< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوجه الثاني في إثبات استحالة ما ذكره المحقق الأصفهاني ره

قلنا البحث في الإشتراك اللفظي يقع في عدة جهات، الجهة الثالثة،استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معناه في وقت واحد وقرب ذلك بثلاثة أوجه:

الوجه الأول للميرزا النائيني،

الوجه الثاني للمحقق الأصفهاني،

الوجه الثالث للآخوند الخراساني، ونأخذها تباعاً.

تم الوجه الأول اليوم نقرأ الوجه الثاني والثالث:

الوجه الثاني

في إثبات استحالة استعمال اللفظ المشترك في معنيين في وقت واحد ما ذكره المحقق الأصفهاني[1] رحمه الله وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين:

توضيح بيان المحقق يتوقف على أمرين

الأمر الأول

الوجود الحقيقي والوجود التنزيلي

إن وجود اللفظ هو وجود لماهيتين:

الأول وجود حقيقي لماهية اللفظ.

الثاني وجود تنزيلي لماهية المعنى.

لأن اللفظ اعتبر وجودا للمعنى فنزل اللفظ بمنزلة المعنى.

إذاً فما هو وجود تنزيلي لماهية المعنى عين ما هو وجود حقيقي لماهية اللفظ فبين الوجودين عينية، وعلى هذا الأساس فتعدد أحدهما يساوق تعدد الآخر ووحدة أحدهما كذلك يساوق وحدة الآخر.

لفظ المولى عبارة عن وجود الماهيتين

فمثلاً لفظ المولى هذا اللفظ هو عبارة عن وجود لماهيتين:

الأول وجود حقيقي لماهية لفظ المولى.

الثاني ووجود تنزيلي إذ نزل اللفظ وهو المولى منزلة المعنى وهو السيد.

فهناك وجودان وجود حقيقي للفظ المولى ووجود تنزيلي لمعنى المولى وهو السيد أو العبد.

النسبة العينية بين الحقيقي والتنزيلي

فإذا تعدد اللفظ الذي هو وجود حقيقي تعدد المعنى وإذا تعدد المعنى تعدد اللفظ وإذا اتحد اللفظ اتحد المعنى واذا تعدد اللفظ تعدد المعنى فهناك عينية في الوجود بين الوجود الحقيقي للفظ والوجود التنزيلي لماهية المعنى.

الأمر الثاني

واحدية الوجود والإيجاد

إن الوجود والإيجاد شيء واحد فتعد الإيجاد ووحدته يساوي تعدد الوجود ووحدته فإذا تعدد الإيجاد تعدد الوجود وإذا اتحد الإيجاد اتحد الوجود.

ما هي حقيقة الإستعمال؟

إذا تم هذان الأمران نقول: إن الاستعمال ما هي حقيقته؟

الجواب: إن حقيقة الاستعمال أي استعمال اللفظ كلفظ المولى في معناه كمعنى السيد والعبد هي عبارة عن إيجاد ووجود تنزيلي للمعنى فإذا أردنا استعمال اللفظ في معنيين في وقت واحد كما لو أردنا استعمال لفظ المولى في معنى السيد ومعنى العبد في وقت واحد.

فإذا هناك استعمالان أي إيجادان تنزيليان أي نزلنا لفظ المولى منزلة السيد في الاستعمال الأول ونزلناه لا مولى منزلة معنى العبد في الاستعمال الثاني.

وبمقتضى الأمر الثاني من أن الإيجاد عين الوجود وتعدده هو تعدده، فهناك إذا وجودان تنزيليان لمعنى السيد أولاً ومعنى العبد ثانياً، فإذا وجد وجودان تنزيليان لمعنيين فهذا منه أن هناك وجودان حقيقيان بمقتضى الأمر الأول يعني يوجد لفظان لا لفظ واحد.

حيث قلنا إن الوجود الحقيقي لللفظ هو عين الوجود التنزيلي للمعنى فإذا التزمنا بوجودين تنزيليين للمعنى فهذا يكشف عن وجود وجودين حقيقيين للفظ وهذا خلف الفرض وهو افتراض وجود حقيقي واحد للفظ.

وبناءً على ذلك يستحيل استعمال اللفظ المشترك الذي هو واحد حقيقة في أكثر من معنى.

وفيه لو سلمنا وتنزلنا وقلنا أنه لو فرضنا أن الاستعمال هو إيجاد تنزيلي والإيجاد عين الوجود وتعدد الإيجاد عبارة عن تعدد لكننا نسأل ما هو معنى الإيجاد التنزيلي؟

ماهو معنى الإيجاد التنزيلي؟

الجواب: الإيجاد التنزيلي بحسب الحقيقة هو إيجاد التنزيل وإن نسب إلى الغير مسامحة، فالإيجاد التنزيلي للمعنى هو إيجاد تنزيل اللفظ منزلة المعنى، والإيجادان التنزيليان هما إيجادان لتنزيلين ولا محذور في تعدد التنزيل مع وحدة المنزل فينزل اللفظ الواحد في عرض واحد تارة منزلة العبد وتارة أخرى منزلة السيد.

إذاً تعدد التنزيل لا ينافي وحدة المنزل.

خلاصة الجواب لو التزمنا أنه يوجد وجود حقيقي لللفظ كلفظ المولى وهو لفظ واحد ووجود واحد والتزمنا بوجود تنزيلي اعتباري يعني نزلنا لفظ المولى منزلة معنى السيد ومعنى العبد فإنه لا يوجد أي محذور في أن يكون المنزل واحداً وهو لفظ المولى وأن يتعدد إيجاده التنزيلي فننزل لفظ المولى منزلة معنى السيد في المعنى الأول، وننزل لفظ المولى الواحد منزلة مع العبد لا محذور في ذلك إذا التنزيل أمر اعتباري.

فمثلاً خذ هذا المثال ـ لو خطب خطيب كبير على المنبر، وقال: أيها الناس احترموا المولى في حياتكم الاجتماعية فجاء بلفظ واحد وهو لفظ المولى لكنه نزله منزلة ثلاث معاني في وقت واحد بأن قصد احترام كل من يصدق عليه مولى بمختلف المعاني التنزيلية وفي وقت واحد قصد أولاً احترم المولى أي احترم السيد، ثانياً احترم المولى احترم العبد، ثالثاً احترم المولى احترم الصديق، رابعاً احترم المولى أي احترم الحبيب.

وهكذا لو قال الخطيب الشحشاح لا تستهن بالعين وكن على حذر وقصد مطلق ما يصدق عليه العين فجاء بوجود واحد حقيقي وهو لفظ العين ونزل هذا اللفظ الواحد وهو العين منزلة عدة معاني في آن واحد.

فقصد أولاً لا تستهن بالعين أي الباصرة إذا تلف تصبح أعمى، ولا تستهن بالعين النابعة والجارية هذا عذب زلال، ولا تستهن بالعين التي هي الذهب والفضة هذا مال وفير، ولا تستهن بالعين أي الركبة فإذا انكسرت أصبحت مقعداً، ولا تستهن بالعين أي الجاسوس فإنه يقرصك قرصة ويودعك في السجون.

فالمنزل واحد ومحله فارد وهو لفظ العين والمعنى المنزل عليه متعدد ولا يرى العرف مشاح في ذلك في أن يكون المنزل واحداً والمنزل عليه متعدداً، فالوجه الثاني للمحقق الأصفهاني لا يرجع إلى محصل.

 

الوجه الثالث

ما ذكره صاحب الكفاية[2]
ـ أعلى الله في الخلد مقامه

توضيحه: إن الاستعمال هو عبارة عن إرادة المعنى باللفظ بحيث إن لحاظ اللفظ يكون لحاظاً آلياً مرآتياً ولحاظ المعنى يكون لحاظاً استقلالياً فهو تماما كمن ينظر إلى صورته في المرآة فهو يلحظ أولاً وبالذات صورته في المرآة وثانياً وبالعرض نفس المرآة.

ويؤيد ذلك أنه قد لا يلتفت إلى المرآة أنها وسخة أو قابها وإطارها هكذا فهو لا يلتفت إلا إلى صورته فإذا كانت صورته جيدة ومكان صورته نظيف في المرآة لا يلتفت إلى وسخ المرآة فهو ينظر أولاً وبالذات إلى صورته وثانيا وبالعرض إلى نفس المرآة.

هكذا المتكلم في اللغة العربية وغيرها فهو أول ما ينظر إلى المعنى أولاً وبالذات واللفظ ثانياً وبالعرض فدور اللفظ في الدلالة على المعنى هو دور المرآتية وهذا مبنى المرآتية الذي يرى أن اللفظ يندك في المعنى بحيث لا تتصور الاثنينية بل بينهما تمام الاندكاك، كما هو الحال في من ينظر إلى صورته في المرآة فهو لا يرى الاثنين بين صورته والمرآة.

لكنه أول ما ينظر إلى صورته أولاً وبالذات ثم إلى المرآة ثانياً وبالعرض، وبين صورته والمرآة تمام الاندكاك والاندماج كذلك من يتلفظ بلفظ له معنى فهناك اندكاك بين اللفظ والمعنى لكن أول ما ينظر إلى المعنى أولاً وبالذات واللفظ ثانياً وبالعرض، ويكون دور دور المرآة التي تعكس معنى اللفظ.

إذا اللفظ يكون فانياً في المعنى على حد لو فناء الصحيح بالفاتح فناء المرآة في ذيها.

بناء على هذا يستحيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى لأن اللفظ بعد فنائه في المعنى الأول يعدم ولا يعقل أن يفنى اللفظ مرة ثانية في المعنى الثاني فكيف يستخدم ويستعمل لفظ واحد في معنيين في آن واحد هذا غير صحيح وغير معقول نعم، يستعمل لفظ في معنى ثم يأتي بلفظ آخر ويستعمله ويفنيه في معنى آخر في وقت آخر أما في نفس الوقت إذا أفنى اللفظ في المعنى الأول أصبح اللفظ حينئذ معدوماً فكيف يفني الفاني في معنى ثاني؟

فإذا استهلك اللفظ في أحد المعاني لا يعقل أن يستهلك في نفس الوقت في معنى آخر إلى جنب المعنى الأول.

انتهى كلامه زيد في علوه مقامه.

وقد تعرض سيد أساتذتنا المحقق السيد أبو القاسم الخوئي إلى كلام صاحب الكفاية[3] قائلاً: إن هذا مبني على المشهور في الوضع من نظرية الاعتبار، فإذا قيل بأن الوضع عبارة عن الاعتبار فكأن اللفظ اعتبر فانياً في المعنى وحينئذ يتم بيان صاحب الكفاية.

وأما إذا قلنا بأن الوضع ليس هو عبارة عن الاعتبار كما عليه المشهور بل هو عبارة عن التعهد الذي يلتزم به السيد الخوئي بأن يتعهد المتكلم بأنه متى ما أتى باللفظ يجعله علامة على هذا المعنى المخصوص فليس بابه باب الإفناء فلا يتم البيان المذكور بل يمكن أن يتعهد أن يأتي باللفظ ويجعله علامة على معنيين ولا مانع من ذلك.

وناقشه بحق تلميذه الوفي الشهيد السيد محمد باقر الصدر قائلاً: بأن برهان المحقق الخراساني صاحب الكفاية لا يرتبط بباب الوضع سيدنا الخوئي حتى نذهب إلى تشقيق المسألة بناء على النظريات في الوضع هل نلتزم بمبنى الاعتبار للمشهور أو نلتزم بمبنى التعهد للسيد الخوئي بل كلام صاحب الكفاية ناظر إلى عالم الاستعمال لا عالم وضع أي أن المتكلم يستعمل اللفظ علامة على المعنى.

النظريتان في الإستعمال من دون فرق بين نظرية الاعتبار أو نظرية التعهد

كما هو الحال في الإشارات المرورية يجعل هذه العلامة دليل على وجود كذا فرسخ كذا كيلو متر فليس البحث في عالم الوضع بل البحث في عالم الاستعمال، وتوجد نظريتان في الاستعمال:

النظرية الأولى نظرية المرآتية.

النظرية الثانية نظرية العلامية.

وكلاهما محتملٌ.

أما النظرية الأولى نظرية المرآة فإنه لا شك ولا ريب يوجد اندكاك بين اللفظ والمعنى كما يوجد اندكاك بين الصورة والمرآة فاللفظ مرآة والمعنى ذو مرآة فيكون ما أفادة صاحب الكفاية تامٌ لا غبار عليه.

الاحتمال الثاني المبنى الثاني مبنى العلامية أن يستعمل المتكلم اللفظ ويجعله علامة على ذي العلامة من قبيل العمود الذي يوضع على رأس الفرسخ.

وكلا الاحتمالين معقول على المباني في الوضع من دون فرق بين نظرية الاعتبار أو نظرية التعهد فيمكن لمن يقول بنظرية التعهد أو الاعتبار أن يقول بالاحتمال الأول وهو المرآتية أو أن يقول بالاحتمال وهو العلامية.

ولا يوجد برهان على تعين الاستعمال في خصوص مبنى المرآة الاندكاك التي يندك فيها اللفظ في المعنى حتى نلتزم بكلام صاحب الكفاية بل يمكن أن نلتزم بطريقة العلامية.

ومن الواضح عند العقلاء أنه يمكن أن نعتبر لفظ واحد علامة على عدة معاني كما يمكن أن نجعل لوحة واحدة علامة على عدة معاني فلا يوجد اندكاك بين العلامة وذي العلامة كما هو الحال في وجود اندكاك بين المرآة وذي المرآة، ولا معين في البين فلا يتم كلام صاحب الكفاية.

ما هو الأغلب في الإستعمالات العرفية؟

نعم، الشارع سيد العرف فلنرجع إلى العرف فما هو الأغلب في الاستعمالات العرفية؟ هل هو جعل اللفظ مرآة للمعنى أو جعل اللفظ علامة على المعنى؟

قد يقال إن الغالب في الاستعمال هو مبنى المرآة لا العلامية فالمنصرف بحسب استعمال العرف والمحاورات العرفية هو أن اللفظ مرآة للمعنى كما يقول صاحب الكفاية وليس علامة على المعنى.

وبالتالي يستحيل أن يندك اللفظ الواحد في معنيين في وقت واحد.

فتكون النتيجة هكذا من ناحية ثبوتية وفي عالم الثبوت أي عالم الإمكان يستحيل استعمال اللفظ الواحد في معنيين في آن واحد على مبنى المرآتية.

نعم، ثبوتاً لا يستحيل استعمال اللفظ الواحد في معنيين بناء على مبنى العلامية.

إذاً من ناحية ثبوتية يوجد إشكال ثبوتي في مبنى المرآتية ولا يوجد إشكال ثبوتي في معنى العلامية هذا ثبوتاً يعني في عالم الإمكان.

وأما إثباتاً أي في عالم الخطاب والحوار والمحاورات العرفية فإن أغلب المحاورات هي من باب الآلية في الاستعمال وجعل اللفظ آلة في الدلالة على المعنى أي جعل اللفظ مرآة تعكس المعنى، ومع الآلية لا تعدد في المعنى المستعمل فيه لأن اللفظ يندك في المعنى أولاً ولا معنى لأن يندك في المعنى الثاني بعد فنائه في المعنى الأول.

النتيجة النهائية لا يصح استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو عدة معاني في آن ووقت واحد ثبوتا وإثباتا.

أما ثبوتاً فعلى مبنى المرآتية لا يتم لأن اللفظ يفنى في المعنى الأول فلا يمكن أن يفنى في المعنى الثاني.

وأما إثباتاً فلأن غالب المحاورات العرفية قائم على مبنى الآلية والمرآتية للعلامية فلا يصح استعمال اللفظ في أكثر من معنى ثبوتاً وإثباتًا والله العالم.

هذا تمام الكلام في بحث الاشتراك.

بحث المشتق لأنه ليس له ثمرة عملية سنأخذه بشكل موجز ومقتضب من بحوث سيدنا الأستاذ تقرير السيد محمد الهاشمي الشاهرودي للبحث الشهيد الصدر، وما كتبه أيضاً السيد محمود الهاشمي الشاهرودي من تعليقة على الحلقة الثالثة للشهيد الصدر إذ علق على الطبعة الأولى منها بعدة تعليقات وأضاف البحوث التي حذفها الشهيد الصدر كبحت الحقيقة الشرعية والصحيح والأعم وبحث المشتق، وقد ذكرها بشكل مقتضب حتى تكون هذه الدورة الأصولية مبتورة نتطرق إلى بحث المشتق بإيجاز.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo