< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة الفلسفية

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- تم الجهات الثلاثة، أما الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)-للمسألة ثلاثة أبحاث: كلامية، فلسفية وأصولية-اليوم نتكلم عن المسألة الفلسفية

 

خلاصة الدرس السابق

تطرقنا إلى المسألة الكلامية وذكرنا أن روح المسألة الكلامية هي تشخيص هوية الفاعل وأن الفاعل هل هو الله وهو يجبر الإنسان على الفهم كم ذهب إلى ذلك المجبرة والأشاعرة أو أن الفاعل هو الإنسان محضاً كما ذهب إلى ذلك المفوضة والمعتزلة، أو أن الفاعل فاعلان، وهما المولى والعبد وبينهما إما طولي أو عرضية.

المسألة الكلامية لوحدها لاتكفي

لكن هذه المسألة لوحدها لا تكفي لتحقيق حال مسألة الجبر والاختيار، فلو عينا الفاعل أنه المولى وحدة أو العبد وحدة أو كلاهما يبقى الكلام في أن صدور الفعل من هذا الفاعل هل هو بالاختيار أو بدون اختيار.

ومن هنا يعلم أن القول المعتزلي في المسألة الكلامية وهو أن الفاعل هو الإنسان فقط أو القول الإمامي الذي يرى أن الفاعل هو المولى والعبد معاً فهذان القولان من دون ضم زيادةٍ لا يصل إلى النتيجة المطلوبة.

لأن المسلك المعتزلي إنما يشخص أن الفاعل محضاً هو الإنسان ولكن هذا الإنسان هل يفعل الفعل عن اختيار أو بدون اختيار فالمسلك المعتزلي لا يجيب عليه، وهكذا المسلك الإمامي يرى أن الفعل فاعلان طوليان أو عرضيان، طوليان بناءً على الاحتمال الثالث أو عرضيان بناءً على الاحتمال الرابع، لكن هذا الفاعل الإنساني هل يكون دخله في الفاعلية اختيارياً أو إجبارياً قسرياً غير اختياري فهذا يحتاج إلى مؤونة زائدة، وهذه المؤونة الزائدة يتكفل بإثباتها المسألة الفلسفية.

المسلك الأشعري لايحتاج إلى البحث في المسألة الفلسفية

نعم، المسلك الأشعري لا يحتاج إلى المسألة الفلسفية لأن المسلك الأشعري يشخص أن الفاعل محضاً هو المولى تبارك وتعالى ويجرد الإنسان من أي فاعلية وهذا يكفي لنفي الاختيار عن الإنسان لأن الفعل إن لم يكن فعل الإنسان فمن الواضح أن الإنسان ليس مختاراً فيه لأن كل ذاتٍ غير مختارةٍ في أفعال غيرها بل غير مختارةٍ في أفعال نفسها فضلاً عن أفعال غيرها.

إذاً المسلك الأشعري في المسألة الكلامية لا يحتاج إلى المسألة الفلسفية لأنه يكفي أن يثبت مبدأ الجبر وأن الفعل يصدر من الله فقط لكي ينفي الاختيار عن الإنسان.

لكن مسلك المعتزلة ومسلك الإمامية لا يكفيان لإثبات الاختيار للإنسان وإن أثبتا أن الإنسان فاعلٌ للفعل لكن إثبات أن الإنسان فاعلٌ للفعل لا يثبت أن الإنسان قد صدر منه هذا الفعل عن اختيار، فقد يكون هذا الفعل قد صدر عن الإنسان من الإنسان بالإجبار والقسر كحركة المرتعش.

الحاجة إلى المسألة الفلسفية

ومن هنا كانت الحاجة إلى المسألة الفلسفية لإثبات أن صدور الفعل من الفاعل الإنساني هو عن اختيار لا عن إجبار واضطرار وقسر، ومن هناك ذكروا مسألة فلسفية تثبت أن الفعل يصدر من الإنسان عن جبر وقصر وعدم اختيار.

إذا المسألة الفلسفية بحسب الحقيقة معقودة لدفع هذه الشبهة الفلسفية، فهذه الشبهة نشأت فلسفياً وأريد بها إقامة البرهان على أن الفعل الذي يصدر من الفاعل الإنساني يصدر لا عن اختيار بعد الاعتراف بأن الفعل هو فعل الإنسان.

شبهة عدم إختيارية الإنسان

الشبهة تتركب من مقدمتين

ومن هنا لابدّ من إبطال هذه الشبهة التي تثبت وتبرهن أن أفعال الإنسان غير اختيارية، فما هي هذه الشبهة؟

شبهة عدم اختيارية أفعال الإنسان، تتركب من مقدمتين:

المقدمة الأولى إن الاختيار ينافي الضرورة لأن الضرورة تساوي الاضطرار، فكل فعل يكون صدوره ضرورياً بحيث أنه لا بد من صدوره فلا يمكن عدم صدوره فهذه ضرورة معناها الاضطرار المنافي للاختيار، من قبيل حركة المرتعش التي يكون صدورها ضرورياً من المرتعش حيث لا يمكن أن لا تصدر منه.

خلاصة المقدمة الأولى إن الاختيار ينافي الضرورة، فالمرتعش ليس مختاراً في ارتعاش يده لأن ارتعاش يده يصدر بالقصر والجبر والاضطرار، وهذا الاضطرار ينافي الاختيار.

فخلاصة المقدمة الأولى إن الاختيار ينافي الضرورة التي تساوق الاضطرار.

المقدمة الثانية إن صدور الفعل من الإنسان بالضرورة بمعنى أن الفعل لا يكون صادراً من الإنسان إلا إذاً بلغ حدّ الضرورة فإذا لم يبلغ الفعل حدّ بحيث يكون معه صدور الفعل ضرورياً وعدمه ممتنعاً لا يصدر الفعل، وهذه الدعوى مستفادة من قوانين العلية التي تحكم عالم الإنسان، فقد قال الفلاسفة: إن عالم الإنسان محكومٌ بقوانين العلية وقوانين العلية تقول: لكل معلول ممكن علةٌ، ويستحيل صدور المعلول بلا علة[1] ، هذا المقدمة الأولى.

هذه تبع للمقدمة الأولى إن المعلول أو الممكن لا يمكن أن يوجد إلا إذاً وجدت علته.

المقدمة ثانية إذاً وجدت العلة كان وجود المعلول ضرورياً وهو المسمى بالوجوب بالغير ويكون عدمه ممتنعاً[2] .

إذاً عندنا ضرورة الوجود وضرورة العدم يعني إذاً افترضنا وجود العلة فلا بد من افتراض وجود المعلول ولا يعقل التفكيك بين وجود العلة والمعلوم فإذا قطعنا بوجود العلة قطعنا بوجود المعلول وقاطعنا بعدم امتناع وجود المعلوم، يصير وجود المعلول ضروري وامتناع وجوده منفي.

إذاً عندنا وجوب بالغير وامتناع بالغير فوجود المعلول واجبٌ ولازمٌ بالغير وهو وجود العلة، وعدم وجود المعلول ممتنع بالغير وهو وجود العلة.

تطبيق المقدمتين في البحث

نأتي إلى موطن بحثنا، ما هو موطن بحثنا؟ فعل الإنسان، هذا معلول، وفعل الإنسان مصداق من مصاديق عالم الإمكان فهو أمرٌ ممكن فهو إذاً بحاجة إلى علة، ومع وجود العلة يجب وجود فعل الإنسان فيكون فعل الإنسان واجباً وضرورياً بالغير إذا ثبت وجود علته، ومع عدم وجود العلة يكون عدم وجود فعل الإنسان أيضاً ضرورياً يعني يكون وجود فعل الإنسان ممتنعاً بالغير أي بسبب عدم وجود العلة[3] .

إذاً فعل الإنسان في الحالتين ضروري، ضروري الوقوع وضروري اللا وقوع،

سؤال: متى يكون فعل الإنسان ضروري الوقوع؟

الجواب: إذاً وجدت علته.

السؤال الثاني: متى يكون فعل الإنسان ضرورية اللا وقوع؟

الجواب: إذاً امتنعت علته.

الآن نجمع المقدمتين فيثبت بمجموع المقدمتين أن الإنسان غير مختار في أفعاله فإن الاختيار ينافي الضرورة كما بُينَ في المقدمة الأولى، وفعل الإنسان دائماً موجود بالضرورة كما بُينَ في المقدمة الثانية لأن فعل الإنسان ممكن والممكن ما لم توجد علته لا يوجد، فإذاً فعل الإنسان مسبوقٌ بالعلة، ووجوب وضرورة فعل الإنسان مسبوق بوجود علته، فيكون وجوب فعل الإنسان ووجود فعل الإنسان مساوقاً للضرورة.

فإذا أثبتنا أن وجود فعل الإنسان ضروري وقطعي واضطراري نظراً لوجود علته ثبت أن هذا الفعل الضروري منافٍ للاختيار، فقد أثبتنا في المقدمة الأولى أن الاختيار منافٍ للضرورة، إذاً أفعال الإنسان ليست بالاختيار.

إعادة وتكرار

أعيد وأكرر الشبهة الفلسفية لأننا إن شاء الله في دفع الشبهة سنناقش إما المقدمة الأولى أو المقدمة الثانية.

المقدمة الأولى الاختيار ينافي الضرورة لأن الضرورة تساوق الاضطرار فكل فعلٍ كان صدوره ضرورياً فلا يمكن عدم صدوره، فهذه الضرورة تنافي الاختيار.

المقدمة الثانية فعل الإنسان ممكنٌ و واجبٌ وضروريٌ بالغير وهو العلة، فإذا أثبتنا في المقدمة الثانية الصغرى وهي أن فعل الإنسان ضروري اضطراري نطبق الكبرى التي قررناها في المقدمة الأولى، وهي إن الاختيار ينافي الضرورة.

أسلوب المناقشة في القياسات

لاحظوا يا إخوة يا أحبة الاستدلالات العلمية والمناقشات إما تناقش الكبرى وإما تناقش الصغرى، ومناقشة الكبرى مناقشة مبنائية ومناقشة الصغرى قد تكون بنائية، يعني في البداية تضرب الكبرى ثم تتنزل وتقول لو تنزلنا وسلمنا بالكبرى فبناءً على هذه الكبرى هذه الصغرى التي ذكرتها لا تشكل مصداقاً وصغرى من صغريات تلك الكبرى.

المناقشة الحلية والمناقشة النقضية

وعادة المناقشة في الكبرى مناقشة حلية، والمناقشة في الصغرى مناقشة نقضية يعني حتى لو بناءً على هذا أيضاً ننقض عليك وهذا الكلام ليس بتام، طبعاً مو دائماً نقضيه ولكن بس في الغالب.

دفع الشبهة اختلفت المسالك والمباني في كيفية التخلص من هذه الشبهة فبعضها يرجع إلى المناقشة في المقدمة الأولى كما في مصابيح الأصول للسيد مهدي بحر العلوم، صفحة مائة وواحد وتسع ومائة واثنين وتسعين، وبعضها الآخر يرجع إلى المناقشة في المقدمة الثانية.

ومشهور الفلاسفة ناقشوا في المقدمة الأولى لأنها كبرى فالمسلك الأول يناقش المقدمة الأولى والمسلك الثاني يناقش المقدمة الثانية.

وسنذكر عدة مسالك إن شاء الله تعالى تراجعون المقدمتين بشكل جيد لأنه إن شاء الله الدرس القادم سنناقش المقدمة الأولى، إن شاء الله تأتي أربعة مسالك، المسلك الأول يأتي عليه الكلام.


[1] كتاب النجاة، الشيخ الرئيس ابن سينا، ص21.
[2] رسائل صدر المتألهين الشيرازي، ص11 و 12.وأيضاً رسالته في سريان الوجود، ص144.
[3] مقالات الإسلاميين، أبي الحسن الأشعري، ج1، ص228.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo