< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دلالة الجملة الخبرية على الوجوب أو الجامع

 

المقام الثاني

دلالة الجملة الخبرية على الوجوب أو الجامع بين الوجوب والاستحباب.

تقدم الكلام في المقام الأول وهو دلالة الجملة الخبرية على الطلب وذكرنا أربعة وجوه لتخريج دلالة الجملة الخبرية على الطلب، وهذه الوجوه الأربعة لابد أن نرجع إليها في المقام الثاني، فهل هذه الوجوه الأربعة التي تدل على الطلب تدل على خصوص الطلب الوجوبي أو تدل على الطلب الأعم من الوجوب والاستحباب؟

وسيتضح إن شاء الله تعالى أن الوجه الأول والثاني والثالث يدل على خصوص الطلب الوجوبي بينما الوجه الرابع يدل على الطلب الأعم من الوجوب أو الاستحباب.

أربعة وجوه في المسألة

ولنشرع في بيان هذه الوجوه وما تقتضيه تباعاً:

الوجه الأول

التحفظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية والمدلول التصديقي وهو قصد الحكاية ففي الجملة الخبرية في مقام الطلب لا يحصل أدنى تصرف في كلا المدلولين، فقول القائل يعيد ويقضي في الطلب هو قاصد به الحكاية والإخبار عن وقوع الإعادة والقضاء خارجاً لكن بناء على الوجه الأول هو يخبر عن شخص خاص وهو خصوص المتشرع الذي يمتثل، فقوله يعيد يدل بالمطابقة على الإعادة وبالملازم على طلب الإعادة.

وبالتالي يكون الوجه الأول استعملت فيه الجملة الخبرية بالاستعمال الحقيقي دون المجازي والاستعمال المجازي يثبت للوجه الثاني والثالث والرابع لأن الوجه الثاني أريد المعنى الكنائي أطلق اللازم وأريد الملزوم فيكون الاستعمال مجازياً، وأما الوجهة الثالث والرابع فقد تحفظ على المدلول التصوري دون المدلول التصديقي مما يعني أن الاستعمال مجازي.

إذاً خصوص الوجه الأول يكون الاستعمال فيه استعمالاً حقيقياً لأننا نحافظ على المدلول التصوري والمدلول التصديقي ونحافظ على المدلول المطابقي لهما فيكون الاستعمال حقيقياً.

وأما نكتة العناية في الوجه الأول هو أن المخاطب أو المخبر عنه هو خصوص الرجل المتدين والمكلف الذي يمتثل، وبناء على هذا الوجه يظهر تعين الوجوب في مقابل الاستحباب لأن هذا الوجه يستلزم ويستبطن عناية وهي الالتزام بالتقييد في دائرة الفاعل صوناً لكلام الشارع المقدس عن الكذب حينما يخبر بالإعادة خارجاً فيقيد الفاعل بخصوص الشخص الذي يكون عمله على طبق الموازين الشرعية.

الدوران بين الوجوب والإستحباب

وهنا يدور الأمر بين الأقل والأكثر في التقييم أي بين الوجوب والاستحباب والأقل هو الوجوب والأكثر هو الاستحباب لأن الطلب لو كان طلباً وجوبياً فإن الفاعل يقيد بمن كان عمله على طبق الموازين الشرعية ويكون الإخبار عن الإعادة والقضاء صادقاً لأن من كان عمله على طبق الموازين الشرعية وأوجبت عليه الإعادة والقضاء فإنه يعيد ويقضي بلا إشكال هذا إذا كان الطلب وجوبياً.

وأما إذا كان الطلب استحبابياً فللمكلف أن يعيد ويقضي وله أن لا يعيد ولا يقضي فالفعل والترك سيان بالنظر إلى الموازين الشرعية فإذا كان الطلب طلبا استحبابيا لابد من وجود تقييد زائد في دائرة الفاعل حتى لا يكون الإخبار كاذباً، بأن يقول: هذا الطلب إنما يكون في حق من يطبق عمله وفقا للموازين الشرعية بأفضل أنحاء التطبيق، وهذا القيد أفضل أنحاء التطبيق أي التطبيق الأعلائي للشريعة وهذا تقييد زائد في دائرة الإخبار.

فإذا قلت الإخبار إنما هو عن من يطبق الشريعة تطبيقاً أعلائيا هذا تقييد زائد، فإذا دار الأمر بين الأقل وهو من يطبق عمله على الشريعة وبين الأكثر من يطبق عمله تطبيقا أعلائياً يتعين الأخذ بالأقل في مقام التقييد لأن الوجوب أقل مؤونة من الاستحباب والاستحباب أكثر مؤمونة فيتعين الأخذ بالأقل وهو الوجوب.

النتيجة النهائية: الوجه الأول يثبت خصوص الطلب الوجوبي.

وخلاصة الوجه الأول

يتم التحفظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية ويتم التحفظ على المدلول التصديقي المطابق وهو قصد الحكاية والمخبر عنه هو خصوص من يطبق عمله وفق القواعد الشرعية وهذا يستفاد من الوجوب، وأما الاستحباب فإنه يكون في حق من يطبق عمله على وفق القواعد الشرعية بأكمل وجه وهذا قيد زائد.

فإذا الوجه الأول يفيد دلالة الجملة الخبرية على خصوص الوجوب لا الجامع الأعم من الوجوب والاستحباب.

الوجه الثاني

التحفظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية، والتحفظ على المدلول التصديقي للجملة الخبرية وهو قصد الحكاية لكن لا يراد المدلول المطابقي للمدلول التصديقي كما في الوجه الأول بل يراد المدلول الالتزامي والكنائي.

فننتقل من أحد المتلازمين إلى اللازم، فقوله: يعيد إخبار عن الإعادة والإعادة لازم ولها ملزوم وهو طلب الإعادة، فصدور الفعل خارجاً ملازمٌ لطلب الفعل من المولى فالمولى يجعل الصدور قنطرة للإخبار عن الطلب من قبيل جعل كثرة الرماد قنطرة ووسيلة للإخبار عن كرم زيد.

وبناء على الوجه الثاني أيضاً يتعين الطلب الوجوبي لا الأعم من الوجوب والاستحباب لأن القنطرة كلما كانت اقصر كانت الدلالة أقوى، ومن الواضح أن مرتبة التلازم بين وقوع الفعل والطلب الوجوبي أوضح ارتكازاً وعرفاً من مرتبة من مرتبة التلازم بين وقوع الفعل والطلب الاستحبابي الذي هو مقرون بالترخيص في الترك.

خصوصاً مع كثرة تخلف المكلفين عن الإتيان بالمستحبات وعدم شيوع ترك الواجب إذا أن ترك الواجب من شأن العصاة لا من شأن المتشرعة.

فالكثير من المستحبات قد يتركها المتشرعة وهذا شائع وهذا لا يخدم الملازمة بين الطلب الاستحبابي ووقوع المادة بل لا توجد ملازمة نظراً لشيوع كثرة تخلف الإتيان بالمستحب خارجاً مع وجود الأمر بالاستحباب، وحينئذ تنصرف الكناية إلى ما هو الأشد والأوضح لزوماً بحسب الارتكاز العرفي والمتشرعي ويكون كناية عن الوجوب لا عن الاستحباب.

إذاً الوجه الثاني يدل على خصوص الطلب الوجوبي للجامعة الأعم بين الوجوب والاستحباب.

الخلاصة

في الوجه الثاني نحافظ على المدلول التصوري والمدلول التصديقي لكننا لا نريد المدلول المطابقي للمدلول التصديقي وهو قصد الحكاية بل نريد المدلول الالتزام أي هذا الإخبار يكشف عن الطلب هذه الملازمة بين وجود طلب بالإعادة والإخبار عن وقوع الإعادة هذه الملازمة تتأكد في الواجب دون المستحب.

لذلك يستفاد من الوجه الثاني حمل الطلب على خصوص الطلب الوجوبي دون الطلب الاستحبابي.

الوجه الثالث

الحفاظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية ورفع اليد عن المدلول الالتزام وهو قصد الحكاية، والتزام بوجود مدلولين تصوريين طوليين لكلمة يعيد ويقضي، والمدلول التصوري الأول هو النسبة أي تصور صدور الفعل من الفاعل، وهذا دلت عليه كلمة يعيد ويقضي بالدلالة المطابقة.

فبحسب المدلول التصوري المطابقي لكلمة يعيد ويقضي نتصور صدور الإعادة والقضاء من المتشرع خارجاً.

والمدلول الثاني هو النسبة الإرسالية تصوراً ودلت عليه الكلمة بالملازمة تصوراً.

ومن هذه النسبة الإرسالية ينقدح وجه إفادة الطلب والإرادة من نحو الذي بيناه في صيغة افعل، وهذه النسبة الإرسالية في طول النسبة الصدورية.

المدلولان تصوريان

يعني عندنا مدلولان تصوريان:

المدلول الأول النسبة الصدورية نسبة صدور الفعل من الفاعل.

المدلول الثاني النسبة الإرسالية إرسال الشخص نحوه الصلاة وإعادتها أو قضائها.

ومن هذا الوجه أيضاً نستفيد التعين تعين الوجوب بنفس التقريب الذي ذكرناه في صيغة افعل.

تقريب ذلك:

إن مقتضى التطابق بين الإرسال التكويني على مبنى الشهيد الصدر والإرسال التشريعي على مبنى أستاذنا السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ هذا الإرسال التكويني أو التشريعي مدلول عليه بلفظ يعيد تصوراً يعني من لفظة يعيد يقضي أيضاً نتصور النسبة الإرسالية التي هي في طول النسبة الصدورية.

وبالتالي كما أن الإرسال التكويني أو التشريعي مقتضاه أنه لا مناص للعبد من التوجه نحو الفعل كذلك يكون التسبيب الشرعي مقتضى أنه لا مناص للعبد من التوجه نحو الفعل، وهذا معنى عدم الترخيص في الترك.

فهذا البيان الذي ذكرناه في صيغة افعل يأتي هنا في الجملة الخبرية إذا افترضنا أن الجملة الخبرية تدل بالدلالة الالتزامية التصورية على النسبة الإرسالية غاية ما في الأمر النسبة الإرسالية مدلول مطابقي تصوري لصيغة افعل ومدلول تصوري التزامي للجملة الخبرية.

وعلى أي تقدير ملاك الدلالة على الوجوب واحدٌ فيهما فبناء على هذا الوجه يتعين الوجوب.

الخلاصة:

في الوجه الثالث نحافظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية ونرفع اليد عن المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية ونلتزم بوجود مدلولين تصوريين في طول بعضهما، فالمدلول التصوري الأول لكلمة يعيد هو صدور النسبة الصدورية أي نسبة صدور الإعادة من المصلي وفي طول وفي فرع هذا المدلول التصوري الأول وهو النسبة الصدورية يوجد مدلول تصوري ثاني، ما هو هذا المدلول التصوري الثاني؟ هو النسبة الإرسالية.

الشهيد الصدر يقول: هذه النسبة الإرسالية الناظرة إلى الإرسال التكويني يعني في عالم التكوين والخارج إرسال الشخص نحو الفعل يكشف عن وجود طلب بالإرسال.

السيد كاظم الحائري يقول: لا دخل لهذا بعالم التكوين وإنما الكلام عن الإرسال التشريعي، إرسال الشخص نحو الإعادة أو القضاء يكشف عن وجود طلب بالإعادة أو القضاء.

إذا عندنا مدلولان تصوريان، والمدلول الثاني وهو النسبة الإرسالية يكشف عن وجود طلب بالإرسال وهذا الطلب يدل على الوجوب لأنه لو كان طلباً استحبابياً لما تحقق الإرسال دائماً لأن الاستحباب معناه جواز الترك، فالملازمة بين الطلب والإرسال تعني أن هذا الطلب طلب وجوبي وليس طلباً استحبابياً.

هذا تمام الكلام في الوجه الثالث.

 

الوجه الرابع

أن نحافظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية ونرفع اليد عن المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية ونلتزم بأن كلمة يعيد مستعملة في مدلولها التصوري وهو النسبة الصدورية وليس لها مدلول التزامي تصوري كما عليه الوجه الثالث.

كما أنه لا نلتزم بوجود المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية كما إليه الوجه الأول إذ التزم بالمدلول المطابق للمدلول التصديقي، وكما عليه الوجه الثاني إذ التزم بوجود المدلول التصديقي بنحو الكناية والمدلول الالتزامي.

فإذا في الوجه الرابع لا يوجد مدلول تصديقي بنحو المدلول المطابقي كما عليه الوجه الأول ولا يوجد مدلول تصديقي بالنحو الكنائي والمدلول التزامي كما عليه الوجه الثاني، ولا يلتزم بوجوب مدلول تصوري طولي للمدلول التصوري الأول كما عليه الوجه الثالث، وإنما يلتزم هذا الوجه بأن المدلول التصديقي ليس هو قصد الحكاية بل المدلول التصديقي أمر آخر جديد وهو نفس الطلب.

فإذاً الجملة الخبرية لها مدلولان تصديقيان الأول هو الإخبار والثاني هو الإنشاء والطلب فيلتزم الوجه الرابع بأن المدلول التصوري هو النسبة الصدورية والمدلول التصديقي ليس هو قصد الحكاية والإخبار بل قصدي الإنشاء والطلب.

وبناءً على الوجه الرابع لا توجد خصوصية تفيد أن هذا الطلب هو خصوص الطلب الوجوبي بل هذا الطلب هو أعم من الوجوب والاستحباب.

يستفاد الوجوب على المبنيين

نعم، يمكن على مبنيين استفادة الوجوب:

المبنى الأول مسلك حكم العقل الذي ذهب إليه الميرزا النائيني والسيد أبو القاسم الخوئي من أن الطلب إذا صدر ولم يقترن بتجويز الترك فإن العقل يحكم والوجوب فحينئذ نلتزم بحمل الجملة الخبرية الصادرة في مقام الطلب على خصوص الطلب الوجوبي لا الطلب الأعم من الوجوب والاستحباب ببركة حكم العقل لا ببركة الوضع.

المبنى الثاني مبنى المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ من التمسك بالإطلاق قرينة الحكمة فالطلب وجوبي هو الطلب الأشد وشدة الطلب من سنخ نفس الطلب فلا تحتاج إلى بيان ومؤونة زائدة بخلاف الطلب الاستحبابي الذي هو طلب ضعيف وضعف الطلب وضعف الإرادة هو عبارة عن عدم الطلب وعدم الإرادة وهو ليس من سنخ الطلب والإرادة فيحتاج إلى بيان، فإذا أطلق المولى الطلب ولم ينص على قرينة ضعف الطلب وضعف الإرادة فإن هذا الطلب يحمل على خصوص الطلب الوجوبي لا الجامع الأعم من الوجوب والاستحباب.

إذاً يتعين بمقتضى مقدمات الحكمة الحمل على الإرادة الشديدة والطلب الشديد لا الإرادة الضعيفة والطلب الضعيف.

وقد اتضح فيما سبق أن مبنانا هو مسلك الوضع لا مسلك العقل للميرزا النائيني والسيد الخوئي ولم نلتزم بمسلك الإطلاق ومقدمات الحكمة للمحقق العراقي.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني

واتضح أن الجملة الخبرية في مقام الطلب تدل على خصوص الطلب الوجوبي دون الجامع الأعم من الوجوب والاستحباب، واتضح أن الوجوه الثلاثة الأولى تدل على الطلب الوجوب دون الوجه الرابع فإنه يدل على الجامع الأعم من الطلب وجوبي والاستحباب ويمكن حمله على الوجوب حمل الوجه الرابع على الوجوه بناء على مسلك حكم العقل ومسلك الإطلاق وقرينة الحكمة.

ما هو الأقرب من هذه الوجوه؟

الجواب:

الوجه الأول لأنه استعمال حقيقي يحافظ فيه على المدلول التصوري والتصديق معاً، ثم يليه الوجه الثاني لأنه في الوجه الثاني يحافظ على المدلول التصوري ويحافظ على المدلول التصديقي غاية ما في الأمر لا يلتزم بالمدلول المطابق للمدلول التصديقي بل يلتزم بالمدلول الالتزامي للمدلول التصديقي، ثم يليه الثالث لأنه نرفع اليد عن المدلول التصديق ونلتزم بوجود مدلولين تصوريين طوليين، والأخير هو الوجه الرابع إذ يلتزم فيه باستبدال المدلول التصديقي للجملة الخبرية وهو قصد الحكاية بمدلول تصديقي جديد وهو نفس الطلب.

إذاً مقتضى الصناعة الأولية أن أقرب هذه الوجوه هو الوجه الأول هذا لو لم تقم قرينة على أي واحد من الأربعة يعني لو قامت قرينة أو دليل على أحد هذه الوجوه الأربعة فهو لكن لو لم يقم دليل فمقتضى الصناعة أن يكون الوجه الأول هو المتعين في مقابل غيره من الوجوه لأن الوجوه الثلاثة الأخرى تقتضي رفع اليد عن المدلول التصديقي، الوجه الثاني ترفع اليد عن المدلول المطابقي لا المدلول التصديقي، وأما الوجه الثالث والرابع فترفع اليد بالكلية عن المدلول التصديقي.

إذا مقتضى الصناعة إذا لم تكن هناك قرينة خاصة على أحد الوجوه الثلاثة أو الأربعة المقتضى هو تعيين الوجه الأول في مقابل الوجوه الأخرى.

النتيجة النهائية:

اتضح من المقام الأول دلالة الجملة الخبرية على الطلب، واتضح من المقام الثاني دلالة الجملة الخبرية على خصوص الطلب الوجوبي لا الجامع الأعم من الوجوب والاستحباب.

يبقى الكلام في تنبيهين يأتي عليهما الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo