< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دلالة صيغة الأمر على الطلب

 

محل البحث: الأوامر- الفصل الثاني (صيغة الأمر)- الجهة الأولى (الدلالة على الطلب)

 

الفصل الثاني صيغة الأمر

ويقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى دلالة صيغة الأمر على الطلب.

كيف يدل المعنى الحرفي على المعنى الإسمي

لا شك ولا ريب في أن صيغة افعل تدل على الطلب، وإنما الكلام في كيفية دلالتها على الطلب، فالطلاب مفهوم اسمي وصيغة الأمر هيئة ومعنى حرفي، فكيف يدل المعنى الحرفي على المعنى الاسمي؟ إذاً صيغة الأمر التي هي معنى حرفي لا تدل بالمباشرة على مفهوم الطلب الذي هو مفهوم اسمي.

ما هو المعنى الذي تدل عليه صيغة إفعل

ومن هنا وقع الكلام فيما هو المعنى الذي تدل عليه صيغة افعل بالمطابقة؟

الإستبعاد مما ذكره السيد الخوئي

وينبغي قبل البدء أن نستبعد ما ذكره سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في محاضرات في أصول الفقه الجزء الثاني صفحة مئة وثلاثة[1] من أن صيغة الأمر موضوعة لإبراز اعتبار نفساني وهو اعتبار الفعل في ذمة المكلف، وهذا مبني على مبناه من كون الوضع عبارة عن التعهد، فرتب على ذلك أن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصديقية الكاشفة عن وجود شيء في النفس يعبر عنه بالاعتبار أو الإرادة أو بأي تعبير آخر بينما نحن نبحث الدلالة الوضعية للتصورية لا الدلالة التصديقية.

والدلالة الوضعية على مبنانا هي دلالة تصورية وليست هي إلا عبارة عن إخطار معنى في الذهن من دون أي كشفٍ عما في نفس المتكلم، وأما الدلالة التصديقية فهي عبارة عن ظهور حالي سياقي له ملاك آخر غير الواقع فحينما نتكلم عن المدلول الوضعي لصيغة الأمر لا يمكن أن نتكلم عن الدلالة التصديقية وإنما نتكلم عن الدلالة التصورية.

أن البحث في الدلالة التصورية

إذا عرفت هذا وهو أن بحثنا في الدلالة التصورية لا التصديقية نقول:

إننا لتحقيق ما هو معنى صيغة الأمر لا بأس نذكر ملخصاً عما تقدم في الجملة الفعلية من قبيل ضرب ويضرب حتى نفرق بينها وبين فعل اضرب، أي نفرق بين الجملة الفعلية للفعل الماضي والمضارع وبين صيغة الأمر.

وقد تقدم الكلام في أن الجملة الفعلية من قبيل ضرب تدل على النسبة الصدورية بين الفعل والفاعل بالنحو المناسب لذلك الفاعل من فاعليته لذلك الفعل، ولكن لا ينبغي أن يتخيل أن هذه هي تمام ما تفيده جملة ضرب زيدٌ من النسب.

الهيئتان في الجملة الفعلية

ولتوضيح المطلب بشكل مبسط فإن جملة ضرب زيدٌ فيها هيئتان:

الأولى هيئة الفعل ضرب.

والثانية هيئة الجملة التامة ضرب زيد.

أما مفاد الهيئة الأولى وهي هيئة الفعل ضرب أكل درس، فهي تفيد نسبة ناقصة أي نسبة الفعل إلى فاعل ما فحينما ضرب يعني شخص ما أكل شخص ما درس شخص، فمفاد هيئة الفعل نسبة الفعل إلى فاعل مبهم وهذه نسبة ناقصة.

الهيئة الثانية هيئة الجملة ضرب زيد، وهي تفيد نسبة عامة وهي عبارة عن نسبة الفعل إلى فاعل معين، ضرب زيد، أكل زيد، درس زيد أي أن الذي قام بالضرب أو الأكل أو الدراسة هو زيد، وهذه جملة خبرية ونسبة عامة يحسن السكوت عليها.

إذاً مفاد هيئة الفعل نسبة ناقصة وهي نسبة الفعل إلى فاعل مبهم، ومفاد هيئة الجملة هي نسبة الفعل إلى فاعل معين، وهي نسبة تامة.

سؤال: ما هو مفاد الجملة التامة؟

الجواب: يرى الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ أن المفاد هو عبارة عن النسبة التصادقية، فما استفيد من هيئة الفعل وهي نسبة الفعل إلى فاعل ما فإن هذا الفاعل الما والمبهم يصدق وينطبق على زيد الذي ورد في الجملة الفعلية هذا لب المطلب.

وعاء الجملة الخبرية

يبقى الكلام في وعاء هذه الجملة فالجملة الخبرية وعاؤها الخارج لأنه بحسب المفهوم يوجد اختلاف بين مفهوم الضارب الذي يقوم بالضرب وبين زيد الذي قام بالضرب، لكن في وعاء الخارج يوجد اتحاد في الخارج أن الضارب هو زيد وزيد هو الضارب.

فإذا بحسب المفهوم واللحاظ يوجد تغاير وبحسب الخارج يوجد اتحاد.

إذا المثني مختلفٌ في مختلف الجمل، وهذا الاختلاف يختلف بحسب اختلاف الوعاء، فإن وعاء الجملة الخبرية التامة هو الخارج، زيدٌ ضاحك يعني في الخارج.

وعاء الجملة الإستفهامية

وأما الوعاء في الاستفهام هو وعاء استفهام هل يضحك زيدون؟ وهكذا في الترجي الوعاء هو الترجي ائت بنكتة لعل زيداً يضحك.

إذاً في قولنا لعل زيداً ضاربون يكون زيد عين ضارب في وعاء الترجي، وفي قولنا هل زيد ضارب؟ يكون زيد عينه في وعاء الاستفهام، كما أن قولنا زيد ضاربٌ يكون الضارب هو عين زيد في وعاء الخارج.

إذا يا أخي يا أخي الجملة الفعلية تدل على النسبة الصدورية أي نسبة صدور الفعل من فاعل فجملة ضرب أي هيئة الفعل فقط تدل على نسبه صدوريه أي نسبة صدور الفعل من فاعل مبهم لكنها تدل على نسبة ناقصة لا يحسن السكوت عليها، من هو الضارب؟ هذه جملة ناقصة.

لكن الجملة التامة ضرب زيدٌ تدل على نسوة صدورية تامة يحسن السكوت عليها.

إذاً جملة ضرب زيد جملة تامة يصح السكوت عليها بلا إشكال بينما النسبة الصدورية بين الفعل والفاعل المستفادة من هيئة الفعل فقط نسبة ماذا؟ نسبة ناقصة، وتختلف الجمل في وعاء هذه الجملة، هذا الكلام كله تقدم.

الإحتمالان في الفارق بين الجملة الفعلية والطلب

إذا تم ذلك نقول لا إشكال في أن هناك فرقاً بين قولنا ضرب زيدٌ في الجملة الخبرية وبين قولنا اضرب أنت في الأمر والطلب هذا الفارق إما يكون بلحاظ النسبة التامة وإما أن يكون بلحاظ النسبة الناقصة، إذ لو كانت النسبة التامة فيهما شيئاً واحداً أو كانت الناقصة فيهما شيئاً واحداً لما بقي فرق بين ضرب زيد وبين اضرب يا زيد يعني لا يوجد فارق بين الأمر وبين إخبار عن الخارج، فما هو الفارق بين الجملة الفعلية الخبرية ضرب زيدٌ وبين الأمر وصيغة الأمر اضرب يا زيد.

يوجد بدواً احتمالان:

الاحتمال الأول أن يكون الفرق بلحاظ النسبة التامة أي بلحاظ نفس الجملة الفعلية يعني بلحاظ هيئة الجملة لا بلحاظ هيئة الفعل وذلك باعتبار المفني فيه، فكما يقال أن النسبة التامة في الاستفهام هي النسبة التصادقية بين المفهومين بلحاظ وعاء الاستفهام وفي الترجي هي النسبة التصادقية بين المفهومين بلحاظ وعاء الترجي، كذلك فيما نحن فيه بأن نقول أن الجملة الخبرية ضرب زيدٌ تكون فيها النسبة التصادقية بلحاظ وعاء الخارج، بينما النسبة التام في قولنا اضرب أنت يا زيد هي النسبة التصادقية بين ذات ما والفاعل في وعاء الطلب.

إذاً لاحظوا معي جيداً الجملة الخبرية للمضارع والماضي تشترك مع الجملة الفعلية الأمر في وجود نسبة تصادقية، وإنما يقع الاختلاف في وعاء التصادق فالجملة الفعلية ضرب زيد أو يضرب زيد تدل على وجود تصادق بين ضارب ما وزيد في الماضي أو الحاضر بلحاظ وعاء الخارج، بينما جملة اضرب يا زيد تدل على نسبة تصادقية بين الضرب وزيد في وعاء الطلب.

إذا الفارق بين الأمر والطلب وبين الجملة الفعلية وقع في النسبة التامة فهما يشتركان في وجود نسبة تصادقية ويختلفان في وعاء وظرف الجملة التصادقية، فالجملة الفعلية للمضارع والماضي وعائها الخارج، والجملة التصادقية للطلب وصيغة الأمر وعائها الطلب.

شو رأيكم؟

الطلب هم يتصادقان في مقام الطلب يعني اضرب فيها نسبة الضرب إلى فاعل ما، ثم تقول اضرب أنت يا زيد صار تصادق بين فاعل ما وبين زيد هذا التصادق في أي وعاء؟ وعاء طلب الضرب طلب إيجاد وإحداث الضرب.

لكن هذا الكلام ليس بتام إذا أن هذا معناه أن الفارق إنما يكون في خصوص الجملة التامة ولا يظهر في الجملة والنسبة الناقصة مع أننا لو جردنا الفعل عن الجملة الفعلية وجئنا بنسبة ناقصة وقلنا ضرب وسكتنا واضرب وسكتنا وهذه جملة ناقصة لا يحسن السكوت عليها فإننا بالوجدان الذي لا يحتاج إلى برهان ندرك وجود فارق بين ضرب وبين اضرب فالوجدان اللغوي شاهدٌ بوجود فارق بين الفعل الماضي والمضارع من جهة وفعل الأمر في حد نفسه من جهة أخرى بقطع النظر وغض النظر عن وقوعهما في جملة تامة.

إذا الفارق بينهما ليس من نتائج الجملة التامة حتى تدعي أن الفارق هو وعاء التحقق أنه الطلب أو الخارج.

الاحتمال الثاني أن يكون الفرق بينهما بلحاظ النسبة الناقصة التي هي مدلول هيئة الفعل لا بلحاظ الهيئة التامة التي هي مدلول هيئة الجملة التامة.

والفارق بينهما كما يلي: وهو أن هيئة فعل ضرب يضرب موضوعةٌ للنسبة الصدورية بين الفعل وذات ما، بينما هيئة الأمر موضوعة للنسبة الطلبية أو النسبة الإرسالية أو النسبة الإلقائية أو النسبة التحريكية أو النسبة الدفعية أو النسبة البعثية عباراتنا شتى وحسنك وكل إلى ذاك الجمال يشير.

الخلاصة: الفعل الماضي أو المضارع موضوع بالنسبة الصدورية يعني نسبة صدور الفعل من فاعل ما بينما فعل الأمر موضوع للنسبة الإرسالية أو البعثية.

توضيح ذلك:

ثلاثة أفراد للإلقاء

إن الإلقاء له فرد حقيقي تكويني كما لو دفعت شخصاً على الأرض فوق على وجهه نذكر ثلاثة افراد ها ثلاثة إفراد للإلقاء:

الفرد الأول الإلقاء التكويني البحت كما لو دفعت شخصاً على وجه الأرض فهذا لاحظ معي دفع عين على عين هذا فرد تكويني خاص.

الفرد الثاني فرد عنائي تكويني كما لو دفعت شخصاً على كتاب أو دفتر وقلت له: اكتب اقرأ، فهنا لا يوجد دفع عين على عين بل يوجد دفع عين على عمل، والموجود في الخارج هو دفع عين على عين دفعت عين الإنسان على عين الكتاب أو الدفتر، ولكن لا يراد دفع العين على العين كما في الصورة الأولى دفع الشخص على وجه الأرض بل المراد هو العمل، فالمراد من دفع الشخص على الكتاب أو الدفتر هو دفعه نحو الكتابة أو القراءة.

لاحظ معي الآن:

الفرد الأول دفع عين على عين وهو فرد تكويني.

الفرد الثاني للدفع دفع عين على عمل هو في الخارج دفع العين على العمل في الخارج دفع العين على العين دفع الشخص على الكتابة والدفتر لكن يراد منه أمر عنائي وهو العمل كالكتابة أو القراءة.

الفرد الثالث ويوجد نحو ثالث من الدفع الدفع التشريعي الإرسال، وهذا الإرسال عبارة عن نسبة بين المرسل والمرسل والمرسل له بين الباعث والمبعوث والمبعوث له.

إذاً يا أخي يا أخي مفاد هيئة وصيغة فعل تختلف عن مفاد هيئة افعل والخلاف في مفاد النسبة الناقصة يعني الفعل فقط مفاد الفعل وليس الخلاف في مفاد الجملة التامة كما في الاحتمال الأول، فمفاد هيئة فعل ضرب أي نسبة صدور الفعل والضرب من فاعل مبهم، وهذه يقال لها نسبة صدورية.

وأما مفاد هيئة وصيغة افعل يعني مفاد هيئة الفعل فقط الذي مفاده نسبة ناقصة هي مفاد الإرسال يعني إرسال ذات ما بعث ذات ما وحثها نحو الضرب أو الكتابة أو الدراسة.

خلاصة الاحتمال الثاني: إن الفارق بين الجملة بين صيغة فعل وبين صيغة افعل هو بلحاظ النسبة الناقصة لا بلحاظ النسبة التامة، ومفاد صيغة افعل هو النسبة الإرسالية والبعثية، ومفاد هيئة فعل هو النسبة الصدورية أي نسبة صدور الفعل من فاعل ما.

إذا الاختلاف بين فعل وافعل يتضح من مفاد النسبة الناقصة لا من مفاد النسبة التامة.

هذا تمام الكلام في بيان كيفية دلالة صيغة الأمر على الطلب.

والخلاصة: صيغة الأمر لا تدل على مفهوم الطلب الذي هو مفهوم اسمي بل صيغة الأمر تدل على النسبة الطلبية أو الإرسالية أو البعثية التي هي معنى حرفي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo