< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاشتراك اللفظي

 

عدة جهات في الإشتراك اللفظي

الاشتراك والبحث في الاشتراك اللفظي يقع في عدة جهات:

الجهة الأولى

دعوة ضرورة الاشتراك، فالألفاظ المشتركات موجودة في اللغة العربية فلفظ العين مثلاً يستعمل في معنى الأسد ويستعمل في العين الجارية ويستعمل في العين الباصرة ويستعمل في الإطلاق على الجاسوس ويستعمل في الإطلاق على الركبة حتى قال بعضهم لعله لها سبعين معنى.

تعريف الإشتراك و الترادف

فالاشتراك أن يكون اللفظ واحداً والمعنى متعدداً في مقابل الترادف أن يكون معنى واحدة والأسماء متعددة كالأسد ملك الغابة فإن معناه واحد لكن يطلق عليه أسد ويطلق عليه سميدع ويطلق عليه ليث ويطلق عليه أسامة فيقال هذه الألفاظ مترادفة.

فالترادف عبارة عن تكثر الألفاظ ووحدة المعنى والاشتراك عبارة عن وحدة اللفظ وتعدد المعنى، والبحث في الجهة الأولى عن ضرورة والاشتراك في اللغة، فما هو الدليل على وجوب ولزوم وقوع الترادف في اللغة؟

الدليل على وقوع الترادف

برهان ذلك:

إن المعاني التي يتصورها الذهن غير متناهية بينما الألفاظ الموضوعة لأداء تلك المعاني متناهية فيضطر الإنسان الاجتماعي لاستخدام لفظ واحد في عدة معاني وأكثر من معنى لأنه لا يستطيع أن يستوعب المعاني اللامتناهية بألفاظٍ متناهية.

ففي مقام التعبير عن المعاني المتناهية يضطر الإنسان الاجتماعي إلى استخدام الألفاظ المتناهية في أكثر من معنى، وهذا معنى ضرورة وقوع الاشتراك في اللغة.

الجواب عن الدليل بعدة وجوه

وأجيب على هذه الدعوة بعدة وجوه:

 

الجواب عن الدليل-الوجه الأول ما ذكره الآخوند الخراساني صاحب الكفاية[1] من أن المعاني إذا كانت غير متناهية وأريد الوضع لكل معنى منها فالأمر صحيح من لابدية الاشتراك لاستيعاب تلك المعاني، ولكن هذا أمر غير معقول في نفسه لأن الأوضاع إذا كانت بعدد المعاني فيلزم صدور أوضاع غير متناهية من الإنسان الاجتماعي.

والحال أن الإنسان متناهي وليس لا متناهي ولا يصدر من المتناهي إلا متناهي وبما أن الإنسان متناهي فحينئذ يستحيل صدور أوضاع غير متناهية من هذا الإنسان المتناهي. نعم، يصدر من الإنسان المتناهي أوضاع متناهية موازية لمعانٍ متناهية.

وبالتالي لا ضرورة إلى الاشتراك ولا يجب الاشتراك لأن المعاني المشمولة للوضع ليست المعاني اللامتناهية بل المعاني المتناهية وفي مقابل المعاني المتناهية ألفاظ متناهية بقدرها فلا حاجة إلى الاشتراك فضلاً عن دعوى ضرورة الاشتراك.

الإشكال على هذا الوجه

الإشتراك يحصل بأحد الكيفيتين

لكن هذا الوجه قابلٌ للمناقشة لأن الاشتراك قد يحصل بأحد كيفيتين:

الأولى الوضع التفصيلي بأن يضع الواضع لفظاً معيناً لمعانٍ متعددة، ويضع ألفاظ متعددة بشكل مفصلٍ وتفصيلي لمعانٍ متعددة وهذا هو الذي يتبادر إلى الذهن من وضع الاشتراك.

الثانية الوضع بوضع واحد بنحو الوضع والموضوع له الخاص.

فلو افترضنا جدلاً أن المعاني اللا متناهية عددها عشرة والألفاظ خمسة ونريد أن نستوعب المعاني العشرة اللا متناهية بالألفاظ الخمسة المتناهية فلا ضرورة لإصدار عشرة أوضاع وعشرة ألفاظ لتلك المعاني العشرة الغير متناهية هذا يتم بالكيفية الأولى وهي الوضع التفصيلي.

ولكن يمكن الالتزام بالكيفية الثانية بأن يضع الوضع خمسة ألفاظ فقط ولكن هذه الألفاظ الخمسة تستوعب المعاني العشرة ويحصل الاشتراك، وذلك عن طريق استخدام طريقة الوضع العام والموضوع له خاص.

فمثلاً هذه المعاني العشرة نجد أن خمسة منها يمكن أن نجعل لها جامعاً معيناً يعمها ونضع لفظاً يدل على تلك المعاني الخمسة فيكون الوضع واحداً بلفظ واحد لكنه يدل على المعنى الجامع للمعاني الخمسة الموجودة ضمن العشرة التي افترضنا أنها غير متناهية.

فإذا أخذنا خمسة من المعاني وانتزعنا منها جامعاً ووضعنا اللفظ لأفراد هذا الجامع فحينئذ يصبح لهذا اللفظ خمسة معاني بعملية وضع واحدة وأصبح هذا اللفظ مشتركاً بين المعاني الخمسة فلم يلزم صدور عشرة أوضاع لعشرة معاني بل صار الوضع أقل قد نلتزم بوضعين لعشرة معاني كل خمسة لها وضع واحد.

وهذا نقوله مهما كبر عدد العشرة إلى أن يصل إلى غير المتناهي حقيقة فبالإمكان أخذ كميات كبيرة من المعاني غير المتناهية وننتزع منها جامعة ونضع اللفظ بإزاء ومقابل هذه الأفراد على وجه الإجمال بنحو الوضع العام والموضوع له خاص.

الوضع العام يعني وضع اللفظ للجامع، الموضوع له خاص هذه الأفراد المتعددة.

وبالتالي لا يلزم أن يصدر من الإنسان المتناهي أوضاع غير متناهية المعاني اللا متناهية بل يكفي في المقام صدور أوضاع متناهية على طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص لمعاني غير متناهية فلا يتم الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية ـ رضوان الله عليه ـ .

الجواب عن الدليل-الوجه الثاني للمحقق الخراساني صاحب الكفاية[2] .

وحاصله: أنه لو فرض أن الأوضاع اللا متناهية يعقل صدورها بأن لو كان الواضع هو الله تبارك وتعالى وهو قادر على وضع ألفاظ متناهية لمعانٍ غير متناهية لأن الواضع هو الله القادر على كل شيء لكن المستعمل هو الإنسان وليس هو الله.

فالإنسان إشباعاً لحاجته الإنسانية يستعمل هذه الألفاظ في معانيها، ومن الواضح أن الإنسان متناهي، ويستحيل أن تكون للإنسان حاجات استعمالية غير متناهية وإلا لزم صدور غير المتناهي وهي الاستعمالات من المتناهي وهو الإنسان وهذا محالٌ.

خلاصة الوجه: إن الواضع هو الله وهو غير متناهي فيمكن أن يضع ألفاظ غير متناهية لمعانٍ غير متناهية لكن مستعمل هذه الألفاظ في معانيها هو الإنسان وهو متناهي ويستحيل أن يستعمل الإنسان المتناهي ألفاظ غير متناهية في معانٍ غير متناهية لأنه لا يعقل صدور غير متناهي من المتناهي.

لكن هذا الوجه أيضاً قابلٌ للمناقشة فهو:

الحاجة الاستعمالية على نحوين:

النحو الأول الحاجة الاستعمارية بوجودها الفعلي.

ومن الواضح أن الحاجة الاستعمارية الفعلية للإنسان متناهية لأن الإنسان متناهٍ وحاجته فعلاً لاستعمال اللفظ فعلاً في هذه المعاني فعلاً هذه حاجة متناهية وليست غير متناهية هذه الكيفية الأولى.

النحو الثاني الحاجة الاستعمالية بوجودها التبادلي لا بوجودها الفعلي كما في النحو الأول ففرقٌ بين المعاني التي قد احتاج إليها الإنسان فعلاً وبين ما يمكن أن يحتاج إليها الإنسان ولو بدلاً.

فمثلاً لو فرض أن المعاني الغير متناهية هي عشرة فنقول: لا يمكن أن يحتاج الإنسان إلى عشرة معاني لأننا قد افترضنا جدلاً وفرضاً أن المعاني العشرة لا متناهية فكيف يحتاج الإنسان المتناهي فعلا إلى عشرة معاني غير متناهية؟ هذا بلحاظ حاجة الإنسان الاستعمالية الفعلية.

ولكن بلحاظ إمكان احتياج الإنسان إلى هذه المعاني في المستقبل ولو بنحو البدل فهذا الإمكان متحققٌ وتوجد حاجة استعمالية للإنسان بنحو البدل ويمكن أن تكون هذه المعاني غير متناهية.

الفرق بين الحاجة الفعلية و التبادلية

إذاً فرقٌ كبيرٌ بين الحاجة الاستعمارية الفعلية التي هي متناهية وبين الحاجة الاستعمارية التبادلية يعني إمكان الاحتياج إلى معنى ولو باستعمال بدله هذا الإمكان للمعاني التبادلية غير متناهية يمكن أن يحتاج عشرة أو أكثر من عشرة.

إذاً نقول لا يمكن أن يحتاج الإنسان فعلاً إلى عشرة معاني في حاجاته الاستعمالية الفعلية لأن رقم عشرة غير متناهي بحسب الفرض، وإنما أقصى ما يمكن أن يحتاج إليه خمسة مثلاً لكن هذه الخمسة البدلية يمكن أن يحتاج إلى هذه الخمسة من العشرة ويمكن أن يحتاج إلى تلك الخمسة الأخرى من العشرة.

ملاك الوضع

وبالتالي ما هو ملاك الوضع؟ هل ملاكه الحاجة الاستعمالية الفعلية أو ملاكه إمكان الاحتياج ولو بدلاً فإن كان ملاك الوضع الحاجة الفعلية للاستعمال تم كلام صاحب الكفاية الإنسان متناهي وحاجته الفعلية متناهية فلا يمكن أن يستخدم المتناهي على غير المتناهي.

وأما لو كان ملاك الوضع هو إمكان الاحتياج ولو بدلاً وليس الحاجة الاستعمالية الفعلية فحينئذ يعقل أن تكون الحاجة الاستعمالية متناهية.

فما أفاده صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ من أن دائرة الحاجات الاستعمالية متناهية غير تاماً لأن البرهان إنما يثبت أن دائرة فعلية الحاجة متناهية، وأما دائرة إمكان الحاجة على سبيل البدل فهي أوسع من دائرة الحاجة الفعلية فلعلها تكون غير متناهية.

نعم، لو أبدل صاحب الكفاية برهان استحالة صدور غير المتناهي من المتناهي بدعوى الوجدان وأننا بالوجدان نشهد خارجاً على أن دائرة إمكان حاجة الإنسان إلى الألفاظ والمعاني ولو بدلاً غير متناهية، الإنسان ما يحتاج يستخدم كل الألفاظ ولا يحتاج يستخدم كل المعاني وهذا شيء وجداني أنت الآن في اللغة العربية تستخدم كل الألفاظ العربية وتستخدم كل المعاني في الدنيا، نحن نقطع بالوجدان ولا حاجة إلى برهان من أن حاجة الإنسان استعمالية إلى بضع ألفاظ لبضع معان تمشي حاجته.

فإذا ركنا إلى الوجدان فإن الإنسان المتناهي يستخدم ألفاظ متناهية في معاني متناهية.

لكن صاحب الكفاية لم يلجأ إلى الوجدان بل لجأ إلى البرهان وقال: يستحيل صدور غير المتناهي من الإنسان المتناهي، فلزم الجواب على ما أفادة بمسألة برهانية.

هذا تمام الكلام في الوجه الثاني إن شاء الله تراجعون الوجه الثالث والرابع من تقريرات الشهيد السيد محمد باقر الصدر خصوصاً تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول الجزء الثالث من المجلد الأول من صفحة واحد وتسعين إلى ثلاثة وتسعين. [3]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo