< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الثمرة الرابعة

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات-الجهة الثالثة دلالة مادة الأمر على الوجوب وملاكه- المقام الثاني ملاك استفادة الوجوب من الأمر- فيه ثلاثة مسالك-الثمرة بين المسالك الثلاثة

 

الثمرة الرابعة

لو افترضنا أنه وجد أمر واحد بشيئين لا أوامر متعددة بأشياء متعددة بل صدر أمر واحد فقط تعلق بشيئين كما لو قال المولى: اغتسل للجمعة وللجنابة/ وعلم من الخارج أن غسل الجمعة ليس واجباً فحينئذ هل يمكن إثبات وجوب غسل الجمعة بمثل هذا الأمر أو لا يمكن ذلك؟

ومن الواضح أنه لا يجوز استعمال شيء واحد ولفظ واحد في معنيين في آن واحد.

بناء على مسلك الوضع

فبناءً على مسلك الوضع لا يمكن أن نثبت وجوب الجنابة لأن الوجوب والاستحباب مدلولٌ لفظي يعرف من قوله: اغتسل، فلفظ اغتسل يوجد فيها ثلاثة احتمالات:

الاحتمال أول أن تكون مستعملة في الوجوب فقط.

الاحتمال الثاني أن تكون مستعملة في الاستحباب فقط.

الاحتمال الثالث أن تكون مستعملة في الجامع بين الوجوب والاستحباب.

أما الاحتمال الأول وهو أن تكون لفظة الاغتسال قد استعملت في الوجوب فقط هذا الاحتمال غير واردٍ لأن غسل الجمعة ليس واجباً، وقد علمنا من الخارج أنه ليس بواجب، فكيف تكون الصيغة منصبة على ما ليس بواجبه.

وأما الاحتمال الثاني والثالث وهو أن تكون الصيغة قد استعملت في خصوص الاستحباب أو استعملت في الجامع بين الوجوب والاستحباب فلا يبقى حينئذ في الصيغة دلالة على الوجوب.

لا تقل إن الصيغة تستعمل في الوجوب بلحاظ غسل الجنابة وفي الاستحباب بلحاظ غسل الجمعة لأن الوجوب والاستحباب بحسب الفرض هو مدلول لفظي للكلام، وهذا يكون من باب استعمال اللفظ في معنيين، وهو غير صحيح عرفاً إذ لا يرى العرف صحة استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى في آنٍ واحد.

إذا استعمال الصيغة في الوجوب والاستحباب في وقت واحد غير صحيح، واستعمالها في الوجوب على الإطلاق غير محتمل وغير لأنها قد استعملت في غسل جمعة الذي هو مستحب وليس بواجب فكيف تستعمل في وجوب وغسل الجنابة؟! فتسقط دلالة الصيغة على الوجوب، ويتعين أن تكون هذه الصيغة إما قد استعملت في خصوص الاستحباب أو استعملت في الجامع بين الوجوب والاستحباب.

وعلى كلا التقديرين لا يبقى الأمر دلالة على الوجوب بناءً على المسلك الأول وهو مسلك الوضع.

بناء على مسلك حكم العقل

وأما بناءً على المسلك الثاني وهو مسلك حكم العقل فإن الصيغة موضوعة لأصل الطلب ومستعملة في الطلب على نحو واحد في غسل الجمعة وفي غسل الجنابة، وعلى هذا يمكن الالتزام بوجود بغسل الجنابة وعدم وجوب غسل الجمعة، فالعقل لا يحكم بوجوب غسل الجمعة نظراً لورود الترخيص في تركه من قبل المولى، وأما غسل الجنابة فحيث لم يرد الترخيص في تركه فالعقل يحكم بوجوبه.

فبناءً على مسلك حكم العقل يمكن الجمع بين الوجوب والاستحباب وليس هذا من باب الجمع بين الوجوب والاستحباب في استعمال واحد لأن الوجب والاستحباب ليسا مدلولين لفظيين بناءً على مسلك الميرزا بل الوجوب والاستحباب يستفادان من حكم العقل.

بناء على مسلك الإطلاق ومقدمات الحكمة

وأما بناء على الثالث فحكمه حكم المسلك الثاني فبناءً على مسلك الإطلاق الذي قال به المحقق العراقي فإن خطاب اغتسل للجمعة والجنابة ينحل بحسب معناه إلى أمرين: اغتسل للجمعة واغتسل للجنابة، وكل من هذين الأمرين مطلقٌ.

ولكن ثبت تقييد أحدهما وهو خصوص الطلب الاستحبابي أي خصوص طلب غسل الجمعة، إذ قامت القرينة على جواز تركه، وبالتالي نتمسك بالإطلاق وبتقييد الإطلاق، فنقول: إن الأمر بغسل الجمعة مقيدٌ بقرينة منفصلة دلت على جواز تركه، فنحمل بغسل الجمعة على الاستحباب.

وأما الأمر بغسل الجنابة فهو طلب مطلق ولم ترد قرينة لا متصلة ولا منفصلة على تقييده فنتمسك بالإطلاق ونحمل طلب غسل الجنابة على طلب الوجوبي.

وليس هذا من الجمع بين المعنيين في الاستعمال الواحد بل الاستعمال في كل منهما واحد وهو الطلب المطلق بل هذا من باب التقييد في بعض الحصص والإطلاق في الحصص الأخرى، وقد ثبت التقييد في خصوص الطلب الاستحباب في غسل الجمعة ولم يثبت التقييد في الطلب الوجوبي فيه غسل الجنابة.

خلاصة الثمرة الرابعة:

أنه إذا جاء أمر واحد بشيء كاغتسل للجمعة والجنابة في هذه الحالة لا يمكن الحمل على الوجوب بناء على مسلك الوضع، ولكن يمكن الحمل على الوجوب بناء على مسلك حكم العقل وبناء على مسلك الإطلاق.

الثمرة الخامسة

لو ورد أمر بطبيعي فعل من قبيل قوله: أكرم العالم، وعلم من الخارج أن إكرام العالم غير الفقيه ليس واجباً يقيناً، فحينئذ هل يمكن أن نثبت بهذا الخطاب أن إكرام غير الفقيه مستحب أو لا يمكن؟

وهنا تختلف المسالك الثلاثة

بناء على مسلك الوضع

فبناءً على مسلك الوضع لا يمكن إثبات الاستحباب لأن ظاهر هذا الخطاب هو الوجوب فقوله: أكرم العالم، مستعمل في الوجوب بمقتضى أصالة الحقيقة، وبعد أن علم أن العالم غير الفقيه لا يجب إكرامه فمقتضى القاعدة أن يقيد موضوع الخطاب بخصوص الفقهية فيحكى بوجوب إكرام العالم الفقيه وأما غير الفقيه من العلماء فيسقط عن موضوع هذا الدليل لأن لسان هذا الدليل هو الوجوب ولا وجوب في حقّ غير الفقيه فإذا خرج غير الفقيه من هذا الدليل لا يوجد دليل على استحباب إكرام العالم غير الفقيه.

بناء على مسلك حكم العقل

وأما على المسلك الثاني وهو حكم العقل الذي قال به الميرزا ـ رحمه الله ـ فبالإمكان إثبات مطلبين بهذا الخطاب أحدهما وجوب إكرام والآخر استحباب إكرام غير الفقيه من العلماء.

والسر في ذلك:

أن مفاد صيغة الأمر بناء على مسلك الميرزا هو خصوص الطلب بينما الوجوب والاستحباب فهما من شؤون حكم العقل، وحيث لم يرد ترخيص في الفقهاء فيحكم العقل بوجوب إكرام العلماء الفقهاء، لكن بما أنه ورد الترخيص في حقّ غير الفقهاء فهذا يشكل قرينة ونضمها إلى أصل الطلب في عموم أكرم العلماء فيحكم بالاستحباب إذ أن إكرام مطلق العلماء مطلوب غاية ما في الأمر غير الفقهاء من العلماء قد ورد الترخيص بتركه فيحمل على الاستحباب.

إذا إطلاق الخطاب لغير الفقهاء لا موجب لسقوطه ولرفع اليد عن غاية في الأمر يكون إكرام العالم الفقيه واجباً وإكرام العالم غير الفقيه مستحباً، فيثبت بهذا الدليل الوجوب والاستحباب معاً.

بناء على مسلك الإطلاق

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسلك الثالث مسلك الإطلاق وقرينة الحكمة، فبناءً على مسلك المحقق العراقي يكون مفاد أكرم العالم هو الطلب ومقتضى هذا الطلب أنه طلب أعلائي غير مرخص في مخالفته، لكن هذا الإطلاق ساقطٌ يقيناً في العالم غير الفقيه لوجود قرينة مقيدة لكن هذا الإطلاق ثابت في العالم الفقيه ولا يعلم سقوطه فنلتزم بأن طلب إكرام العالم الفقيه طلب مطلق وإكرام العالم غير الفقيه طلب مقيد فيثبت الاستحباب بالنسبة إلى العالم غير الفقيه، ولا موجب لرفع اليد عن أصل الإطلاق رأسا بحيث لا موجب للقول بأن غير الفقهاء أصلا لا طلب ولإكرامهم بل نقيد هذا الإطلاق والضرورات تقدر بقدرها فيلتزم بالطلب المقيد.

هذا تمام الكلام في الخامسة وقد تطرق الشيخ حسن عبد الساتر في تقريره لبحث الشهيد الصدر الذي هو تقرير الدورة الثانية إلى خمس ثمرات يراجع بحوث في علم الأصول تقرير الشيخ حسن عبد الساتر من صفحة خمسين إلى ستة وخمسين.

لكن سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحسين الحائري ـ حفظه الله ـ تطرق إلى سبع ثمرات وتقريره لبحث الشهيد الصدر هو تقرير الدورة الأولى، وقد ذكر الثمرة السادسة والسابعة في المجلد الثاني من مباحث الأصول صفحة سبعة وخمسين.[1]

كما أن سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ قد تطرق أيضاً إلى سبع ثمرات وتقرير بحثه تقرير للدورة الثانية لكن السيد محمود لم يكتب كل الدورة الثانية بالحضور عند الشهيد الصدر، طبع المجلد الأول أول ما طبع المجلد السابع تعارض الأدلة وقرضه الشهيد، ثم طبع المجلد الأول مباحث الألفاظ وقرضه الشهيد الصدر ثم استشهد السيد محمد باقر الصدر.

السيد محمود طبع بقية الدورة من المجلد الثاني إلى المجلد السادس بعد استشهاد أستاذه العظيم السيد محمد باقر الصدر، وكان السيد محمود عنده أسئلة يريد يسأل الشهيد الصدر ولم يحصل بعد استشهاد الشهيد الصدر فذكرها كتعليقة في كتابه وكحاشية.

فهذه الدورة من الجزء الثاني إلى الخامس استعان السيد محمود الهاشمي بدفاتر بعض زملائه كالسيد عبد الغني الأردبيلي ـ رحمه الله ـ وتقريره لأبحاث الشهيد الصدر من أجود التقريرات إلا أنها غير مطبوعة.

السيد عبدالغني الأردبيلي صاحب تقرير لأبحاث الشيهد الصدر

تعرفون السيد عبد الغني الأردبيلي؟

هو أحد تلامذة الشهيد الصدر ذهب إلى أردبيل وأسس حوزة وطلب من الشهيد الصدر أن يكتب كتاباً في الأصول فكتب له كتاب الحلقات «الحلقة الأولى والثانية والثالثة» وتوفي في حياة الشهيد الصدر وتأثر لموته، وتقريره من أجود التقريرات.

كما أن بعضهم بعض العلماء بعضهم أحياء وبعضهم توفي أيضاً عندهم تقريرات للشهيد الصدر واستعان بها السيد محمود في الكتابة.

لذلك استقرب أن الثمرة السادسة والسابعة ذكرها الشهيد الصدر في الدورة الأولى دون الدورة الثانية لأن تقرير الشيخ حسن عبد الساتر هو عبارة عن نصّ كلام الشهيد الصدر وقد فرغه من الأشرطة وهو تقرير للدورة الثانية.

كما أن تقرير الشهيد الصدر الثاني السيد محمد صادق الصدر تلفيق بين الدورتين لأنه حضر عند الشهيد الصدر من المفاهيم وحضر نهاية الدورة الأولى، فبالتالي هو من المفاهيم إلى آخر الدورة يعني إلى تعارض الأدلة يكون تقرير الدورة الأولى، ومن البداية إلى المفاهيم تقرير الدورة الثانية هكذا على ما في بالي.

عموماً كيف كان نشرع بيان الثمرة السادسة من كتاب طبعاً الثمرة السادسة السيد كاظم ذكرها الجزء الثاني مباحث الأصول صفحة سبعة وخمسين، والسيد محمود الهاشمي ذكرها بحوث في علم الأصول الجزء الثاني صفحة ستة وعشرين وننقل السادسة والسابعة من بحث السيد محمود لأنه أكثر اختصاراً.

الثمرة السادسة

إذا كان لدينا أمران كقولنا: اغتسل للجمعة واغتسل للجنابة، وورد ترخيص لأحدهما فقط، لكننا لم نعرف الأمر الذي قيد، فهل هو ترخيص لهذا أو ترخيص لذاك؟

فبناءً على أن الوجوب مستفاد بحكم العقل يجب الاحتياط، إذ لا تعارض بين الأمرين بلحاظ مدلوليهما فكلا الأمرين يدل على الطلاب ولا تعارض بينهما.

لكن يوجد علم إجمالي بطروء التقييد والتخصيص لأحدهما، والعقل إنما يحكم بالوجوب فيما إذا لم يرد ترخيص والمفروض أن أحد الأمرين لم يرد فيه ترخيص فيتشكل علم إجمالي منجزٌ ويجب الاحتياط.

وهذا بخلافه على المسلكين الآخرين مسلك الوضع ومسلك الإطلاق وقرينة الحكمة فإن الإجماع في التقييد يفضي إلى التعارض بين مدلوليهما بين مدلول الأمر الأول وبين مدلول الأمر الثاني مما يؤدي إلى الإجمال والتساقط، وهذا ما يبحث في بحث العام المخصص بالمردد بين متباينين.

خلاصة الثمرة السادسة أنه بناء على مسلك الوضع ومسلك الإطلاق يحصل إجمال وتساقط تعارض وتساقط، وبناء على مسلك حكم لا يوجد تعارض وتساقط بل يتنجز العلم الإجمالي ويجب الاحتياط.

الثمرة السابعة

والأخيرة بناءً على مسلك الإطلاق بالتقريب الذي ذكره المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ من أن الأمر يكون ظاهراً بإطلاقه في الطلب الشديد يمكن أن نثبت بنفس النكتة وهي شدة الطلب أن نثبت أعلى مراتب الوجوب.

فلو وقع تزاحم بين واجبين أحدهما قد ثبت بالأمر وهو مدلول لفظي بناءً على مسلك الإطلاق والآخر قد ثبت بدال آخر غير الأمر كما لو ثبت بالإجماع وهو دليل لبي، فحينئذ دائماً يقدم ما يثبت بالأمر اللفظي على ما ثبت بالأمر اللبي كالإجماع لأن دليله يدل بالإطلاق على كونه أعلى مراتب الملاك والوجوب فملاك الأمر اللفظي ومرتبته أقوى وأشد من ملاك الوجوب الذي استفيد من الدليل اللبي كالإجماع، والله العالم.

ويمكن ذكر ثمرات عديدة لا داعي للتوسع فيها هذا تمام في ثمرات المسالك الثلاثة.

الجهة الرابعة في الطلب والإرادة يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo