< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الأوامر/الجهة الأولى معاني كلمة الأمر/

 

بحث الأوامر

وفيه فصول

الفصل الأول

فيما يتعلق بمادة الأمر، والكلام في مادته يقع في عدة جهات:

عدة جهات في مادة الأمر

الجهة الأولى معاني كلمة الأمر.

ذكر لكلمة الأمر عدة معاني: منها الطلب، ومنها الشيء والفعل والفعل العجيب والحادثة والغرض، ولو تأملنا في هذه المعاني فإننا سنجد أن جملة منها ليست معانٍ لكلمة الأمر ولا تستفاد مباشرة من كلمة الأمر[1] .

فقد ذكر صاحب الكفاية أعلى الله في الخلد مقامه ـ أن جملةً من هذه المعاني ليست معانٍ لكلمة الأمر، فمثلاً: لو قلت: جئتك لأمر كذا، والمقصود جئتك لغرض كذا فإن معنى الغرض لا يستفاد من كلمة الأمر، وإنما يستفاد من اللفظ.

وهكذا لو قلت: جئتك لأمر كذا، وتقصد التغذية فإن التغذية لا تستفاد من لفظ الأمر لكن التغذية هي مصداق معنى الأمر، جئتك لأمر كذا يعني أقصد موضوع مشكلة فلان نريد حلها، جئتك لأمر القضية الفلانية، جئتك لأمر حل المشكلة الفلانية، فحل المشكلة والتغذية ليس من معاني ماذا؟ الأمر.

فهنا حينما تقول: جئتك لغرض حل المشكلة جئتك لأمر حل المشكلة، هنا حل المشكلة ليس هو مفهوم الأمر حل المشكلة والتغذية مصداق من مصاديق الأمر.

الغرض من معاني الأمر

إذا عدّ الغرض من معاني الأمر هو من باب اشتباه المفهوم بالمصداق فالغرض ليس من معاني الأمر الغرض من مصاديق الأمر.

ومن هنا نظراً لوجود عدة معاني لكلمة الأمر نجد أن بعض الأعلام كصاحب الكفاية حاول حصرها في معنيين، وهما: الطلب والشيء.

المحاولتان لإرجاع معاني الأمر إلى معنى واحد

ومن هنا وجدت محاولتان:

المحاول الأولى محاولة إرجاع جميع المعاني إلى معنى الشيء دون الطلب.

المحاولة الثانية محاولة إرجاع جميع المعاني إلى الطلب.

وسنبحث هاتين المحاولتين تباعاً بالتفصيل.

المحاولة الأولى وهي لصاحب الكفاية[2] [3] فقد حاول إرجاع جميع المعاني التي ذكرت للأمر غير الطلب وارجعها إلى معنى واحد وهو معنى الشيء وهذا المعنى الواحد يكون جامعاً بين موارد استعمال كلمة الأمر في الموارد التي لا يراد منها معنى الطلاق.

من هنا قال صاحب الكفاية رحمه الله:

«إن جميع معاني الأمر غير الطلب يمكن أن تندرج تحت معنى واحد وجامع وهو معنى الشيء».

لهذا ذكر صاحب الكفاية أن كلمة الأمر حقيقة في الطلب وفي الشيء فجميع الطلب يندرج تحت معنى الشيء.

«فجميع المعاني الأخرى» غير الطلب «ترجع إلى الشيء لأن الفعل شيءٌ والحادثة شيء والغرض شيء وجميع المعاني التي ذكرت للأمر غير الطلب يصدق عليها أنها شيء، لذلك يمكن أن تختصر معاني مادة الأمر في معنيين، وهما: الطلب والشيء».

وناقشه المحققان الكبيران:

     الشيخ الميرزا محمد حسين النائيني[4] .

     المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني[5] .

وقالا: إن مفهوم الشيء بعرضه العريض لا يناسب أن يكون مدلولاً لمادة.

فقال الميرزا النائيني رحمه الله: إن الشيءان قد يطلق على الجوامد أيضاً بينما الأمر لا يطلق على الجوامد، فلا يقال: زيد أمر من الأمور، ولكن يقال زيد شيء من الأشياء، فمدلول كلمة الأمر لا ينبغي أن يؤخذ بنحو سعة مفهوم الشيء الشامل حتى للجوامد.

ومن هنا قال الميرزا النائيني: «أنه لا يبعد أن يكون المعنى الجامع هو أضيق دائرة من معنى الشيء ومفهوم الشيء، وعبر عنه بالواقعة وأحيانا بالواقع المهمة أو بالحادثة إخراجاً للجوامد» بمعنى واحد الواقعة الحادثة الواقعة المهمة.

وبالتالي إذا عرفنا الأمر بأنه الواقعة أو الحادثة المهم فإننا سنخرج الجوامد أمثال زيد فإن زيداً ليس حادثة ولا واقعة.

والخلاصة يقول الميرزا النائيني:

«إن الأمر ليس هو الشيء بعرضه العريض بل خصوص الشيء الذي يمثل حادثة وواقعة مهمة وبذلك يخرج أسماء الجوامد، ونظير ذلك».

ونظير ذلك ذكر المحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ فقال:

«إن موارد استعمال كلمة الأمر في غير الطلب لا تناسب مفهوم الشيء بعرضه العريض، وإنما تناسب ما يكون من قبيل مفهوم الفعل فأي فعل من الأفعال يقال له شيء».

إذاً الميرزا النائيني فسر الأمر بالحادثة والواقعة، والمحقق الأصفهاني فسر الأمر بالفعل، وهما يلتقيان في النتيجة إذ أن الواقع أو الحادثة فعل من الأفعال.

خلاصة كلام النائيني والمحقق الإصفهاني

إذا الميرزا النائيني والمحقق الأصفهاني متقاربان في المقام، وخلاصة كلامهما: إن الجامع والمفهوم المتصور لمعنى الأمر في غير الطلب هو الحادثة أو الواقعة أو الفعل، وبذلك يكون عنوان ومعنى الأمر عنوان أخص من مفهوم الشيء ولا يشمل الجوامع.

مناقضة السيد الصدر على الميرزا والمحقق الإصفهاني

وناقشهما شهيد العصر السيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ [6] ومفاد هذه المناقشة:

إننا لا نسلم بما ذهب إليه المحقق الأصفهاني من أن معنى الأمر في غير الطلب هو الفعل، ولا نسلم بما ذهب إليه الميرزا النائيني من أن معنى الأمر في غير الطلب هو خصوص الحادثة أو الواقعة، وإن كان الشهيد الصدر اتفق معهما في أن مادة الأمر لا تستعمل في الشيء بعرضه العريض بل تستعمل في خصوص الشيء الذي له جانب وصفي بحيث يشكل نعتاً من النعوت.

وهذا ما سيتضح بيانه بعد مناقشة الشهيد الصدر لكلام الميرزا النائيني والمحقق الأصفهاني.

إننا نسلم بأن مادة الأمر في غير الطلب لا تساوق مفهوم الشيء بعرضه العريض الشامل حتى للجوامد، لكننا لا نسلم بما أفادة الميرزا النائيني من أن المراد به الحادثة أو الواقعة ولا بما ذكره المحقق الأصفهاني من أن المراد بمادة الأمر هو الفعل.

فإن عنوان الواقع المهمة أو الحادثة ليس هو المعنى المدلول لكلمة الأمر لوضوح استعمال كلمة الأمر في موارد ليس فيها أهمية وليس فيها أصل حدوث ووقوع وليست من باب الفعل كما يقول المحقق الأصفهاني.

ويذكر الشهيد الصدر موارد نقضية:

المورد الأول استعمال لفظ الأمر في موارد عدم الأهمية، كقولك: كلام زيد ليس بأمر مهم فهذا صحيح وليس فيه تناقض.

المورد الثاني استعمال لفظ الأمر وكلمة الأمر في موارد عدم الحادثة وعدم الواقع وذلك كما هو الحال في موارد استعمال كلمة الأمر في المستحيلة والأمور العدمية، كقولك اجتماع النقيضين أمر مستحيل، وشريك الباري أمر مستحيل، وعدم مجيء يزيد أمر غريب.

ففي هذه الأمثلة وهذه الموارد يصح استعمال كلمة الأمر مع أن شريك الباري ليس حادثة ولا واقعة كذلك صفات الله تعالى ليست من الوقائع والحوادث ولا من الأفعال على حد تعبير المحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ .

إذا عنوان الواقعة أو الحادثة المهمة أو الفعل أضيق دائرة من موارد استعمال مادة الأمر بل نرى إن مادة الأمر تستخدم أيضاً في الجوامد، وليس الأمر كما يقوله الميرزا النائيني من أن كلمة الأمر لا تستعمل في الجوامد.

والسرّ في ذلك:

الإسماء الجوامد على قسمين

إن الأسماء الجامدة في مقابل المصادر التي يمكن أن يشتق منها على قسمين:

القسم الأول أسماء الأعلام من قبيل زيد وعمرو.

القسم الثاني أسماء الأجناس مثل النار الماء الكلأ العشب الرز التمر، فما كان من قبيل الجوامد لا يطلق عليه أمر فلا يطلق على زيد وعبيد وكاظم وعدنان وقحطان أنه أمر أسماء الأعلام القسم الأول، الجوامد التي هي من النحو الأول الأعلام.

وأما الجوامد التي هي من قبيل أسماء الأجناس فيصح إطلاق لفظ الأمر عليها فتقول: النار أمر ضروري للحياة، والماء أمر ضروري للمعيشة، والعشب أمر مهم للغنم، وغير ذلك.

إذاً الجوامد على قسمين:

     ما كان من قبيل أسماء الأعلام لا يصح إطلاق الأمر عليها.

     وما كان من قبيل أسماء الأجناس يصح إطلاق لفظ الأمر عليها.

إذاً الأمر عبارة عن شيء له خصوصية، وهي أنه مطعم بالجانب الوصفي، فأسماء الأعلام كزيد وعبيد منسلخة عن الجانب الوصفي تماماً ونهائيا ومتمحضة في الذاتية والعلمية، لذلك لا يطلق عليها أمر وإن أطلق عليها شيء، فيقال: «زيد شيء»، ولا يقال: «زيدٌ أمرٌ» لأن الأمر شيء ثبتت له الخصوصية وهي الجانب الوصفي والجانب النعتي، وبما أن أسماء الأعلام متمحضة في العلمية فتكون اسميتها أقواى من وصفيتها.

بخلاف أسماء الأجناس، أسماء الأجناس لا تخلو من جانب وصفي تقول: التمر، الرز، الماء، الخشب، والمراد بالخشب ذاتٌ ثبت لها خصوصية معينة بحيث يصلح أن تكون خشبة، والتمر ذات ثبتت لها خصوصية معينة تصلح أن تكون تمر.

لذلك يصدق على الأشياء التي لها جانب وصفي يصدق عليها أمر بخلاف الأسماء المتمحضة في العالمية والذاتية فلا يصح إطلاق الاسم عليها، يعني لفظ الأمر اسم الأمر عليها.

الخلاصة

ذهب صاحب الكفاية إلى أن المعنى الجامع لجميع معاني الأمر غير الطلب هو عنوان عنوان الشيء.

وذهب الميرزا النائيني وصاحب الكفاية إلى خصوصيتين في ذلك الشيء.

فقال الميرزا النائيني إن هذه الخصوصية هي عبارة عن الحادثة أو الواقعة أو الحادثة المهمة والخطيرة.

وذهب المحقق الأصفهاني إلى أن هذه الخصوصية هي الفعل.

وناقشهما الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ من أن معنى الشيء قد يطلق أيضاً على الجوامع، فاتفقا معهما في مخالفتهما لصاحب الكفاية لأن الشيء بعرضه العريض لا يصلح أن يكون عنواناً جامعاً لمادة الأمر.

واختلف معهما في الخصوصية فقال: إن هذه الخصوصية ليست هي الحادثة أو الواقع المهمة كما يقول الميرزا النائيني لأن مادة الأمر تطلق على غير الحوادث والأمور العدمية، وليست هي الفعل يقول للمحقق الأصفهاني لأن أيضاً مادة الأمر تطلق على شريك الباري والأمور العدمية.

لكن مادة الأمر تطلق على بعض الأسماء كأسماء الأجناس ولا تطلق على بعض الأسماء كأسماء الأعلام، والسرّ في ذلك: إن المعنى الجامع هو حدّ بين حدين فليس هو الشيء بعرضه العريضـ وليس هو الفعل كما يقول المحقق الأصفهاني، وليس هو الحادثة والواقعة المهمة كما يقول الميرزا النائيني، بل هو الشيء الذي فيه خصوصية وصفية خصوصية نعتية.

والشيء الذي فيه خصوصية نعتية ووصفية يصدق على أسماء الأجناس مثل: الماء والنار والعشب والكلأ والحديد وغير ذلك فيه جانب وصفي بخلاف الأسماء المتمحضة في العلنية كزيد وعبيد فإنه فإن هذه الأسماء قد تمحضت في العالمية والذاتية وزال الجانب النعتي.

خلاصة المحاولة الأولى المحاولة الأولى غير تامة ولكن يمكن تصحيحها فيكون المعنى الجامع لجميع معاني كلمة الأمر في غير الطلب هو عبارة عن الشيء الذي فيه خصوصية، وهذه الخصوصية هي الجانب الوصفي والنعتي.

أ
قول
: هناك قدر متيقن وهو أمران:

الأول إن مادة الأمر في غير الطلب لا تستعمل في الشيء بعرضه العريض.

الثاني أن مادة الأمر في غير الطلب تستعمل في الشيء الذي له خصوصية، ولكن يبقى الكلام في الأمر الثاني: ما هي هذه الخصوصية؟ هل هي خصوص الحادثة والواقعة كما يقول الميرزا النائيني؟ أو هي خصوص الفعل كما يقول المحقق الأصفهاني؟ أو هي خصوص الشيء الذي له جانب وصفي وصفتي كما يقول الشهيد ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ؟

من الواضح أن ما ذكره المحقق الأصفهاني والمحقق النائيني يرد عليه ما أورده الشهيد الصدر لكن ما أفاده الشهيد يحتاج إلى تأمل ويحتاج إلى تتبع وقوة استظهار لمعرفة هذه الخصوصية.

النتيجة النهائية مادة الأمر موضوعة للشيء الذي له خصوصية ما يبقى الكلام في تحديد هذه الخصوصية، هل هي خصوص الجانب النعي والوصفة أو شيء آخر هذا تمام الكلام في المحاولة الأولى فإنها تتم في معنى جامع وهو ماذا؟ الشيء الذي له خصوصية معينة.

المحاولة الثانية إرجاع غير الطلب إلى معنى الطلب يأتي عليه الكلام.


[6] بحوث في علم الأصول، الشيخ حسن عبد الساتر، ج4، ص13.، مباحث الأصول، السيد كاظم الحائري، ج2، تقرير الدورة الأولى، ص9.، بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، الدورة الثانية، ج2، ص11.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo