< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التخلص من الإشكال

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- أما الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)-للمسألة ثلاثة أبحاث: كلامية، فلسفية وأصولية-تتميم وتفريع- هل يمكن أن تنشأ الإرادة من نفس الإرادة أو لا؟

 

خلاصة الدرس الأمس

ثلاثة فروض في معنى القصد والإشكال عليها

كان الكلام في المورد الأول وهو المسافر إذا نوى الإقامة عشرة أيام لكنه عدل عن الإقامة فإن نفس قصد الإقامة يكفي لتصحيح صومه وصلاته التمامية إذا صلاها، وقد ذكرنا ثلاثة فروض للمسألة:

الفرض الأول أن يراد بالقصد الحب.

الفرض الثاني أن يراد بالقصد الالتزام.

الفرض الثالث أن يراد بالقصد العلم والاطمئنان.

وعلى هذه الفروض الثلاثة يبقى الإشكال ويستحكم الإشكال.

الدرس اليوم

أما الفرض الأول وهو أن المراد بالقصد هو الحب.

ومن الواضح أن الحب والشوق لا ينشأ من ملاكٍ في نفسه، فلا يشتاق الإنسان لنفس الشوق ولا يحب الإنسان لنفس الحب وإنما لوجود متعلقل للحب والشوق في غيره وهو المراد، فالإرادة لا تتعلق بالإرادة والإرادة بمعنى تتعلق بأمر في المحبوب والمراد، إذا على الفرض الأول يستحكم الإشكال.

أما الفرض الثاني أن يراد بالقصد والإرادة الالتزام والبناء على الإقامة.

وهنا نقول يمكن أن ينشأ الالتزام من مصلحة في نفس الالتزام، ويمكن أن يحصل البناء لمصلحة في نفس البناء والتباني لأن البناء والالتزام فعل من أفعال النفس وخاضع للسلطنة.

لكن يوجد إشكال آخر وهو أن الالتزام والتعهد لا يمكن أن يتحقق من العاقل تحققاً جبرياً قسرياً خصوصاً مع الالتفات إلى أنه لا ضمان لهذا التعهد إلى ما بعد إتمام صومه، فإنه لو التزم وتعهد بأن يقيم عشرة أيام في مكانه، فإنه لا يستطيع أن يضمن أنه يستطيع أن يبقى عشرة أيام.

إذاً الفرضية الثانية تبتلى بهذا الإشكال أيضاً.

أما الفرض الثالث

وهكذا الفرضية الثالثة وهي أن معنى القصد هو الاطمئنان والعلم، فإنه يطمئن ويعلم بأنه سيقيم عشرة أيام، وحينئذ يأتي الإشكال الوارد على الفرضية الثانية يرد أيضاً على الفرض الثالثة، فمن أين له العالم بأنه سيبقى عشرة أيام؟ وكيف يطمئن بأنه سيبقى عشرة أيام؟!

إذا هذه الفروض الثلاثة يكون مرجع هذه الفرضيات الثلاثة إلى القصد وتعلق القصد بالقصد، الفرض الأول وهو الحب بمعنى القصد، والفرض الثاني وهو الالتزام والبناء بمعنى القصد، والفرض الثالث وهو العلم والاطمئنان أيضاً بمعنى القصد، ولا يعقل أن تتعلق الإرادة بمصلحة في نفس الإرادة، إذا كيف نتخلص من الإشكال؟

الحل للإشكال

نتخلص بأن نلتزم بأن الإرادة تتعلق بمصلحة في المراد والقصد يتعلق بمصلحة موجودة في المقصود، فتصحيح الصوم في مثال نية الإقامة عشرة أيام يتوقف على القصد، والقصد يتوقف على وجود مصلح في المقصود، فلا بد أن يسبب المكلف إلى قيام مصلحة في المقصود، بحيث يجعل المقصود بذاته ذا مصلحة لكي يمكن أن يتعلق القصد بالمقصود بأحد المعاني الثلاثة إما الحب أو البناء والالتزام أو العلم والاطمئنان.

ترتب الأثر والمصلحة على المقصود على أنحاء

ويمكن أن يترتب الأثر والمصلحة على المقصود بعدة أنحاء:

منها أن ينذر مثلا إقامة عشرة أيام، أو يعلن عن تعهده بالبقاء عشرة أيام بحيث يكون الإعلان بنفسه موجباً ومقتضياً لوجود مصلحة في نفس وفائه والتزامه بوعده ووقوفه عند كلامه.

إذاً لابد من وجود نكتة قائمة بالمقصود لكي يكون للقصد المتعلق بالمصلحة في المقصود مصلحة قائمة.

هذا تمام الكلام في المورد الأول واتضح أن هذا المورد الأول لا يثبت تعلق الإرادة بمصلحة في نفس الإرادة بل الصحيح تعلق الإرادة بمصلحة في المراد وتعلق القصد بمصلحة في المقصود لا في نفس القصد.

المورد الثاني

كيف نصحح الوضوء المقدم لوقت الصلاة

إذا أراد الإنسان أن يتوضأ قبل دخول وقت الصلاة، فهنا يوجد إشكال مشهور، وهو أن وجوب صلاة الظهر لم يثبت قبل الزوال، وكذلك وجوب صلاة المغرب لم يثبت قبل الغروب الشرعي، والوضوء مقدمة لذي المقدمة وهي الصلاة، وذو المقدمة وهو وجوب الصلاة لم يثبت قبل الزوال والغروب، فكيف نصحح الوضوء المقدمي؟

قد يقال في الجواب

فهنا جاؤوا بهذه التخريجة، وقالوا يأتي بالوضوء على نحو الاستحباب، لأن الوضوء بنفسه مستحب، أو ينوي الوضوء لقراءة القرآن، أو ينوي الوضوء للزيارة، وغير ذلك من الأوامر الاستحبابية.

الشبهة الأخري

وهكذا في التقرير تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي وتقرير السيد كاظم الحائري ذكر مورداً ثالثاً وهو أنه إذا دخل المسجد وأراد أن يتوضأ والمسجد موقوف وماء المسجد موقوف، وهو لا يريد أن يصلي في المسجد، لكن يريد أن يكون على طهارة، فقالوا: يتوضأ ويصلي ركعتي تحية المسجد، وبذلك يحقق ماذا؟ يحقق الوضوء.

ولكن لو توضأ وقصد ركعتي تحية المسجد وما صلى ركعتين تحية المسجد، فهنا يمكن الوضوء بالقصد، مثل الإقامة نوى الإقامة عشرة أيام وصام وصلى صلاة رباعية وما أقام عدل عن الإقامة، هنا أيضاً توضأ بقصد ركعتي تحية المسجد جاؤوا أن ولدك يحتاج تنقله إلى المستشفى فوراً ما صار ما صلى ركعتي تحية المسجد.

المختار في تصحيح الوضوء قبل الوقت

على كل حال وغيرهم من الأمثلة يمكن ذكر أمثلة كثيرة هذا المورد الثاني وهو لكي نصحح الوضوء للصلاة قبل دخول وقتها.

الإيرادين للحل بالوضوء الإستحبابي

ونقول للمتوضأ توضأ لمس كتابة القرآن أو لمطلق الاستحباب أو للزيارة هذا الكلام مبتلى بإرادين: إيراد بنائي وإيراد مبنائي، ملاحظين كلامنا أن الأمور تترتب على نفس القصد لا المقصود.

الإيراد البنائي

توضيح الإيراد:

لولا صلاة الظهر أو المغرب لما توضأ أصلا

أن تلقين المكلف يعني بناء على التسليم بهذه المقدمة التي سيأتي المناقشة فيها في الإيراد المبنائي أمر المكلف بأن يتوضأ وينوي استحباب الكون على طهارة أو يتوضأ لقراءة القرآن فهذا لا يغير من الواضع شيئاً لأن المكلف ليست لديه إرادة حقيقة لامتثال الوضوء وامتثال الأمر الاستحبابي يعني يتوضأ امتثالا للأمر الاستحبابي بحيث أنه لولا صلاة الظهر أو المغرب لتوضأ أيضاً، فلو لم يرد صلاة الظهر أو المغرب لما توضأ أصلاً لقراءة القرآن أو الاستحباب الكون على طهارة.

تمام الغرض هو الوضوء مقدمة للصلاة

إذا ليس الأمر الاستحبابي بقراءة القرآن أي محركية أو باعثية له على التوضأ للصلاة، ومجرد التلفظ لا يحدث محركية للأمر الاستحبابي بقراءة القرآن على طهور، إذا هو بحسب طبعه ليس له أي غراض أن يتوضأ لقراءة القرآن أو للزيارة أو للكون على طهارة وإنما تمام غرضه أن يوجد وضوءً صحيحاً يكون مقدمة لصلاة الظهر أو المغرب أو الفجر قبل مجيء وقتها، وتصحيح هذا الوضوء بحسب كلام المشهور إنما يتم بامتثال الأمر الاستحبابي ولا يتوقف على المقصود هكذا قالوا، يعني التصحيح قائم بالقصد، يعني قد يتوضأ وما يقرأ قرآن، قد يتوضأ قاصداً الزيارة ولا يزور، فهم يقولون: أن قصد قراءة القرآن أو قصد الزيارة يصحح الوضوء وإن لم يتحقق المقصود خارجاً ولم يزر ولم يقرأ القرآن.

أن تصحيح الوضوء يتوقف على قصد الزيارة أو القراءة ولا يتوقف على المقصود

وبالتالي لو توضأ بقصد قراءة القرآن أو الزيارة، لكنه لم يزر ولم يقرأ القرآن فوضوءه صحيح لأن هذا الوضوء وقع على وجه قربي وعبادي، وبالتالي عدم القراءة خارجاً وعدم الزيارة خارجاً لا يضر بعبادية الوضوء فالوضوء صحيح وعبادي سواء وقعت القراءة أو الزيارة بعده أو لا، فهذا معناه أن تصحيح الوضوء يتوقف على قصد الزيارة أو القراءة ولا يتوقف على المقصود، وهو الزيارة أو القراءة خارجاً.

على هذا يرد الإشكال المبنائي: إنما القصد يتعلق بغرض موجود في المقصود.

إذاً القراءة ليست داخلة في نظر المكلف، وكذلك الزيارة فيرد نفس الإشكال الوارد في المورد الأول وهو قصد الإقامة عشرة أيام وهو أن الغرض لا يتعلق بنفس الغرض والقصد لا يتعلق بمصلحة موجودة في نفس القصد، وإنما القصد يتعلق بغرض موجود في المقصود.

ومن هنا يحتاج المكلف بناءً على كلام المشهور إلى نفس ما احتاج إليه المسافر يعني يحتاج إلى نكتة موجودة في المقصود حتى يصحح قصده بأن يرغب نفسه حقيقةً بالقراءة لا أنه يقرأ بشكل صوري يرغب نفسه يقول: أنا مشتهي أقرأ القرآن من زمان ما قاري قرآن أو مشتهي أكون على طهارة من مات على طهارة مات شهيداً فيأتي بنكتة موجودة في المقصود لكي يصحح القصد.

مجرد القصد الصوري لايتعلق بشئ وليس محركا نحو المقصود

أما مجرد القصد الصوري أي أقصد اقرأ القرآن أقصد أزور أقصد أكون على طهارة وأصلاً نفسه ما متعلقة بشيء هو يريد يصلي ويمشي.

إذا لكي يكون القصد مقبولاً فلا بد أن يتعلق بمصلحة موجودة في المقصود وأن يكون القصد محركاً نحو المقصود.

هذا الإيراد البنائي.

الإيراد المبنائي وهي المناقشة في أصل المبنى من قال أن الوضوء قبل دخول الوقت ليس صحيحاً بحيث نحتاج أن نأتي بمخرج أن ينوي قراءة القرآن أو الزيارة أو الكون على طهارة، وتفصيله ليس هذا موضع بحثنا.

لكن قد يقال بأن الوضوء بقصد التوصل إلى الصلاة صاحبة الوقت لا يحتاج إلى أن يحدث في نفسه رغبة في القراءة أو الزيارة لأن وقوع الوضوء عبادياً يتوقف على ركنين المهم أن يكون الوضوء عبادة لكي يمكن أن يصلي به إذا دخل الوقت.

عبادية الوضوء تتوقف على ركنين

وعبادية الوضوء تتوقف ركنين وكلاهما محرز في المقام:

الركن الأول أن يكون الوضوء مطلوباً إما خطاباً وملاكاً أو ملاكا فقط، لوضوح أن كل فعل إذا لم يكن مطلوباً من قبل المولى لا ملاكاً فضلاً عن الخطاب فلا معنى للتقرب به نحو المولى.

الركن الثاني أن يؤتى بالفعل بداعي من الدواعي التي تعتبر عقلاً أنها دواعٍ إخلاصيه للمولى وراجعه إلى الاهتمام بشؤون المولى.

وكلا هذين الركنين موجود في الوضوء قبل صلاة الظهر وقبل صلاة المغرب وقبل أذان المغرب والفجر والظهر.

فإذا أتى بالوضوء قبل دخول الوقت بقصد التوصل إلى الصلاة بعد دخول الوقت:

فالركن الأول موجود فهذا الوضوء مطلوب للمولى، لأن هذا الوضوء ليس ثابتاً فقط بالطلب الغيري بل ثابت أيضاً النفسي فالوضوء بنفسه مطلوب إذ يستحب الكون على طهارة.

والركن الثاني أيضاً موجود وهو أن يؤتى بالوضوء بقصد من القصور المعتبرة في نظر العقل قصوداً حسنة وفيها إخلاص للمولى هذا أيضاً موجود لأنه يتوضأ من أجل ماذا؟ الإتيان بالصلاة وإقامة الصلاة فيعتبر هذا القصد ناشئاً من الإخلاص في مقام العبودية.

إذا تم كلا الركنين أصبح الوضوء عبادة وصار مطلوب شرعاً، إذا صار مطلوب شرعاً وعبادة في هذه الحالة يمكن أن يصلي به إذا دخل الوقت.

هذا تمام الكلام في الفصل الأول المتعلق بمادة الأمر.

واتضح الكلام من خلال الموردين: أن الإرادة لا تنشأ من مصلحة في نفس الإرادة بل تنشأ من مصلحة في نفس المراد.

انتهى الكلام في الفصل الأول المتعلق بمادة الأمر.

الفصل الثاني صيغة الامر يأتي عليها الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo