< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تحقيق الكلام في المقام الأول

 

محل البحث: الأصل فيما شك هل يسقط الواجب بفعل الغير أو لا

 

كان الكلام في المسألة الأولى من الواجب التوصلي أو التعبدي، وهو عندما نشك في أن الواجب يسقط بفعل الغير أو لا يسقط، قلنا لا تنحصر صيغة هذا الشك في سعة الوجوب وضيقه كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي، بل يمكن أن يرجع الشك إلى أن الواجب هل هو الحصة الخاصة أو الجامع بين فعل الشخص وفعل غيره؟

الإحتمالان في مرجع الشك

إذاً مرجع الشك إلى أن الواجب بفعل الغير أو بفعل غيره في احتمالان:

الاحتمال الأول أن يرجع الشك إلى سعة الوجوب وضيقه كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

الاحتمال الثاني أن يرجع بالشك إلى سعة الواجب وضيقه كما ذهب إلى إمكان ذلك الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

إذا في عالم الثبوت يحتمل أن يرجع الشك إلى سعة الوجوب وضيقه ويحتمل أن يرجع الشك إلى سعة الواجب وضيقه، لذلك لا بد من تحقيق الكلام بالنسبة إلى سعة الواجب وضيقه.

ومرجع الشك في سعة الوجوب وضيقه إلى مدلول الصيغة والهيئة، ومرجع الشك في سعة الواجب وضيقه إلى مدلول المادة، إذا لابد من تحقيق الكلام في عالم الإثبات في مدلول المادة، فإذا قال المولى: صلّ اقض، فهل يشترط في هذه الصلاة أو هذا القضاء مباشرة الشخص بنفسه للصلاة أو يكفي أن يسبب لغيره في أن يقيم الصلاة؟

فهل يجب على خصوص الولد الأكبر قضاء ما فات ما فاته أباه من الصلوات بنفسه أو يكفي أن يسبب ذلك بأن يأمر شخصا آخر أو يأتي شخص آخر ويقضي عن أبيه؟

الأمران في مدلول المادة

هنا يوجد عندنا أمران في مدلول المادة لا بد من تنقيحهما:

الأمر الأول أن يكون الفعل صادراً من المكلف يسند إليه.

الأمر الثاني أن يكون الفعل الصادر من المكلف والمسند إليه صادراً عنه بالمباشرة لا بالتسبيب.

أما الأمر الأول

وهو كون الفعل مستنداً إلى المكلف ومعلولاً له عرفاً فهذا لا إشكال في كونه مستفاداً من المادة فإن المستفاد من قوله: صل يا زيد، دفع زيد وإرسال زيد نحو الفعل بحيث يكون فعلاً لزيد وصادراً من زيد بحيث ينسب إلى زيد، فلا تنطبق الصلاة في قوله: صل يا زيد على الصلاة التي يأتي بها عبيد لأن الاستناد والمنشأية التي هي النسبة الصدورية كما أنها ملحوظة في الفعل الماضي والمضارع كذلك ملحوظة في فعل الأمر مع إلباسه ثوب النسبة الإرسالية.

إذاً مقتضى ظهور مادة الفعل كالصلاة والقضاء بناءً على انحفاظ النسبة الصدورية لصيغة الأمر مع لبسها بثوب النسبة الإرسالية هو أن المادة ليس لها إطلاق يشمل الفعل الأجنبي للغير.

إذاً بالنسبة إلى الأمر الأول وهو أن يكون الفعل منسوباً إلى الفاعل هنا لا يوجد إطلاق يعني لا نقول المهم يصدر الفعل الأعم من صدوره من نفس المكلف أو من غيره هذا الإطلاق غير مقبول، مادة الفعل صل اقض، ظاهرة في أن يكون الفعل مسنداً ومنسوباً إلى الفاعل.

أما الأمر الثاني

ثم يأتي الكلام في الأمر الثاني فإن الفعل المنسوب إلى الفاعل على قسمين:

فتارة يكون صادراً بالمباشرة كما لو قضى الابن الأكبر عن أبيه.

وتارة يكون صادراً منه بالتسبيب كما لو أوجد الابن الأكبر الداعي في نفس أخيه أو عمه لكي يقضي عن أبيه.

والنسبة الصدورية محفوظة في كلا الأمرين يعني نسبة صدور الفعل من الفاعل، فيقال: إن الابن الأكبر قضى عن أبيه إما بالمباشرة في النحو الأول وإما بالتسبيب في النحو الثاني.

مثال ذلك: لو تصدى إنسان إلى غسل المسجد لكن لا بنفسه بل بالتسبيب بأن جاء بعمال ودفع لهم الأجرة، أو جاء بشباب وحثهم على التبرع وعمل الخير فقاموا بغسل المسجد، فهنا النسبة الصدورية محفوظة في كلا الاحتمالين، فيقال: إن فلان قام بغسل المسجد جزاه الله ألف خير، تقول: فلان التاجر بنفسه غسل المسجد؟! تقول: نعم، لكن لا بالمباشرة بل بالتسبيب، فالنسبة الصدورية محفوظة في كلا الأمرين.

الخلاصة

إلى هنا انتهينا إلى أن مقتضى المادة في الأمر الأول وهو أن ينسب الفعل إلى فاعله عدم وجود إطلاق فلا نقول المهم يصدر الفعل سواء نسب إلى زيد أو عبيد بل مقتضاه توجيه خطاب صل إلى زيد أن تنسب الصلاة إلى زيد دون غيره، فإذا مقتضى المادة ومدلول المادة في الأمر عدم الإطلاق لا بد من نسبة وإسناد الفعل إلى الفاعل.

المباشرة شرط في الأعمال أو لا

ويقع الكلام في الأمر الثاني هل نشترط المباشرة؟ هل لا بد أن ينسب الفعل إلى الفاعل بالمباشرة؟ فما هو مقتضى ظهور المادة؟ هل مقتضى ظهور المادة هو الاقتصار على خصوص الحصة المباشرة؟ أو يشمل الأعم من الحصة المباشرة والحصة التسبيبية؟

الحدث أو الفعل على قسمين

وهنا يوجد تفصيل، وحاصله: إن المادة وهي الحدث أو الفعل على نحوين:

النحو الأول قد يكون من قبيل نسبة الفعل إلى الفاعل فقط، كما لو قلت: يا زيد اغسل المسجد، ففي هذا المثال نسبة الغسل إلى زيد هي نسبة الفعل إلى الفاعل فقط لا نسبة العرض إلى محله لأن الغسل محله المسجد.

النحو الثاني إن المادة كالحدث أو الفعل تكون نسبته نسبة العرض إلى محله بالإضافة إلى نسبة الفعل إلى فاعله، كما لو قلت: يا زيد اشرب الماء، فهنا توجد نسبتان إلى زيد:

النسبتان للفعل إلى فاعله

النسبة الأولى نسبة الفعل إلى فاعله أي نسبة الشرب إلى الفاعل يزيد.

النسبة الثانية هي نسبة الشرب إلى الشارع يعني نسبة الصفة التي هي الشرب إلى المحل بحيث يشرب زيد فقط لا يشرب غيره.

الأمر من حيث اعتبار المباشرة قسمان

إذاً عندنا قسمان بناء على هذين الاحتمالين:

أما القسم الأول وهي نسبة الفعل إلى الفاعل فقط من دون نسبة العرض إلى محله، كما لو قلت يا زيد اغسل المسجد، فمقتضى الإطلاق في المادة هو الشمول للحصة المباشرية وللحصة التسبيبية معاً لأن غاية ما تقتضيه المادة اغسل هو النسبة الصدورية وهذه النسبة الصدورية يعني نسبة صدور الغسل من الغاسل محفوظة في الحصة المباشرية ومحفوظة في الحصة التسبيبية.

فلو قام زيد بنفسه وغسل مسجد فحينئذ ينسب الغسل إلى زيد، ولو لم يباشر زيد غسل المسجد وأمر إخوانه أن يغسلوا المسجد فإنه يقال أيضاً غسل زيد المسجد.

إذا في القسم الأول نسبة الفعل إلى الفاعل فقط يوجد إطلاق يشمل الحصة المباشرة ويشمل الحصة التسبيبية.

وأما القسم الثاني من قبيل اشرب يا زيد أي لوحظت حيثيتان:

في القسم الثاني حيثيتان

الأولى نسبة الفعل إلى الفاعل أي نسبة الشرب إلى زيد.

والثانية نسبة العرض إلى المحل نسبة العرض وهو الصفة الشرب إلى المحل الذي هو شفتا زيد، فلو أن زيداً سبب في أن يشرب عمراً، فحينئذ لا يقال إن زيد قد شرب، فإن زيد وإن سبب الفعل وهو الشرب لكن العرض وهو صفة الشرب لم تطرأ على محلها وهي شفتا زيد بل عرضت على غير محلها وهي شفتي عمرو.

فتسبيب زيد لشرب عمرو ليس مصداقاً لمادة اشرب يا زيد في المقام لوضوح أن الشرب هنا له نسبتان أحداهما نسبة الفعل إلى الفاعل أي نسبة صدور الشرب من الفاعل من الشارع وهذه محفوظة في حق زيد وفي حق عمر فالنسبة الأولى تامة.

إذا أمر زيد أن يدخل عمرو الماء في فم زيد يصدق أمران

ولكن لأن شرب عمرو أيضاً فعل زيد لأنه فعل تسبيبي، ولكن تصدق النسبة الثانية وهي نسبة العرض إلى محله إذ أن الذي شرب هو عمرو وليس زيد إلا في حالة واحدة إذا أمر زيد عمراً أن يدخل الماء في فم زيد فهنا يصدق كلا الأمرين:

الأمر الأول صدور الفعل من الفاعل صدور الشرب من زيد.

الأمر الثاني أيضاً عروض الصفة على محلها عروض الشرب على زيد.

وأما إذا أمر زيد عمرو أن يشرب الماء فهنا النسبة الأولى تتحقق صدور الشرب من الفاعل لكن النسبة الثانية وهي عروض العرض على محله وصدور الشرب من محله الذي هو زيد لم يتحقق بل صدر الشرب من محل آخر وهو عمرو فالنسبة الثانية لم تتحقق وهي نسبة العرض إلى محله.

سؤال: هل للمادة اطلاق؟

وبالتالي المادة كلامنا عن مدلول المادة لا تنسون احنا نتكلم عن أن الواجب واسع أو ضيق والواجب مأخوذ من مدلول المادة، فهل المادة لها إطلاق أو لا؟

الجواب: بالنسبة إلى الأمر نسبة الفعل إلى الفاعل فقط المادة لها إطلاق لكن بالنسبة إلى الأمر الثاني نسبة العرض إلى محله المادة ليس إطلاق لابد أن يكون الفعل صادراً من الفاعل مباشرة لابد أن يشرب زيد الماء بنفسه.

نعم، لو فرضنا أن زيداً أجبر عمراً على أن يشربه الماء فهذا مصداق للمادة لأنه واجد لكتا النسبتين.

النتيجة والمحصلة

إن مقتضى القاعدة بلحاظ الدليل الاجتهادي هو عدم السقوط بفعل الغير الأجنبي المحض لأن فعل الغير الأجنبي المحض ليس فيه نسبة صدورية مع أن هذه النسبة محفوظة في المادة التي تعلق بها الأمر وليس لهذه المادة التي تعلق بها الأمر إطلاق لفرض عدم كون الفعل صادراً من المكلف رأساً فمقتضى القاعدة هو عدم السقوط.

للفعل التسبيبي للغير إحتمالان

وأما بالنسبة إلى فعل الغير الذي يكون موجوداً تسبيبياً بالنظر إلى المكلف هنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول إذا كان للمادة بحسب مدلولها العرفي نسبة صدورية فقط إلى الفاعل، فلا بأس بإطلاقها لهذه الحصة التسبيبية فتشمل الحصة المباشرة والحصة التسبيبية، ومقتضى القاعدة حينئذ هو السقوط بفعل الغير التسبيبي لأنه مصداق للواجب.

الاحتمال الثاني إذا كان للمادة بحسب مدلولها العرفي نسبتان: صدورية ومحلية، فحينئذ لو سبب في أن تقع المادة من الغير على الغير فلا يكون هذا مصداق للواجب ومقتضى القاعدة حينئذ عدم السقوط.

خلاصة البحث

إلى هنا في المقام الأول، ما هو المقام الأول؟ تأسيس الأصل اللفظي، يعني ما هو مقتضى الدليل الاجتهادي؟ هل يقتضي السقوط بفعل الغير أو لا يقتضي؟

اتضح أن منشأ الشك في السقوط كما يحتمل أن يرجع إلى سعة الوجوب وضيقه وهو مدلول للهيئة والصيغة كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي كذلك أن يكون منشأ الشك والسقوط هو الواجب الذي هو مدلول المادة، فلابد أن نلحظ هذه المادة، هذه المادة هل تقتضي الإطلاق أو لا؟

سؤال: هل تقتضي المادة الإطلاق؟

الجواب: المادة على نحوين:

المادة إذا أخذ فيها النسبة الصدورية فقط أي نسبة صدور الفعل إلى الفاعل فقط من دون عروض العرض على المحال فحينئذ يستفاد الإطلاق صدر الفعل منه مباشرة أو صدر من غيره لكن بتسبيبه هذا يكفي.

وأما إذا كان يستفاد من المادة كلتا النسبتين المحلية و الصدورية فحينئذ لا إطلاق وتشترط المباشرة والله العالم.

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني

في تأسيس الأصل العملي

فلو فرض عدم وجود إطلاق في الدليل الاجتهادي لا بلحاظ المادة كما في الواجب ولا بلحاظ الهيئة كما في الوجوب بأن كان الدليل لبياً كالإجماع وانتهت النوبة إلى الأصل العملي.

لا يجوز الإكتفاء بفعل الغير للوجهين

والمعروف أنه لابد من الاحتياط فيما إذا شك في السقوط بفعل الغير فلا يجوز الاكتفاء بفعل الغير بل لا بد من أن يأتي المكلف بالفعل بنفسه، ويمكن تقريب الاحتياط بوجهين:

الوجه الأول إجراء استصحاب بقاء الوجوب لأن الوجوب قبل فعل الغير كان ثابتاً ويشك في بقائه فيستصحب بقاؤه.

الوجه الثاني بناءً على منع جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية الذي يراه السيد الخوئي والشهيد الصدر يرى إمكان جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، لكن لو تنزلنا وبنينا على مبنى السيد الخوئي من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية أو عضضنا النظر عن الاستصحاب فإنه يقال هنا بجريان أصالة الاشتغال لأن المورد من موارد الشك في سقوط التكليف وإذا كان المورد كذلك فيكون مجرى لأصالة الاشتغال لأن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، فما لم يحصل الجزم بفراغ الذمة تجري أصالة الاشتغال.

هذا تمام الكلام في بيان المقام الأول والمقام الثاني، يعني ما هو مقتضى الدليل الاجتهادي؟ في المقام الأول، وما هو مقتضى الأصل العملي؟ المقام الثاني، ولكن التحقيق النهائي للمسألة إلى هنا بينا ما هو المقتضى.

التحقيق في المقام يأتي عليه الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo