< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسلك الرابع لحل الشبهة الفلسفية

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- تم الجهات الثلاثة، أما الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)-للمسألة ثلاثة أبحاث: كلامية، فلسفية وأصولية-تم البحث الكلامي وشرعنا في المسألة الفلسفية-قلنا وشرحنا أن شبهة عدم اختيارية الإنسان تترتب من مقدمتين-ألان نتكلم عن دفع هذه الشبهة

 

المسلك الرابع لحل الشبهة الفلسفية

ما اختاره المحقق الشيخ محمد حسين النائيني ـ رحمه الله ـ فإنه قد سلم بالمقدمة الأولى والثانية معاً لكنه أنكر إطلاق المقدمة الثانية ورفض أن تكون قوانين العلية على إطلاقها فأفعال الإنسان على نحوين:

أفعال الإنسان على نحوين

النحو الأول أفعال اختيارية.

النحو الثاني أفعال غير اختيارية.

فقال الميرزا النائيني بأن المقدمة الثانية التي ذكرت القانون العلية إنما تختص بحوادث الكون وأفعال الإنسان القسرية الغير اختيارية وأما أفعال الإنسان الاختيارية فلا تشملها القوانين العلية فهي خارجة تخصصاً عن قوانين العلية.

إذا قانون لا إطلاق له لمطلق أفعال الإنسان بل يختص بخصوص أفعال الإنسان الغير الاختيارية، وأما مورد بحثنا وهو أفعال الإنسان الاختيارية فهو خارج تخصصاً عن قانون العلية.

توضيح ذلك: أن حدوث أي حادث بمحض إمكانه الذاتي هو غير معقول فإن المحض الذاتي معناه أن الوجود والعدم للشيء على حد سواء وعلى حد واحد، والإمكان بهذا المعنى نسبته إلى الوجود والعدم نسبة واحدة فكيف يكون هذا الإمكان منشأ في الوجود أو للعدم أو لترجيح العدم على الوجود أو ترجيح الوجود على العدم؟

يراجع فوائد الأصول، للكاظمي تقرير أبحاث الميرزا النائيني الجزء الأول صفحة تسعة وستين[1] ، أجود التقريرات للسيد الخوئي تقرير أبحاث الميرزا الغروي النائيني صفحة خمسة وأربعين.

إذاً ترجيح الوجود على العدم لا يحصل من محض الإمكان الذاتي بل يحتاج إلى أمر زائد على محض الإمكان الذاتي إذ أن الممكن من تساوى وفي طرفا الوجود والعدم فترجيح أحاديهما يحتاج إلى علة، فما هي هذه العلة؟ وما هو هذا الأمر؟ الزائد على الإمكان الذاتي الذي يوجب تقديم الوجود على العدم.

أحد الشيئين يوجب تقديم الوجود على العدم

هذا الأمر الزائد هو أحد شيئين:

الأول العلة الموجبة بمعنى الضرورة التي تنشأ من علة طبيعية فإذا وجدت علة تامة لحادثة من الحوادث فلا محالة إن هذه الحادثة ستقع بالضرورة فتكون هذه الحادثة واجبة بالغير وضرورة بالغير.

إذا الضرورة بالغير مكتسبة من العلة الموجبة، إذا الأمر الأول العلة الموجبة والمقتضية لوقوع المعلول، فإذا وجدت النار الإحراق واذا وجد الثلج وجدت البرودة، إذا الأمر الأول هو ماذا؟ العلة التي هي خارجة عن الإمكان الذاتي للشيء والفعل.

الثاني إعمال القدرة فإنه قد يتفق أن الحادثة يكون لها إمكان ذاتي ولا تكون هناك علة موجبة ولكن يوجد هناك شيء يعبر عنه الميرزا النائيني بإعمال القدرة وإعمال القدرة في مقام بحثنا هو بنفسه بديلٌ عن العلة الموجبة، والمراد بإعمال القدرة أن الإنسان الذي له قدر قدرة من الأفعال كالكتابة أو التدريس فبعد أن يصدق بفائدة هذا الفعل ويشتاق إليه بحيث تتم عنده كل المبادئ الإرادة فبعد كل ذلك يبقى هذا الفعل تحت قدرة الإنسان فإما يدرس أو لا يدرس فإما يكتب أو لا يكتب فإذا وقعت الكتابة والتدريس فهذا يعني أن الإنسان قد اعمل قدرته على التدريس والكتابة وإذا لم يتحقق التدريس والكتابة خارجاً فهذا يعني أنه لم يعمل قدرته.

وهنا لو أسند الفعل بالضرورة إلى الشوق الذي هو من مبادئ الإرادة لانتهى الأمر إلى مسلك الحكماء والفلاسفة الذي هو المسلك الأول ولأصبح الفعل غيره اختياري للإنسان لأنه محكوم بالضرورة الناشئة من الإرادة وهذه الإرادة ناشئة من مبادئ الإرادة ومبادئها الناشئة من ضرورة علتها وهكذا حتى ننتهي إلى العلة الأولى.

ولكن إذا قيل أنه بعد أن تتم مبادئ هذه إرادة يبقى للإنسان الاختيار يعني اشتاق اشتهى يدرس اشتهى يكتب من زمان ما كتب ودرس فهنا له أن يعمل قدرته ويدرس ويكتب وله أن لا يدرس ولا يكتب، فعلى الرغم من وجود الشوق والإرادة يبقى إعمال القدرة وإعمال القدرة هو البديل عن العلة الموجبة للشيء.

وهذا معناه أن الشيء ما لم يجب بالعلة لا يوجد وأن الشيء ما لم يعمل العامل والفاعل قدرته في إيجاده لا يوجد أيضاً فلابد من وجود أحد الشيءين: إما العلة الموجبة للشيء أو إعمال القدرة فهنا في أفعال وإعمال الطبيعة وأفعال الإنسان غير الاختيارية والاضطرارية والقصرية يكون منشأ الفعل هو الأمر الأول العلة الموجبة لأن الطبيعة ليس لها أن تعمل القدرة فلا قدرة لها وهكذا بالنسبة للإنسان في أفعاله غير الاختيارية ليست لديه قدرة على إعمال القدرة ففي أفعال الطبيعة من زلازل وبراكين وأمطار ورياح وأفعال الإنسان غير الاختيارية كحركة القلب ودقات القلب وحركة المعدة والأمعاء فإن منشأها ليس هو الإمكان الذاتي لضربات القلب وحركة الأمعاء والرياح بل منشأها العلة الموجبة والمقتضية لهذه الحركة، وأما أفعال الإنسان الاختيارية مثل التدريس والكتابة والنوم وما شاكل ذلك فمنشأها إعمال قدرته.

إذا منشأ أفعال الإنسان الاختياري هو إعمال القدرة وإعمال القدرة لا يندرج تحت قانون لكل معلول علة قهراً قانون العلية خاص بأفعال الطبيعة وأفعال الإنسان غير الاختيارية، وما أفاده الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ ينحل إلى مطلبين مطلب إجمالي ومطلب تفصيلي، والمطلب الإجمالي صحيح والمطلب التفصيلي محل كلام ونقاش.

أما المطلب الإجمالي فبيانه هو أن مبادئ العلية التي تحكم بأن كل حادثة لا توجد إلا بعلة موجبة وأن الشيء ما لم يجب بالعلة لا يوجد فإن هذا القانون لا نلتزم بإطلاقه وشموله حتى للأفعال الاختيارية وإلا انتهينا إلى مذهب الحكماء وهو المسلك الأول، بل نقول إن الفعل الصادر من الإنسان معلول للإرادة هذا المسلك الأول هكذا يقوم الذي ذهب إليه الحكماء بالفعل الصادر من الإنسان معلول للإرادة والإرادة معلولة لمبادئها حتمية وتلك أيضاً معلولة لعللها وهكذا تتسلسل الحلقات تسلسلاً ضرورياً حتمياً فلا يبقى معنى للاختيار نقول بالجبر بعد نرجع إلى العلة الأولى إذا لابد من رفع اليد عن إطلاق هذا القانون فلا يشمل الأفعال الاختيارية بمعنى أنه يوجد شيء بديل عن العلة الموجبة وهذا يصلح أن يكون أساساً لوجود الحادثة الاختيارية.

منشئان للحادث

إذا الحادثة بقول مطلق يوجد لها منشأن:

المنشأ الأول العلة الموجبة وهذا بالنسبة إلى أفعال الطبيعة والأفعال غير الاختيارية للإنسان.

المنشأ الثاني إعمال القدرة، وهذا يكون منشأ الأفعال الاختيارية للإنسان.

طبعاً سيأتي مزيد توضيح ما المراد بإعمال القدرات؟ ويرى الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ أن المراد بها السلطنة سيأتي إن شاء الله بحثه مفصلاً.

يراجع تقرير الشيخ حسن عبد الساتر لبحوث الشهيد في علم الأصول، صفحة سبعة وسبعين إلى ثمانين.[2]

ويراجع تقرير السيد محمود الهاشمي وهو عين ما ذكره السيد كاظم الحائري، السيد محمود الهاشمي بحوث في علم الأصول الجزء الثاني صفحة أربعة وثلاثين[3] وهو عين ما كتبه مع السيد كاظم الحائري مباحث الأصول الجزء الثاني صفحة أربعة وسبعين.

إلى هنا ذكرنا المطلب الإجمالي خلاصته التفصيل بين الأفعال غير الاختيارية وأفعال الطبيعة فيكون منشأها العلة الموجبة وبين الأفعال الاختيارية للإنسان ويكون منشأها إعمال القدرة هذا بالنسبة المطلب الإجمالي.

وأما المطلب التفصيلي يراجع أجود التقريرات السيد الخوئي صفحة تسعة وثمانين إلى واحد وتسعين.[4]

خلاصة ما ذكره النائيني

وخلاصة ما ذكره الميرزا النائيني في توضيح مطلب الإجمالي هو أنه يوجد في عالم الأفعال الاختيارية للإنسان فعلين طوليين للنفس أحدهما الفعل الخارجي كالصلاة والآخر فعل نفساني أسبق رتبة من الفعل الخارجي وهو إرادة النفس.

بيان ذلك: إن الإنسان بعد أن يلتفت إلى الصلاة ويصدق بفائدتها وتنقدح في نفسه الإرادة الجدية والشوق الشديد نحو الصلاة فبعد تمامية الإرادة لا يحصل ضرورة ووجوب تكويني للصلاة كما هو الحال بالنسبة إلى النار والاحتراق، إذا وجدت النار وجد الاحتراق بالضرورة هنا إذا وجدت الرغبة في الصلاة والصوم والحج لا يوجد الصوم والصلاة والحج ضرورة لأن قاعدة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد لا تجري في الأفعال الاختيارية وإنما تجري في الأفعال غير الاختيارية وأفعال الكون، فالصلاة حتى بعد تمامية الإرادة تبقى على إمكانها ولا تتحقق تكويناً في الخارج ويبقى للنفس الاختيار لها أن تتحرك نحو الصلاة ولها أن لا تتحرك نحو الصلاة.

العملان للنفس الطوليان

فالميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ يصوب للنفس عملين طوليين أحدهما يترتب على الخارج:

العمل الأول تحرك النفس توجهها نحو الصلاة فهذا عمل نسبته إلى النفس نسبة الفعل إلى الفاعل لا نسبة العرض إلى محله، وهذا ليس من قبيل الإرادة التي نسبتها إلى النفس نسبة العرض إلى محله فالإرادة عارضة على النفس، هذا الفعل عبارة عن تأثير النفس واختيار النفس للصلاة، هذا العمل الأول عمل اختياري للنفس لأنه لم يجب ولم يتحتم وجوده بالإرادة حتى يلزم خروجه عن الاختيار بل هذا الفعل الذي هو إعمال القدرة يبقى اختيارية حتى بعد الإرادة حتى بعد توفر مبادئ الإرادة من شوق وملاك وغير ذلك.

يبقى بالإمكان أن تعمل النفس قدرتها أو لا تعمل، بالإمكان أن يتحقق إقدام للنفس أو لا يتحقق إقدام للنفس فهذا الإقدام النفساني فعل اختياري وغير خاضع لقانون العلية لأنه خارج تخصيصاً عن قانون العلية.

العمل الثاني في طول العمل الأول وهو العمل الخارجي كالصلاة أو الصوم أو الحج وهذا العمل الخارجي كالصلاة هو فرع وفي طول إعمال القدرة، فالصلاة تصبح ضرورية بعد إعمال القدرة، فهذه الصلاة نشأت من إعمال القدرة والاختيار وهنا إذا اعمل الإنسان قدرته وجب تحقق الصلاة في الخارج فيصير الإقدام إقدام النفس هو العلة الموجبة لتحقق الصلاة خارجاً، فقد يقال إن قانون العلي يشمله هنا إذا تحقق الإقدام الذي هو علة وجب تحقق الصلاة وهذا صحيح.

ولكن وجود الصلاة فرع وجود الإقدام والإقدام النفسي أمر اختياري، وما يترتب عليه يكون اختيارياً فالصلاة الخارجية قد ترتب على الإقدام الاختياري وما ترتب على الاختياري فهو اختياري فتكون الصلاة الخارجية اختيارية.

إذاً فالعمل الأول والثاني كلاهما اختياري لأن العمل الأول وهو إقدام النفس خارج عن قاعدة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد وأما العمل الثاني وهو الصلاة فهو اختياري أيضاً لأنه وإن أصبح ضروري الوقوع بإعمال القدرة ولكن ضرورة وجود الصلاة في طول إعمال القدرة وإعمال القدرة أمر اختياري والضرورة في طول الاختيار لا تنافي الاختيار.

والخلاصة عندنا مطلب إجمالي وعندنا مطلب تفصيلي:

المطلب الإجمالي قانون العلية يشمل أحداث الكون والطبيعة وأفعال الإنسان غير الاختيارية وأما أفعال الإنسان الاختيارية فلا يشملها قانون العلية.

وأما المطلب التفصيلي فهو يفصل في أفعال الإنسان الاختيارية، ويقول للإنسان في أفعاله الاختيارية فعلان طوليان: الفعل الأول إعمال القدرة، الفعل الثاني الفعل الخارجي، والفعل الخارجي وإن حصل بالضرورة عند إعمال القدرة يحصل الفعل الخارجي وهو الصلاة بالضرورة لكن الفعل الخارجي في طول الفعل الأول وهو إعمال القدرة وإعمال القدرة أمر اختياري ولا يخضع لقانون العلية إذا الفعل الخارجي اختياري.

هنا الشهيد يعلق على هذا المطلب التفصيلي هل فعلاً للنفس فعلين طوليين أحدهما إعمال القدرة والآخر الفعل الخارجي أو لا؟ هنا يعلق الشهيد الصدر بتعليقات على كلام الميرزا النائيني يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo