول الأمر فتجري البراءة بلا إشكال.

هذا تمام الكلام إذا كان الشك في تقيد الوجوب نحو الصورة الأولى أي بنحو الشرط المتأخر.

الصورة الثانية إذا كان الشك في تقيد الوجوب من الصورة الثانية أي بنحو الشرط المقارن لا بنحو الشرط المتأخر بمعنى أن الوجوب ثابتٌ من أول الأمر يقيناً لكن يشك هل يرتفع هذا الوجوب بقضاء الأجنبي للصلاة وإتيان الغير بهذا الفعل أو لا؟

إذاً هناك يقين بحدوث الوجوب وشكٌ في ارتفاع ذلك الوجوب، فإن قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما هو الصحيح عند الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ فلا إشكال في تمامية أركان الاستصحاب حينئذ لأن الوجوب معلومٌ ثبوتاً ومشكوك بقاء فيجري استصحاب بقاء الوجوب بعد إتيان الغير بالفعل فيتنجز الوجوب عن المكلف ويلزمه الإتيان بالفعل.

لو لم يجري الإستصحابلإ هل يجري البرائة أو الإشتغال؟

وأما إذا قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما عليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أو غضنا النظر عن جريان الاستصحاب أنه يجري في الشبهات الحكمية كما يقول الشهيد الصدر أو لا يجري كما فهل المقام مجرى للبراءة أو للاشتغال؟

فيه تفصيل ويحتاج إلى تحقيق، بيان ذلك:

إن الشك في السقوط بفعل الغير يكون بإحدى نكتتين فإن فعل الغير الذي في كونه مسقطاً قد يكون بأحد نكتتين أو ملاكين:

الأول كونه مستوفياً لغرض المولى.

الثاني نكتة زوال غرض المولى وانقلاب محبوبه إلى مبغوضٍ له.

أما النكتة الأولى فقد تكون مسقطية فعل الأجنبي لوجوب القضاء عن الابن الأكبر بملاك ونكتة كون فعل الأجنبي مستوفياً لغرض المولى فلو أمر المولى زيداً بغسل المسجد وقام عمر بغسل المسجد فحينئذ يسقط الوجوب عن زيد لأن غرض المولى وهو غسل المسجد قد تحقق بغسل عمر للمسجد فإذا حصل وتحقق غرض المولى فحينئذ يسقط الوجوب عن المكلف نتيجة فعل الغير باعتبار أن فعل الغير قد استوفى غرض المولى.

فبناءً على النكتة الأولى وهو كون فعل الغير مستوفي لغرض المولى يسقط التكليف عن ذمة المخاطب.

الثاني أن تكون المسقطية المحتملة لفعل الغير بنكتة زوال غرض المولى وانقلاب محبوب المولى إلى مبغوض له، وحينئذ لا يريد المولى من عبده الإتيان بالفعل بل يكره ذلك من قبيل التشبه بالكفار فإن المولى لا يريد من عبده أن يفعله لأنه تشبه بالكفار أعداء المولى.

فإذا التزمنا بأن إتيان الغير والأجنبي بالصلاة وقضاء الصلاة عن الميت يوجب انقلاب هذه الصلاة من محبوبه للمولى إلى مبغوضة يعني المولى عزّ وجل أحب أن يقضى عنه مرة واحدة يقضى عن الميت ما تعلق بذمته مرة واحدة فإذا جاء الأجنبي وقضى عن الميت فبإتيان هذا المحبوب للمولى وهو القضاء الأجنبي عن الميت ينقلب قضاء الابن الأكبر من محبوب إلى مبغوض.

لذلك تكون مسقطية فعل الأجنبي للوجوب عن كاهل الابن الأكبر بملاك زوال غرض المولى وخروج محبوب المولى عن كون محبوباً له بل ينقلب إلى مبغوض وليس الملاك هو استيفاء غرض المحبوب كما في النكتة الأولى.

هاتان نكتتان ينبغي أن نفرع عليهما فإن فرض أن مسقطية فعل الغير من باب الاستيفاء كما هو الغالب الغالب هو هكذا إذا الأجنبي استوفى غرض المولى سقط غيره فحينئذ إذا شك في المسقطية تجري أصالة الاشتغال كما قال المشهور إذا أن الاشتغال اليقين يستدعي الفراغ اليقيني لأن الغرض المولوي معلوم وجداناً لكن الشك في استيفائه في أن الغرض المولوي الذي وقع على عهدة المكلف هل استوفي خارجاً بفعل أو لم يستوفى وحينئذ تجري قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ولا تجري أصالة البراءة هذا إذا كان الملاك المسقطية من باب الاستيفاء.

وإذا فرض أن المسقطية كانت بملاك زوال غرض المولى بإتيان الغير بالفعل وخروج المحبوب عن المحبوبية وانقلابه إلى مبغوض فهنا يكون الشك في أصل الغرض والحكم المولوي نشك هل يتعلق به غرض المولى وهل يحبه أو لا؟ فحينئذ تجري البراءة رفع عن أمتي ما لا يعلمون.

هذا تمام الكلام في تحقيق المسألة الأولى.

المسألة الثانية يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo