< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوجه الثالث أن يتحفظ على المدلول التصوري للجملة الخبرية

 

محل البحث: الأوامر- الفصل الثاني (صيغة الأمر)- الجهة الثالثة (دلالة الجملة الخبرية على الطلب)-فيه مسلكان- الكلام في المسلك الأول-أربعة وجوه في تصوير العناية الخاصة-الكلام في الوجه الثالث

الوجه الثالث في تصوير العناية الخاصة

أن يتحفظ على المدلول التصوري للجملة الخبرية وهو النسبة الصدورية دون المدلول التصديقي.

الفارق بين الوجهين الأولين والوجهين الأخيرين

وهذا هو الفارق بين الوجهين الأولين والوجهين الأخيرين، ففي الوجه الأول والثاني يتم الحفاظ على المدلول التصوري والتصديق معاً بخلاف الوجه الثالث والرابع كما سيأتي فإنه يتم الحفاظ على المدلول التصوري فقط دون المدلول التصديقي.

أما الوجه الأول

فإنه يتم الحفاظ على المدلول التصوري وهو أن تكون الجملة ظاهرة في النسبة الصدورية، فجملة يغتسل يعيد أعاد ظاهرة في صدور الفعل وهو الغسل أو الصلاة من الفاعل.

كما يتم الحفاظ أيضاً على المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية والإخبار فالمتكلم بناء على الوجه الأول والوجه الثاني أيضاً هو قاصد للإخبار عن وقوع الغسل أو الإعادة، لكن الوجه الأول يختلف عن الوجه الثاني في النكتة التي يستفاد منها الطلب، فنكتة الوجه الأول هو تضييق المخاطب فالمخاطب هو خصوص المتشرع فحينما يقول الإمام ـ عليه السلام ـ يعيد أو أعاد فهو لا يخاطب جميع الناس وإنما يخاطب خصوص المكلف المتشرع الذي من شأنه أن يعيد ويقضي ويغتسل، فكأن إخبار الإمام ـ عليه السلام ـ بقوله: يعيد أو يغتسل أو يقضي نحو تأكيد لطلب الإعادة والاغتسال.

لذلك الطلب بالجملة الخبرية يكون مدلوله أقوى من فعل الأمر، فقوله: يعيد أو يعاد أو يغتسل أقوى في الدلالة على الأمر والوجوب من قوله: أعد، اقضي، اغتسل لأن التعبير بالجملة الخبرية يعيد، يغتسل، يقضي، كأنما هناك طلب صدر وامتثل المكلف والإمام يخبر عن شيء مفروغ عنه، فيكون التعبير الجملة الخبرية أقوى وأكد من التعبير بفعل.

راجعوا مستند الشيعة للمحقق المدقق الشيخ أحمد النراقي ـ رحمه الله ـ هذا الفقيه الكبير المتضلع، يركز على هذا الأمر.

هذه إذا النكتة بالنسبة إلى الوجه الأول تضييق المخاطب، والمخاطب هو خصوص المتشرع.

أما الوجه الثاني

وأما النكتة بالنسبة إلى الوجه الثاني مع الحفاظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية ومع الحفاظ على المدلول التصديق وهو قصد الحكاية فالنكتة هي عبارة عن قصد المعنى الكنائي والالتزامي لا المعنى المطابقي فنتحفظ على المدلول التصور وهو النسبة الصدورية ونتحفظ على المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية لكن من يقصد الحكاية ويقول يقضي يمضي لا يقصد المدلول المطابقي للقضاء والإعادة بل يقصد المدلول الالتزام للقضاء والإعادة أي أنه لا قضاء من دون طلب وأمر ولا من دون طلب وأمر فنتحفظ على المدلول المطابقي على المدلول التصديقي لكن لا يراد بالحكاية المدلول المطابقي إلى الإعادة والقضاء بل يراد المدلول الكنائي والمدلول الالتزامي للإعادة والقضاء والاغتسال إذ لا قضاء ولا إعادة ولا اغتسال من دون طلب فذكر اللازم وهو الإعادة وأريد به الملزوم وهو طلب الإعادة هذا إلى هنا الوجه الأول والثاني.

الوجه الثالث

نتحفظ على المدلول المطابق على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية فجملة يعيد يقضي تدل على نسبة صدور وحدوث القضاء أو الإعادة من الفاعل وهو المصلي أو القاضي من يقضي، لكننا نتصرف في المدلول التصديقي وهو قصدي الحكاية والإخبار.

فنقول: إن جملة يعيد ويقضي وغيرهما من الجمل الخبرية تسلخ عن مدلولها التصديق وهو قصد الإخبار والحكاية فهنا لا يفترض قصد الحكاية لا عن المدلول المطابقي كما في الوجه الأول ولا عن المدلول الالتزام كما في الوجه الثاني.

ولكن يقال: إن النسبة الصدورية التي هي المدلول المطابق التصوري كثيراً ما تكون في طول النسبة الإرسالية الموجودة في الخارج في عالم التكوين من قبل المولى، كما تقول: دفعته فاندفع، وارسلته فذهاب.

النكتة في الوجه الثالث

إذا النكتة الموجودة في الوجه الثالث هي نكتة والفرعية أي أن المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية نسبة صدور الفعل من الفاعل فرع النسبة الإرسالية من قبل المولى في الخارج، يعني في الخارج وفي عالم التكوين يرسل المولى عبده أو ولده ويتفرع على إرسال المولى في الخارج وفي عالم التكوين يتفرع عليه النسبة الصدورية نسبة صدور الفعل من الفاعل.

إذاً بعد قيام القرين على هذه الطولية ينعقد للجملة الخبرية مثل يعيد دلالة مطابقية تصورية على النسبة الصدور ودلالة تصورية التزامية على النسبة الصدورية، فكلمة يعيد تدل على نسبتين تصوريتين إحداهما مطابقين والثانية التزامية، فالمدلول التصوري المطابقي هو المعنى الموضوع له الجملة، وتدل بالدلالة الالتزامية التصورية على النسبة الإرسالية التي كانت صيغة افعل تدل عليها بالمطابقة.

للكلمة دلالتان

إذاً أصبح لكلمة دلالتان: دلالة تصورية مطابقية وهي النسبة الصدورية، ودلالة إلزامية على النسبة الإرسالية وهذه النسبة الإرسالية تكشف عن الطلب والإرادة بالنحو المتقدم في صيغة افعل، وهذا الوجه مستبطن للعناية وهي أن فرض الانتقال تصوراً إلى هذا اللازم وهو الانتقال تصوراً من النسبة الصدورية إلى النسبة الإرسالية هذا الانتقال لا يكفي فيه مجرد اللفظ لوضوح أن النسبة الصدورية كما قد تنشأ من النسبة الإرسالية من قبل المولى قد تنشأ من ناحية أخرى من غير المولى.

فنقل ذهن السامع من النسبة الصدورية إلى خصوص النسبة الإرسالية يحتاج ضم قرينة على هذا النقل ليستعد للانتقال فلولا وجود قرينة فإن ذهن السامع سيقف عند خصوص النسبة الصدورية ولن يتعداها إلى النسبة الإرسالية.

أعيد وأكرر باختصار:

جملة يعيد يغتسل يقضي فيها مدلول تصوري مطابقي وهو النسبة الصدورية أي نسبة صدور الإعادة أو القضاء أو الاغتسال من الفاعل، هذه النسبة الصدورية التي هي مدلول تصوري في طول وفرع النسبة الإرسالية الموجودة في عالم التكوين يعني في الخارج هذا المولى يرسل عبده ويتفرع على إرسال المولى لعبده نسبة صدور الفعل من الفاعل الذي هو العبد في المقام.

إذاً نحن نبقي المدلول التصوري وهو دلالة الجملة الفعلية على النسبة الصدورية، ونرفع اليد عن المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية والإخبار عن الاغتسال، بل نقول توجد نكتة، وهي: إن النسبة الصدورية التي هي المدلول التصوري متفرعة على النسبة الإرسالية، وهذه النسبة الإرسالية لها مدلول التزامي، ما هو مدلولها الالتزامي؟ صدور الأمر من المولى وإرادة المولى لهذا المطلوب.

تمام النكتة في الوجه الثالث

إذاً تمام النكتة في الوجه الثالث هو ماذا؟ نكتة الطولية يعني العناية الموجودة في الوجه الثالث إثبات وجود طولية بين النسبة الصدورية وبين النسبة الإرسالية، إذا ثبتت يصير إلى كلمة يعيد دلالتان تصوريتان إحداهما مطابقية، والثانية التزامية، الدلال التزامية أن بالنسبة الإرسالية تكشف عن ماذا؟ تكشف عن الطلب.

ولكن قد يتأمل في ثبوت هذه الطولية بين النسبة الصدورية وبين النسبة الإرسالية التكوينية فمن قال إن النسبة الصدورية تتفرع على النسبة الإرسالية التكوينية، بل يمكن أن نلتزم إن النسبة الصدورية تتفرع على النسبة الإرسالية التشريعية من دون حاجة إلى عالم التكوين.

فإذا قام الدليل على هذه الطولية بين النسبة الصدورية والنسبة الإرسالية في عالم التشريع لا في عالم التكوين أيضاً يتم المطلوب.

وهذا هو الفارق بين نظر الشهيد الصدر سيد أساتذتنا وبين نظر تلميذه الوفي السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ إذ الشهيد الصدر يرى النسبة الإرسالية في عالم التكوين والسيد كاظم الحائري يرى النسبة الإرسالية في عالم التشريع.

يراجع مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري تقرير الدورة الأولى، الجزء الثاني، صفحة مئة وستة عشر، قال في الحاشية رقم واحد[1] :

«مقصود أستاذنا ـ رحمه الله ـ أن الذهن ينتقل تصوراً بواسطة القرينة من النسبة الصدورية التصورية إلى النسبة الإرسالية التكوينية» طبعاً مصطلح التكوين لم يرد في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، الجزء الرابع، صفحة مئة واثنين وثلاثين، ومائة وثلاثة وثلاثين لم يرد وأيضاً لم يرد في المتن في متن السيد كاظم الحائري الذي هو نصّ كلام الشهيد ورد في الحاشية تفسير للسيد كاظم، يقول:

«مقصود أستاذنا أن الذهن ينتقل تصوراً بواسطة القرينة من النسبة الصدورية التصورية إلى النسبة الإرسالية التكوينية لأن النسبة الصدورية من لوازم النسبة الإرسالية، وبما أن النسبة الإرسالية التكوينية في غالب الأحيان تكون في طول الإرادة التشريعية للمولى تصبح الدلالة التصديقية عبارة عن هذه الإرادة، ولكن الوجه الذي نحن ارتأيناه فيما سبق لدلالة صيغة الأمر على الطلب لم يكن هذا بل كان دعوى وضع الهيئة للنسبة البعثية التامة تصوراً وتكشف تلك النسبة عن الإرادة والبعث التشريعي» يعني من دون توسط عالم التكوين، هذا تمام الكلام في الوجه الثالث.

خلاصة بشكل موجز:

في الوجه الثالث نحافظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية، نرفع اليد عن المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية والإخبار، ونتمسك بنكة الطولية، ونقول: إن المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية التي سلمنا بها فرع وفي طول النسبة الإرسالية التكوينية على مبنى الشهيد الصدر أو النسبة الإرسالية التشريعية على مبنى كاظم الحائري، وهذه النسبة الإرسالية التشريعية أو التكوينية تدل بالالتزام على وجود أمر وطلب.

وبالتالي تكون الجملة الخبرية يعيد تدل على الطلب ببركة المدلول الالتزام للنسبة الإرسالية.

الوجه الرابع

أن نحافظ على المدلول التصوري للجملة الخبرية وهو النسبة الصدورية كما في جميع الوجوه الأربعة، ولكن نرفع اليد عن المدلول التصديقي للجملة الخبرية وهو قصد الحكاية والإخبار، ولا نلتزم بالنكتة الموجودة في الوجه الثالث من الانتقال من النسبة الصدورية إلى النسبة الإرسالية بل يدعى يدعى ابتداء أن هذه النسبة الصدورية التي هي المدلول التصوري قابلة لأن يتعلق بها أمران نفسيان:

فتارة يخبر المتكلم عن هذه النسبة أي أنه يصدق بوجودها، فيقول: زيد يعيد صلاته إخبار، وتارة يتعلق بها أمر نفساني آخر وهو طلبها وإرادتها.

خلاصة الوجه الرابع

إذاً خلاصة الوجه الرابع أن نحافظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية ونرفع اليد عن المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية والإخبار، ولكن نقول إن المدلول التصوري الذي سلمنا به يكون الباعث على إراده أحد أمرين نفسيين:

الباعث على إرادة أحد الأمرين

الأمر الأول يتعلق الأمر النفساني بقصد التصديق، تقول: فلان يغتسل كثيراً ما شاء الله، وفلان يصلي كثيراً إن شاء الله ما يكون وسواس، وفلان يقضي كثيرا يقصد أن عليه صلوات ما صلى، فالأمر تعلق بماذا؟ تعلق بالتصديق وهو الإخبار.

الأمر الثاني وتارة يتعلق الأمر النفساني بالإرادة والطلب أي أن المولى يريد صدور هذه النسبة الصدورية فإما أن يخبر ويصدق بوقوعها وإما أن يطلب وقوعها.

إذا كلمة يعيد بلحاظ مدلولها التصوري قابلة لأن تقع متعلقاً للتصديق والحكاية كما أنها قابلة لأن تقع متعلقاً للطلب والإرادة بلا حاجة إلى ضم نسبة أخرى كالنسبة الإرسالية وغير ذلك.

وبالتالي هذا المدلول وجملة يعيد أو يقضي قد يكون مدلول التصديق هو التصديق بالنسبة فتصير إخباراً، وقد يكون مدلولها التصديق هو طلب النسبة الصدورية فتكون إنشاءً.

الخلاصة

فيصير الخلاصة هو ماذا؟ أولاً نحافظ على المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية نسبة صدور الغسل من الفرد، وأما الثاني وهو المدلول التصديقي قصد الحكاية فهنا يوجد باعثان للمتكلم، إن كان الباعث له على إيراد جملة هو قصد الحكاية والإخبار يتم الحفاظ على ماذا؟ المدلول التصديقي، وإن كان الباعث له على الكلام هو طلب وإرادة إيجاد الإعادة والاغتسال فحينئذ يكون قد تم التصرف فيه المدلول التصديقي وتحويله من قصد الإخبار الذي هو أمر نفساني إلى قصد الطلب وإرادة الإيجاد فهنا المدلول التصوري فيهما واحد وهو النسبة الصدورية وهذه النسبة الصدورية تطاوع كلتا الحالتين تطاوع قصد الإخبار ومعناه الحفاظ على المدلول التصديقي وتطاوع قصد طلب والإرادة وهذا يستفاد منها ماذا؟ يستفاد منها الأمر والطلب.

إذا النسبة الصدورية مطاوعة لكلا الأمرين وكلاهما متساويان ولا معين لأحدهما على الآخر إلا القرينة كأن يكون في مقام الإفتاء، فهنا يعلم أنه ماذا؟ أنه في مقام قصد الطلب والإرادة لا في مقام الحكاية والإخبار.

سؤال: إلى هنا اخذنا أربعة وجوه ما هو أقوى هذه الوجوه وأولاها؟

الجواب: هذه الوجوه الأربعة مرتبة وفق القوة الأول ثم الثاني ثم الثالث.

سؤال: ما هو وجه قوة الأولين على الثالث والرابع؟

الجواب: في الأولين يوجد حفاظ على المدلول التصوري والتصديقي معاً بخلاف الثالث والرابع يوجد رفع لليد عن المدلول التصديقي.

سؤال: ما هو وجه قوة الوجه الأول على الوجه الثاني؟

الجواب: الوجه الأول نتمسك بالمدلول المطابقي بينما في الوجه الثاني نتمسك بالمدلول الالتزامي، والتمسك بالمدلول المطابق أولى من بالمدلوم الالتزامي.

يراجع كتاب مباحث الأصول السيد كاظم الحائري، الجزء الثاني، صفحة مائة وثمانية عشر، إذ ذكر هذه الترجيحات، بينما الشيخ حسن عبد الساتر في تقرير بحثه، الجزء الرابع، صفحة مئة وأربعة وثلاثين لم يرجح أي واحد من هذه الوجوه الأربعة وإنما اكتفى بذكرها.

هذا تمام الكلام في المقام الأول دلالة الجملة الخبر على الطلب.

يبقى الكلام في المقام الثاني دلالة الجملة الخبرية على الوجوب أو الأعم من الوجوب والاستحباب أي الجامع يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo