< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إذا شك في كون الواجب توصلياً أو تعبدياً بالمعنى الأول

 

محل البحث: الأوامر-الجهة الرابعة(التعبدي والتوصلي)

 

هناك أربعة معاني للتوصلي وفي مقابلها أربعة معاني للتعبدي، فيقع الكلام في أربع مسائل، وفي كل مسألة يعني كل معنى من معاني التوصلي والتعبدي لا بدّ من تحقيق الأمر

 

المسألة الأولى

إذا شك في كون الواجب توصلياً أو تعبدياً بالمعنى الأول أي ما يسقط بفعل الغير كما لو فرض أنه ثبت وجوب قضاء ما فات الميت على ابنه الأكبر من صلوات، وشك في أنه هل يسقط وجوب القضاء بفعل الغير أو لا يسقط بفعل الغير بل لابد من قضاء الولد الأكبر للصلوات، وهكذا في سائر الموارد والكلام يقع في مقامين:

إذا شك في سقوط الواجب بفعل الغير

يقع الكلام في المقامين

المقام الأول في تأسيس الأصل اللفظي

المقام الثاني في تأسيس الأصل العملي

 

المقام الأول

تأسيس الأصل اللفظي، فما هو مقتضى القاعدة بلحاظ الدليل الاجتهادي الدال على وجوب ذلك الفعل؟

السيد الخوئي: الأصل تعبدية الأوامر

ذكر سيد أساتذتنا السيد الخوئي[1] ـ رحمه الله ـ أن مقتضى القاعدة بلحاظ الدليل الاجتهادي هو عدم السقوط بفعل الغير فالأصل كونه تعبدياً ولا يسقط بفعل الغير.

توضيح ما أفاد السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ

إن الشك في المقام لا يرجع إلى الشك في سعة دائرة الواجب وضيقه، وإنما الشك يرجع إلى سعة دائرة الوجوب وضيقه، فلو فرض هنا أن الواجب كان يسقط بفعل الغير فليس معنا هذا أن دائر الواجب تكون وسيعة بحيث يكون الواجب هو الأعم من فعل المكلف وفعل غيره لوضوح أن هذا الأمر غير معقول ثبوتاً، فمن غير الممكن أن يكلف إنسان بفعل نفسه وبفعل غيره، فلا يعقل ثبوتاً أن يكون الواجب على زيد هو الجامع والأعم من فعل زيد وفعل عمرو فإن فعل عمر ليس تحت سلطان زيد حتى يكون الواجب على زيد هو الأعم من فعله وفعل عمرو بل الواجب هو خصوص فعل زيد بالخصوص بلا إشكال.

وليس أمره دائراً بين الأخص والأعم فالشك ليس في الواجب حتى هذا الواجب يتعلق بالجامع بين زيد وعمرو أو بخصوص زيد بل الشك يتعلق بالوجوب، فوجوب فعل زيد هل هو على إطلاقه أو هو مقيد بعدم صدور الفعل من عمر؟ فالشك في تقييد الوجوب وإطلاقه لا في أخصية الواجب وأهميته.

إذاً الشك ليس في دائرة الواجب الذي هو مفاد مدلول المادة بل الشك في دائرة الوجوب الذي هو مفاد مدلول الهيئة والصيغة، فالسقوط بفعل الغير معناه أن الوجوب مقيد بعدم فعل الغير، وعدم السقوط بفعل الغير معناه أن الوجوب مطلق ثابت سواء فعل الغير ذلك أو لم يفعل.

إذا الشك في سقوط قضاء الصلوات من ذمة الابن الأكبر يرجع إلى الشك في أن وجوب قضاء صلوات الميت على الابن الأكبر هل هو مطلق سواء قضى غيره وقضى الأجنبي عن أبيه أو لم يقضي أو هو مقيد؟

فنقول: يجب على الابن الأكبر قضاء الصلوات عن أبيه بشرط أن لا يقضي الأجنبي الصلوات عن أبيه.

ومن المعلوم أن مقتضى القاعدة هو إطلاق الوجوب فيجب على الابن الأكبر قضاء الصلوات عن أبيه مطلقاً سواء قضى الأجنبي تلك الصلوات أو لا.

فببركة مقدمات الحكمة نجري الإطلاق في مدلول الهيئة والصيغة، فإذا قال المولى للابن الأكبر: مات أبوك فاقضي، ولفظ اقظي مطلق، فلو كان مقيداً لقيد، وقال: اقضي عن أبيك إذا لم يقض عنه أحد، وحيث قد أطلق وقال: اقضي، فنتمسك بالإطلاق وقرينة الحكمة لإثبات أن وجوب القضاء على الابن الأكبر مطلق سواء فعل الغير أو لم يفعل، وهذا معناه عدم السقوط بفعل الغير.

خلاصة ما نحن فيه

ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أن المسألة الأولى وهو عند الشك في التوصلي والتعبدي بمعنى ما يسقط بفعل الغير لا يرجع إلى تضييق وتوسعة دائرة الواجب بل يرجع إلى توسعة أو تضيق دائرة الوجوب، مرجع الوجوب إلى الهيئة ومرجع الواجب إلى المادة.

المناقشة في ما أفاد السيد الخوئي

لكن ما أفاده السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يمكن المناقشة فيه صغرى وكبرى فقد ناقشه تلميذه الوفي الشهيد الصدر[2] .

مناقشة الصغرى

إنما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن الواجب يستحيل أن يكون هو الجامع بين فعل نفسه وفعل غيره بدعوى أن فعل الغير ليس تحت سلطان المكلف فهذا البيان ممنوع صغرى وقابل للتأمل نظراً لأن فعل الغير ينقسم إلى قسمين:

فعل الغير ينقسم إلى قسمين

القسم الأول فعل الغير التسبيبي.

القسم الثاني فعل الغير الأجنبي.

وما لا يكون تحت سلطان المكلف إنما هو خصوص فعل الغير الأجنبي فهو ليس تحت اختيار نفس المكلف، وأما القسم الأول وهو فعل الغير التسبيبي فهو يكون تحت سلطان المكلف وتحت قدرته وسطوته، فيمكن لزيد أن يسبب لعبيد وعمر هذا الفعل إما تسبيباً إلجائياً بأن يلجأه ويجبره على الفعل، وإما تسبيب بمعنى قدح الداعي فيما إذا فرض أن المكلف كان قادراً على قدح الداعي في نفس الآخر.

فيمكن للولد الأكبر أن يقول لعمه يا عم أنت لست عمي بل ابن أبي فإن أبي قد رباك وكنت يتيماً وأبي يحب أن تقضي عنه وفاء لحق الأبوة المعنوية وحينها سيقضي لها، فمثل هذه الحصة التسبيبية تكون تحت قدرة الابن والمكلف ولهذا يمكن الأمر بها مباشرة، مثال ذلك: أن يؤمر الأب بصلاة ابنه مع أن صلاة الابن ليست فعل الأب لكن باعتبار أن صلاة الابن أمر مقدور للأب تسبيباً فيمكن للأب أن يوجد الداعي في ابنه للقيام بالصلاة يا ولدي إذا صليت تدخل الجنة وهذه هدية في الدنيا قبل الآخرة قم يا ولدي وصلي.

فالحصة التسبيبية من فعل الابن مقدورة للأب وأمر تحت سلطان الأب فيعقل تعلق التكليف والوجوب، ويكون الوجوب قد تعلق بالجمع بين فعل المكلف والحصة التسبيبية من فعل الغير فيكلف بالجامع، إما أن يأتي هو بالفعل مباشرة فيصلي الابن الأكبر وإما أن يأتي بالفعل بنحو التسبيب بأن يشوق ويرغب أخاه أو أخته أو عمه في قضاء الصلوات.

خلاصة الإشكال الصغروي وجوابه

ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أن التكليف بالجامع بين فعل النفس وفعل الغير غير مقدور.

والجواب: التكليف بالجامع بين فعل النفس وفعل الغير الأجنبي غير مقدور وليس تحت السلطنة ولكن التكليف بالجامع بين فعل النفس وفعل الغير التسبيبي تحت سلطان المكلف وأمر مقدور فيعقل التكليف به.

هذا تمام الكلام في المناقشة الصغروية.

الإشكال الكبروي

فلو فرض أن فعل الغير ليس بمقدور للمكلف، وتنزلنا وسلمنا جدلاً، وقلنا إن فعل الغير ليس بمقدور للمكلف مطلقاً سواء كان أجنبياً أو تسبيبياً، لكننا ننقض على السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بما سوف يأتي منه في المسألة الثانية والمسألة الثالثة من أنه يمكن التكليف بالجامع بين المقدور وغير المقدور باعتبار أن الجامع بينهما مقدور.

وأي فرق بين فعل الغير الاختياري للمكلف والفعل الذي يصدر من الغير، فإن الفعل الغير اختياري للمكلف نسبته إلى قدرته نسبة فعل الغير قدرته إذ كلاهما ليس تحت سلطانه، فإذا تصورنا إن كان تعلق بالتكليف بالجامع بين الفعل الاختيار لزيد والفعل الغير الاختياري لزيد بدعوى أن الجامعة بين المقدور وغير المقدور مقدور.

في عالم الثبوت

إذا يمكن أن نتصور تعلق التكليف بالجامع بين فعل زيد الذي هو مقدور له وبين فعل عمرو الذي هو ليس بمقدور لزيد بحسب الفرض لأن الجامع بينهما مقدور لزيد ولو في ضمن فعل نفسه.

وبهذا يتضح أن السقوط بفعل الغير يمكن أن يكون بسبب سعة دائرة الواجب بحيث يرجع الشك في السقوط بفعل الغير إلى الشك في دائرة الواجب ضيقاً وسعة إذ يعقل ثبوتاً أن يكون الأمر متعلقاً بالجامع بين فعل زيد وفعل غيره الذي هو عام، إما على الإطلاق أو فعل غيره التسبي الحصة التسبيبة من فعل غيره.

النتيجة: عندما نشك في أن الواجب يسقط بفعل الغير أو لا يسقط بفعل الغير، فلا تنحصر صيغة هذا الشاك في خصوص سعة الوجوب وضيقه كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي، بل يمكن أن يرجع إلى أن الواجب هل هو الحصة الخاصة؟ وهو فعل زيد، أو هو الجامع بين فعل زيد وفعل غيره؟

فإذا تعقلنا هذا ثبوتا صار في عالم الثبوت وعالم الإمكان كلاهما محتمل إما الشك في دائرة الوجوب سعة وضيقاً، وإما الشك في دائرة الواجب وضيقاً كلاهما معقول هذا في عالم الثبوت والإمكان.

في عالم الإثبات

يبقى الكلام في عالم الإثبات بالنسبة إلى الوجوب نرجع إلى ظاهر إطلاق الصيغة وبالنسبة إلى الواجب نرجع إلى ظاهر إطلاق المادة، لنرى ما هو مدلول المادة الذي استفدنا منه الواجب؟ وما هو مدلول الصيغة والهيئة الذي استفدنا منه الوجوب؟

فإذا كان توسعة وتضييق الوجوب والواجب ممكن ثبوتاً لا بد من النظر في عالم الإثبات إلى ما يقتضيه ظاهر الصيغة وظاهر المادة، فلا بد من الرجوع إلى ظهور المادة في دليل صل وهي مادة الصلاة لا إلى ظهور الهيئة افعل لنرى ظهور المادة ماذا يقتضي؟ فهل إن ظهور المادة يقتضي الإطلاق وكون الواجب هو الجامع بين فعل زيد وفعل غيره أو أن الواجب هو خصوص الحصة الخاصة وهي خصوص فعل زيد؟

فلنتأمل.

ومن الواضح أن مقتضى إطلاق المادة صل مادة الصلاة أن الواجب هو الجامع المهم تتحقق الصلاة تتحقق من زيد أو عبيد فمقتضى القاعدة إذا تمسكنا بإطلاق مادة الصلاة في قول صل هو السقوط بفعل الغير لأن فعل الغير يكون مصداقاً للواجب الذي هو الجامع بين فعل زيد وفعل غيره، وإن كان ظهور المادة يقتضي كون الواجب هو الحصة الخاصة المتشخصة بفعل زيد بالخصوص، فنستظهر أن المراد ليس هو مطلق الصلاة بل المأمور به هو خصوص الصلاة المتشخصة بزيد الذي خوطب، فيكون مقتضى القاعدة هو عدم السقوط بفعل الغير لأنه ليس مصداقاً للواجب.

فإذا استظهرنا الثاني أن المادة لا إطلاق لها بل المادة متشخصة ومقيدة بخصوص المكلف زيد حينئذ الرتبة الثانية نرجع ولنرى مقتضى إطلاق الوجوب أي الهيئة والصيغة وما يستفاد منها.

فنقول إن هذه الحصة الخاصة يعني الصلاة المتشخصة بزيد واجبة على كل حال سواء أتى بها الغير أو لم يأت بها فلا بد إذا من صرف عنان الكلام إلى تشخيص ما هو ظهور ولا يكفي التمسك بإطلاق الهيئة.

يعني هل المادة يراد به مطلق الصلاة أو المادة يراد بها خصوص الصلاة المقيدة والمتشخص بزيد؟

عندنا أمران

إذا بناء على هذا يوجد عندنا أمران:

الأمر الأول أن يكون صادراً من المكلف ومستندا إليه.

الأمر الثاني أن يكون الفعل الصادر من المكلف والمستند إليه صادراً منه بالمباشرة ولا ملازمة بين الأمر الأول والأمر الثاني.

فإذا قال المولى لعبده اكنس المسجد، فإن هذا العبد قد يكنس بنفسه وقد يكنس المسجد بتسبيبه حينما يطلب من زميله فيصدق الأمر الأول وهو أن يكون الفعل قد استند إلى المكلف، لكن لا يصدق الأمر الثاني ولا يقال إن الكنس قد صدر من العبد مباشرة.

تنقيح الأمرين

إذاً لابد من تنقيح أمرين:

الأمر الأول أن يكون الفعل صادراً من المكلف ومستنداً إليه.

الأمر الثاني أن يكون هذا الأمر الذي هذا الفعل الذي صدر من المكلف بالمباشرة لا بالتسبيب، وهذا ما يحتاج إلى تحقيق.

تحقيق المسألة يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo