< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة الكلامية

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- تم الجهات الثلاثة، أما الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)-للمسألة ثلاثة أبحاث: كلامية، فلسفية وأصولية-اليوم نتكلم عن المسألة الكلامية

 

وتوجد خمسة احتمالات بدوية:

الاحتمال الأول

الجبر

فيقال بأن الفعل هو فعل الله وهو فعل المولى وليس فعلاً للعبد فالإنسان منسلخٌ عن الفاعلية أصلاً وأبداً. نعم، الإنسان هو مجرد محل قابل للفهم فهو من قبيل الخشب فإنه مجرد محل قابل لفعل النجار، كذلك الإنسان هو محل قابل للفعل، وإنما الفعل هو فعل الله محضاً وليس لإرادة الإنسان ومبادئها أي دخل في فعل الفعل وليس للإنسان أي تأثير في وجود الأفعال خارجاً وإنما هي صدفة تتكرر فيقترن صدور الفعل من المولى مع إرادة الإنسان دون علية وسببية.

وهذا الاحتمال مخالفٌ للوجدان فكل إنسان بوجدانه أن يأكل الآن أو لا يأكل، أن يتكلم أو لا يتكلم، أن يذهب أو لا يذهب، كما أننا ندرك بالضرورة والوجدان وجود فارق بين حركة المرتعش فإن ارتداد وارتعاش حركة يدّ المرتعش تحصل غصباً عليه فهذه حركة تحصل بالقصر والجبر وأما حركة غير المرتعش فإنها تحصل باختياره، وهذا المطلب سارٍ في كل العلل والمعلومات فهناك تحصل بالقصر وهناك أمور تحصل بالاختيار.

فلا يقال إن النار تقترن صدفة بالإحراق والثلج يقترن صدفة بالبرودة من دون أن يكون أي دور للنار ومن دون أن يكون أي دور للثلج.

هذه الشبهة تطرق إليها الشهيد الصدر في كتاب الأسس المنطقية للاستقرار، صفحة مائة وخمسة وثمانين، وأوضح أن هذا الوجدان لا إشكال في ثبوته وبه يثبت هذا البرهان.

إذاً الاحتمال الأول الجبر وهو مخالفٌ للوجدان وإن لم يقم البرهان على خلافه، نحن لم نبرهن على خلاف الجبر، لم نأت بدليل برهاني ينفي الجبر لكننا ندعي أنه مخالف للوجدان.

الاحتمال الثاني

التفويض

وهو مذهب المعتزلة بخلاف الجبر الذي هو مذهب الأشاعرة، فقال المعتزلة: بأن الفاعل محضاً هو الإنسان وليس للمولى أي نصيب في الفاعلية أبداً، وهذا هو مذهب التفويض.

ومرجعه إلى دعوى وجود فارق بين العلة علة الحدوث وعلة البقاء، وإن المعلول يحتاج إلى علته في خصوص الحدوث والابتداء لكن في بقائه واستمراره فهو مستغنٍ عن العلة، وهكذا يقال بالنسبة إلى المولى والعبد فالعبد في حدوثه ووجوده يحتاج إلى المولى الحقيقي وهو الله عزّ وجل، ولكن ليس لمولاه نصيبٌ في الفاعلية بقاءً فالإنسان حينما يصلي ويخمس ويتصدق ويحج تكون هذه أفعاله وليس لمولاه فاعلية في أي آن من هذه الآنات.

ولو التزمنا بأن للمولى نصيب من الفاعلية في هذا الفعل ولو بنحو الطولية في هذه الحالة يلزم أن يوجد فاعلان إما طوليان وهي تكون فاعلية العبد في طول فاعلية المولى أو عرضيان بحيث يكون الفاعل الحقيقي هو الله والإنسان علة معدة.

عموماً التزم المفوضة وهم المعتزلة بأن فاعل الفعل محضاً هو الإنسان والله هو فاعل الفاعل، فالله خلق الإنسان وفوض له وأتاح له الاختيارات ففاعل الأفعال هو الإنسان محضاً وصرفاً والله عزّ وجل هو فاعل الفاعل وخالق الفاعل.

فدور المولى الحقيقي هو دور إحداث المخلوقات والمخلوقات هي تخلق الأفعال فلا يكون للمولى الحقيقي أي فاعلية بالنسبة إلى الأفعال لا طولاً ولا عرضاً.

وهذا المبنى مخالف للبرهان إذ تم البرهان في الفلسفة على أن المعلول هو عين الفقر وهو بحاجة إلى العلة حدوثاً و بقاءً ابتداءً و استمراراً فالمعلول بحاجة إلى إفاضة الوجود من العلة ابتداءً واستمراراً، حدوثاً وبقاءً بحيث لو لم تستمر العلة في إفاضة الوجود على المعلول لنتفى المعلول.

إذاً الاحتمال الأول وهو الجبر للأشاعرة مخالفٌ للوجدان وإن لم نقم البرهان على خلافه بينما الاحتمال الثاني وهو التفويض مخالف للبرهان الفلسفي.

إذا الاحتمال الأول والثاني ليس تامين.

يمكن إقامة البرهان وقد تناقش فنقول: العيان لا يحتاج إلى بيان الوجدان، الوجدان لا يحتاج إلى برهان، لو أقمنا برهان قد يناقش فيه فيكفي الوجدان.

الاحتمال الثالث

الفاعلان طوليان

أن يقال بأن كلاً من المولى والعبد له نصيبٌ من الفاعلية ولكن بينهما طولية، فالفعل له فاعلان طوليان فاعل أول وفاعل للفاعل فهما فاعلان في رتبتين وليسا في رتبة واحدة، فالفاعل الأول هو عبارة عن قدرة الإنسان وتمام قوى أفعاله التي بها استطاع أن يصلي ويصوم ويحج، والفاعل الآخر هو المولى الحقيقي وهو أسبق مرتبةً وهو خالق هذه القوى في الإنسان فهذه القوى حدوثاً وبقاءً مخلوقة للمولى الحقيقي، وهذه القوى تعطى للإنسان آناً فآناً فالله عزّ وجل يفيض الوجود على الإنسان في كل لحظة وبمجرد وبمجرد أن تنقطع لحظة من إفاضة الوجود يموت الإنسان.

وذكرنا مثال السيارة والسائق فمن يدفع السيارة يفيض أصل الحركة ومن يمسك مقود السيارة ويحركها هذا ماذا؟ هذا يدير دفة السيارة ونحو حركة السيارة، فمن دون أصل الدفع لا تتحرك السيارة يميناً وشمالاً.

إذا العطاء الأول هو عطاء من قبل الإنسان وقواه وقدراته هذا الفاعل الأول.

الفاعل الثاني هو الأسبق مرتبةً هو إعطاء نفس القوى، والله عزّ وجل هو الذي يعطي الإنسان هذه القوى.

إذاً الاحتمال الثاني مبني على وجود فاعلين طوليين.

الاحتمال الرابع

الفاعلان عرضيان

الالتزام بوجود فاعلين عرضيين، فيقال: إن الفاعل المباشر للأفعال هو الله عزّ وجل فهو الذي يفعل الصلاة والصيام والحج وسائر ما يصدر من الإنسان لكن لإرادة الإنسان ومبادئها مقدمات إعدادية لصدور الفعل من المولى، ففعل المولى لا يصدر إلا إذا أعد الإنسان المقدمات الإعدادية كما لو سافر للحج أو توضأ للصلاة أو تسحر للإفطار.

الفرق بين الإحتمال الرابع والأول

الفرق بين الاحتمال الرابع والاحتمال الأول للأشاعرة مبدأ الجبر هو أن الفعل على مذهب الأشعري يكون فعل المولى فقط واقتران فعل المولى بفعل العبد مجرد صدفة دون أن يكون لإرادة الإنسان ومبادئها دخلاً في صدور الفعل أصلاً.

وأما على هذا الاحتمال الرابع فالأمر ليس كذلك فالاحتمال الرابع يتفق مع الاحتمال الأول في أن الفعل فعل الله ولكن يختلف في التمحض فالأشاعرة يرون أنه فعل الله محضاً.

والاحتمال الرابع يرى أنه فعل الله لكنه يحتاج إلى مقدمات إعدادية تخضع لإرادة الإنسان، فلأجل أن يفيض الله عزّ وجل الوجود على شيء يحتاج إلى قابلية للمحل وهذه القابلية تعدها إرادة الإنسان.

الفرق بين الإحتمال الرابع والثالث

والفارق بين الاحتمال الثالث والاحتمال الرابع في الطولية والعرضية فهما يشتركان في وجود فاعلين المولى والعبد، لكن في الاحتمال الثالث توجد طولية بين فعل العبد وفعل الله، لكن في الاحتمال الرابع توجد عرضية بين فعل الله وبين المقدمات الإعدادية اللي تهيئها إرادة الإنسان لكي يكون الشيء محلاً لإفاضة الوجود من قبل الله عزّ وجل.

بعد الفارق الآخر بناءً على الاحتمال الثالث يكون الفعل العبد والله عزّ وجل فاعل الفاعل لكن بناءً على الاحتمال الرابع يكون الفعل فعل الله وإرادة الإنسان مقدمة إعدادية لكي يكون المحل قابلاً لكي يفيض الله عزّ وجل عليه الفعل.

أحد وجوه الأمر بين الأمرين

وهذا الاحتمال الرابع أحد وجوه الأمر بين الأمرين بين الأشعري وبين المعتزلي فالأمر بين الأمرين الذي التزمت به الشيعة الإمامية يدور بين الاحتمال الثالث الذي يرى فاعلين طوليين وبين الاحتمال الرابع الذي يرى فاعلين عرضيين.

تفصيله يأتي إن شاء الله.

ولعل الأوجه هو الاحتمال الثاني الفاعلية الطولية لا الفاعلية العرضية.

الاحتمال الخامس

الفاعل واحد واللحاظ مختلف

ما ذهب إليه عرفاء الفلاسفة ومتصوفوهم.

حاصله: إن هذا الفعل له فاعلان وهما المولى والعبد، ولكن هذين الفاعلين ليسا طوليين كما في الاحتمال الثاني وليسا عارضين كما في الاحتمال الرابع وإنما توجد فاعلية واحدة بحيث إن هذه الفاعلية الواحدة بنظر تنسب إلى العبد وبنظر آخر تنسب إلى المولى.

يراجع فيما ذهب إليه الأشاعرة مقالات الإسلام لأبي الحسن الأشعري الجزء الأول صفحة ثلاث مئة وستة وعشرين.

ويراجع هذا التصور العرفاني الصوفي رسالة في سريان الوجود لصدر المتألهين صفحة مئة واثنين وأربعين، ورسائل صدر المتألهين الشيرازي صفحة أحد عشر واثنا عشر.

فهذه الأفعال معاني مثل المعاني الحرفية القائمة بالمعاني الاسمية عند الأصوليين فكما أن المعنى الحرفي ليس له هوية استقلالية بل هو فان ومستخدم بين يدي المعنى الاسمي كذلك الموجودات بالنسبة إلى خالقها فإذا نظر إلى هذه الموجودات بما هي تعلقات واندكاكات إذاً ففعلها عين فعل الباري تبارك وتعالى وفعل المندك عين فعل المندك فيه، إذاً فهي فاعلية واحدة وهذه الفاعلية الواحدة هي بالنظر الاندكاكي فعل المولى وبالنظر الغير اندكاكي هي فعل العبد.

المعنى الحرفي والمعنى الإسمي

يوجد عندنا معنى اسمي وهو المعنى القائم بذاته وليس قائماً بغيره فالله عزّ وجل قائم بنفسه وموجود بذاته وليس قائماً بغيره فهذا معنى اسمي قائمٌ بالاستقلال من دون حاجة إلى غيره بخلاف المعنى الحرفي فإنه ليس قائماً بنفسه بل هو قائم بغيره، مثال ذلك: الصيغة ففي قولنا «ضرب ـ كتب» هناك أمر قائم بنفسه وهي الحروف الضاد والراء والباء والكاف والتاء والباء فالحروف حروف الكتابة قائمة بنفسها، ولكن الصيغة والهيئة كصيغة فعل فعلل هذه الصيغة غير قائمة بنفسها قائمة بالحروف، فيقال: صيغة الفعل، هيئة الجملة معنى حرفي قائمٌ بغيره بخلاف حروف الكلمة وحروف الجملة فإنها معنى اسمي قائم بنفسه.

إذاً الفارق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي هو أن المعنى الاسمي قائمٌ بنفسه والمعنى الحرفي قائمٌ بغيره.

إذاً المعنى الحرفي هو عين الاندكار إذ أن المعنى الحرفي قائم بالمعنى الاسمي حدوثاً وبقاءً، استمراراً وابتداءً كذلك الخالق والمخلوق، الخالق الحقيقي هو الله والمخلوق كالإنسان وسائر العجماوات والجمادات، هذه المخلوقات لا قوام لها بذاتها فهي غير خالقة لنفسها ابتداءً، وإنما هي مخلوقة لله عزّ وجل كما أنها لا تستطيع أن تستمر في البقاء والديمومة والاستمرار من دون استمرار إفاضة الوجود من الله تبارك وتعالى.

إذاً هذه الممكنات هذه الموجودات حضورها هو عين الحضور التعلقي القائم بالوجود الحقيقي لعلة العلل وهي الله تبارك وتعالى فهي مندكة في الذات الإلهية إذ من دون الذات الإلهية لا وجود لسائر هذه الممكنات ابتداءً واستمراراً حدوثاً وبقاءً.

إذا هناك اندكاك هذا مطلب فلسفي أولاً هو فلسفة يعني قيام يعني وجود المعلول عين التعلق بالعلة والمعلول متعلق ومندك بعلته ابتداءً واستمراراً حدوثاً و بقاءً.

تم هذا واتضح الاندكاك بين العلة والمعلول من ناحية الحدوث والبقاء والابتداء والاستمرار هنا إذا أنت دكيت المعلول في العلة صار شيء واحد، هنا الفعل يصير فعل الخالق أو فعل المخلوق هنا يصير فعل الخالق إذا دكيت العلة والمعلول، ولكن إذا لم تنظر النظرة الاندكاكية يعني لم تلحظ العبد مندكاً في المولى ولم تلحظ المعلول مندكاً في العلة فحينئذ ستنسب الفعل إلى المعلول لا إلى العلة.

وبالتالي قام السيد وصلى إن نظرت إلى هذا السيد على أنه معلوم فقير مسكين مستكين إلى الله حدوثاً وبقاءً لا يقدر على أي شيء فالصلاة فعل السيد أو فعل الله؟ تكون فعل الله.

نحن كلامنا عن النظر لا عن الواقع النظرة اعتبار لحاظ، كلامنا في اللحاظ الآن كلامنا في اللحاظ أنا بلحية وألحظك بدون لحية ألحظك بالعمامة وألحظك بدون عمامة في الخارج يوجد صلاة السيد صلى هذا السيد الذي صلى هل ألحظه بما هو فقير حدوثاً وبقاءً إلى الله فهذه نظرة اندكاكية لاحظت السيد هذا المعلول بما هو مندك في علته حدوثاً وبقاءً تصير الصلاة فعل السيد أو فعل الله؟ فعل الله وإذا لاحظت السيد من دون أن ألحظ اندكاكة في الله في هذه الحالة في هذه الحالة أنسب الفعل إلى السيد.

لكن هذا بحسب اللحاظ لكن بحسب الواقع يوجد فاعلان أو فاعل واحد فاعل واحد الله عزّ وجل هنا بعد لا نقول السيد في طول المولى أو في عرض المولى توجد فاعلية واحدة الفاعلية الحقيقية واحدة فاعلية الله.

الله يرحمها أستاذنا الشيخ اللنكراني مرة في بحث المكاسب المحرمة من تحرير الوسيلة، وكان يذكر إشكال إلى المحقق الإيرواني عنده حاشيه على المكاسب فقام واحد شايب أشكل عليه، فقال له: التفت أنا قاعد أنقل كلام الآخرين، قال له: نحن ننقل كلام الآخرين، للآن هم ما نقدناه ولا شيء.

الشهيد الصدر يعلق يقول: ولكن هذا الاحتمال كما عرفت مبني على ذوق صوفي في تصور عالم الوجود يعني كيف يتصورون الوجود هذا الذوق الصوفي لا برهان عليه فضلاً عن أن الوجدان على خلافه فلا نقره، هذا كلام الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ .

النتيجة النهائية الاحتمال الأول وهو الجبر مخالفٌ للوجدان، والاحتمال الثاني وهو التفويض مخالفٌ للبرهان، والاحتمال الخامس مخالفٌ للبرهان والوجدان بحسب نظر الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ وتحقيقه يحتاج إلى بحوث عرفانية ذوقية فلسفية ليس هذا مجالها.

كان أستاذ في جامعة طهران الدكتور الشيخ يحيى كبير إذا نروح ويجيب بعض الالتفاتات الفلسفية والعرفانية أخرج ذلك اليوم يعني هذيك اللحظات أحس ليست من أيام عمري عالم آخر.

عموماً هذا بعد بحوث أخرى يبقى الاحتمال الثالث والاحتمال الرابع الالتزام بوجودي فاعلين هذا ليس مخالف للبرهان والموروث عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ يمكن تطبيقه على الاحتمال الثالث كما يمكن تطبيقه على الاحتمال الرابع، وإن كان تطبيقه على الاحتمال الثالث هو الأوجه والأوفى.

هذا تمام الكلام في المسألة الكلام المسألة الفلسفية عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo