< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى في وقتٍ واحد

 

قلنا البحث في الإشتراك اللفظي يقع في عدة جهات، تم البحث في الجهة الأولى والجهة الثانية. وأما الجهة الثالثة:

 

الجهة الثالثة

استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معناه في وقت واحد

 

هذه الجهة تتطرق إلى إمكانية ذلك أو استحالته، فهل يمكن للمتكلم أن يستعمل اللفظ الواحد كلفظ المولى في كلا معنييه السيد والعبد في وقت واحد وبنفس إيراد لفظة المولى يقصد معنى العبد والسيد معاً، فهل يمكن ذلك أو يستحيل؟

ولابدّ من التوضيح

إن المراد هو وجود استعمال للفظ واحد في معنيين أو أكثر وليس المراد استعمال للفظ الواحد في معنى واحد، فإذا ألبس المعنيان أو المعاني ثوب الوحدة وخلق الذهن من المعنيين أو المعاني مركباً اعتبارياً فحينئذ يكون المتكلم قد استعمل اللفظ الواحد في معنى واحد وهو المركب الاعتباري فيكون خروجاً عن محل الكلام.

فليس الكلام هو استعمال لفظ المولى أو لفظ العين في المعنى الواحد وهو المركب الاعتباري الذي يجمع معاني العين ويجمع معنيي المولى بل المراد استعمال اللفظ الواحد المشترك كلفظ المولى في أكثر من معنى مع اختلاف المعاني وعدم إلباسها ثوب الوحدة.

هل هذا ممكنٌ أو مستحيل؟

الجهة الثالثة تشمل ثلاثة موارد

وقبل أن نشرع في بيان البحث لابد من بيان أن هذه الجهة الثالثة تشمل ثلاثة موارد:

المورد الأول اللفظ المشترك الذي له معنيان أو عدة معاني حقيقية.

المورد الثاني استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي معاً كاستخدام لفظ الأسد في الحيوان المفترس وفي الرجل الشجاع في وقت واحد.

المورد الثالث استعمال اللفظ في معنيين مجازيين في وقت واحد وباستعمال واحد.

 

ثلاث طرق للتعبير عن استحالة إستعمال اللفظ في أكثر من معنى

فبحثنا يشمل هذه الموارد الثلاثة، وقد ادعى جماعة استحالة استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى في وقت واحد، وقرب ذلك بثلاثة أوجه:

الوجه الأول للميرزا النائيني،

الوجه الثاني للمحقق الأصفهاني،

الوجه الثالث للآخوند الخراساني، ونأخذها تباعاً.

 

الوجه الأول ما نسب إلى المحقق النائيني[1] .

فقد نسب إلى الشيخ محمد حسين النائيني القول بأن استعمال اللفظ في معنى يتوقف على تصور ذلك المعنى ولحاظه فلا يعقل استعمال اللفظ من دون لحاظ معناه، فكيف تستخدم اللفظ في معنى وأنت لا تلحظ ذلك المعنى؟!

فإذا هنا أصل موضوعي إذا أراد المتكلم أن يستعمل لفظاً معيناً في معنى معين فلا بد أن يلحظ ذلك المعنى المعين، وهنا نأتي إلى مورد بحثنا فإذا استعمل المتكلم لفظاً واحداً كلفظ مولى في معنيين في أن واحد كمعنى السيد والعبد معاً فحينئذ هذا المستعمل حينما استعمل لفظ مولى فإنه لابد في آن واحد وفي وقت واحد أن يلحظ معنيين معاً وهما معنى السيد ومعنى العبد.

وهنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يستعمل لفظةً كلفظ المولى ويلحظ المركب الاعتباري الجامع لكلا المعنيين فهو من باب استعمال اللفظ الواحد في المعنى الواحد وهذا خارجٌ عن محل بحثنا ومحل النزاع إذ أن محل النزاع هو استعمال اللفظ في من معنى وليس استعمال اللفظ في معنى واحد ومحل فارد غاية ما في الأمر أنه مركب اعتباري يخلقه الذهن إذ ياتي بمعنى جامع بين معنى السيد ومعنى العبد، هذا خارج عن محل بحثنا.

الاحتمال الثاني أن يستعمل المتكلم اللفظ كلفظ المولى ويقصد استعماله في معنيين مختلفين في آن واحد فهو يورد لفظة مولى ويقصد بنفس لفظة مولى الواحدة معنيين اثنين معنى السيد ومعنى العبد فهذا من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين في آن ووقت واحد.

وهذا يعني أنه يلحظ معنيين في آن واحد: المعنى الأول المعنى السيد والمعنى الثاني معنى العبد وهذا غير معقول لأن النفس بقطع النظر عن حيثياتها لا يصدر منها لحاظان في وقت واحد، والسر في ذلك أن النفس بسيطة والبسيط لا يصدر منه إلا البسيط فالنفس تلحظ لحاظاً واحداً بسيطاً لا أنها تلحظ لحاظين في وقت واحد.

نعم، قد يصدر من النفس البسيطة عدة لحظات بضم ضمائم فمثلاً النفس تلحظ التفاحة، فحاسة اللمس هذا ضم ضميمة إلى النفس تلحظ نعومة التفاحة، وحاسة البصر تلحظ لون التفاحة الأحمر أو الأصفر، وحاسة الذوق تدرك حلاوة التفاحة، وحاسة الشم تدرك وتلحظ رائحة التفاحة.

فهنا النفس الواحدة البسيطة لاحظت عدة لحظات في وقت واحد وهو حينما أمسك التفاحة لكي ينهشها فإنه في وقت نهش التفاحة أدرك نعومتها باللامسة، ورائحتها بالشامة، ولونها بالباصرة، وحلاوتها بالذائقة وبالنهشة.

لكن هذه اللحظات لم تكن للنفس بما هي نفس بسيطة بل بضم قوى وحواس للنفس وهي الحواس الخمس.

إذاً النفس يمكن أن تلحظ عدة لحظات في وقت واحد بواسطة الضمائم والقوى التي تضاف إلى النفس، ولكن النفس بما هي هي وبمعزل عن الضمائم والقوى لا يمكن أن تلحظ عدة معاني في وقت واحد.

ولو راجعنا أجود التقريرات للسيد الخوئي وهو تقرير بحث الميرزا النائيني لن نجد المقطع الأخير من أن النفس قد تلحظ عدة لحظات بضميمة القوى ولكن بما هي ببساطتها لا تلحظ إلا لحاظاً واحداً. نعم، يوجد في أجود التقريرات الأمر الأول وهو أن النفس لأنها بسيطة لا يمكن أن تلحظ معنيين في وقت واحد.

هذا تمام الكلام فيما يمكن تقريره من إفادات الميرزا النائيني وما أدراك ما الميرزا النائيني.

يقول شيخنا الأستاذ آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني في مجلس الدرس إن الميرزا النائيني ابتلي بأحداث المشروطة فتوقف الدرس وانقطع الدرس اثنا عشر عاماً، يقول أحدهم حضرت آخر درس قبل اثنا عشر سنة وأول درس بعد اثنا عشر سنة فلم أجد قد تغير مستوى الميرزا النائيني ولم يضعف مستواه العلمي بانقطاعه بالأحداث السياسية وثورة المشروطة رضوان الله عنه.

مناقشة السيد الصدر على الميرزا

السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ يناقش ويقول: وهذا البرهان غير تام حيث يمكن القول بأن النفس تلحظ المعنيين بلحاظين استقلاليين ولا محذور في ذلك، وأما دعوى استحالة صدور لحاظين استقلاليين من النفس فهي باطلة نقضاً وحلاً.

الجواب النقضي على الميرزا

النقضين

أولاً النقض ويمكن أن ننقض على الميرزا النائيني بأمرين:

النقض الأول أن الميرزا النعائيني ـ رحمه الله ـ يعترف بأن النفس البشرية يمكن أن تلحظ المركبات الاعتبارية، وهنا نسأل النفس الإنسانية قبل أن تضع ثوب الوحدة وتأتي بالمركبة اعتباري فهذا المركب قبل أن يلبس بثوب الوحدة كان متعدداً في نفسه، والنفس الإنسانية قد أدركت تعدد جهات المركب الاعتباري في المرتبة السابقة على إعطاء المركب الاعتباري ثوب الوحدة.

إذاً النفس الإنسانية يمكن أن تدرك المركبات بما هي كثيرة ثم تلبسها ثوب الوحدة، فالنفس كما تدرك المركب الاعتباري الذي ألبسته ثوب الوحدة كانت في المرتبة السابقة قد أدركت الحيثيات المتعددة للمركب اعتباري قبل أن يلبس ثوب الوحدة.

وهذا يثبت أن النفس قادرة على لحاظين بل لحاظات في عرض واحد لأن النفس أعطت هذا الثوب الواحد للكثير بما هو كثير وإلا لما توحد وأصبح واحداً ببركة إعطاء النفس الإنسانية ثوب الوحدة للمركب الاعتباري.

ويستحيل أن لا تلاحظ النفس هذا الكثير عند الإعطاء فقبل أن تعطي ثوب الواحد الكبير تكون تلحظ الكثير من من الجهات وتلحظ الكثير بما هو كثير وتلحظ المتعدد بما هو متعدد وهذا يعني صدور لحاظات استقلالية متعددة في آن واحد فالنفس لديها هذه القدرة على لحاظات متعددة عرضية وفي عرض واحد وفي وقت واحد ثم يخلق الذهن ثوباً واحداً اعتبارياً للمركب الاعتباري.

النقض الثاني ننقض على الميرزا بالقضايا التصديقية فالقضية التصديقية مؤلفة من موضوع ومحمول والنفس حينما تصدر الحكم وتحمل المحمول على الموضوع بأن تقول: زيد جميل، زيد موجود، زيد معدوم فإن النفس قبل إيراد هذه القضية الحملية وهذا الحكم لابد أن تلحظ الموضوع والمحمول معاً لأنه يستحيل إصادر الحكم من دون ملاحظة الموضوع والمحمول معاً.

وهنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن تلحظ النفس المحمول والموضوع بلحاظ واحد.

الاحتمال الثاني أن تلحظ النفس المحمول والموضوع بلحاظين مستقلين.

فإن قال الميرزا النائيني بالاحتمال الأول وهو أن النفس تلحظ الموضوع والمحمول بلحاظ واحد فهذا يعني أن المحمولة والموضوع أصبح شيئاً واحداً فيكون خروج عن محل الكلام إذ محل الكلام استخدام اللفظ في معنيين لا في معنى واحد.

وإن قال الميرزا النائيني بالثاني وأن النفس تلحظ الموضوع كشيء والمحمول كشيء آخر ومعنى آخر فقد ثبت إمكان تعدد اللحاظ في آن صدور الحكم من النفس بخلاف ما لو قلنا بالاحتمال الأول وأن النفس جعلت الموضوع والمحمول واحداً وألبستهما ثوب الوحدة فحينئذ مستحيل أن تنعقد جملة تامة لأن الجملة التامة إنما تنعقد بطرفين لا بطرف واحد.

هذا تمام الكلام في الجواب النقضي، ونقضنا على الميرزا النائيني بنقضين:

النقض الأول في المركبات الاعتبارية فالنفس تلحظ التعدد فيها قبل إلباسها ثوب الوحد.

والنقض الثاني القضايا الحملية والتصديقية فإن النفس تلحظ الموضوع بشكل مستقل عن معنى المحمول ثم تثبت الجملة التامة.

الجواب الحلي على الميرزا

ثانياً الجواب الحلي، وهذا يرجع إلى بحث فلسفي قد يخرجنا عن علم الأصول لذلك نقتصر على بيانه بشكل مجمل، وهو إننا لا نسلم أن النفس بسيطة بذلك المعنى الذي يطبق عليه قانون إن الواحد لا يصدر إلا من الواحد والواحد لا يصدر منه إلا واحد هاتان قضيتان فلسفيتان ندرسها في الفلسفة القديمة التي تدرس الوجود.

إن الوجود عندنا أصيل دليل من خالفنا عليل كما يقول صاحب المنظومة هذه الفلسفة المشائية أو الفلسفة الصدرائية قائمة وتتكئ على أصالة الوجود.

وهناك يبحث أن الوجود واحد مشككٌ وأن الواحد لا يصدر إلا من واحد هذه قضية، والقضية الثانية والواحد لا يصدر منه إلا واحد.

بل ربما نلتزم بأن النفس لها حيثيات متعددة وبلحاظ هذه الحيثيات المتعددة يمكن أن تصدر منها لحظات متعددة حتى مع غض النظر عن القوى والآلات والأدوات والحواس فإذا التزمنا بأن النفس معقدة وفيها حيثيات متعددة لا أنها بسيطة فحينئذ يمكن أن نلتزم بأن النفس يمكن أن تدرك عدة أشياء في وقت واحد، وهذا بحث فلسفي مرجعه إلى البحوث الفلسفية.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول واتضح أنه ليس بتام نحن نركز على الناحية البرهانية ثم سنرجع إلى الوجدان الذي لا يحتاج إلى برهان.

الوجه الثاني ما ذكره المحقق الأصفهاني يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo