< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقام الثاني الجواب النقضي

 

محل البحث: الأوامر-الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر- والكلام في مادته يقع في عدة جهات-الجهة الثالثة دلالة مادة الأمر على الوجوب وملاكه- المقام الثاني ملاك استفادة الوجوب من الأمر- فيه ثلاثة مسالك-جواب الشهيد الصدر على مسلك النائيني- تم الجواب الحلي-نشرع في الجواب النقضي

 

خلاصة ما ذكره النائيني ره

فقد ذكر الميرزا النائيني أن موضوع حكم العقل وجوب الإطاعة هو الطلب مع عدم بيان الترخيص فإذا صدر طلب من الأمر ولم يقترن بجواز الترخيص حكم العقل بأن هذا الطلب والأمر هو خصوص الطلب الوجوبي دون الطلب الاستحبابي بخلاف ما لو اقترن هذا الطلب بجواز الترخيص بقرينة المتصلة أو منفصلة فإن هذا الطلب يحمل على الاستحباب لا على الوجوب ببركة القرينة التي دلت على جواز ترك امتثال الطلب فالأمر موضوع للأعم من الطلب الوجوبي والطلب الاستحباب والأمر يدل على مطلق الطلب مادة وصيغة ويتعين في خصوص الطلبة ببركة حكم العقل والعقل يحكم إذا لم تصدر قرينة متصلة أو منفصلة تدل على جواز التام.

الجواب النقضي للشهيد الصدر ره على النائيني ره

وهنا ينقض الشهيد الصدر على الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ بنقضين.

 

خاطرة

قال النائيني في الرؤيا: احتاج الى الرحمة لا التقديس

لا بأس بهذه الخاطرة يقال أنه المرحوم المرجع الكبير السيد عبد الهادي الشيرازي كان في مجلس الدرس إذا يذكر أستاذ النائيني يقول: قدس سره أي قدس الله روحه، يقول أنه رأى أستاذه الميرزا النائيني في المنام قال له: سيدنا أنا ماذا استفيد من قولك قدس سره؟!

فقال: شيخنا هذا تعظيم لكم أنتم أستاذنا أريد أن أعظمكم.

قال: أترحم عليّ أنا في هذا العالم أحتاج إلى الرحمة أفضل من التقديس.

يقال بعد ذلك أن المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي على الرغم من ذلك لم يقتصر على الترحم، فكان يقول: قال أستاذنا الميرزا النائيني ـ قدس سره ورحمه الله ـ يعني جمع بين تعظيم الأستاذ والترحم عليه.

الله يرحمه.

الجواب النقضي

إن تصوير الميرزا النائيني لدلالة الأمر على الوجوب له لوازم في الاستنباط في الفقه لا يمكن أن يلتزم بها أصحاب هذا المسلك كالميرزا النائيني والسيد الخوئي وهنا نذكر لازمين لا يمكن الالتزام بهما.

اللازمين لمسلك النائيني ره اللذان لا يمكن الإلتزام بهما

النقض الأول

يلزم على مسلك الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ رفع اليدّ عن دلالة الأمر على الوجوب فيما إذا دلّ دليلٌ عام على الترخيص مع أنه لا يلتزم أحد بذلك.

توضيح المطلب:

لو قال المولى لعبده: أمرك بإكرام الفقيه أو أكرم الفقيه فهذا أمر خاص استعمل فيه مادة الأمر أمرك أو استخدم فيه صيغة الأمر أكرم.

ثم ورد على لسان المولى بشكل عام عموم يقول فيه: لا يجب إكرام العلماء، وهذا أعم من العالم الفقيه والعالم غير الفقيه فإنه يوجد بين هذين الدليلين تعارض بدوي لأن قوله: أكرم الفقيه، ظاهر في وجوب إكرام الفقيه، وقوله: لا يجب إكرام العالم دالٌ بعمومه وإطلاقه على عدم وجوب إكرام الفقيه لأن الفقيه أيضاً من العلماء فلا بأس بترك إكرامه.

ومقتضى الجمع العرفي بين هذين الدليلين هو جعل الخاص قرينة على العام ويخصص العام بالخاص، فيقال: هكذا يجب إكرام الفقيه ولا يجب إكرام العلماء أو يقال هكذا: لا يجب إكرام العلماء إلا الفقيه منهم لأن العام يعم الفقيه وغير الفقيه والخاص أكرم الفقيه بحسب الفهم العرفي يصلح أن يكون على العام فيخصص العام، وأما العام فلا يصلح أن يكون قرينه على الخاص.

إذا مقتضى الجمع العرفي رفع اليدّ عن عموم العام لا يجب إكرام العلماء في خصوص الخاص أكرم الفقيه، ويلتزم بالتخصيص.

تكون النتيجة النهائية يجب إكرام الفقيه ولا يجب إكرام العالم غير الفقيه.

فهذه نتيجة الجمع العرفي والدلالي بين هذين الدليلين تكون النتيجة: لا يجب إكرام العلماء إلا الفقيه منهم.

وهذا الجمع إنما يتم بناءً على أن يكون الوجوب مدلولاً لفظياً للخطاب إما بالوضع أو بمقدمات الحكمة.

وأما بناء على أن يكون الوجوب ليس مدلولاً للفظ وأن الأمر مادة وصيغة لا يدل على الوجوب أصلاً كما يقول الميرزا النائيني وإنما يدل على جامع الطلب الأعم من الوجوب والاستحباب فعلى هذا لا تعارض بين الدليلين فإن دلالة أكرم الفقيه إنما تدل على مطلق طلب الإكرام للفقيه، وهذا يناسب الوجوب ويناسب الاستحباب.

ودل العام لا يجب إكرام العلماء هذه إجازة في الترخيص فهي تنفي وجوب إكرام خصوص الفقهية إذا لا تعارض بين الدلالتين حتى يصل إلى الجمع الدلالي وتقديم القرينة على ذي القرينة بل يوجد في المقام حكم العقل بلزوم الامتثال، ومن الواضح أن حكم العقل بلزوم الامتثال معلق على عدم ورود الترخيص وعدم ورود القرينة المتصلة أو المنفصلة الدالة على الترك، والعام ترخيص من قبل المولى.

فيكون عموم العام لا يجب إكرام العالم وارداً على حكم العقل ورافعاً لموضوعه فلم يبقى للعقل حكم بوجوب الإطاعة ويبقى عموم الترخيص من قبل المولى بلا معارض لأن المفروض أن أكرم الفقيه لا يدل على الوجوب.

وبالتالي يمكن أن نحمل أكرم الفقيه على الاستحباب دون الوجوب ببركة قرينة لا يجب إكرام العالم وهذا لا يلتزم به في الفقه، بل في الفقه إذا جاء عامٌ يفيد الترخيص وجاء خاص يفيد التنجيز فإن الخاص يشكل قرينة عن العام ويخصصه ويقيده وليس ذلك إلا للارتكاز العرفي والفقهي بأن الأمر يدل على الوجوب إما بالوضع أو ببركة مقدمات الحكمة، وليست دلالة الأمر على الوجوب ببركة حكم العقل.

لذلك الفقهاء والأصوليون قواعد الجمع العرفي وإعمال قواعد الجمع العرفي فرع التنافي فتقدم القرينة على ذي القرينة ويقدم الخاص على العام.

هذا تمام الكلام في النقض الأول.

خلاصة النقض الأول

إذا التزمنا بأن دلالة الأمر على الوجوب ببركة الوضع أو مقدمات الحكم إذا جاءنا خاص أكرم العالم وجائنا عام يفيد الترخيص لا يجب إكرام العلماء فإن هذا الخاص يقيد عموم العام يصير لا يجب إكرام العلماء إلا الفقيه.

وهذا الجمع العرفي فرع التنافي بين الدليلين فالعام مرخص والخاص منجز من أين استفدنا التنجيز؟ ببركة دلالة الأمر على الوجوب إما بالوضع أو مقدمات الحكمة.

وأما إذا التزمنا بمبنى الميرزا النائيني وهو أن الوجوب يستفاد من حكم العقل إذا ورد طلب من دون اقترانه بقرينة مرخصة وفي المقام جاءنا طلب أكرم العالم أكرم الفقيه، واقترن بترخيص وهو عموم لا يجب إكرام العلماء فحينئذ ارتفع موضوع حكم العقل صارت القرينة واردة على حكم العقل فارتفع، وهذا لا يلتزم به نفس والسيد الخوئي.

النقض الثاني

إن الذي أفاده الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ من أن موضوع حكم العقل بلزوم الطاعة هو الطلب مع عدم بيان الترخيص، وحينئذ نسأل ما المراد بعدم بيان الترخيص؟ هل المراد خصوص القرينة المتصلة دون المنفصلة؟ أو المراد مطلق عدم الترخيص سواء كانت القرينة متصلة أو منفصلة؟

هنا يوجد احتمالان

الاحتمال الأول أن يكون المراد هو خصوص عدم البيان المتصل، وهذا يعني أنه لو صدر من المولى طلب ولم يتصل به قرينة متصلة تدل على الترخيص، فالعقل يحكم بلزوم الامتثال والإطاعة فبمجرد عدم ورود القرينة المتصلة وعدم اقترانها بالطلب يحكم العقل بالوجوب.

ولكن ماذا نفعل إذا وردت بعد ذلك قرينة منفصلة تدل على الترخيص؟ فيلزم حينئذ أن يكون هذا البيان الترخيصي المنفصل معارضاً ومنافياً لحكم العقل بوجوب الامتثال لأن المفروض أن الحكم العقلي مقيد بخصوص عدم القرينة المتصلة دون القرينة المنفصلة فبانتفاء القرينة المتصلة تنجز حكم العقل وحكم العقل بوجوب الإطاعة.

فإذا جاءت القرينة المنفصلة الدالة على الترخيص حينئذ يكون البيان المنفصل منافٍ لحكم العقل.

(قطع الصوت هنا)

منفصل ولا يوجد دليل على نفي الدليل الترخيصي المنفصل لأن خطاب أكرم العالم يدل على مطلق الطلب وهو جامع الطلب الشامل للوجوب والاستحباب.

وحينئذ لو قال المولى: أكرم السيد، ولا يمكن حمل الإكرام على الوجوب لأن الوجوب يستفاد بحكم العقل، إذا لم ترد قرينة متصلة أو منفصلة مرخصة، فإذا قال المولى: أكرم السيد الهاشمي، فهذه تدل على جامع الطلب.

ولكن شككنا في ورود قرينة منفصلة تدل على الترخيص، وما أكثر القرائن العامة المنفصلة مثل: حديث الرفع: «رفع عن أمتي ما لا يعلمون»، فنقول: هكذا أكرم السيد، هذا تدل على طلب إكرام السيد، شككنا هل وردت قرينة منفصلة على الترخيص أو لا؟ نتمسك رفع عن أمتي ما لا يعلمون.

هل يجب إكرام الفقيه؟ أكرم الفقيه هذا يدل على جامع الطلب، هنا العقل ما يجزم بوجوب ما يحكم بالوجوب إلا إذا أحرز شيئين أحرز عدم وجود قرينة متصلة وأحرز عدم وجود قرينة منفصلة، وهذا الإحراز يكفي في زعزعته الشكّ في وجود قرينة منفصلة، ولو بنحو عام كحديث الرفع، فمجرد عدم القرينة المتصلة على الترخيص في هذه الحالة ماذا؟ ينعقد ظهور فعلي للخطاب بالوجوب فإذا وجدت قرينة منفصلة عن الترخيص يقع التعارض بين الظهورين.

هذا هو مسلك المشهور أنه إذا جاءت قرينة إذا جاء خطاب أكرم العالم، ولم يتصل بقرينة متصلة تدل على الترخيص نفهم الوجوب إذا جاءت قرينة أخرى منفصلة صار تنافي بين الظهورين في هذه الحالة ماذا؟ تكون القرينة مقدمة على ذي القرينة هذا على مباني المشهور.

ولكن على مسلك الميرزا النائيني يصير هنا ما يحتمل قرينيته المنفصلة مزعزعاً للوجوب فلا يحكم العقل بالوجوب.

هذا النقد الثاني على وجود نكتة في الأذهان الفقهية والأذهان العرفية من أن الأمر يدل على الوجوب وأن دلالة الأمر على الوجوب بنكتة لغوية إما الوضع وإما مقدمات الحكمة لا أن الوجوب يستفاد من حكم العقل بوجوب الطاعة بل الوجوب يستفاد من الدلالة اللفظية للأمر.

لكن هل هذه الدلالة هي الوضع كما عليه المسلك الأول أو هذه الدلالة هي الإطلاق ومقدمات الحكمة كما عليه المسلك الثالث؟

إلى هنا اتضح أن المسلك الثاني وهو استفادة الوجوب من حكم العقل كما عليه الميرزا النائيني والسيد الخوئي ليس بتام.

إلى هنا اتضح إبطال المسلك الثاني.

محاولة إبطال المسلك الثالث يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo