< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الثمرات الفقهية والفوارق التي تترتب على المسالك الثلاثة

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات-الجهة الثالثة دلالة مادة الأمر على الوجوب وملاكه- المقام الثاني ملاك استفادة الوجوب من الأمر- فيه ثلاثة مسالك- تم البحث عن ثلاثة المسالك اليوم نتكلم حول الثمرة بين المسالك الثلاثة

 

انتهينا بحمد الله عز وجل من بيان المسالك الثلاثة في نكتة استفادة الوجوب من الأمر مادة وصيغة.

المسلك الأول للمشهور، وقد بنى عليه الشهيد الصدر ونحن نبني عليه، وهو مسلك الوضع.

المسلك الثاني مسلك حكم العقل وقد ذهب إليه الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني وتلميذه السيد أبو القاسم الخوئي.

المسلك الثالث الآخوند الخراساني والشيخ ضياء الدين العراقي وهو مسلك الإطلاق ومقدمات الحكمة.

الثمرات الفقهية التي تترتب على هذه الأقول

فما هي الثمرات الفقهية والفوارق التي تترتب على هذه الأقوال الثلاثة بحيث تختلف النتيجة باختلاف المبنى والمسلك، بعض هذه الثمار قد تقدم فيما مضى، ولنذكر بعض الثمار:

الثمرة الأولى إعمال قواعد الجمع العرفي والدلالي بناءً على مسلك الوضع ومسلك الإطلاق دون مسلك حكم العقل.

بيان ذلك:

لو التزمنا بأن استفادة الوجوب من الأمر مادة أو صيغة هو مدلول عرفي لفظي للدليل سواء كان هذا المدلول مدلول عرفياً لفظياً بالوضع أو كان مدلولاً عرفياً لفظياً بالإطلاق ومقدمات الحكمة.

فحينئذ يقع بين الدليل على الوجوب والدليل الدال على عدم الوجوب يحصل التنافي، ولابد من إعمال قواعد الجمع العرفي لأن استفادة الوجوب واللا وجوب من شؤون عالم اللفظ ومدلول اللفظ فلابد من الجمع بينهما، فكيف نجمع بين الدليل اللفظي الدال على الوجوب والدليل اللفظي الآخر الدال على عدم الوجوب؟

تقديم القرينة على ذي القرينة

هنا نعمل قواعد الجمع العرفي بتقديم القرينة على ذي القرينة، فنقول: إن الدليل الدال على عدم الوجوب يشكل قرينة ويوجب حمل الدليل الدال على الوجوب بحيث نحمله على الاستحباب، وهذه من قواعد الجمع العرفي تقديم القرينة على ذي القرينة.

لكن بناء على مسلك الميرزا النائيني والسيد الخوئي من أن الوجب لا يستفاد من اللفظ لا من الوضع ولا من الإطلاق ومقدمات الحكمة فالوجوب ليس مدلولاً لفظياً ولا محكياً عن اللفظ بخطاب المولى، وإنما هو ثابت بحكم العقل فلا معنى حينئذ للرجوع إلى قواعد الجمع العرفي والدلالي بين الدليل الذي يستفاد منه الوجوب والدليل الذي يستفاد منه نفي الوجوب.

لأن الأمر يستفاد منه الطلب ولا يستفاد منه الوجوب ونفي الوجوب يستفاد منه نفي الطلب الإلزامي واستفادة الوجوب لا تكون من مجرد الأمر مادة أو صيغة حتى نطبق قواعد الجمع الدلالي والجمع العرفي بل الأمر يدل على مطلق الطلب والوجوب لا يستفاد من المدلول اللفظي اللغوي، هذه الثمرة الأولى.

إذا بناء على أن الوجوب مدلول لفظي إما بالوضع كما عليه المسلك الأول وإما بالإطلاق ومقدمات الحكمة كما عليه المسلك الثاني إذا تعارض الوجوه واللا وجوب مع قواعد الجمع العرفي، وأما بناءً على مسلك حكم العقل فلا نعمل قواعد الجمع العرفي في هذا المورد لأن الوجوب ليس مدلولاً مستفاداً من اللفظ وإنما يستفاد من حكم العقل.

نعم، على مسلك حكم العقل هكذا نقول نقول هي في هذه الحالة لا يوجد أصلاً وجوب يوجد طلب ويوجد نفي للإلزام بهذا الطلب، فحينئذ لا نقول نجمع بين الوجوب وعدم الوجوب ونعمل قواعد الجمع العرفي، وإنما نقول هنا لا يوجد حكم عقلي بالوجوب، الأمر في هذه الحالة العقل يقول هنا يوجد أمر وهو يدل على الطلب ولا يدل على الوجوب.

النتيجة تكون واضحة أنه هنا لا يوجد وجوب لا من باب أنه الدليل الدال على عدم الوجوب شكل قرينة لرفع ظهور الأمر في الوجوب، هنا نقول لا يوجد أصلاً أشبه بالورود.

خلاصة الثمرة الأولى إعمال قواعد الجمع العرفي فرع التنافي بين الوجوب واللا وجوب في المثال، وهنا سالبة بانتفاء الموضوع وجوب ما موجود حتى نعمل قواعد الجمع العرفي، هذا الثمرة الأولى.

الثمرة الثانية تثبت لوازم الوجوب بناءً على مسلك الوضع والإطلاق ولا تثبت لوازم الوجوب بناءً مسلك حكم العقل.

مثال ذلك:

لو علم الفقيه بوجود تلازم بين وجوبين مثلاً بين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أول الشهر ووجوب الدعاء آخر الشهر بمعنى أنه أن ثبت وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أول الشهر فإنه يترتب على ذلك وجوب الدعاء في آخر الشهر وهكذا يوجد ترتب في الاستحباب فلو ثبت استحباب الدعاء عند رؤية الهلال أول الشهر فإنه يثبت استحباب الدعاء في آخر الشهر.

فلو علم الفقيه بهذه الملازمة ولو صدفة فحينئذ بناء على مسلك الوضع أو مسلك الإطلاق وقرينة الحكمة يثبت بدليل ادعوه عند رؤية الهلال بالمطابقة وجوب الدعاء أول الشهر، ويثبت بالالتزام والدلالة الالتزامية ووجوب الدعاء في آخر الشهر ـ إذ أنه ثبت العرش فثبت النقش ـ فإذا ثبت المدلول المطابقين وهو وجوب الدعاء أول الشهر يثبت ما يتفرع عليه وهو المدلول الالتزام وجوب الدعاء آخر الشهر، وهكذا لو ثبت الاستحباب في الأول فإنه يثبت الاستحباب في الثاني إذ الثاني فرع الأول.

والدليل حجة فيهما لوضوح أن الظهور اللفظي سواء كان ظهوراً لفظياً وضعياً أو ظهوراً لفظياً إطلاقيا هو حجة في المدلولين معاً فالأدلة اللفظية كما هي حجة في المدلول المطابقي هي حجة في المدلول الالتزامي، وهذا ما يعرف من أن الأدلة اللفظية حجة في مداليلها الالتزامية لوجود إطلاق في لفظ بخلاف الأدلة اللبية كالإجماع والسيرة والشهرة فإن مدلولها الالتزامي ليس بحجة.

ومن هنا نقول بناء على مسلك حكم العقل فإن الميرزا وفق مبناه يرى أن لفظ يدعو عند رؤية الهلال ليس مفاده الوجوب بل مفاده الطلب، والوجوب مستفادٌ بحكم إذاً مفاد خطاب المولى اللفظي هو خصوص الطلب دون الوجوب، فالخطاب اللفظي لا يدل على الوجوب واللزوم وعدم الترخيص في الترك بل يدل على خصوص الطلب والوجوب مستفاد من حكم العقل، وحكم العقل دليل لفظي أو لبي دليل لبي لا يثبت مثبتاته أي لا يثبت المداليل الالتزامية لأن حكم العقل مرجعه فقط إلى لزوم الطاعة والامتثال وليس له أي كاشفية ونظر إلى اللوازم فلا تكون اللوازم في المقام حجة.

وبالتالي بناءً على مسلك الوضع ومسلك الإطلاق يثبت العرش والنقش معاً المدلول المطابقي والالتزام معاً، وبناءً على مسلك العقل فإنه بالدليل اللفظي لا يثبت الوجوب بل يثبت الطلب، وإذا ثبت الوجوب بحكم العقل ثبت العرش إلا أن النقش لا يثبت لأن هذا العرش عرش لبي وليس عرشاً لفظياً إن صح التعبير وهو لا يثبت مدلولاته الالتزامية.

هذا تمام الكلام في الثمرة الثانية.

الثمرة الثالثة ثبوت دلالة السياق بناءً على مسلك الوضع وسقوط دلالة الصيام بناءً على مسلك الإطلاق ومسلك حكم العقل.

توضيح ذلك:

إذا ورد في رواية أوامر متعددة بأشياء متعددة وثبت في الخارج أن أكثر هذه الأشياء ليست واجبة فهنا يقولون إن دلالة السياق تقتضي حمل الوضع على الاستحباب.

مثال ذلك:

لو جاءنا نصّ يقول: «إذا أردت أن تصلي فأذن وأقم واستعذ من الشيطان» وقد علمنا أن الاستعاذة مستحبة كما أن الأذان مستحب في الصلاة، لكن هل الإقامة واجبة كما ذهب إلى وجوبها الشيخ حسين العصفور البحراني ـ رحمه الله ـ أم هي من المستحبات المؤكدة كما ذهب إلى ذلك مشهور الفقهاء؟

فإذا علمنا أن أكثر هذه الأمور مستحبٌ وليس بواجب إلا الإقامة لا نعلم أنها واجبة أو مستحبة فحينئذ بناءً على مسلك الوضع اللغوي يمكن أن نتمسك بقرينة وحدة السياق ونحمل عنوان أقم على استحباب لأنه ورد في سياق عدة أوامر وكلها أوامر استحبابية فيكون عنوان أقم دالاً على استحباب الإقامة فدلالة السياق بناءً على مسلك الوضع تامٌ لأن مرجع دلالة السياق إلى أن المدلول العرفي اللفظي لهذه الكلمات الواردة في سياق واحد هو واحد أيضاً.

فبناء على مسلك الوضع يكون الوجوب والاستحباب بنفسه مدلولاً لللفظ، هذا بناء على مسلك الوضع.

وأما على مسلك الإطلاق ومسلك حكم العقل فالأمر يختلف فإنه على مسلك حكم العقل الذي قال به الميرزا يكون المدلول اللفظي ليس هو الوجوب والاستحباب بل مدلول مادة الأمر أو صيغة الأمر هو الطلب، والوجوب والاستحباب هما من شؤون حكم العقل.

وبالتالي لا يمكن استفادة الاستحباب أو الوجوب من لفظ أقم فلا يمكن أن نحمل لفظة أقم على الاستحباب ببركة وحدة السياق إذ الدلالة السياقية دلالة لفظية واللفظ بناءً على مسلك حكم العقل لا يدل على أزيد من الطلب فلا يدل على الوجوب والاستحباب فقرينة السياق اللفظي لا تقدح في دلالة أقم على الوجوب لأن غاية ما تقتضيه وحدة السياق هي وحدة المدلول اللفظي لهذه الكلمات.

ومن الواضح على مسلك حكم العقل أن المدلول اللفظي لجميع الكلمات واحد وهو الطلب فالمدلول واحد ولا تنثلم وحدة السياق فكلها جاءت في سياق الطلب الأعم من الوجوب والاستحباب إذا الدلالة اللفظية محفوظة بناء على مسلك حكم العقل وهي دلالة اللفظ على الطلب.

إذا بناءً على مسلك حكم العقل وحدة السياق تكفلت بوحدة المعنى وهو مطلق الطلب فوحدة السياق محفوظة، فلا يمكن ببركة وحدة السياق هذه الدالة على الطلب أن ننفي الوجوب عن لفظ أقم ونحملها على الاستحباب.

هذا تمام الكلام بناء على مسلك الوضع وعلى مسلك حكم العقل.

بقي الكلام في مسلك الإطلاق، وهنا نقول إن دلالة الأمر على الوجوب إنما كان باعتبار الإطلاق والإطلاق يقتضي نفي الترخيص في الترك، وعلى هذا لا يمكن إعمال وحدة السياق فيما نحن فيه فغاية ما في الأمر أن عندنا عدة كلمات تدل على الطلب فلفظ أذن يدل على الطلب ولفظ أقم يدل على الطلب ولفظ استعذ بالله يدل على الطلب.

فهنا نقول: هذه كلمات مطلقة فهل هي مقيدة أو لا؟

دلّ الدليل على تقييد ماذا؟ أذن، كما دلّ الدليل على تقييد استعذ، فقال الدليل: يجوز لك ترك الاستعاذة والأذان فالقرينة الدالة على الترخيص الترك تامة، فنحمل الاستعاذة والأذان على الوجوب ببركة الإطلاق ومقدمات الحكمة، وهنا تم تقييد هذا الإطلاق.

وأما لفظ أقم لم يرد فيه بخصوصه الترخيص في الترك فببركة الإطلاق مقدمات الحكمة نحمل لفظ أقم على الوجوب على خصوص الطلب الوجوبي لأنه لم تأتي قرينة خاصة بالنسبة إلى أقم تدل على جواز ترك الإقامة والترخيص في تركها ووحدة السياق لا تشكل قرينة، لماذا؟

لأن الكلام في شؤون إطلاق المعنى لا شؤون أصل المعنى، مثال ذلك: لو قال: «المولى أكرم العالم، وأكرم الهاشمي، وأكرم الكريم» وعلم من الخارج أن العالم والهاشمي مقيد بالعدالة ولا يدرى أن الكريم هل مقيد بالعدالة أو لا؟ فحينئذ يتمسك بإطلاف أكرم الكريم لأن الكريم يستحب إكرامه لأجل كرمه ولو لم يكن عادلاً ولا يلزم من هذا تغير في السياق لأن أصل المعنى واحد في الجميع إنما الكلام فيه إطلاق هذا المعنى.

الخلاصة دلالة وحدة السياق تامة في الجميع على مذهب الوضع وغير تامة على مذهب الميرزا ومسلك الإطلاق.

لكن هذا المثال قابل للتأمل وقد أشكل عليه سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحسيني الحائري ـ دام ظله العالي ـ في كتاب الأصول تقرير بحث الشهيد الصدر السيد محمد الصدر ـ رحمه الله ـ الجزء الثاني صفحة خمسة وخمسين في الحاشية رقم واحد.

خلاصة التأمل والإشكال

إننا نتمسك بإطلاق الصيغة، ولا نتمسك بإطلاق المتعلق، فالصيغة افعل واحدة في الجميع أكرم الكريم، أكرم الهاشمي، أكرم العالم، فصيغة افعل واحدةٌ في الجميع ومرادنا من وحدة السياق وحدة سياق الصيغة، وهذا هو بحثنا صيغة الأمر، وليس بحثنا في المتعلق حتى تذهب إلى الكريم والهاشمي والعالم، وتقول: إن العالم ورد تقييده والهاشمي علم تقييده بينما الكريم لا ندري هل هو مقيد أو لا؟ فنتمسك بالإطلاق، إن هذا جرٌ للبحث من بحثه الأصلي وهو التمسك بإطلاق الصيغة إلى أمر آخر وهو التمسك بإطلاق المتعلق.

الحقّ والإنصاف إن هذا التأمل في المثال لا في أصل الفكرة في المثال قابلٌ للبحث والتأمل والمناقشة.

إلى هنا تطرقنا إلى ثلاث ثمار والشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ تطرق إلى خمس ثمار في تقرير الشيخ حسن الساتر ـ حفظه الله ـ من صفحة خمسين إلى صفحة ستة وخمسين[1] ، لكنه تطرق إلى سبع ثمار في تقرير الدورة الأولى كاظم الحائري[2] وتقرير الدورة الثانية السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ [3] .

إن شاء الله بقية الثمار بدءاً بالثمرة الرابعة يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo