< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: توضيح الشهيد الصدر للمطلب الإجمالي

 

توضيح المطلب الإجمالي في نقاط

توضيح الشهيد الصدر للمطلب الإجمالي الذي ذكره الميرزا النائيني، وتوضيح المطلب الإجمالي في نقاط:

النقطة الأولى قانون العلية لا وجداني لا برهاني.

بيان ذلك: إن قاعدة الوجوب بالعلة وأن الشيء ما لم يجب بالعلة لا يوجد لو كانت هذه القاعدة قد قام عليها البرهان فلا معنى للالتزام بالتفصيل فيها إذ أن القواعد العقلية كلية غير قابلة للتخصيص والتقييد فالبرهان العقلي كلي وهو غير قابل للتقييد والتخصيص.

ولكن الصحيح إن قانون العلية قانون وجداني وأن قاعدة أن الشيء ما لم يجب بالعلة لا يوجد قاعدة وجدانية، لا يمكن إقامة البرهان عليها وإنما هي من مدركات العقل الأولية.

مناقشة الشيهد الصدر على البرهان على قاعدة العلية

وقد حاول جملة من الحكماء أن يبرهنوا على قاعدة العلية وأن الشيء ما لم يجب لا يوجد لكن الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ ناقش ذلك وتعرض له في كتابه القيم الأسس المنطقية للاستقراء صفحة أربعة وخمسين وستة وخمسين ثلاثة وخمسين، والذي كتبه شهيدنا الصادر بعد جلسات طويلة وكثيرة ودائمة مع أستاذنا المعظم سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري الذي كان يسميه الشهيد الصدر العقل المحض.

وخلاصة ما ذكره الشهيد الصدر في الأسس المنطقية للاستقراء هو أن في الاستدلال على العلية الذي تصوره بعض الفلاسفة يشكل دوراً واضحاً، فمثلاً قد يقال إن قاعدة العلية يمكن إثباتها بالبرهان لأن الحادثة لو وجدت من دون علة ومن دون وجوب مع إمكان الوجوب الوجود وإمكان العدم للزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح وترجيح أحد المتساوين بلا مرجح محالٌ إذا لا يعقل أن توجد الحادثة إلا إذا تبدل إمكان الحادثة بالوجوب بالغير.

هذا البرهان الذي أقيم على قاعدة العلية وأن الشيء ما لم يجب لا يوجد غير صح في المقام.

والسر في ذلك

يقول الشهيد الصدر: إن نفس استحالة الترجيح بلا مرجح عبارة أخرى عن قانون العلية لأن الترجيح بلا مرجح، ما هو معناه؟ إن معناه هو وجود رجحان بلا سبب اقتضى وبلا علة اقتضته وهذا عبارة أخرى عن أن المعلوم يوجد بلا علة وأن هذا محال فكأنه قد برهن على قانون العلية بقانون العلية.

وهذا دور واضح فأنت حينما تبرهن على أن الحادث لا يمكن أن توجد إلا إذا تبدل إمكانها بالوجوب بالغير ووجدت العلة الموجبة فأنت بماذا تبرهن على ذلك؟

ألا ترى أنه إذا وجدت الحادثة مع أنها ممكنة لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح بلا سبب وبلا علة اقتضته، وهذا عبارة عن لزوم وجود المعلول بلا علة فكأنك استدللت على مبدأ العلية بأنه لولا مبدأ العلية للزم وجود المعلول بلا علة وهذا مصادرة على المطلوب.

قانون العلية وجداني

إذا قانون العلية ليس برهانياً وإنما هو وجداني وهو قانون يتقبله العقل السليم والفطرة السليمة، ويتقبله كقضية بديهية ضرورية أولية من قواعد العقل الأولية فهو كقضية الكل أعظم من الجزء هذه قضية بديهية أولية كذلك من القضايا البديهية لكل معلول علة.

إذا إذا كان مدرك العلية هو الوجدان لا البرهان هو الفطرة السليمة لا البرهان منطقي إذا لابد أن أن تقول الفطرة السليمة هي تعرف المسألة.

هذا تمام الكلام في النقطة الأولى أن قانون العلية وجداني أولي وليس برهاني.

النقطة الثانية

المصحح لتحقق الشة أحد الأمرين

النقطة المصحح لتحقق الشيء أحد أمرين:

إما العلة الموجبة أو السلطنة

تفصيل النقطة الثانية هو أنه لابد من تشخيص مقتضى الفطرة السليمة، وحاصل الفطرة السليمة أن الإمكان الذاتي للشيء لا يكفي لوجوده بل لابد من مصحح آخر غير نفس الإمكان الذاتي، لأن الإمكان الذاتي عبارة عن سلب الضرورتين أي سلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم، فنفس الإمكان لا يحقق الوجود ولا يرجح كفة الوجود على العدم فلابد أن نرجع إلى الفطرة السليمة والعقل السليم

منشأين لوجود الشئ

سؤال: ونسألهما ما هو المصحح لوجود الشيء؟

الجواب أحد منشأين:

الأول إلى العلة الموجبة فالنار توجب الإحراق والثلج يوجب البرودة فإن العلة الموجبة والمقتضية لتحقق المعلوم تكفي في خروج الممكن عن تساوي الوجود والعدم وترجح طرف الوجود على طرف عدم فيوجد الشيء هذا الأمر الأول مسلم وهو معنى قانون العلية.

الثاني السلطنة فلو وجدت السلطنة في ذات العالم أو خارج هذا العالم، فإن هذه الذات التي ثبت لها السلطنة كالذات الإلهية أو ذات المخلوقين، هذه السلطنة للذات بمفردها مصححة لوجود الشيء بحسب الفطرة السليمة ومصححة لصدور الفعل، فالسلطنة مفهوم ثالث غير مفهوم الإمكان ومفهوم الوجوب، والسلطنة تشترك مع الإمكان في شيء وتمتاز عنه في شيء آخر، وكذلك السلطنة تشترك مع الوجوب في شيء وتمتاز عنه في شيء آخر.

العلاقة بين السلطنة والإمكان

أما العلاقة بين السلطنة والإمكان فالسلطنة تشترك مع الإمكان الذاتي في أن نسبتها إلى الوجود والعدم على حد واحد، فالذات مسلطة على إيجاد الشيء كما أنها مسلطة على عدم إيجاد الشيء على حد سواء، فكما أن الإمكان نسبته إلى الوجود والعدم واحدة، فكذلك السلطنة نسبتها إلى الفعل والترك أيضاً واحدة هذا ما به الاشتراك.

الإمتياز بين السلطنة والإمكان

وأما ما به الامتياز فإن السلطنة تمتاز على الإمكان الذاتي في أن الإمكان الذاتي لوحده لا يكفي لإيجاد بل لابد من ضم مصححٍ لأحد الطرفين طرف الوجود أو طرف عدم فلكي يوجد الممكن لابد من مصحح لطرف الوجود يضم إلى الإمكان الذاتي لأن الإمكان الذاتي لوحده لا يكفي لتحقق الوجود بحسب الفطرة السليمة، وهذا بخلاف السلطنة والسلطة فيستحيل أن تفرض فيها إضافة لأن فرض إضافة على السلطنة خلاف مبدأ السلطنة فمبدأ السلطنة قائم على عدم الاحتياج إلى سلطنة أخرى أو ضم شيء آخر، فمعنى السلطنة له أن يفعل وله ألا يفعل من دون أن يضم إلى الذات المتسلطنة شيء آخر.

فإذا افترضنا وضمينا شيء إلى السلطنة فهذا معناه انتفاء نفس مبدأ السلطنة إذا أن معنى السلطنة له أن يفعل وله أن يترك وهذا بخلاف مبدأ الإمكان، الإمكان عبارة عن سلب الضرورتين سلب ضرورة الوجود وضرورة العدم فالإمكان بحاجة إلى ضم ضميمة لترجيح كفة الوجود أو العدم.

إذا السلطنة بعد فرض وجودها لابد من الالتزام بأنها تختلف عن الإمكان في أنها لا تحتاج إلى ضم ضميمة بصدور أحد الأمرين وإلا لزم خلف كونها سلطنة بخلاف الإمكان الذي لا بد من ضم ضميمةٍ إليه لترجيح أحد الأمرين.

هذا تمام الكلام في العلاقة بين السلطنة وأما العلاقة بين السلطنة والوجوب فالسلطنة تشترك مع الوجوب بالعلة في أنه كما أن الوجوب يكفي لصدور الشيء بلا ضميمة كذلك السلطنة تكفي لصدور الشيء من دون ضم ضميمة.

الإمتياز بين السلطنة والوجوب بالغير

وأما جهة امتياز السلطنة على الوجوب بالغير هو أن صدور الشيء من العلة الموجبة ضروري وأما وصدور الفعل أو الترك من السلطنة فهو ليس ضرورياً بل هو اختياري، فالوجوب يقول لابد أن يفعل والسلطنة تقول له أن يفعل، وعند انتفاء العلة قانون العلية يقول يستحيل أن يوجد يعني لابد أن لا يوجد والسلطنة تقول له أن يترك.

إذا مقاد السلطنة أمر اختياري له أن يفعل وله أن لا يفعل له أن يدرس وله أن لا يدرس له أن يأكل وله أن لا يأكل، لكن مفاد قانون العلية الضرورة إذا دنت النار من الورقة يجب أن تحترق الورقة ولا نقول لها أن تحترق الورقة ومن هنا ينتزع العقل عنوان الاختيار للسلطنة يراجع كتاب المختار في الجبر والاختيار للسيد علي الفاني ـ رحمه الله ـ صفحة خمسة وثمانين.

فالعقل ينتزع عنوان الاختيار من السلطنة ولا ينتزع عنوان الاختيار من الفعل الصادر من الوجوب بالعلة ولا ينتزع الاختيار من الفعل الصادر من محض الإمكان لو قلنا بإمكان الصدفة، فالصدفة لا تحصل اختياراً حتى لو التزمنا بوقوعها وإنما تحصل قهراً وجبراً فهي كقانون العلية من ناحية الضرورة بخلاف السلطنة.

المطلوب في النقطة الثانية ما هو؟

إذاً المطلوب أنه لو وجدت سلطنة في هذا العالم فهذه السلطنة مساوقة مع الاختيار وكل أفعالها تكون أفعالاً اختيارية وخارجة عن قانون الذي مفاده إن الشيء ما لم يجب لا يوجد، إذا مفهوم السلطنة ليس تخصيصاً لقانون العلية العقلي الفطري الوجداني بل مفهوم السلطنة خارج تخصصاً عن قانون العلية.

قانون العلية ناظر للمعلول القسري وقانون السلطنة ناظر للأفعال الاختيارية.

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية.

النقطة الثالثة إثباتية كلامنا في النقطة الأولى والثانية في النقطة الثانية ثبوتاً عالم الإمكان، النقطة الثالثة إثباتاً هل مثل هذه السلطنة موجودة في عالمنا أو لا؟

سؤال: فلو وجدت ذاتٌ في عالمنا فهل هذه الذات في عالمنا أو عالم غيرنا، له حق الاختيار والسلطنة أو لا؟

الجواب: بالنسبة إلى الذات الإلهية فهذه السلطنة ثابتة لها لكن الكلام عن سلطنة الذات الإلهية خارج عن محل بحث إذ محل بحثنا هو سلطنة الإنسان، وما مضى في النقطة الثانية إنما هو في عالم الثبوت والإمكان والفرض نقول له أن يفعل وله أن يترك فهو مختار، والكلام في النقطة الثالثة في تشخيص صغرى هذا المطلب وهي أن أفعال الإنسان التي تصدر من الإنسان هل هي تصدر بالسلطنة أو تصدر بالوجوب بالغير؟

سؤال: وهنا نقول هل يمكن إقامة البرهان على ذلك؟ أو لابد فيه من الرجوع إما إلى الوجدان أو إلى الشرع المقدس المبان؟

والجواب تقدم في النقط الأولى أن قاعدة قانون العلية وجدانية يقتضيها العقل السليم والفطرة السليمة وليس برهانياً، إذا لا يمكن إقامة البرهان على سلطنة الإنسان بل لا بد من الرجوع إلى الوجدان أو ما يقتضيه الشرع.

ولنقرب ذلك بالوجدان فنحن نرى بالوجدان وهذا لا يحتاج إلى برهان أن الإنسان بعد أن يصدق بفائدة أكلة معينة يأكلها وبعد أن يصدق بضرر أكلة معينة يتركها وبعد أن يصدق بثواب صلاة معينة فإنه يؤديها وبعد أن يعتقد ببدعة كيفية معينة من الصلاة فإنه يتركها.

إذاً له أن يفعل وله أن يتركه وهذا مرجعه إلى مبدأ وجداني مبدأ السلطنة إذا اقتنع بشيء أقدم عليه واذا لم يقتنع بشيء احجم عنه.

ويمكن أن نرجع إلى تقريب آخر فكثيراً ما يتفق للإنسان أن يختار أحد الفردين مع أنه لا مرجح فيه، لاحظ التقريب الثاني فالهارب الشارد من العدو وكان أمامه أحد طريقين متساويين فإنه يعجل باختيار أحدهما مع أنه ترجيح بلا مرجح.

وهكذا الفقير الجائع الذي يتلظى إذا قدم إليه رغيفان حاران متساويان في الدسومة ولا مرجح لأحدهم على الآخر فإنه يلتهم أحدهما بسرعة ويرجح أحدهما بسرعة مع أنه ترجيح بلا مرجح فهناك تساوي بالنسبة إلى الرغيفين ولا مزية لأحدهما على الآخر وهناك تساوي بالنسبة إلى الطريقين للهارب ولا مرجحة لأحدهما على الآخر.

فهذا يعني أنه الجامع بين الرغيفين وجامع بين الطريقين قد ارتكز في ذهن الهارب أو الجائع وتولى تطبيق الجامع على أحد الفردين فيرجح أحد المتساوين بلا مرجح.

وهذا البيان صحيح عند بعض الفلاسفة الشكاكين من أن الجائع سوف يأكل أحد الرغيفين لكنهم قالوا يوجد مرجح هو لا يعلمه وهذا المرجح عند الله تعالى أو عند الملائكة المقربين فمن شكك ولم يصل إلى نتيجة قال يستحيل الترجيح بلا مرجح يوجد مرجح في الواقع وهذا المرجح في الواقع موجود في عالم أعلاه في علمه تعالى أو ملائكته المقربين ومن هنا أقدم على أكل الرغيف لكنه لا يعلم بهذا المرجح هذا قول الفلاسفة المشككين.

لكننا ندرك بالوجدان أنه في بعض الموارد لا يوجد مرجح يا أخي أنت تروح تزور واحد يقدم إليك أنواع الأطعمة أو طعام من شيء واحد فيه قطع مختلفة أنت رأساً بعد ما تتردد تأخذ قطعة من دون مرجح كل القطع نفس الشيء هذا ترجيح بلا مرجج، هذا مرجعه إلى السلطنة أنت مسلط أنت تأكل أو لا تأكل أن تفعل أو أن تترك.

حصيلة البحث تنقيح كبرى فرضية أن السلطة بنفسها قانون مقابل قانون الوجوب بالعلة وبهذا القانون يمكن دفع برهان الجبر لأن مجرد إبداء أن يكون الإنسان داخلاً في دائرة السلطنة لا في دائرة الوجوب بالعلة يكفي لدفع شبهة الجبر التي كانت هي المحور في الفلسفية.

وأما إقامة البرهان على صغرى هذه الفرضية بمعنى أن أفعال الإنسان الخارجية يتحكم فيها السلطنة لا الجبر وأنه تعالى خلق فيه السلطنة وأن هذه السلطنة ينتزع منها عنوان الاختيار فإثبات هذه الصغرى وجداني وليس برهانياً، فلابد من الرجوع فيه إما إلى الوجدان وإما إلى المصادر الشرعية وبهذا انتهى الكلام في بحث الإرادة والطلب.

تبقى أمور متممة وتفريعات على ذلك تتميم وتفرعية يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo