< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:المشتق

المراد من المشتق

المشتق ويقصد بالمشتق في البحث الأصولي كل اسم يصح جريه وحمله على الذات بشرط أن لا يكون ذاتياً له فيصح أن تقول: زيدٌ كاتبٌ ضاربٌ فإن الكاتب والضارب يصح حمله وجريه على ذات زيد بخلاف المصدر وهي الكتابة والضرب فلا يصح أن تقول: زيد كتابة أو زيد ضرب كما أن عنوان كاتب ليس من ذاتيات زيد فلو انتفت الكتابة لا ينتفي زيد ولو انتفى الضرب لا ينتفي زيد بخلاف الذاتيات كحيوان وإنسان وناطق فتقول: زيد حيوان ناطق، زيد ناطق فلو انتفت الحيوانية الناطقية لانتفى زيد ولو انتفى الإنسان لنتفى زيد

اسماء الأجناس والذاتيات لايدخل في المشتق و يدخل الجامدات

فتخرج حينئذ أسماء الأجناس والأنواع الذاتية ويدخل مثل الزوج والصارم وغيره من الأسماء وإن كان جامداً في مصطلح آخر للمشتق وهو المصطلح النحوي.

بحثان لفظيان في المشتق

ولتوضيحي هذا المطلب نحتاج إلى بيان مقدمات وقبل بيان هذه المقدمات نشير إلى الأبحاث الأصولية في المشتق، فإن بحث المشتق في الأصول يوجد له بحثان لفظيان:

البحث الأول بحث لفظي تحليلي عن مدلول المشتق، وأن المشتق هل مدلوله بسيط أو مدلوله مركب فيبحث عن بساطة المشتق أو تركيبه هذا بحث لغوي لكن تحليلي تحليل إلى مدلول ومفاد المشتق.

البحث الثاني بحث لفظي لغوي في تحليل مدلول المشتق من حيث دلالته على المتلبس بالمبدأ خاصة أو دلالته على الأعم من المتلبس أو ممن انقضى عنه التلبس.

فمثلاً: زيد ضارب كاتب هل يختص بخصوص من تلبس بالكتابة والضرب أو يعم من كان كاتباً وضارباً وزال عنه عنوان الضرب وعنوان الكتابة.

إذاً يوجد بحثان مهمان من ناحية أصولية ولغوية في بحث المشتق.

بحث لفظي لغوي في تحليل مدلول المشتق

اتفقت على الأمرين واختلف على أمر واحد

وقد اتفقت كلمة الأصوليين على أمرين واختلف في الأمر الثالث.

الأمر الأول المتفق عليه أن المشتقة حقيقة بالمتلبس بالمبدء في الحال فلفظ ضارب وكاتب هذان ماذا؟ اسم فاعل واسم الفاعل هنا استعمال حقيقي في زيد لأنهما قد نظرا إلى الفعلية وفعلية تلبس زيد بالكتابة والضرب.

الأمر الثاني المتفق عليه إن المشتق مجازٌ في المستقبل فإذا أشرت إلى الرضيع زيد وقلت الرضيع زيد كاتب وضارب ومن الملحوظ أنه بحسب الفعلية هذا الرضيع غير قادر على الضرب والكتابة فعلاً فيكون حمل لفظ ضرب الضارب والكاتب على الرضيع زيد استعمال مجازياً.

إذا اتفقت كلمات الأصوليين على أن استعمال المشتق بلحاظ الفعلية حقيقي وبلحاظ المستقبل مجازي.

الإمر الثالث الذي اختلف فيه، وهو استعمال والمشتق فيمن انقضى عنه التلبس فلو كان زيد كاتبا وضاربا ملاكما لكنه ترك الكتابة وترك الضرب والملاكمة، وبعد عشرين سنة من ترك الكتابة والضرب هل يصح أن تقول زيد كاتب وضارب ويكون هذا الاستعمال استعمالاً حقيقياً أو استعمال مجازياً؟

مبنيان في الأمر الثالث

فإن قلنا إن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ ومجاز فيمن انقضى عنه التلبس فحينئذ نقول إن هذا الاستعمال استعمال مجازي.

وإن قلنا إن المشتق حقيقة في الأعم ممن تلبس بالمبدأ في الحال وممن انقضى عنه التلبس بالمبدأ فيكون حينئذ الاستعمار استعمالاً حقيقياً إذا استخدمت لفظ كاتب وضرب وحملته على زيد الذي انقضى عنه التلبس.

مثال الأمر الثالث في الشريعة

مثال ذلك في الشريعة إذا ورد النهي عن التوضأ بالماء المسخن بالشمس، لا تتوضأ بما اسخنته الشمس فهناك نهي عن الماء الساخن بواسطة الشمس، فلو كان الماء ساخناً بالفعل بواسطة الشمس فهنا يثبت النهي، يكره أن تتوضأ بالماء الساخن، وإذا كان الماء بارداً بالفعل ومن شأنه أن يسخن بالشمس في المستقبل فهنا إطلاق لفظ الساخن على هذا الماء البارد استعمال مجازي.

ولكن في الصورة الثالثة إذا سخن الماء بالشمس ثم برد وجاء شخص وتوضأ به فهل تثبت الكراهة في حقه أو لا؟

فإن قلنا إن المشتق يختص بخصوص من تلبس بالمبدأ في الحال أي بالفعل فحينئذ لا تثبت الكراهة لأن الماء كان ساخناً لكنه بالفعل باردٌ فترتفع الكراهة.

وإن قلنا إن المشتق حقيقة في الأعم ممن تلبس سابقاً بالسخونة أو انقضت عنه السخونة فحينئذ يصدق بالاستعمال الحقيقي أن هذا ماء ساخن فتثبت الكراهة فيشمله ويعمه دليل النهي.

والمشهور بين الأصوليين أن المشتق موضوع للمتلبس بالفعل لا من انقضى عنه التلبس، وقبل أن نشرح في كلا البحثين التحليلي أن المشتق بسيط أو مركب، واللغوي أنه استعمال حقيقي في خصوص من تلبس بالمبدأ أو من انقضى عنه التلبس، لابد من بيان مقدمات:

المقدمات لبحث المشتق

المقدمة الأولى الفرق بين المشتق النحوي والمشتق الأصولي.

المشتق عند النحاة يقابل الجامد فالجميع عدا المصدر بناء على أن المصدر هو أصل المشتقات لأنه يوجد مسلكان: مسلك البصريين ومسلك الكوفيين.

المسلكان في أصل المشتق

مسلك البصريين يقولون: مصدر الكلمات هو المصدر أصل الكلمات المصدر،

مسلك الكوفيين يقولون: الفعل أصل الاشتقاق هو الفعل.

فبناء على مبنى البصريين من أن أصل الكلمة هو المصدر لا الفعل تكون جميع الكلمات مشتقة عدا المصدر فيصير الفعل الماضي والمضارع والأمر والنهي وأسماء الفاعلين والمفعولين كلها تصير مشتقات.

الخلاصة اللفظ مشتق في النحو العربي هو ما يقابل الاسم الجامد فالمشتق يقابل الجامد، وبالتالي المشتق قد يكون اسماً وقد يكون فعلاً، والجامد قد يكون أيضاً اسماً وقد يكون حرفاً.

المشتق عند الأصوليين

لابد للمشتق ان توفر فيه شرطان

وأما المشتق عند الأصوليين فهو عبارة عما يجري على الذات باعتبار اتصافها بالمبدأ أو اتحادها مع المبدأ بنحو من الاتحاد فالمشتق الأصولي ما يتوفر فيه شرطان:

الشرط الأول أن يصح حمله على الذات، وبذلك تخرج المصادر، فيصح أن تقول: زيد كاتب ولا يصح أن تقول: زيد كتابة، ويصح أن تقول: زيد قاتل مقتول ولا يصح أن تقول: زيدون قتلٌ.

فالشرط الأول في مشتاق الأصولي أن يصح حمله وجريه على الذات.

الشرط الثاني لا يكون المشتق من ذاتيات الذات كما لو قلت: زيد إنسانٌ والإنسانية نوع لزيد أو تقول: زيد حيوان والحيوانية جنس لزيد والمقومة لذات زيد أو تقول: زيد ناطق والناطقية مقومة لزيد، فالشرط الثاني من شروط المشتق الأصولي أن لا يكون ذاتياً للذات ومقوماً لها بحيث إذا عدم عدمت الذات.

نعم، لابد أن يجري على الذات وفقاً للشرط الأول ولابد من وجود جهة اشتراك أو اتحاد بين المحمول والموضوع لكي يصح الحمل لكن لا أن يكون المحمول المشتق مقوماً ذاتياً للموضوع الذي هو الذات.

وبالتالي يخرج من المشتق الأصولي جميع الأفعال والحروف فتخرج الأفعال قاطبة: الماضي والمضارع والأمر، وذلك لأن الأفعال تدل على قيام مبادئها بالذوات إما قيام صدور أو قيام حلول أو طلب فعل أو طلب ترك ولا تدل على وصف الذوات بها، فكم فرق بين قولنا زيد قائم وبين قولنا زيد ضارب.

القيام الصدور كقيام الضرب بالضارب فإن الضرب يصدر من زيد الضارب والقيام الحلول كقيام الضحك والبكاء بالإنسان فتقول الإنسان باكٍ الإنسان ضاحك أي أن البكاء والضحك يحل بالإنسان بخلاف الضرب والقتل فإنه يصدر من الإنسان.

إذاً تخرج جميع الأفعال من المشتق الأصولي كما تخرج جميع المصادر المزيد والمجردة لأنه لا يصح حملها على الذات بنحو الهوهوية فلا يصح أن تقول: زيدٌ كتابة، زيدٌ قتل زيد ضرب، وبالتالي خرجت جميع الأفعال وجميع الحروف ولم يبقى إلا أسماء الفاعل أسماء المفعول أسماء الزمان والمكان أسماء الآلات الصفات المشبهة صيغ المبالغة نظراً لوجود الملاك في جميعها، ما هو الملاك؟ الملاك هو انتزاع مفاهيمها عن الذوات باعتبار اتصافها بالمبدأ فيشمل حتى الزوجة والرق والحر.

النسبة بين المشتق النحوي والأصولي

إذاً النسبة بين المشتق النحوي والمشتق الأصولي هي نسبة العموم والخصوص من وجه.

وهنا ثلاثة موارد:

المورد الأول مورد اجتماعي المشتق الأصولي والنحوي وهو أسماء الفاعلين والمفعولين وأمثالهما كالصفة المشبهة وصيغة المبالغة.

المورد الثاني افتراق المشتق النحوي عن مشتق الأصول، وذلك في الأفعال كالفعل الماضي والمضارع والأمر فالنحوي يشتقها من المصدر لكن الأفعال خارجة عن المشتق الأصولي، المشتق الأصولي خاص بالأسماء ما يشمل الأفعال والحروف.

المورد الثالث افتراق المشتق الأصولي عن المشتق النحوي وذلك في الأسماء الجامدة مثل: الزوج والرق فإنهما مشتق أصولي لأنه يصح حمل الزوج والرق على زيد والزوجية والرقية ليست من مقومات زيد لكن الزوج والرق ليس بمشتق نحوي لأنهما جامدان لا مشتقان من ناحية نحوية.

هذا تمام الكلام في المقدمة الأولى الفرق بين المشتق النحوي والمشتق الأصولي واتضح أن المشتق الأصولي يختص بالأسماء دون الحروف والأفعال واتضح أيضاً أنه يشمل الجامد النحوي والمشتق النحوي.

المقدمات لبحث المشتق-المقدمة الثانية أنحاء التلبسات حسب اختلاف المبادئ يراجع في هذه الامور الموجز في أصول الفقه الشيخ جعفر السبحاني ـ حفظه الله ـ الجزء الأول صفحة ثلاثة وأربعين إلى خمسة وأربعين.[1]

التفصيل بين المشتقات

ذهب بعضهم إلى التفصيل بين المشتقات فقال بأمرين:

القسم الأول بعض المشتقات حقيقة في المتلبس نظير الكاتب والمجتهد والمثمر فما يكون.

إذا القسم الأول ما يكون حقيقة في المتلبس.

القسم الثاني ما يكون حقيقة في الأعم من المتلبس ومن انقضى عنه التلبس فبحسب اختلاف المبادئ نقول بالتفصيل بين المشتقات.

القسم الأول المشتق الذي هو حقيقة المتلبس مثل الأبيض والأسود فما كان المبدأ فيه أمراً فعلياً فإنه يختص المتلبس بخصوص من تلبس بالسواد أو البياض ولا يشمل ما زال عنه السواد والبياض فهنا صار المشتق حقيقة في خصوص المتلبس لكن بلحاظ أن المبدأ فعلي مثل الأبيض والأسود.

القسم الثاني ما يكون حقيقة في الأعم مثل الكاتب والمجتهد والمثمر فما يكون المبدأ فيه حرفةً أو ملكةً أو قوةً فإنه يصدق على المتلبس ويصدق على من زلل عنه التلبس للشهادة بصدقها على من لم يتلبس بالكتابة والاجتهاد والإثمار إذا زال عنه ذلك.

انحاء المبدأ للمشتق عند النحاة

وفيه هذا ليس بتام فالمبدأ له عدة أنحاء:

النحو الأول الفعلية كقائم.

النحو الثاني الحرفة كتاجر.

النحو الثالث الصناعة كنجار.

النحو الرابع القوة أي القابلية كقولنا شجرة مثمرة أي من شأنها أن تثمر.

النحو الخامس نحو الملكة كمجتهد.

النحو السادس نحو الانتساب إلى الأعيان الخارجية كلابن والتامر.

فإذا اختلفت المبادئ جوهراً ومفهوماً فحينئذ تختلف أنحاء التلبسات بتبع اختلاف المبادئ جوهراً ومفهوماً، وبالتالي يختلف بقاء المبدأ بحسب اختلاف المبادئ فنقول والله المستعان وإليه المرجع وعليه التكلان إن المشتق حقيقة في خصوص من تلبس بالمبدأ دون من انقضى عنه التلبس ولكن نحو التلبس بالمبدأ يتبع نفس هذا المبدأ.

فمثلاً في القسم الأول الذي أخذنا فيه الفعلية كقائم يشترط صدق التلبس الذات بالمبدأ فعلاً وفي القسم الثاني الحرفة كتاجر وفي القسم الثالث الصناعة كنجاة يكفي عدم إعراضه عن حرفته وصناعته وإن لم يكن ممارساً بالفعل فالنجار المتقاعد والصانع المتقاعد يقال له صانع ونجاه بحسب لحاظ مبدأ الصناعة ومبدأ النجاة.

وأما الرابع ما أخذ بالقوة كشجرة مثمرة يكفي كونه متلبساً بقوة الإثمار وإن لم يكن مثمراً بالفعل وفي الخامس ما أخذ كملك كالمجتهد يكفي بقاء الملكة وإن لم تحصل ممارسة للملكة فالكل داخل تحت المتلبس بالمبدأ بالفعل لكن تلبسه الفعلي يختلف باختلاف المبادئ.

وبالتالي نعلم أن اختلاف المبادئ يوجب اختلاف طول زمان التلبس وقصره ولا يوجب تفصيلاً في المسألة فنقول إن المشتقة حقيقة في خصوص من تلبس بالمبدأ للأعم ولكن مدة التلبس طول زمن التلبس وقصره هذا يكون تبعاً لنوع المبدأ.

فما تخيله القائل مصداق لمن انقضى عنه المبدأ إنما هو من مصادق المتلبس ومنشأ التخيل هو أخذ المبدأ في الجميع على نسق واحد والحال إن المبادئ على أنحاء لا على نحو واحد.

المراد من الحال في المشتق

المقدمات لبحث المشتق-المقدمة الثالثة والأخيرة ما هو المراد من الحال في عنوان البحث؟

الجواب: المراد من الحال هو الفعلية في مقابل القوة، ومرجع النزاع إلى سعة المفاهيم وضيقها وأن الموضوع له هل هو خصوصية الذات المتلبسة بالمبدأ أو الأعم من الذات المتلبسة بالمبدأ والذات التي انقضى عنها التلبس في الحال يعني بشكل فعلي.

والخلاصة المراد بالحال هو الفعلية في مقابل عالم القوة.

هذا تمام الكلام في مقدمات لمعرفة المشتق الأصولي والتفرقة بينه وبين المشتق النحوي تتمة الحديث تأتي.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo