< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعليقات الشهيد الصدر على المطلب التفصيلي للميرزا النائيني

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- تم الجهات الثلاثة، أما الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)-للمسألة ثلاثة أبحاث: كلامية، فلسفية وأصولية-تم البحث الكلامي وشرعنا في المسألة الفلسفية-قلنا وشرحنا أن شبهة عدم اختيارية الإنسان تترتب من مقدمتين-ألان نتكلم عن دفع هذه الشبهة-وصلنا ألى المسلك الرابع في دفع الشبهة-كان كلام للنائيني حول التفصيل في أفعال الإنسانية- اليوم نتكلم عن تعليق الشيهد الصدر حول كلام النائيني

التعليق الأول

ذكر الميرزا النائيني أن النفس يصدر منها عملان طوليان:

العمل الأول نفساني وهو عبارة عن إعمال القدرة، وتحرك النفس وتوجهها نحو الفعل كالصلاة مثلاً.

العمل الثاني في طول العمل الأول وهو عبارة عن الصلاة الخارجية.[1]

وهنا يعلق الشهيد ويقول: إنما ذكره الميرزا فعلاً أولاً هو عبارة عن تأثير النفس وإعمالها لإمكانياتها في إيجاد الصلاة فهو بحسب الحقيقة ليس فعلاً نفسانياً غير الفعل الخارجي فإن تأثير النفس في إيجاد الصلاة ليس إلا نفس الصلاة فتارة نلحظ المفهوم وتارة نلحظ المصداق الخارجي، فلو لاحظنا الخارج فإنه يوجد شيء واحد فيكون التأثير والتأثر شيئاً واحداً والإيجاد والوجود شيئاً واحداً، والإعمال والعمل واحداً، لكن بلحاظ المفهوم هما مفهومان فالتأثير مفهوم والتأثر مفهومان، والإيجاد مفهوم والوجود مفهوم، والإعمال مفهوم والعمل مفهوم آخر، ففي الخارج يوجد مصداق واحد لكن المفهوم يختلف باختلاف الاعتبار فالإيجاد هو عين الوجود خارجاً.

لكن هذا الوجود إذا نسب إلى الفاعل يقال له إيجاد وإذا نسب إلى محله يقال له وجود، فالنار بالنسبة إلى الإحراق فهذا الإحراق إذا نسب إلى فاعله وهو النار يقال إن النار قد أوجدت الإحراق، وأما الإحراق إذا نسب إلى محله فيقال هذا أثرٌ وعملٌ ووجود.

إذاً ليس هناك مطلبان تحت هذين العنوانين مطلب تحت عنوان التأثير والإيجاد والإعمال ومطلب آخر تحت عن الأثر والوجود والعمل بل هذه عناوين كثيرة منتزعة عن ترتب العمل والأثر والوجود بحسب الخارج، ولا نعرف مصداقاً آخر لهذه العناوين.[2]

خلاصة التعليقة الأول

خلاصته إذا لاحظنا فعل خارجي فإنه يوجد عندنا في الخارج فعل واحد وليس فعلان فعل النفس وهو إعمال القدرة وفعل الصلاة الخارج في الخارج يوجد شيء واحد وهو الصلاة الخارجية لكن فعل الصلاة الخارجية إن لوحظ من جهة فاعله وهو المصلي يقال: إيجاد تأثير إعمال، وإن لوحظ نفس وهو الصلاة منسوباً إلى محله قيل: أثر، وجود، عمل، فالفارق في هذين مفهومين باختلاف اللحاظ والاعتبار، ولكن من ناحية نفس الفعل يوجد فعل واحد لا فعلين طوليين.

التعليق الثاني

إن ما أدخله المحقق النائيني رحمه الله من فرضية العمل النفساني في المطلب لا دخل له في حل الشبهة، فقد يقال بأنه يوجد هناك عملان طوليان أحدهما العمل الخارجي المترتب على العمل النفساني، والعمل النفساني ليس معلولاً للإرادة لعدم مشموليته لقانون الوجوب بالعلة.

الشهيد الصدر يعلق يقول: إن حل الشبهة لا يتوقف على إدخال فرضية العمل النفساني لأن كل ما نقوله في العمل النفساني أيضاً يمكن أن نقوله في العمل الخارجي وهو الصلاة الخارجية ابتداء من دون حاجة إلى إدخال العمل النفساني وتوسيطه.

فلو فرض أنه لا يوجد فعلا أحدهما نفسي والآخر خارجي لا يوجد فعلا طوليان بل يوجد فعل واحد وهو ما يلتزم به الشهيد وهو الصلاة، وهذا الفعل الواحد ينتزع منه عناوين متعددة باختلاف الاعتبارات كعنوان العمل والإعمال الأثر والتأثير الإيجاد والوجود وغير ذلك وعلى الرغم من وجود فعل واحد خارجي وهو الصلاة يمكن دفع الشبهة به بما قلناه في العمل النفسي وهو إعمال القدرة.

وذلك بأن نلتزم في هذا العمل الواحد وهو الصلاة الخارجية بما التزم به الميرزا النائيني في العمل النفساني، فكما قال بأن العمل النفساني غير مشمول لقانون الوجوب بالعلة ولا يشمله قانون العلية كذلك نلتزم في الخارجي، ابتداءً بلا توسيط عمل قبله ونقول إنه خارج تخصيصاً عن قانون العلية ولا تشمله قاعدة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد.

فإذا كان هذا التخصيص يكفي لدفع الشبهة لا حاجة لتوسيط الفعل النفسي فيمكن تطبيق ما ذكره الميرزا النائيني على الفعل الخارجي مباشرة من دون حاجة إلى إقحام العمل النفسي.

وإذا كان ما يكفي ولا يمكن استثناؤه من قاعدة قانون العلية فحينئذ تكثير العمل وفرض فعلين طولين لا دخل له في دفع الشبهة. [3]

هذا تمام الكلام في التعليق الثاني.

التعليق الثالث[4]

وهو الأهم إذا لاحظنا الفعل الخارجي نرى أن حاله سائر الحوادث في عالم الطبيعة، بمعنى أنه ينطبق عليه قاعدة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد، لأن الفعل الخارجي كالصلاة له علة وعلته كما يدعي المحقق هي الفعل نفسه فإذا فهو واجب بالعلة هذا بالنسبة للفعل الخارجي وهو الصلاة.

وأما إذا لاحظنا الفعل النفساني نفسه فقد ذكر المحقق النائيني أنه خارج تخصيصاً عن القاعدة المذكورة وهذا التخصيص حيث إنه تخصيص في قاعدة عقلية لابد من طرح هذا السؤال والجواب عليه.

الإحتمالان في منشئ الفعل النفساني

ما هو المنشئ والمصحح لهذا الفعل النفساني؟

يوجد احتمالان لا ثالث لهما:

الاحتمال الأول المصحح لوجوده هو وجوب صدوره وهذا خلف، لأن المحقق النائني افترض خروجه عن القاعدة المذكورة.

الاحتمال الثاني إن المصحح لوجود الفعل النفساني هو إمكان صدوره، وحينئذ نقول إن إمكان الصدور مفهوم سلبي وهو عبارة عن سلب الضرورتين فالممكن وما سلبت فيه ضرورة الوجود وسلبت فيه ضرورة العدم.

فإن قيل: إن المصحح لصدوره هو الإمكان، قلنا: فحينئذ نقول لماذا كان الإمكان مصححاً لصدور هذه الحادثة من الحوادث ولا يكون الإمكان مصححاً لسائر الحوادث؟ وهذا ليس مجرد تخصيص تعبدي إذ بحثنا بحث عقلي فلا يمكن أن ندعي أنها قد خرجت بالتخصص التعبدي من تحت العموم الفوقاني، وإنما المسألة مسألة الملاكات العقلية للإمكان والاستحالة.

أعيد وأكرر لاحظ لبّ المناقشة:

الفعل الخارجي وهو الصلاة علته الفعل النفساني إعمال القدرة، نأتي إلى الفعل النفساني إعمال القدرة ما هو الموجب لتحققه؟ هل هو وجوب صدوره؟ هذا خلف فرض المحقق النائيني.

هل هو إمكان صدوره؟ إذا كان إمكان صدوره، لماذا صار الإمكان في خصوص العمل النفساني الذي هو إعمال القدرة صار منشأ ومصححاً لصدور إعمال القدرة، بينما الإمكان في سائر الممكنات وسائر الحوادث لا يكون منشأ لحدوث الحوادث؟

إذا يا أخي يا أخي يوجد عنصر ثالث غير إمكان الوجود وإمكان العدم، الإمكان هو عبارة عن سلب الضرورتين سلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم، ويوجد مفهوم ثالث وهو مفهوم السلطنة تسلط الإنسان على الفعل إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، إن أراد فعل وإن لم يرد لا يفعل، وأما ما ذكر الميرزا النائيني من أن الفعل يكون المصحح لوجوده هو إعمال القدرة هذا لا يكفي للإجابة على السؤال لأننا نتكلم في نفس إعمال القدرة الذي هو فعل نفساني، ونسأل من جديد ما هو المصحح لوجود هذا الفعل النفساني؟ هل المصحح لوجوده مجرد إمكان صدوره من النفس أو وجوب صدوره من النفس؟

فإن كان المصحح هو وجوب صدوره من النفس فهذا معناه أنه تنطبق عليه قاعدة قانون العلية، وهذا خلف فرض الميرزا النائيني الذي يرى أن قانون العلية لا يشمل إعمال القدر الذي هو فعل نفساني.

وإن قلنا إن المصحح لهذا الفعل النفساني والموجب لصدور إعمال القدرة هو إمكان إعمال القدرة وإمكان الفعل النفساني، قلنا لماذا إمكان الفعل النفساني مصحح لصدوره، لكن سائر الحوادث الممكنة لا يكون إمكان صدورها مصححاً لحدوثها.

من هنا لابد من تكميل بيان الميرزا النائيني، فلعل عبائر الميرزا النائيني غير وافية فلابد من طرح مفهوم ثالث إلى جانب الإمكان وجانب الوجوب وهو مفهوم السلطنة، فالإمكان بما هو إمكان لا يصحح حدوث الحادثة والوجود خلافه فرض الميرزا النائيني فيبقى مفهوم السلطنة ومفهوم السلطنة مغاير للإمكان والوجوب ذاتاً.

ومن هنا يشرع الشهيد في حل الشبهة.

الفروض الأربعة لتصحيح وجود الفعل النفساني

إذاً مصحح وجود الفعل النفساني يحتمل فيه فروض أربعة:

الفرض الأول أن يكون المصحح لوجوده هو الوجوب بالغير والضرورة المكتسبة من العلة، وقد قال الميرزا النائيني أن هذا الفعل النفساني خارج تخصيصاً عن قاعدة الوجوب بالعلة ولا يشمله قانون العلة.

الفرض الثاني أن يكون المصحح لوجوده هو مجرد الإمكان الذاتي بمعنى أن محض الإمكان ومجرد إمكان صدوره من الفاعل يكفي في صدوره، وهذا أيضاً غير صحيح لأمرين:

الفرض الثاني غير صحيح لأمرين

أولاً عدم الفارق بين هذا الإمكان وسائر الإمكانات، فلماذا كان صدور الفعل من الإنسان مصححاً لوجوده ولكن إمكان صدور الإحراق من النار لا يكون مصححاً لوجود الإحراق.

ثانياً إن الإمكان لو كان هو المصحح لوجوده فمعنى هذا أنه وجد صدفة بلا أي منشئ لأن الإمكان هو بمعنى سلب الضرورتين سلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم، فالإمكان نسبته إلى الوجود والعدم على حد سواء والصدفة غير الاختيار، فإذا وجدت الحرارة في الماء صدفة فلا يقال إن هذا عمل اختياري.

الفرض الثالث أن يقال إن المصحح لوجود هذا الفعل النفساني فعل نفساني قبله أي هجمة من قبل النفس قبل هذه الهجم وهي تعمل على تصحيح هذه الهجمة، وهنا يلزم التسلسل في هجمات النفس، فلابد من القول بالفرض الرابع.

الفرض الرابع ابدأ مفهوم ثالث غير الإمكان المحض وغير الوجوب، وهو مفهوم السلطنة، ومفهوم السلطنة في مقابل الوجوب ومفهوم الإمكان.

ومن هنا بعد أن ناقش الشهيد الصدر في المطلب التفصيلي، وقال: إنه ليس بصحيح والتزم بأنه يوجد فعل واحد وهو الصلاة الخارجية، وليس فعلين أحدهما نفسي وهو إعمال القدرة والآخر خارجي وهو الصلاة الخارجية فذهب السيد الصدر ـ رحمه الله ـ إلى عدم صحة المطلب التفصيلي للميرزا النائيني الذي ذكر وجود فعلين بل التزم بوجود فعل واحد.

لكن الشهيد الصدر يرى صحة المطلب إجمالي ويحتاج إلى بيانه عن طريق بيان مفهوم السلطنة، لذلك شرع الشهيد الصدر في بيان المطلب الإجمالي للميرزا النائيني تحت نقاط.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo