< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التقريب الثاني للمسلك الثالث ما أفادة الشهيد الصدر ـ ره ـ

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات-الجهة الثالثة دلالة مادة الأمر على الوجوب وملاكه- المقام الثاني ملاك استفادة الوجوب من الأمر- فيه ثلاثة مسالك-محاولة إبطال المسلك الثالث-لبيان المسلك الثاني تقريبان-التقريب الثاني

 

هذا التقريب يتوقف على مقدمة

الأمر الوجوبي يتشكل من طلب الفعل وعدم الترخيص في الترك

التقريب الثاني للمسلك الثالث في دلالة الأمر على الوجوب ما أفاده الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ [1] ، وهذا التقريب يتوقف على بيان مقدمة، وحاصلها: أنه من المعروف بين جملة من المتقدمين أن كل من الوجوب والاستحباب مركب من جزئين[2] .

فالوجوب مركب من طلب الفعل مع المنع أو النهي عن الترك، والاستحباب مركب من طلب الفعل مع الترخيص في الترك.

إذا هناك قدر مشترك بين الوجوب والاستحباب وهو طلب الفعل ويمتاز الوجوب بالمنع والنهي عن الترك ويمتاز الاستحباب بالترخيص في الترك، ومن هنا فإن الجزء الثاني في الوجوب وهو المنع أو النهي عن الترك لا بدّ من بحث مفاده فإن استفيد من المنع والنهي الإلزام فإنه يفيد الوجوه، وأما إذا استفيد من المنع أو النهي الكراهة فحينئذ لا نستفيد الوجوه فلا يكون هناك وجوب بعد فرض كلا الجزئين أن الجزء الأول طلب الفعل والجزء الثاني النهي عن الترك أو المنع عن الترك إذا حملنا النهي أو المنع على الكراهة.

وهذا يكشف من أن حقيقة الوجوب وحقيقة الجزء الثاني من الوجوب ليس هو المنع أو النهي عن الترك بل الجزء الثاني هو عدم الترخيص في الترك.

النتيجة في المقدمة

إلى هنا نصل إلى هذه النتيجة في المقدمة الوجوب والاستحباب كل منهما مركب أما الوجوب فيتألف من أمرين: أحدهما وجودي وهو طلب الفعل، والثاني عدمي وهو عدم الترخيص في الترك، وأما الاستحباب فيتألف من أمرين كل منهما وجودي: الأمر الأول هو طلب الفعل والأمر الثاني الترخيص في الترك.

إذاً الاستحباب يتألف من أمرين وجوديين، وهما: طلب الفعل أولاً والترخيص في الترك ثانياً، بخلاف الوجوب فإنه يتألف من أمرين: الأول منهما وجودي وهو طلب الفعل، والثاني منهما وهو عدم الترخيص في الترك، فإذا ثبت أن بين الوجوب والاستحباب قدر مشترك وهو طلب الفعل وأن الاستحباب يمتاز بأمر وجودي وهو الترخيص في الترك وأن الوجوب يمتاز بأمر عدمي وهو عدم الترخيص بالترك.

بيان التقريب الثاني

عدم الترخيص في الترك لايحتاج إلى قرينة

هنا الآن يأتي التقريب بعد بيان هذه المقدمة وهو أن مرام المولى ومرام المتكلم يكون دائراً بين أن يكون مقيداً بخصوصية وجودية كما في الاستحباب أو بخصوصية عدمية كما في وجوب فإذا نصب قرينة فنحن مع القرينة، وإذا لم ينصب قرينة فعدم نصب القرينة ينسجم مع الأمر العدمي وهو الوجوب، إذ أن الأمر الوجودي يحتاج إلى نصب قرينة فإذا تكلم المتكلم ونصب قرينه فنحن مع مقتضى القرينة، وإذا تكلم المتكلم ولم ينصب قرينة فحينئذ نحمل أمره على الوجوب دون الاستحباب لأن الوجوب مؤلف من الطلب وعدم الترخيص في الترك، والأمر العدمي لا يحتاج إلى قرينة تدل عليه بخلاف الاستحباب الذي يتألف من الطلب والترخيص في الترك، ومن الواضح أن الترخيص أمر وجودي وهذه الخصوصية الوجودية تحتاج إلى قرينة تدل عليها.

فإذا رجعنا إلى العرف نجد أن العرف أن الذي يحتاج إلى البيان هو خصوص الخصوصية الوجودية الموجودة في الاستحباب دون الخصوصية العدمية الموجودة في الوجوب، فعدم بيان الخصوصية هو بيان للعدم، وهذا هو معناه الإطلاق والمقدمة أو مقدمات الحكمة فإذا دار الأمر بين الخصوصية الوجودية والخصوصية العدمية يرى العرف أن الخصوصية العدمية أخف مؤونة وأن الخصوصية الوجودية أشد مؤونة فمقتضى الإطلاق هو إثبات الخصوصية الأخف فيتعين الوجوب دون الخصوصية الأشد فلا يثبت الاستحباب.

الإشكالان على هذا التقريب

هذا تمام الكلام في التقريب الثاني الذي ذكره الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ثم أشكل عليه بإشكالين وانتهى في النهاية ـ رحمه الله ـ إلى أن الإشكال الثاني على الإطلاق في غير محله. نعم، الإشكال الأول في محله وبما أن الإشكال الأول على التقريب الثاني تامٌ بنظر الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ظهر له أن لا محيص عن الالتزام بالدلالة الوضعية لأن المسالك الأخرى لا تفي بتخريج وتفسير المطلب فينحصر تفسير ما عليه الوجدان فقهياً وعرفياً بالالتزام بالدلالة الوضعية.

الإرجاعات لإستفادة جميع المطلب

هكذا أفاد شهيد العصر السيد محمد باقر الصدر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ وقد صال وجال وأطال في هذا المبحث ولا داعي للتطرق لجميع ما تطرق إليه من الإشكال الأول وجوابه والإشكال الثاني وجوابه فيراجع ما أفاده قدس سره في بحوث في علم الأصول تقرير الشيخ حسن عبد الساتر الجزء الرابع من صفحة ثمانية وثلاثين إلى صفحة تسعة وأربعين. [3]

ويراجع أيضاً ما أفاده في تقرير السيد كاظم الحائري مباحث الأصول الجزء الثاني صفحة سبعة وأربعين إلى صفحة ثلاثة وخمسين. [4]

ويراجع أيضاً ما أفاده سيدنا الاستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي بحوث في علم الأصول الجزء الثاني صفحة واحد وعشرين إلى صفحة أربعة وعشرين. [5]

فهؤلاء الأعلام الثلاثة قد قرروا بحث الشهيد الصادق وذكروا هذه الإشكالات ولا داعي للتطرق لها.

الإشكال على التقريب الأول يرد أيضا على التقريب الثاني

أقول إن إشكال الشهيد الصدر ـ أعلى الله في مقامه ـ على التقريب الأول للمحقق العراقي يرد أيضاً على التقريب الثاني الذي يراه متيناً فالمحقق العراقي في التقريب الأول أفاد أن الفرق بين الوجوب والاستحباب كالفرق في شدة وضعف ضياء النور فالنور الشديد زيادته من جنسه وهو النور بخلاف النور الضعيف فإن ضعفه نتيجة عدم النور وفقدان النور.

والعرف يرى أنه عند الإطلاق يحمل الشيء على جنسه فيحمل النور على النور الشديد دون النور الضعيف لأن الجزء الثاني في النور الضعيف هو فقدان النور، وهكذا الكلام بالنسبة إلى الوجوب والاستحباب فإن الوجوب عبارة عن طلب ويمتاز الوجوب عن الاستحباب في شدة الطلب فالوجوب فيه ما يمتاز به وهو من جنسه أي جنس الطلب بخلاف الاستحباب فإنه طلب وهذا أمر مشترك بين الوجوب والاستحباب لكن ما يمتاز به هو فقدان شدة الطلب فقدان الإرادة وهذا عبارة عن ماذا؟ أمر عدمي.

وبالتالي إذا دار الأمر بين شدة الشيء التي من جنسه وعدم شدتها التي ليست من جنسه فإن العرف يحملها على ما هو من جنسه.

أقول الشهيد الصدر ناقش المحقق العراقي بأن هذا تدقيق فلسفي وليس عرفياً والكلام هو الكلام بالنسبة إلى التقريب الثاني والجواب هو الجواب بالنسبة إلى التقريب الثاني.

المناقشة على التقريب الثاني

ولذلك نقول وبالله المستعان وإليه المرجع وعليه التكلان أولاً وثانياً.

أولاً من قال إن حقيقة الوجوب والاستحباب أمر مركب كما ذهب إليه صاحب المعالم فهذا مبنى قديم لا يلتزم به الكثير من أعلام العاصر فمن قال أن حقيقة الوجوب والاستحباب مركبة ولم لا نلتزم أنها حقيقة بسيطة وليست مركبة هذا أول الكلام.

فإذا التزمنا بأن الوجوب والاستحباب أمران بسيطان متباينان لا أنه يوجد بينهما قدر مشترك وهو الطلب، وقدر فيه امتياز وهو أن الاستحباب يمتاز بأمر وجودي وهو الترخيص في الترك وأن الوجوب يمتاز بأمر عدمي عدم الترخيص في الترك هذا أول الكلام.

ونحن لا نلتزم بمبنى صاحب المعالم ولا نرى أن الأمر الوجوبي مركب وأن الأمر الاستحبابي مركب بل نرى أنهما أمران بسيطان متباينان فثبت العرش ثم النقش، التقريب الثاني مبني على هذا المبنى ونحن لا نلتزم به فالجواب الأول جواب مبنائي.

حمل الأمر على الوجوب لعدم إحتياج الخصوصية العدمية للقرينة ليس عرفيا

وثانياً والجواب الثاني جواب بنائي لو سلمناه وتنزلناه وقلنا إن حقيقة الوجوب هي الطلب مع عدم الترخيص في الترك وحقيقة الاستحباب هي الطلب مع الترخيص الترك في الاستحباب يمتاز بأمر وجودي وهو الترخيص في الترك والوجوب يمتاز بأمر عدمي وهو عدم الترخيص في الترك.

فإذا أطلق المتكلم أمره وشككنا أنه أراد الوجوب أو الاستحباب حملنا الأمر على خصوص الطلب الوجوبي لأنه فيه خصوصية عدمية ولا تحتاج إلى مؤونة زائدة ولا نحمله على الاستحباب لأن فيه خصوصية وجودية لأن الخصوصية الوجودية تحتاج إلى مؤونة زائدة الترخيص في الترك.

أقول هذا الكلام ليس عرفياً بل هو تدقيق زمنه هذا تحليل عقلائي لحقيقة الوجوب وحقيقة الاستحباب فلو عرضنا الأمر الوجوبي والاستحباب على العرف لرأينا أن العرف يراهما متباينين من دون هذا التشقيق والتحليل العقلي أو الفلسفي فيرد على التقريب الثاني نفس ما أورده الشهيد الصدر على التقريب الأول من أن هذا ليس عرفياً بل ليس مركوزاً في أذهان العرف حتى يحتاج إلى التفاتهم لكي يقبلوه، أصلاً طالب الحوزة أول ما يسمع هذا الكلام ما كان قد قرع أجراس سمعه وهو إنسان عرفه.

النتيجة

وبالتالي التقريب المسلك الثالث بكلا تقريبيه ليس بتام عندنا فإذا أبطلنا المسلك الثالث وهو دلالة الأمر على الوجوب بالإطلاق ومقدمات الحكمة وأبطلنا المسلك الثاني وهو دلالة الوجوب استفادة الوجوب من الأمر بحكم العقل كما عليه الميرزا النائيني والسيد الخوئي قد نلتزم بالمسلك الأول وهو دلالة الأمر على وجوب من باب الوضع اللغوي إذا تم الدليل على ذلك كما لو ادعينا والتزمناه أن المتبادر ذلك والتبادر علامة الحقيقة وليس منشأ استفادة الوجوب من الأمر مادة وصيغة هو حكم العقل كما عليه المسلك الثاني للميرزا النائيني والسيد الخوئي وليس هو الإطلاق ومقدمات الحكمة كما عليه المسلك الثالث للآخوند الخراساني صاحب الكفاية والشيخ ضياء الدين العراقي.

المسلك الأول يحتاج إلى دليل

فمجرد إبطال المسلك الثاني والثالث لا يثبت المسلك الأول إلا إذا دلّ الدليل على المسلك الأول كما لو التزمنا بأن التبادر علامة الحقيقة ومنشأ التبادر هو حاق اللفظ وليس هو حكم العقل كما عليه المسلك الثاني أو قرينة مقدمات الحكمة والإطلاق كما عليه المسك الثاني.

فإن تم الدليل فهو وإن كان ليس ببعيد أنه يوجد تبادل تبادر أعم، وإن لم يتم الدليل نلتزم بما ذهب إليه أبو الفتوح السيد روح الله الموسوي الخميني رضوان الله عليه ـ في جواهر الأصول تقرير اللنكرودي الجزء الثاني صفحة مئة وخمسة وخمسين[6] إذ أفاد قدس الله نفسه الزكية بأن العقلاء إذا صدر أمرٌ من المولى يرون الوجوب وأن من يخالف هذا الأمر يستحق العقاب ولكن لم يثبت لديه أن منشأ استفادة الوجوب هو أحد هذه الأمور الثلاثة لم يثبت لديه الوضع اللغوي ولم يثبت لديه حكم العاقل ولم يثبت لديه الإطلاق وقرينة الحكمة ويقول هذا مسلم عند العقلاء ولكن سرّ استفادة الوجوب قد خفي علينا ولا مانع من ذلك وليس بضروري أن نعرف سرّ استفادة الوجوب.

الخلاصة

التحقيق بنظرنا أن استفادة الوجوب من الأمر صيغة ومادة الأمر مسلم عند العقلاء وأن منشأه هو الدلالة الوضعية والدليل على ذلك التبادر، ولو شكك مشككٌ في دليل الوضع فإننا لا نلتزم بمسلك حكم العاقل كما عليه المسلك الثاني ولا نلتزم بمسلك الإطلاق قرينة الحكمة بل نلتزم بمسلك السيد الإمام الخميني من أنه لم يدل دليل على منشأ استفادة الوجوب ولعله سرّ لم نصل إليه لكن الصحيح هو مسلك المشهور المنصور من أن استفادة الوجوب من الأمر مادة وصيغة إنما هو ببركة الوضع اللغوي والله العالم.

هذا تمام الكلام في منشأ استفادة الوجوب يبقى الكلام في الثمرة بين هذه الأقوال المختلفة يأتي عليها الكلام.

 


[2] معالم الدين، الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، بحث الضد، ص65.كتاب الإحكام في اصول الأحکام، الآمدي، أبو الحسن، ج2، ص172.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo