< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دلالة الجملة الخبرية على الطلب والوجوب

 

محل البحث: الأوامر- الفصل الثاني (صيغة الأمر)- الجهة الثالثة (دلالة الجملة الخبرية على الطلب)

الجهة الثالثة

دلالة الجملة الخبرية على الطلب والوجوب

لا شك ولا ريب في صحة استعمال الجملة الخبرية في مقام إفادة الطلب والوجوب، وقد ورد في الروايات «يعيد أو أعاد أو يغتسل» وغير ذلك، فاستخدم الجملة الخبرية وهذه الأفعال في إفادة الطلب والوجوب.

وانما الكلام في كيفية تخريج دلالة هذه الجملة على الطلب مع أن هذه الجملة موضوعةٌ للإخبار كما أن الكلام في أن دلالة الجملة على الخبرية على الطلب هل تقتضي خصوص الطلب الوجوبي أو جامع الطلب الأعم من الوجوب والاستحباب؟

يقع الكلام في المقامين

ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول دلالة الجملة الخبرية على الطلب.

المقام الثاني دلالة الجملة الخبرية على الوجوب أو الجامع الأعم من الوجوب والاستحباب.

في دلالة الجملة الخبرية على الطلب مسلكان

ونشرع في بيان المقام الأول دلالة الجملة الخبرية على الطلب، وفيه مسلكان:

المسلك الأول للمشهور

المسلك الثاني السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ .

 

المسلك الأول من عقد عليه مشهور المتأخرين كصاحب الكفاية وغيره، يراجع الكفاية حاشية أبو الحسن المشكيني، الجزء الأول صفحة مئة وأربعة،[1] الأحكام في أصول الأحكام، الجزء الثاني، صفحة مائة وواحد وثلاثين، للآملي.[2]

مفاد المسلك الأول

أن الجملة الخبرية في كلا الموردين الخبر والإنشاء هي مستعملة في المعنى الموضوع له وهي النسبة الصدورية، فقولنا: يعيد أو أعاد أو يغتسل أو يقضي مستعمل أيضاً في نفس المدلول التصوري المحفوظ في موارد الإخبار، وحيث إن دلالة هذه الجملة الخبرية على الطلب خلاف الطبع فمقتضى الطبع أن هذه الجملة الخبرية تدل على إخبار لا الطلب فدلالة الجملة الخبرية على الطلب تحتاج إلى بذل عناية فما لم تقم هذه العناية تحمل الجملة الخبرية على مقتضى الطابع وهو الإخبار والتصديق بالنسبة.

الجملة الخبرية تدل على الطلب اذا قامت عناية خاصة

لكن إذا قامت عناية خاصة تدل على الطلب فحينئذ لابد من حمل الجملة الخبرية على الطلب وفقاً لتلك العناية لكن المدلول التصوري واحد في كلا الاستعمالين سواء استعملت الجملة الخبرية في الإخبار أو استعملت الجملة الخبرية في الطلب فإن المدلول التصوري للجملة والفعل هو النسبة الصدورية.

كيفية تصوير العناية الخاصة

ومن هنا يقع الكلام في كيفية تصوير هذه العناية الخاصة التي توجب رفع اليد عن دلالة الجملة الخبرية على الإخبار والقول بأن الجملة الخبرية تفيد الطلب مع التحفظ على مدلولها التصوري وهو النسبة الصدورية.

أربعة وجوه في تصوير العناية الخاصة

وهنا توجد عدة وجوه وقد ذكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ أربعة وجوه مرتبة ترتيباً وفق الأقوى فيبدأ بالوجه الأقوى ثم الأدنى ثم الأدنى فأقوى الوجوه هو الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع.

الوجه الأول أن يقال أن كلمة يعيد في الجملة الخبرية مدلولها التصوري هو النسبة الصدورية ومدلولها التصديق بحسب ظهورها السياق هو قصد الحكاية والإخبار عن ثبوت هذه النسبة خارجاً.

إذاً بناءً على الوجه الأول بالإمكان الالتزام والتحفظ على كلا المدلولين التصوري والتصديقي للجملة الخبرية في موارد الطلب بمعنى أن يفترض أن جملة يعيد مستعملة في موارد الطلب في النسبة الصدورية على حد استعمالها في سائر الموارد.

وأيضاً المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية والإخبار عن صدور هذه النسبة فإنه يلتزم بالمدلول التصديقي في موارد الطلب كما يلتزم بالمدلول التصديقي في سائر الموارد كمورد الإخبار.

إذاً بناء على الوجه الأول المدلول التصديقي للإخبار والطلب واحد وهو النسبة الصدورية، والمدلول التصديقي لهما أيضاً واحدٌ وهو قصد الحكاية والإخبار عن ثبوت النسبة.

ومن هنا ينبثق سؤالان:

السؤال الأول: إن هذا الإخبار إخبار كاذب إذ كيف يكون الإخبار إخباراً مع أنه كثيراً ما يختلف بحسب الخارج كما لو كان الإنسان فاسقاً، وقيل له: يعيد أو أعاد ولم يعد فحينئذ يكون الإخبار بأعاد ويعيد ويغتسل ويقضي إخبار كاذب لأن الفاسق قد لا يمتثل ولا يلتزم، فكيف نصحح هذا الإخبار ونقول أنه إخبار صحيح وليس بكاذب ونحمله على الطلب.

السؤال الثاني: إذا التزمناه بأن هذا إخبار صرف عن وقوع النسبة خارجاً، فكيف يدل على الطلب؟

وبعبارة أخرى: إذا التزمنا بثبوت المدلولين التصوري والتصديقي معاً، وقلنا إن الامام ـ عليه السلام ـ حينما قال: يعيد، يوجد هنا مدلول تصوري وهو بالنسبة الصدورية صدور الإعادة من المعيد، ويوجد أيضاً المدلول التصديقي يعني قصد الحكاية والإخبار عن صدور النسبة والإعادة، فإذا تحقق كلا المدلولين التصوري والتصديقي، كيف نحمل الجملة الخبرية على الطلب مع ثبوت كلا المدلولين التصوري والتصديقي؟

الجواب عن السؤالين

جواب السؤال الأول

وجواب هذين السؤالين كما يلي:

وهو الالتزام بنكتة واحدة تفيد في الجواب على كلا السؤالين، وهي التضييق دائرة الإخبار، فالشارع المقدس لا يخبر جميع الناس من مسلمين وكفار بل يخبر خصوص المتشرعة والمتدينين، ومن هنا يتضح جواب السؤال الأول وجواب السؤال الثاني.

أما بالنسبة إلى السؤال الأول وهو أن هذه الإخبارات قد تكون كاذبة لأن الفاسق قد لا يعيد ولا يصلي ولا يغتسل، فنجيب بوجود نكتة وهي تضيق دائرة الإخبار في هذه الجمل الخبرية الصادرة من الشارع المقدس فالشارع المقدس حينما يقول: يعيد، لا يوجه خطابهم للجميع بل يوجه خطابه لمن كان في مقام الامتثال وكان ملتزماً ومتديناً فالشارع لا يخبر عن صدور النسبة من الإنسان بشكل مطلق، وكيف ما اتفق، بل يخبر عن صدور النسبة من الإنسان الذي هو مقام الانقياد بهذا القيد، وهو الذي يسعى لتطبيق عمله على رأي الشارع المقدس لا أن كل إنسان يعيد بل الإنسان المتشرع والملتزم بالشرع هو الذي يعيد، وأما الإنسان المتهتك فبمقتضى تهتكه أنه لن يعيد.

إذا إخبار الإمام ـ عليه السلام ـ بقوله: «أعاد» لا يراد به مطلق الإخبار لمطلق الناس بل يراد به في وعاء مخصوص بالنسبة إلى شخص مخصوص وهو خصوص الإنسان المتشرع والمتدين والذي ينقاد إلى الشارع ويسعى لتطبيق أقوال وأفعاله وفقاً للشارع المقدس.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى جواب السؤال الأول.

إذا لم ينقد له لعذر لا ما يصدق الكذب كيف ما يكون متشرع هاي خلاف مقتضى التشرع، المتشرع يعني يسعى لتطبيق أفعاله.

جواب السؤال الثاني

وأما بالنسبة للسؤال الثاني وهو أنه إذا كان الإخبار صرفاً وتم التحفظ على المدلول التصوري والتصديقي للجملة الخبرية فكيف تدل على الطلب؟

والجواب أن يقال: إن دلالة على الطلب تكون بالدلالة الالتزامية لا الدلالة المطابقة، فحتى مع التحفظ على المدلول التصوري للجملة وهو النسبة الصدورية، والتحفظ على المدلول التصديقي للجملة وهو قصد الحكاية والإخبار، فهذه الجملة وإن دلت بحسب المدلول التصوري المطابقي على صدور النسبة والحدث من الفاعل لكنها تدل بالالتزام على الطلب باعتبار أن إخبار المولى عن أن من يكون عمله مطابقاً للقواعد الشرعية يعيد فهذا إخبار بالدلالة الالتزامية عن أن القواعد الشرعية تأمر بالإعادة.

فالمولى حينما يخبىر بأن الإنسان الذي يكون عمله مطابقاً للقواعد الشرعية يعيد فهذا بحسب المدلول المطابقي إخبار عن الإعادة، وبحسب المدلول الالتزامي إخبارٌ عن طلب الإعادة يعني بحسب المدلول الالتزامي يقول: إن القواعد الشرعية تتطلب وتقتضي الإعادة، وبذلك تكون الجملة الخبرية دالة على الطلب.

إذاً فالجواب على كلا السؤالين يكون بنكتة واحدة وهي إعمال تضييق دائرة الإخبار فالمولى يخبر بأن من كان في مقام الامتثال والانقياد يعيد صلاته لا مطلق الإنسان يعيد الصلاة ففاعل يعيد ليس هو مطلق الإنسان بل هو من كان عمله موافقاً للقواعد الشرعية.

العناية الخاصة هو تضييق دائرة الإخبار

إذاً وجه العناية في حمل الجملة الخبرية على الطلب مع أن هذا خلاف طبع الجملة الخبرية هو ماذا؟ هذه العناية تضييق دائرة الإخبار.

جواب السيد الإمام عن السؤال

الآن نجي إلى جواب السيد الإمام ـ عليه السلام ـ حينما يقول يعيد يعني من شأنه التدين يعيد، يعني بمقتضى التدين أخبركم بإعادته، يعني هذا الإنسان بمقتضى جريه وتطبيق عمله على القواعد الشرعية من المفترض أن يعيد وقد لا يعيد فالإمام لا يخبر عن فعلية تحقق الإعادة حتى نشكل عليه بأن هذا المتشرع لو لم يعد لعذر أو لو لم يعد لغير عذر فإنه يصدق الكذب ففي هذه الحالة لا يصدق الكذب الإمام يخبر عن من شأنه أن يطبق عمله على مقتضى الشرع.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

توضيح وتكرار

جواب السؤال الثاني ناظر إلى أن الجملة الخبرية تدل على الطلب بالالتزام لأن هذا الإخبار ليس إخبار عن أي قضية وإنما هو إخبار عن خصوص قضية شرعية بمقتضى القواعد الشرعية، ومن هنا تأتي هذه النكتة نكتة التضييق وهي أن الخطاب ليس لمطلق الناس الخطاب بمقتضى القواعد الشرعية للمتشرعة والمتدينين.

فإذا جاء إخبارٌ عن الإعادة والاغتسال فبحسب المدلول التصوري هذا يدل على النسبة الصدورية يعني نسبة صدور الغسل والإعادة من المتدين، وبحسب المدلول الالتزامي فإنها تدل على الطلب لأن هذا الإخبار ليس أي إخبار وإنما هو إخبار مستند إلى القواعد الشرعية التي تخاطب المتشرع والمتدين بالخصوص.

فنعرف منها بالالتزام وجود طلب بإعادة الصلاة أو الغسل وفقاً لهذه النكتة أن هذا الخطاب قد استند إلى الفقه والشريعة، إذا النكتة الثانية نحتاج إليها في جواب السؤال الثاني.

الوجه الثاني في تصوير العناية الخاصة

أن يتحفظ على المدلول التصوري للجملة الخبرية ويقال بأن الجملة الخبرية مستعملة في النسبة الصدورية وكذلك أيضاً يتم التحفظ على المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية.

إذا يشترك الوجه الأول والوجه الثاني في التحفظ على كلا المدلولين التصوري والتصديقي بخلاف في الوجه الثالث والرابع سيتم التحفظ على المدلول التصوري دون المدلول التصديقي، لكن يختلف الثاني الوجه الثاني عن الوجه الأول في نكتة العناية فإن نكتة العناية في الوجه الأول هي تضييق المخاطب واختصاص المخاطب بخصوص المتشرع والمتدين.

ولكن في الوجه الثاني بعد التحفظ على المدلول التصديقي وهو قصد الحكاية نفترض أن قصد الحكاية والإخبار لا يكون عن المدلول المطابقي وهو النسبة الصدورية بل يكون عن يكون الإخبار عن لزوم المدلول المطابقي.

فقصد الحكاية لا يكون للمدلول المطابقي بل يكون للمعنى الكنائي، وهو يشير إلى تحريك وطلبة.

توضيح ذلك:

إن النسبة الصدورية كثير ما تنشأ من طلب المولى وتحريكه فيصح الإخبار عن الطلب الذي هو الملزوم بلسان الإخبار عن اللازم وهو ما يعبر عنه بالكناية كما في المثل المعروف حاتم كثير الرماد، فهنا أخبر عن ماذا؟ كثرة الرماد ولكن ليس المقصود هو كثرة الرماد بل المقصود هو الملزوم هو الكرم فالكرم ملزوم وكثرة الرماد لازم لأن الكريم دائماً تأتيه الشخصيات والخيول والدواب فدائماً تجد الغبار والرماد في فضاء منزله، فهنا الإخبار بكثرة الرماد ليس يراد به الإخبار بالمدلول المطابقين وهو كثرة فكثرة الرماد لازم والمراد هو الإخبار عن الملزوم وهو الكرم.

كذلك نقول في موطن بحثنا فهنا المدلول التصوري هو بالنسبة الصدورية نسبة صدور الإعادة من المعيد ونسبة صدور الغسل من المغتسل فالمدلول التصوري هو النسبة بين المحمول والموضوع أو بين الفعل والفاعل وهذا محفوظ.

ويوجد مدلول تصديقي وهو قصد الحكاية عن وقوع الإعادة ووقوع الغسل لكن ليس المقصود هو المدلول المطابق للإعادة وللغسل فالإعادة والغسل لازم والطلب ملزوم فحينما يقول الشارع: «يعيد أو يغتسل» فهناك يوجد المدلول التصوري وهو النسبة الصدورية صدور الغسل أو الإعادة من المغتسل والمعيد، ويوجد المدلول وهو قصدي الحكاية وقصد الإخبار لكن هذا قصد الحكاية والإخبار لا يراد به اللازم وهو الإعادة أو الاغتسال بل يراد به الملزوم وهو صدور الطلب وصدور الأمر بالاغتسال أو الإعادة.

إذا في هذا الوجه لابد من بذل عناية لدلالة الجملة الخبرية على الطلب وهذه العناية ليست هي التقييد والتضييق كما في الوجه الأول بل هذه العناية هي حمل قصد الحكاية على المعنى الكنائي لا على المدلول المطابقين فإن الكناية في نفسها نحو عناية لأن مقتضى طبع الكلام هو أن نحمل الكلام على المدلول المطابقي، فجعل المدلول المطابق وهو الإعادة والغسل جسراً للمدلول التزامي والكنائي، فتقول: ذكر اللازم وهو الإعادة والغسل وأريد الملزوم وهو طلب الغسل وطلب الإعادة هذا خلاف الطبع.

المؤونة الزائدة في الوجه الثاني

هذه العناية فيها مؤونة زائدة فإذا التزمنا بوجود إحدى عنايتين: العناية الأولى في الوجه الأول تضيق دائرة المخاطب، أو العناية الثانية كما في الوجه الثاني وهو التحفظ على المدلول التصوري والمدلول التصديقي لكن نحمل المدلول التصديقي على المعنى الكنائي أي الملزوم ولا نحمله على المدلول المطابقي.

هذا تمام الكلام في الوجه الثاني.

الوجه الثالث يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo