< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجهة الرابعة الطلب والإرادة

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات- تم الجهات الثلاثة، اليوم نشرع في الجهة الرابعة(الطلب والإرادة)

 

هل الطلب صفة نفسانية أو فعل نفساني أو فعل خارجي؟

اتضح أن لفظ الأمر موضوع للطلب، ومن هنا وقع البحث بين المحققين في بيان معنى الطلب، فهل الطلب صفة نفسانية قائمة في الإنسان على حد قيام القدرة والعلم والإرادة أو أن الطلب فعل نفساني قائم في النفس أو أن الطلب فعل خارجي قائم بالإنسان؟

فهل الطلب مجرد صفة نفسانية أو فعل نفساني أو فعل خارجي؟ هذه احتمالات ثلاثة.

بحث كلامي حول الطلب والإرادة

من هنا وقع الكلام بين الأعلام في تحقيق معنى الطلب وما هي النسبة بين الطلب والإرادة، فهل الطلب هو عين الإرادة أو أن الطب مغاير للإرادة؟

فأصل بحثنا أصولي وانبثق منه بحث كلامي وانبثق من البحث الكلامي بحث فلسفي.

نسبة العينية أو التغاير بين الطلب والإرادة

فذهبت المعتزلة إلى العينية وأن الطلب هو عين الإرادة، وذهبت الأشاعرة إلى المغايرة، فالطلب يغاير الإرادة، وحيث إن أدلة الأشاعرة على الإرادة مبنيٌ على مبناهم في الجبر، وأن الله عزّ وجل يجبر العباد على أفعالهم وأن أفعال العباد هي أفعال الله وليست هي أفعال العباد، فتكون إرادة الله عين طلبه وطلبه عين إرادته.

إتحاد الطلب والإرادة

ومن هنا انبثقت مسألة اتحاد الطلب والإرادة، وجرتنا إلى بحث الجبر والتفويض، فهل الله يجبر العباد على أفعالهم أو أنه يفوض إليهم هذه الأفعال.

بحث الإختيار

وهذا البحث الكلام أنجر إلى بحث فلسفي وهو أن الفعل سواء كان الله عزّ وجل أو العباد، هل هو مختارٌ فيما يفعله؟ وهل هو يقوم بهذا الفعل أم أنه يقوم به غير؟ يعني فاعل الفعل هل يفعل هذا الفعل اختيارا أو قهرا؟

فلو سلمنا أن هذه الأفعال هي أفعال الله أو أفعال المكلفين والناس هذه الأفعال هل تصدر منهما عن اختيار أو لا عن اختيار؟

يعني مثل حركة الارتعاش، فالارتعاش يصدر عن يده لا عن اختيار، يقال له فاعل بالقصر والجبر.

المسألة اصولية وكلامية

إذا عندنا مسألة أصولية وهي أن الأمر يدل على الطلب، وعندنا مسألة كلامية هل الطلب عين الإرادة أو مغاير للإرادة وهي فرع مسألة الجبر والتفويض، وعندنا مسألة فلسفية أن فاعل الفعل هل يفعل عن اختيار أو لا يفعل عن اختيار؟

إن بحثنا الأصولي أنجر إلى البحث الكلامي فإننا سنتطرق إلى مسألة الطلب والإرادة في خصوص مبنى أشاعرة مبنى الجبر، من دون التوسع في سائر المباحث.

خلاصة كلام الأشاعرة

المقدمتين

وملخص كلام الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري صاحب كتاب مقالات الإسلاميين، إنهم قالوا بترتيب مقدمتين:

المقدمة الأولى إن الإرادة التشريعية من قبل المولى لا يمكن أن تتعلق بفعلٍ غير مقدور للعبد، فلا يمكن أن ينقدح في نفس المولى وهو الله عزّ وجل إرادة تشريعية في طيران الإنسان، وأن العبد لا بد أن يطير إلى السماء، مع أن قدرة العبد على الطيران إذ لا جناح له، فإرادة المولى التشريعية لا يمكن تعلقها بفعل غير مقدور للعبد سلباً أو إيجاباً.

المقدمة الثانية إن أفعال العباد مخلوقةٌ فيهم من قبل المولى وهو الله تبارك وتعالى وليس للعباد قدرة على الأفعال نفياً أو إثباتاً.

وهذا معنى الجبر الأشعري أن أفعال الناس هي أفعال الله وليست أفعالهم، وإذا تمت هاتان المقدمتان يثبت بمجموعهما استحالة تعلق إرادة التشريعية بأفعال العباد لأن هذه الأفعال ليست تحت اختيارهم حتى تتعلق بها الإرادة التشريعية.

والحال أنه لا إشكال وجداناً في تعلق طلب المولى بضروريات الشريعة فالله عزّ وجل يطلب من عباده المكلفين الصلاة والصيام والحج والصوم والخمس.

إذاً لا بد من الالتزام بأن الطلب غير الإرادة لاستحالة تعلق الإرادة بفعل العبد لأن العبد غير قادر على فعله وإنما هو فعل الله مع أن الطلب يتعلق وجداناً بضروريات الشريعة.

الخلاصة:

الطلب يتعلق بالمطلوب، وفعل المكلف هو فعل الله وليس فعل المكلف، فكيف يطلب الله فعله؟ المولى تبارك وتعالى وهو الله كيف يطلب أفعال المكلفين التي هي فعله؟

إن قلت: إذا لا يطلب.

الجواب: واضح أن الله قد طلب، طلب من العبد الصلاة وطلب منا الصوم والحج والخمس وغير ذلك.

ونحن هنا لا نتطرق إلى أن الطلب غير الإرادة أو الطلب هو عين الإرادة هذا بعد يصير بحث فلسفي وكلامي إلا نحن نتطرق بالمقدار المرتبط بمسألة الجبر والتفويض، لذلك لا نتعرض إلى سائر الأدلة التي ذكرها الأشاعرة واستدلوا بها على المغايرة وأن الطلب غير الإرادة، وإنما نقصر الكلام على مسألة الجبر والاختيار.

خلاصة مسألة الجبر والإختيار

وخلاصة مسألة الجبر والاختيار إن هذه مسألة تنحل إلى مسألتين مسألة كلامية ومسألة فلسفية.

أما المسألة الكلامية

من هو فاعل الأفعال؟

فالمقصود بها هو البحث الواقع بين الأشاعرة والمعتزلة والإمامية في أنه ما هو حال وواقع الأفعال الواقعة في الخارج كالصلاة والصيام وشرب الخمر والزنى وغير ذلك فكل الأفعال التي تصدر في الخارج من واجبات ومستحبات ومحرمات ومكروهات ومباحات من هو فاعل هذه الأفعال؟

هنا توجد ثلاثة أقوال:

القول الأول قالت الأشاعرة بأن الفاعل محضاً هو الله تبارك وتعالى، فكل هذه الأفعال تصدر من واحد، وهو الله عزّ وجل.

القول الثاني قول المعتزلة الفاعل محضاً هو الإنسان، وهذا معنى التفويض.

إذا الأشاعرة قالوا: الفاعل محضاً هو الله وهذا معنى الجبر، والمعتزلة قالوا: الفاعل محضاً هو الإنسان، وهذا معنى التفويض.

القول الثالث قول الإمامية وهو الأمر بين الأمرين لا جبر ولا تفويض بل هو أمر بين أمرين بمعنى أن كلا من الإنسان والمولى تبارك وتعالى فاعل من نحو المناسب له من الفاعلية، فهناك فاعلان للفعل الله والإنسان، لكن كيف يتصور أن فعلاً واحداً له فاعلان؟ وهل هذان الفاعلان بنحو الطولية أو بنحو العرضية؟

هذا ما سيأتي الحديث عنه نذكر خمسة احتمالات، الاحتمال الثالث بنحو الطولية والاحتمال الرابع بنحو العرضية، والخامس لمتصوفة الفلاسفة، والأول تفويض معتزلة والثاني جبر الأشاعرة.

مثال السيد الخوئي لتصوير المسألة

ولتصوير الفكرة بشكل موجز يضرب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مثالاً يقول:

لو افترضنا أن إنسان أصيب بالشلل وهو غير قادر على حراك يده، لكن إذا وضع عليها جهاز استطاع أن يحرك يده، فإذا وضع عليه الجهاز وحرك يده فإما يدعو وإما أن يقتل، فالموجب لأصل القدرة هو الجهاز والموجب لنحو القدرة وتوجيه هذه القدرة هو الإنسان، وفعالية الإنسان فرع فاعلية الجهاز.

مثال آخر: لو جلست في السيارة ومسكت المقود والسيارة ليس فيها بنزين وتحتاج إلى دفع الدافع، فإن أصل حركة السيارة تستند إلى دفع الدافع ولكن نحو حركة السيارة إلى اليمين أو اليسار أو الأمام أو الخلف تستند إلى ماسك المقود، فالسائق الذي أمسك المقواد فاعلية حركته في طول وفرع فاعلية حركة دافع السيارة.

فهنا نقول: لا جبر ولا تفويض، محرك السيارة والجهاز لا يجبر الإنسان على الحركة، ولا تفويض لا أن الجهاز اشتغل ثم انتهى وانبثقت الحركة الدافع دفع مرة واحدة ورفع يده وأصبح السائق يتحرك، هذا معنى التفويض معنى التفويض الاكتفاء بالعلة المحدثة دون العلة المبقية، يعني الله عزّ وجل خلق الإنسان حدوثاً وابتداءً وتركه بقاءً واستمراراً وفوض إليه يفعل ما يشاء هذا معنى التفويض أن المعلول يحتاج إلى العلة حدوثاً فقط لا بقاء هذا معنى التفويض.

ونحن لا نلتزم بذلك بل نقول أن المعلول كما يحتاج إلى علته ابتداء يحتاج إلى إفاضة الوجود استمراراً وبقاءً هذا ما سيأتي بالمباحث الكلامية والمباحث الفلسفية.

خلاصة الكلام

إلى هنا اخذنا مسألتين:

المسألة الأصولية الأمر مادة وصيغة يدل على الطلب الوجوبي.

المسألة الكلامية أفعال العباد هل تستند إلى نفس العباد فقط كما يقول المفوضة وهم المعتزلة أو تستند إلى الله فقط كما يقول الأشاعرة المجبرة؟ أم تستند إلى الاثنين معاً؟ الخالق والمخلوق، الخالق يفيض أصل القدرة والمخلوق يدير نحو القدرة وكيفية إدارة القدرة.

فقال المعتزلة: بالتفويض، وقال الأشاعرة: بالجبر، وقال الإمامية: بالأمر بين الأمرين وليس المنزلة بين المنزلتين سامعين بالمنزلة بين منزلته؟ هذا من المباحث العقائدية للمعتزلة، فقد ذهب ـ هذا بعد ما خرج شوية عن الكلام ـ .

فقد ذهب الخوارج إلى كفر مرتكب الكبيرة وأن المسلم إذا ارتكب كبيرة من الكبائر فقد كفر هذا إفراط في مقابله تفريط، وخالفهم المرجئة فقالوا: بإيمان مرتكب كبيرة وأنه لا يجوز الحكم عليه بل ينبغي إرجاء الحكم عليه إلى الله عزّ وجل في الآخرة هذا تفريط.

وقال المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين فمرتكب الكثيرة ليس بكافر كما يقول الخوارج وليس بمؤمن كما يقول المرجئة، بل هو في منزلة بين المنزلتين بين الكفر والإيمان هذا من الأصول العقائدية إلى المعتزلة.

لا تخلط بين مصطلح المنزلة بين المنزلتين الوارد في بحث مرتكب الكبيرة وبين الأمر بين الأمرين الأمر الأول الجبر للأشاعرة والأمر الثاني التفويض للمفوضة والمعتزلة، أمر بين الأمرين يعني لا جبر ولا تفويض.

وأما المسألة الفلسفية

مسألة الإختيار

تبقى المسألة الفلسفية وهي بحسب الحقيقة كبرى للمسألة الكلامية لأن الفلسفية هي أن فاعل الفعل سواء كان هو الله عزّ وجل أو الإنسان هل يفعله اختيارا أو يفعله لا عن اختيار ويفعله بالقصر والجبر؟

ومن هنا يعرف أن المسألة الكلامية وهي مسألة الجبر والتفويض لا تكفي لحسم النزاع في مسألة الجبر والتفوين لأن المسألة الكلامية بصدد تعيين الفاعل، هل الفاعل هو الله أو الإنسان أو الله والإنسان؟

لكن هذا الفعل سواء صدر من الله أو من الإنسان أو من الله والإنسان، هل هذا فعل اختياري أو غير اختياري؟

فمثلاً لو ذهبنا إلى مذهب المعتزلة القائل بالتفويض، وقلنا بأن الإنسان هو الفاعل المحض فهذا لا يكفي للقول بأن هذا الفعل هو اختياري للإنسان أو ليس اختيارياً للإنسان فإن كون هذا الفعل اختياري للإنسان يحتاج إلى مؤونة وبحث إضافي على أصل المسألة الكلامية.

هذا تمام الكلام في أصل الجهة الرابعة الطلب والإرادة وإن شاء الله نشرع في بيان المسألة الكلامية ثم المسألة الفلسفية.

المسألة الكلامية يأتي عليها الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo