< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: استعمال الجملة الخبرية ابتداءً في معنى جديد

 

محل البحث: الأوامر- الفصل الثاني (صيغة الأمر)- الجهة الثالثة (دلالة الجملة الخبرية على الطلب)-فيه مسلكان- تم الكلام في المسلك الأول- الآن نتكلم في المسلك الثاني

 

المسلك الثاني

أن تكون الجملة الخبرية قد استعملت ابتداءً في معنى جديد وهو الطلب، وقد ذهب إلى هذا المسلك سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[1] .

وقد ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أن الجملة الخبرية إذا استعملت في مقام الطلب فإنها تكون قد انسلخت عن معناها رأساً واستعملت في معنى جديد، فالجملة الخبرية ليست موضوعة بالنسبة الصدورية ثم لوحظت المناسبة بين الجملة الصدورية بين النسبة الصدورية والطلب كما عليه المشهور بل تكون الجملة الخبرية قد استعملت ابتداءً في ذلك المعنى الجديد.

مبنى السيد الخوئي في الوضع

وهذا الرأي قد ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بناءً على مبناه في مبحث الوضع من أن المدلول التصديقي هو المدلول الوضعي لا أن المدلول التصوري هو المدلول الوضعي، وبالتالي فإن المدلول التصديقي للجملة الخبرية في موارد الإخبار هو عبارة عن قصد الحكاية، والمدل للتصديق للجملة الخبرية في موارد الإنشاء هو عبارة عن الطلب.

الفارق بين القول المشهور وقول السيد الخوئي

ومن الواضح أن الحكاية والإخبار غير الطلب فلا يوجد في كلا الموردين معنى واحد محفوظ في الجميع كما عليه المشهور حيث قالوا: إن المدلول الوضعي والتصوري للجملة الخبرية هو النسبة الصدورية وهذا واحد في مقام الإخبار وواحد في مقام الإنشاء والطلب.

فذهب المشهور إلى وجود معنى واحد محفوظ في مقام الإنشاء والإخبار معاً، وهذا هو المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية لكن بناءً على أن المدلول الوضعي هو المدلول التصديقي كما عليه السيد الخوئي في نظرية التعهد فيكون المدلول التصديق هو مدلول الجملة وضعاً، إذاً فيختلف المعنى المستعمل فيه في موارد الإخبار عن المعنى المستعمل فيه في موارد الإنشاء.

استشهاد السيد الخوئي بالنقيضين

وقد استشهد السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ على اختلاف هذه الموارد بنقضين[2] فقال ـ قدس سره ـ : «لو كانت الجملة الخبرية معناها الخبري ومدلولها الأصلي محفوظاً في موارد الطلب لا لزم جواز استعمال كل جملة حضارية في موارد الإنشاء والطلب، مع أن الوجدان قاضٍ بأن الجملة الخبرية لا يمكن في جميع مواردها أن نستخدمها في مقام الطلب» ونقض بموردين لا يستعملان في موارد الطلب.

المورد الأول الجملة الاسمية الخبرية فإنها دائماً تكون في مقام الإخبار والحكاية ولا تكون في مقام الإنشاء والطلب.

المورد الثاني الجملة الفعلية الخبرية المتقومة بالفعل الماضي فإنها لا تكون في مقام الإنشاء والطلب إلا بشرط واحد وهي إذا وقع الفعل الماضي فيها جزاء في الجملة الشرطية، كقولك: إذا قهقه في صلاته أعاد، فلو كان مدلول الخبر بما هو هو يناسب مقام الحكاية والإخبار ويناسب أيضاً مقام الطلب لصح استعمال كل جملة خبرية في مقام الإخبار وفي مقام الطلب، والحال أن الجملة الخبرية لا يصح استعمالها في مقام، وكذلك الجملة الخبرية المتقومة بالفعل الماضي فإنها لا تستعمل في مقام إلا إذا وقع الفعل الماضي جزاءً في الجملة الشرطية.

نعم، الجملة الخبرية المتقومة بالفعل المضارع خصوص هذه الجملة كما يمكن استعمالها في مقام الحكاية والإخبار يمكن أيضاً استعمالها في مقام الإنشاء والطلب.

الخلاصة:

الخبر في مقام الطلب تختص بجملتين

الجملة الخبرية التي يمكن أن تستعمل في مقام الإنشاء والطلب تختص بجملتين:

الأولى الخبرية التي قوامها الفعل المضارع.

ثانياً الجملة الخبرية التي قوامها الفعل الماضي إذا وقع الفعل الماضي جزاء في الجملة الشرطية، وهذا يدل على أنه ليس كل جملة خبرية يمكن أن نستخدم في مقام الإنشاء والطلب.

هذا تمام الكلام فيما أفاده المحقق المدقق السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ .

التعقليقان حول مسلك السيد الخوئي

لكن كلامه ـ رحمه الله ـ يمكن أن يناقش بمناقشتين أو تعليقين ذكرهما الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ [3] :

التعليق الأول مبنائي وهو أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يبني على أن المدلول التصديقي للجملة الخبرية هو المدلول الوضعي لكننا لا نلتزم أن المدلول الوضعي للجملة الخبرية والمدلول التصديقي بل المدلول التصوري للجملة الخبرية المدلول الوضعي للجملة الخبرية هو المدلول التصوري وهو عبارة عن النسبة التامة التي وضعت لها الجملة الخبرية.

فانحفاظ معنى وحداني في الجملة الخبرية في موارد الإخبار وموارد الطلب ليس معناه انحفاظ المدلول التصديقي بل انحفاظ المدلول التصوري في كل الموارد سواء كانت خبرية أو إنشائية طلبية بناء على وحدة المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية.

إذا التعليق الأول مبنائي.

التعليق الثاني وهو أن ما ذكره السيد الخوئي الله شاهداً وأنه لا شاهد ولا مثال لاستعمال الجملة الخبرية المتقومة بالفعل ماضي في مقام الإنشاء والطلب وأنه الجملة الخبرية في غير الفعل المضارع والماضي الواقع جزاء في الجملة الشرطية هذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه.

فننقض أولاً بأن الجملة الخبرية المتقومة بالفعل الماضي وقعت في مقام الإنشاء والطلب من دون أن تكون جواباً للشرط، وهذا الاستعمال شائع في مقام الإنشاء إذ تقول: غفر الله لك أو رحمك الله، وهذا في مقام الدعاء أي طلب الرحمة للمدعو وطلب الغفران للمدعو فهذه جملة خبرية قوامها الفعل الماضي من دون أن تقع في جملة شرطية، ومن الواضح أنه ليس المقصود بهذه الجملة الإخبار بأن الله قد غفر لك ورحمك بل المراد الطلب والسؤال.

لكن لا يضطرد هذا الاستعمال في كل جملة فعلها ماضٍ إلا أنه يضطرد بالنسبة إلى الفعل المضارع فلا معنى لأن يقول المولى لعبده صليت في مقام أمره بالصلاة.

النكتة العرفية في عدم صحة استعمال الفعل الماضي وما كان من قبيله في مقام الطلب والاستدعاء

وهنا نكتة لابد من ملاحظتها نكتة جداً عرفيه حلوة، وهي أن الفعل الماضي يدل على المضي والتحقق والطلب يدل على النظرة الاستقبالية، ومن هنا يحصل تنافي بين الطلب الذي هو عن إنشاء شيء استقبالي وبين الفعل الماضي الذي يحكي ويخبر عن أمرٍ قد تحقق في السابق.

إذاً النظر الطلبي نظر ترقبي استدعائي وهذا لا يناسب مع الأمر الماضي المفروغ عنه، لذلك لفظ صلى صام، خمس، يدل على المضي والتحقق في الماضي ومفاد الفعل الماضي لا يناسب الأمر الاستشرافي، وهذا أيضاً المضي والثبات موجود أيضاً في مفاد الجملة الاسمية إذ الجملة الاسمية ببعض معانيها تدل على الثبات والاستقراء والتحقق.

إذاً هذان نظران متنافيان بحسب المناسبات العرفية الارتكازية فالجملة الاسمية تدل على الثبات والفعل الماضي يدل على التحقق والمضي وهذا يتنافى مع النظرة الاستقبالية الاستشرافية.

الفعل الماضي يقلب إلى المضارع

لذلك لا يصح أن يتقمص المولى عرفاً قميص الطلب وينظر بالنظر الطلبي إلى الصلاة ثم يستعمل الفعل الماضي الذي نظره نظر المضي والانتهاء إلا إذا قلب الماضي إلى المضارع أو شبه المضارع من قبيل أن يجعل الفعل الماضي جزاءً في قضية شرطية.

وبالتالي يقول: إذا قهقه أعاد، فهنا لم يعد الفعل الماضي ماضياً بشكل بحت فهو لم يبق متمحضاً في المضي والوقوع والانتهاء ببركة الشرط، فلو كان متمحضاً في المضي والانتهاء لما ناسب أن يكون طلباً واستدعاء، وهذه هي النكتة في اشتراط أن يكون الفعل الماضي واقعاً في جواب الجملة الشرطية، إذ لو كان الفعل الماضي لوحده من دون أن يقع جواباً للجملة الشرطية فإنه يكون قد تمحض في المضي والانتهاء وهذا لا يناسب الطلب والاستقبال.

لكن إذا وقع جواباً للشرط إذا التفت يميناً أو شمالاً أعاد فإن الفعل الماضي أعاد لم يتمحض في المضي والانتهاء بل أصبح شبه مضارع شبه فعل مضارع.

ماذا تقول في قوله: غفر الله لك، أو رحمك الله؟

هذه هي النكتة في عدم صحة استعمال الفعل الماضي المتمحض في الماضوية وما كان من قبيله في مقام الطلب والاستدعاء، إذا ماذا تقول في قوله: غفر الله لك، أو رحمك الله، فإنه يقال هذا ليس طلب حقيقة بالمعنى المتعارف وإن كان إنشاء ولكن الظاهر مفاده ترقب وتوقع أن هذا المولى قد صدر من المولى وليس مفاده طلب صدور هذا الأمر من المولى، كما يقول: يا ربنا اغفر لفلان فإنه قد يقال أن هذا اغفر لفلان هذا طلب الغفران لفلان لكن حينما يقول: غفر الله لك أو رحمك الله ليس المراد يا رب ارحمه يا رب اغفر له وإنما المراد نترقب ونأمل صدور الرحمة والمغفرة لهذا العبد.

وحيث إنه يتوقع أن يصدر من المولى لأنه طلب لصدوره فلا يبقى تهافت بينه وبين نظرة الفعل الماضي الذي مفاده الانتهاء والوقوع في الماضي، هذا التوقع يناسب مع نظرة المضي والانتهاء في الفعل الماضي ولهذا اختص استعمال الفعل الماضي في مقام الإنشاء والطلب فيما إذا كان الطلب يرجع إلى توقع أن يكون قد انتهى المطلب ووقع المحبوب من المولى في الماضي.

إذا ما أفاده السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وذكره كشاهد على اختلاف وضع الجملة الخبرية للإخبار عن اختلاف وضع الجملة الخبرية للإنشاء لا شاهد عليه.

هذا تمام الكلام في المسلك الثاني واتضح أن المسلك الثاني صحيح إذ أن المدلول الوضعي للجملة الخبرية هو المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية وفقاً لما أفاده المشهور وليس المدلول التصديقي وفقاً لنظرية التعهد التي ذهب إليها السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

هذا تمام الكلام في المقام الأول دلالة الجملة الخبرية على الطلب.

الملاك واحد أنه إذا تمحض في المضي والانتهاء لا يمكن يعني هذه الجملة الاسمية أو الجملة الفعلية التي قوامها الفعل الماضي إذا تمحضت في الثبوت والانتهاء فإنه حينئذ لا يمكن استخدامها في الطلب والإنشاء ولكن إذا أصبحت شبيه المضارع أو أضيف إليها خصوصية الترقب والاستشراف للمستقبل فحينئذ يصح استعمالها في الإنشاء والطلب.

لا، هذا تعميق للرد على السيد الخوئي هو يقول أن الجملة الخبرية إذا فعلها مضارع يصح استخدامها في الطلب أما الجملة الخبرية إذا فعلها ماضي لا يصح استعمالها في الطلب أو إذا الجملة الخبرية اسميه لا يصح استعمالها في الطلب، فهو يقول: لو كان كل جملة خبرية مدلولها التصوري واحد ويمكن استخدامها في الإنشاء والإخبار معاً لصح أن تستعمل أي جملة خبرية في أي إنشاء وفي أي إخبار، فيقول: اختلاف الموارد معناها الاختلاف في الوضع.

المدلول الوضعي لم يتغير، بل يستشم الإستقبال من الماضي

نحن نقول لا، المدلول الوضعي واحد وهو النسبة الصدورية وهنا وقع الاختلاف لا بسبب الاختلاف في الوضع بل لوجود تهافت بين المضي والانتهاء وبين الإنشاء والاستقبال، فإذا أمكن تطعيم المضي والانتهاء بشيء من الاستشراف والاستقبال بحيث أصبح الفعل الماضي شبيه بالفعل المضارع فحينئذ يرتفع التهافت والتنافي ويصح الاستعمال، فهذا تعميق للرد على السيد الخوئي.

خلاصة ما يقال

شيخنا الكريم كل يجيب على مبناه السيد الخوئي يقول: المدلول التصديقي هو المدلول الوضعي فيقول الجملة الخبرية وضع لها وضعان: وضع بمعنى الإخبار والحكاية، ووضع جديد وآخر بمعنى الإنشاء والطلب، فعلى مبنى هذا يتم.

على مبنى يقول ماذا؟ يقول الجملة الخبرية ليس لها معنى واحد بل لها معاني متعددة باختلاف القصد فالجملة الخبرية التي قصد بها الإخبار وضع لها معنى يختلف عن الجملة الخبرية التي قصد بها الإنشاء والطلب هكذا يقول.

ثم ينقض السيد الخوئي يقول: لو المعنى لهما وحداني يعني الجملة الخبرية في الإخبار والإنشاء لو لهما معنى وحداني للزم منه أن أي جملة خبرية يمكن أن نستخدمها تارة في الإخبار وتارة في الإنشاء ونقض وقال خصوص الجملة الخبرية التي قوامها الفعل المضارع يمكن استخدامها في الإنشاء ويمكن استخدامها في الإخبار ولكن الجملة الاسمية لا يصح استعمالها إلا في الإخبار دون الإنشاء والجملة الفعلية الخبرية التي قوامها الفعل الماضي يصح استعمالها في الإخبار وإذا أردت أن تستعملها في إنشاء والطلب لابد أن تكون ماذا؟ لابد أن تكون كجواب للشرط.

الشهيد الصدر رد على ذلك الشهيد الصدر يقول: هذا الشاهد الذي ذكرته ليس بشاهد إذ أن الاختلاف ليس ناشئاً من الوضع وإنما ناشئ من التنافي بين حيثية المضي الموجودة في الفعل الماضي إذ يدل على الانتهاء وبين حيثية الاستقبال الموجودة في الإنشاء والطلب.

بالتالي هذا الجواب أيضاً يتم على مبنى الشهيد الصدر وعلى مبنى المشهور الذين يرون أن المدلول الوضعي للجملة الخبرية مدلول تصوري وهو عبارة عن النسبة الصدورية نسبة صدور الفعل من الفاعل.

يحتاج إلى تأمل أكثر إن شاء الله.

هذا تمام الكلام في المقام الأول دلالة الجملة الخبرية على الطلب.

المقام الثاني دلالة الجملة الخبرية على الطلب الوجوبي أو الجامع يأتي عليه الكلام.


[2] المحاضرات، الفياض، ج2، ص137.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo