< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل يمكن أن تنشأ الإرادة من مصلحة في نفس الإرادة؟

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- أما الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)-للمسألة ثلاثة أبحاث: كلامية، فلسفية وأصولية-تتميم وتفريع- هل يمكن أن تنشأ الإرادة من نفس الإرادة أو لا؟

 

الجهة الأولى لا يمكن أن تنشأ الإرادة من مصلحة في نفس الإرادة بالوجدان لا البرهان.

سؤال يطرح نفسه: هل يمكن أن تنشأ من مصلحة في نفس الإرادة لا في نفس المراد؟ هل يمكن ذلك أو لا؟

الصحيح: هو ما ذهب إليه المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ من عدم معقولية أن تنشأ الإرادة من نفس الإرادة، لكن لا نلتزم بالدليل الذي التزم به المحقق العراقي، فنحن نلتزم أن الإرادة لا يمكن أن تنشأ من الإرادة لأن الإرادة والشوق والحب يكون تعلقياً وتبعياً فلا ينشأ من ملاكات في نفس الإرادة، وإنما ينشأ من ملاكات موجودة في متعلق الإرادة وهو المراد.

وليس الوجه في الاستحالة هو البرهان الذي ذكره المحقق العراقي بل الوجه في ذلك هو الوجدان ولا يحتاج إلى برهان.

مفاد برهان المحقق العراقي

فالبرهان الذي ذكره المحقق العراقي مفاده: إن تعلق إرادة ونشوؤها من مصلحة في نفس الإرادة يلزم من تعلق الإرادة بالفعل ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح مع أنه لا فرق بين الفعل والترك، ليس هذا هو البرهان لأن هذا البرهان جوابه واضح وهو أنه لا يلزم الترجيح بلا مرجح، فإذا سألت من يلتزم؟ بأن الإرادة يمكن أن تنشأ من مصلحة في نفس الإرادة، وسألته هذا السؤال لم رجح الفعل على الترك، فإنه سيجيب المرجح وهو نفس الإرادة، فالمرجح قائمٌ بنفس الإرادة لا المراد.

فلو استشكل مستشكلٌ على هذا المكلف لماذا أردت الإقامة عشرة أيام بدلاً عن ترك الإقامة؟ مع أن كلا من الإقامة وتركها متساوٍ، وعلى حد سواء بالنسبة إلى المكلف، وهذا ترجيح بلا مرجح؟ فإنه سيجيب إن المرجح موجود وهو إرادة الإقامة دون إرادة ترك الإقامة، فالمرجح هو وجود الإرادة وليس وجود الإقامة.

إذاً لابد قبل الوصول إلى كلام المحقق العراقي وأنه يلزم الترجيح بلا مرجح لابد أن نلتزم بدعوى وجدانية أشبه بالمصادرة، وهو أن المرجح وهو نفس الإرادة.

ومفاد هذه الدعوة الوجدانية إنه في عالم التكوين يلحظ أن كل معلول يطلب من علته التي أعدت له، فمثلاً: يطلب الإحراق من النار لا من الماء، فالمعلول يطلب وجوده من علة خارجة عنه هذا بحسب عالم التكوين، ومنه الإرادة فقد جعلت لها علةٌ مخصوصة في عالم التكوين خارجه عن نفس الإرادة.

فكما أن الإحراق يطلب من النار لا من نفس الإحراق، فكذلك الإرادة تطلب من أمرٍ خارج عن حاق الإرادة وهو الاعتقاد بوجود مصلحةٍ في المراد، فإذا اعتقد المكلف بوجود مصلحة في متعلق الإرادة اشتاق إلى إيجاد المراد وأحب إيجاد المراد، فلا يمكن أن تطلب الإرادة من نفس الإرادة.

وهذه دعوة وجدانية، وسوقها يكون مصادرة، وبدون هذه المصادرة لا يتم البرهان الذي أفاده المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ .

إذاً برهان المحقق العراقي وهو استحالة الترجيح بلا مرجح بحسب الحقيقة هو في طول هذه المصادرة.

فبعد أن يتم هذا البرهان لابد أن نقول: قبل تمامية برهان المحقق العراقي لو سلمنا به هناك شيء موجود في الرتبة السابقة، وهو أن الإرادة لا تنشأ من نفس الإرادة، فالإرادة معلول لا بد أن تنشأ من علة خارجة عنها وهي الاعتقاد بوجود مصلحته وملاك في متعلق الإرادة وهو المراد، فينشأ الحب والبغض نظراً لإدراك وجود المصالح والمفاسد.

لكن الحق والإنصاف أن المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ أشار إلى دعوى الوجدان ولم يقتصر على البرهان[1] .

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى واتضح أن الإرادة لا يمكن أن تنشأ من الإرادة بالوجدان لا البرهان.

الجهة الثانية التحقيق في الشاهد الفقهي الذي ذكره الفقهاء وهو قصد الإقامة.

فقد ذكر بعض الفقهاء شاهد فقهياً وجدانياً على وقوع تعلق الإرادة بالإرادة خارجاً، ومثال ذلك: المكلف الذي ابتلي بقصد الإقامة لتصحيح صومه، فلو سافر المكلف إلى مشهد المقدسة لزيارة الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ وأراد أن يصلي تماماً وأن يصوم هناك، فإنه يقال له: لا بد أن تقصد الإقامة عشرة، فلو قصد الإقامة عشرة أيام، لكنه بقي يوم أو يومين ثم عدل عن الإقامة كما لو حصلت عنده حالة وفاة واضطر أن يرجع، فإنه يلتزم بأن صومه صحيح وأنه يبقى على التمام إلى أن يسافر، فما هو الوجه الفني لتصحيح صومه وصلاته؟

الوجه الذي ذكره المحقق العراقي

المحقق العراقي ذكر وجهاً لا يخلو من غموض[2] فقد ذكر أن المصلحة بالإقامة لا الإرادة، لكن المصلحة ليست قائمة بمطلق الإقامة، بل بحصة خاصة من الإقامة، وهي الإقامة القصدية، فقد نشأ قصد الإقامة من مصلحة قائمة لا بالقصد محضاً بل بالإقامة القصدية أي الإقامة المقيدة بالقصد أي حصة خاصة من الإقامة وهي خصوص إقامة عشرة أيام التي قيدت بقصد الإقامة، فتكون الإقامة بقصد بعض حصصها محطة للمصلحة، فلا يلزم النقل.

الوجهان في ما ذكر المحقق العراقي

وما ذكره المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ يحتمل فيه أمران، وإن كان ظاهر كلامه أقرب إلى الاحتمال الثاني دون الأول.

الاحتمال الأول: إن المراد هو الإقامة المقيدة بالقصد فنحمل كلامه على ظاهر الحصة الخاصة، فيقصد المسافر في المقام الإقامة المقيدة بالقصد على نحو القيد والمقيد، التقيد بعد أمر ذهني خارجي، بحيث يكون محط المصلحة المقيد مع التقيد معاً بنحو المركب الارتباطي الضمني.

فالمكلف لا يرى المصلحة في مطلق الإقامة بل في خصوص حصة خاصة من الإقامة وهي الإقامة المقيدة بقصد الإقامة.

وهذا الاحتمال الأول جوابه الفقهي واضحٌ، إذ من الواضح فقهياً أن الإقامة ليس لها دخل أصلاً في القصر والتمام حتى بنحو ضمني، فما يحقق صحة الصوم خارجاً ليس نفس الإقامة، بل قصد الإقامة، لأن لو فرض أنه قصد الإقامة وصام وبعد الصوم عدل عن الإقامة ولم يقم حتى يوم واحد فصومه صحيحٌ، ولو صام كذا يوم ولم يكمل العشرة أيام فصومه السابق صحيح.

فتصحيح الصوم نكتته ليس نفس الإقامة بل قصد الإقامة.

إذا ليست النكتة هي الإقامة المقيدة بما هي مقيدة حتى ينحل الإشكال، بل صحة الصوم قائمة بنفس القيد محضاً وهو القصد من دون نظر إلى المقيد، فالإشكال باقٍ على حاله بناءً على الاحتمال الأول واضح إن شاء الله.

الاحتمال الثاني أن يكون مقصود المحقق العراقي من الحصة الخاصة هو سدّ باب العدم من هذه الجهة بمعنى أن الإقامة لها عدة أبواب من العدم، فتارةً تعدم الإقامة في البلد لعدم وجود القوت، وتارة تعدم الإقامة في البلد لعدم وجود الأمن، وتارة تعدم الإقامة في البلد لأن شخصاً أجبره على الخروج، وتارة تعدم الإقامة في البلد لأن المكلف لم يقصد الإقامة، فهذه أبواب لعدم الإقامة.

وحينئذٍ يقال بأن محط المصلحة هو سد باب عدم الإقامة من ناحية عدم القصد فكأنما هذا حفظ لمرتبة من مراتب وجود الإقامة وتقريب للإقامة بنحو الوجود.

فإن أراد المحقق العراقي هذا الاحتمال الثاني أي سد باب خاص من أبواب عدم الإقامة وهي أن المصلحة في تصحيح الصوم قائم بحفظ مرتبة من شؤون ووجود هذه الإقامة أي سدّ باب عدم الإقامة من جهة عدم القصد، فهذا صحيح لكنه عبارة أخرى عن قيام المصلحة بنفس القصد فإن سد باب عدم الإقامة الناشئ من عدم قصد الإقامة عبارة عن قصد الإقامة تفنن في التعبير وليس هذا جزءً من وجود الإقامة خارجاً وإن أطلق فهذا مسامحة في التعبير، فواقع المطلب هو سد باب عدم الشيء من ناحية هذه المقدمة من مقدماته.

بعبارة أخرى: عدم الإقامة من جهة عدم القصد منعه بماذا يكون؟ بقصد الإقامة، ﴿وكفى الله المؤمنين القتال﴾[3] لا أكثر من هذا المقدار فرجع الإشكال، وهو أنه أخذ القصد في القصد أخذت الإرادة صار بعد يا أخي تمام المصلحة في القصد وليست المصلحة في المقصود صار تمام المصلحة في الإرادة لا المراد.

ثلاث فرضيات في الإرادة

إذاً هذا الكلام هذا الأمر لا يمكن أن يرجع إلى محصل، فما هو التخريج الفني لهذه المسألة؟ كلامنا فعلاً في المورد الأول أخذ قصد الإقامة عشرة أيام، هنا توجد ثلاث فرضيات:

الفرضية الأولى إن المراد بالإرادة الحب والبغض، الشوق وعدم الشوق، هذا الفرض الأول.

الفرض الثاني أن المراد بالإرادة ليس الحب بل البناء والالتزام فمن يقصد الإقامة عشرة أيام ليس بمعنى أنه أحب واشتاق واشتهى أن يقيم عشرة أيام بل بمعنى أنه يلتزم ويبني على أنه يقيم عشرة أيام.

الفرض الثالث أن المراد بالقصد ليس الحب والشوق كما في الفرض الأول وليس الالتزام والبناء كما في الفرض الثاني بل بمعنى الاطمئنان بأنه سيمكث عشرة أيام.

هذه فروض ثلاثة.

سؤال: ما هو مناط صحة الصوم بالإقامة؟

الجواب: قصد الإقامة.

سؤال آخر: ما المراد بالقصد؟

في جوابه إحتمالات: هل هو الحب؟ كما في الفرض الأول، أو التزام والبناء كما في الفرض الثاني، أو الاطمئنان كما في الفرض الثالث.

هذه فروض ثلاثة قابلة للمناقشة تتمة الكلام في هذه الفروض يأتي عليه الكلام إن شاء الله.


[1] نهاية الأفكار، تقرير البروجردي، المحقق العراقي، ج1، ص173..كتاب بدائع الأفكار تقرير الميرزا هاشم الآملي، المحقق العراقي، ج1، ص208

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo