< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهان في الجملة الخبرية

 

محل البحث: الأوامر- الفصل الثاني (صيغة الأمر)- دلالة الجملة الخبرية على الوجوب أو الجامع-تنبيهان

 

التنبيه الأول

الجملة الخبرية إذا دخلت عليها لام الأمر أفادة الطلب، فلو قال المولى: «ليغتسل أو ليقضي أو ليعيد» فالظاهر أن لام الأمر توجب في المقام قلب النسبة من النسبة الصدورية إلى النسبة الإرسالية، فيقلب الفعل المضارع من جملة خبرية إلى جملة من قبيل افعل تدل على الطلب، فيجعل مدلول الفعل المضارع الذي يدل على النسبة الصدورية بعد دخول لام الأمر دالاً على نسبة إرسالية إيقاعية، فيكون مفاد ليغتسل مفاد اغتسل في الدلالة على الطلب في النسبة الإرسالية.

وتثبت دلالة هذه الجملة الخبرية الذي دخل عليها لام الأمر على الوجوب بمثل ما أثبتنا دلالة صيغة افعل على الوجوب والنسبة الإرسالية.

التنبيه الثاني

إن الجمل التي تستعمل في مقام إبراز إرادة المولى إذا ثبت في بعضها أنها موضوعة لدلالة على الوجوب فلا كلام في دلالتها على الوجوب، لكن إذا لم يثبت في هذه الجمل أنها موضوعة لغةً لدلالة على الوجوب فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

تقسيم الجملة التي تستعمل في مقام إبراز الإرادة إلى ثلاثة أقسام

القسم الأول ما يكون دالاً على الدفع والإرسال والتحريك، إما بنحو المعنى الاسمي كقوله: ادفعك، احركك،.. وإما بنحو المعنى الحرفي أي النسبة الإرسالية كما هو الحال في صيغة افعل أو الفعل المضارع الذي دخلت عليه لام الأمر.

فهذا يدل على الدفع والإرسال إما بالمعنى الاسمي كقوله: ادفعك، اطلب منك، أمرك،.. فكلمة الدفع والطلب والأمر والتحريك بنفسها إرسالٌ ودفعٌ.

فإذا فرض أن الجملة الخبرية تدل على الدفع والإرسال إما بنحو المعنى الاسمي أو بنحو المعنى الحرفي، أمكن أن يستفاد من الجملة الوجوب، لكن على رأي السيد الشهيد يستفاد الوجوب بالإطلاق الذي بينه في بحث صيغة الأمر، فقال: إن مقتضى التطابق بين الإرسال الخارجي والإرسال التشريعي هو أن يكون الإرسال التشريعي أيضاً إرسال حتمياً قد سدّ فيه تمام أبواب العدم كما سدّ تمام أبواب العدم في الإرسال الخارجي والإلقاء الخارجي.

فكل البيان المتقدم من السيد الشهيد ـ رحمه الله ـ هناك يأتي هنا، فيستفاد الإرسال والإلقاء إما بنحو المعنى الاسمي وإما بنحو المعنى الحرفي، وقد وضحنا فيما سبق أننا لا نلتزم بهذا الإرسال التكويني والإرسال الخارجي ونرى استفادة الإرسال من مادة الدفع والأمر والإرسال إنما هو ببركة الوضع اللغوي لا ببركة الإطلاق ومقدمات الحكمة أي الإرسال التشريعي لا الإرسال التكويني وفاقاً لسيدنا الأستاذ المرجع الديني الكبير السيد كاظم الحسيني الحائري[1] .

إذاً القسم الأول يمكن استفادة الوجوب نظراً للدفع والتحريك والإرسال المستفاد إما من المعنى الحرفي أو من المعنى الاسمي.

القسم الثاني لا يستفاد منه المعنى الحرفي ولا المعنى الاسمي وإنما يستفاد منه معنى اعتباري يجعل في العهدة والذمة فيعتبر هذا الفعل والأمر الاعتباري في عهدة المكلف كقوله تبارك وتعالى: (وعلى الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) أي من استطاع إلى حج بيت الله فوجوبه ثابتٌ في ذمته.

وكقوله تعالى: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم﴾[2] أي جعل الصوم في ذمتكم وفي عهدتكم كما جعل في عهدة من كان قبلكم.

وكقولهم: على فلان أن يتصدق بمد من الطعام، ونحو ذلك مما ورد في الآيات والروايات.

فهذه التعابير مضمونها جعل الشيء في العهدة، وحيث إن العهدة من الأوعية والاعتبارات العقلائية، والتي ارتكز عقلائياً كونها موضوعة للوجوب واللزوم في باب الضمانات والديون، أصلاً كون الشيء في عهدتك وذمتك يعني مضمون عليك وأنت ملزم به، ولهذا ينعقد لهذا الكلام ظهور في الوجوب، هذا الظهور عرفي في ثبوت الشيء في الذمة والعهدة، وثبوت الشيء في الذمة يستتبع ويستلزم إلزاماً من قبل المولى للإتيان بالفعل، لأن كون مال الغير في عهدته يستتبع إلزامه بدفع مال الغير، لأن العهدة وعاء وكل ما يقع فيه يقع موضوعاً للإلزام بحسب الارتكاز العقلائي.

إذاً بنكته ارتكازيه كون العهدة موضوعة للإلزام العقلائي فأي خطاب يكون مفاده جعل الأمر الاعتباري في العهدة وفي الذمة يستفاد منه أيضاً إلزام المولى بذلك وعدم رضاه بالتخلف إلا إذا قامت قرينة على خلاف ذلك.

إذاً القسم الثاني يدل على الوجوب أيضاً كما يدل عليه القسم الأول.

القسم الثالث لا يكون فيه شيء من النكتتين لا يدل على الدفع والإرسال كما في الأمر الأول ولا يدل على وضع شيء في العهدة والذمة كما في المعنى الثاني، غاية ما في الأمر أنه يستفاد منه رغبة المولى كقول المولى: أحب أن تصنع كذا، أرغب أن تفعل كذا، يعجبني أن تفعل كذا وغير ذلك من الألفاظ، فمثل هذه الألفاظ لا تدل على الإرسال والدفع لا بنحو المعنى الاسمي ولا بنحو المعنى الحرفي، فقوله: أحب، وأرغب، وأحبذ.. لا تدل على البعث والإرسال كما لا تدل على جعل شيء في الذمة والعهدة فالقسم الثالث لا دليل على إفادته الوجوب.

فلو ورد في رواية ما يكون بمضمون أرغب وأحب وأحبذ فلا دلالة في ذلك على الوجوب أصلاً، هذا هو الضابط الكلي في تمام الجمل التي تستعمل في الروايات في مقام الطلب، وبذلك يتم الكلام في الجهة الثالثة وهي الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب.

 

الجهة الرابعة

التعبدي والتوصلي

والكلام في التعبدي والتوصلي معقودٌ لتنقيح ما هو مقتضى الأصل اللفظي والأصل العملي عند الشك في كون الواجب تعبدياً أو توصلياً فهل الأصل هو التعبدية أو الأصل هو التوصلية أو لا أصل في البين؟، وهذا البحث ينقسم إلى أربع مسائل باعتبار أن التوصلي له أربعة معانٍ، فينبغي بحث هذه المعاني الأربعة في أربع مسائل، وما هو مقتضى الأصل اللفظي؟ وما هو مقتضى الأصل العملي؟ في هذه المعاني الأربعة.

أربع معان للتوصلي

وهي كما يلي:

المعنى الأول التوصلي معناه: ما يسقط بفعل الغير، كما لو وجب على الابن الأكبر قضاء ما فات أباه من صلوات، فلو صلى عنه غيره وتوصل إلى الصلاة فهل تسقط هذه الصلوات من ذمة الابن الأكبر أم لا؟ فالتوصلي معناه: ما يسقط بفعل الغير.

المعنى الثاني التوصلي معناه: ما يسقط بالفعل الغير الاختياري من نفس الإنسان المكلف، فلو خاطبه المولى اغتسل، واغتسل لا عن اختيار فهل هذا الغسل الغير اختياري يسقط عنه خطاب اغتسل أم لا؟

فالمراد بالتوصلي: فعل نفس المكلف الغير اختياري، الذي يتوصل به لإسقاط التكليف من الذمة.

المعنى الثالث التوصلي معناه: ما يسقط بالفرد المحرم، فلو وجب غسل الثوب، وغسلها بماء مغصوب فهل هذا الفعل المحرم الغصبي يسقط خطاب اغسل ثوبك أم لا؟

فالمعنى الثالث للتوصلي معناه: التوصل إلى سقوط التكليف بالإتيان بالفرد المحرم.

المعنى الرابع التوصلي: وهو المعنى المعروف للتوصلي في علم الأصول والفقه، وهو ما لا يحتاج سقوطه إلى قصد القربة، فيسقط ولو أتي به ولو بداعٍ قربي كدفن الميت فإنه يجب دفن الميت ولا يشترط في ذلك قصد القربى، بخلاف الصلاة على الميت فإنها عبادة ويشترط فيها قصد التقرب إلى الله تعالى.

معنى التعبدي

فالعبادي والتعبدي: هو ما يشترط فيه قصد القربة كالصلاة والصوم والزكاة والحج، والتوصلي: هو الواجب الذي لا يشترط فيه قصد القربة كدفن الميت وتغسيل الميت لا يشترك فيها قصد القربة.

وفي مقابل كواحد من المعاني الأربعة للتوصلي يكون التعبدي في المعنى المقابل له لا محالة.

للتعبدي أربع معان في مقابل التوصلي

إذاً هناك أربعة معاني للتوصلي وفي مقابلها أربعة معاني للتعبدي، فيقع الكلام في أربع مسائل، وفي كل مسألة يعني كل معنى من معاني التوصلي والتعبدي لا بدّ من تحقيق الأمر وأنه ما هو مقتضى الأصل اللفظي وما هو مقتضى الأصل العملي فيما إذا شكّ في التوصلية في أحد المعاني الأربعة.

إذاً المسألة الأولى تكون في التوصلي في المعنى الأول ما يسقط بفعل الغير كما لو مات أبوه ووجب على الابن الأكبر أن يقضي عنه، فلو صلى أجنبي عن والده هل هذه الصلوات المقضية من الأجنبي تسقط عنه وجوب قضاء الصلاة عن أبيه أم لا؟ ما هو مقتضى الأصل اللفظي؟ وما هو مقتضى الأصل العملي؟

بعد الآن يمتزج الفقه بالأصول ما يصير أصول بحت، يصير بحث حلو فقهي.

المسألة الأولى يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo