< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جلسة101.المقدمة-الصحيح والأعم- الجهة السابعة والأخيرة هل أسماء المعاملات موضوعة للأسباب أو المسببات؟

 

المعاملات موضوعة لمعنى المعاملة عرفا

سيتضح إن شاء الله تعالى من نتيجة البحث في هذه الجهة أن أسماء المعاملات ليست موضوعة للأسباب كما أنها ليست موضوعة للمسببات، وإن حيثية السبب والمسبب إنما هي حيثيات عقليات ينتزعها العقلاء عند التحقيق في المعاملة، وأن أسماء المعاملات موضوعة لمعنى المعاملة عرفاً.

مثال:

فمثلاً البيع موضوعٌ لمبادلة عين بمال من دون النظر إلى السبب والمسبب، ثم يأتي العقل وينتزع حيثية السبب أو حيثية المسبب، ولنشرع في بيان هذه الجهة بشكلٍ مفصل.

ما هو الحاجة لبيان الجهة السابعة

تقدم فيما سبق أن النزاع بين الصحيحي والأعمي في المعاملات إنما يتأتى بناءً على أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب دون المسببات، ولو التزمنا بأن أسماء المعاملات موضوعة للمسببات فلا معنى لهذا النزاع وينغلق بحث الصحيح والأعم في المعاملات بناءً على أنها موضوعة للمسببات.

فالجهة السابعة معقودة لبيان هذا المطلب هل أسماء المعاملات موضوعة للأسباب لكي ينفتح باب النزاع بين الصحيحي والأعمي أو أن أسماء المعاملات موضوعة للمسببات لكي ينغلق باب النزاع بين الصحيحي والأعمي؟

 

تحقيق المسألة في بيان مقامين:

المقام الأول معرفة المراد بالسبب والمسبب، ومن هنا نبحث نقطتين:

النقطة الأولى معنى السبب.

النقطة الثانية معنى المسبب .

 

معنى السبب

وسيأتي إن شاء الله تعالى أن السبب مكون من ثلاثة عناصر وبمجموعها تسمى السبب، وهي كما يلي:

العنصر الأول الإنشاء.

العنصر الثاني الاعتبار.

العنصر الثالث جدية الاعتبار.

ولنشرع في بيان هذه العناصر الثلاثة تباعاً.

 

العنصر الأول الإنشاء والمقصود به ما ينشئ المعاملة سواء كان لفظاً كالإيجاب والقبول اللفظي أو ما يقوم مقامه كالفعل في المعاطاة أو الإشارة.

العنصر الثاني الاعتبار والمراد به المدلول التصديقي للإنشاء القائم في نفس المنشئ، فمثلاً لفظ بيعت جملة إنشائية ولها مدلول تصديقي قصدي قائمٌ في نفس البائع وهو اعتبار تمليك المال بعوض.

العنصر الثالث جدية الاعتبار فبمجرد الإنشاء بلفظ بعت والاعتبار أي أن تكون نفس البائع تقصد تمليك الكتاب بدرهم هذا لا يحقق معاوضة البيع بل لا بدّ من العنصر الثالث وهو جدية الاعتبار، والمراد به قصد التسبب بهذا الاعتبار إلى المسبب.

معنى المسبب

ومن الواضح أن المسبب أمر آخر هذه الأمور الثلاثة المكونة للسبب، فالسبب يتكون بمجموع ثلاثة وهي: الإنشاء والاعتبار وجدية الاعتبار، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة تحقق السبب فيتحقق المسبب، وهو نتيجة السبب.

ولنوضح المسبب الذي هو نتيجة السبب فيقع الكلام في النقطة الثانية وهي بيان المراد بالمسبب ولنضرب مثالاً لتوضيح الفكرة.

فالبائع إذا باع الكتاب بدينارٍ يكون قد اعتبر في نفسه أنه يملك المشتري الكتاب في مقابل أن يملكه المشتري ديناره، فالبائع يعتبر الكتاب ملكاً للمشتري والمشتري يعتبر الدينار ملكاً للبائع.

الاحتمالان في غرض البائع والمشتري

إذا هذا الاعتبار لابد أن يكون له غرض وإلا لكان لغواً، فما هو الغرض المبرر لهذا الاعتبار؟ لماذا اعتبر البائع الكتاب ملكاً للمشتري واعتبر المشتري الدينار ملكاً للبائع، فما هو غرضهما؟

يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يكون الغرض الداعي لهما هو التوصل إلى السيطرة التكوينية بحيث يكون الكتاب تحت سيطرة وسلطنة المشتري تكويناً، ويكون الدينار تحت سيطرة وسلطنة البائع تكويناً، فغرض اعتبار كل منهما هو التوصل إلى السيطرة والسلطنة التكوينية.

لكن هذا الاحتمال ليس بتام فالسيطرة التكوينية رهن إرادتهما ولا دخل للاعتبار فيها فإذا أراد المشتري أن يتسلط على الكتاب وأراد بائع أن يتسلط على الدرهم فهذا خاضعٌ لإرادته تكويناً ولا يحتاج إلى اعتبار فالسيطرة التكوينية ليست فرعاً للاعتبار فإذا سيطر البائع على الدينار تكويناً وعملياً تسلط عليه سواء اعتبره المشتري مالكاً للكتاب أو لم يعتبره فالسيطرة التكوينية ليست فرعاً للاعتبار فضلاً عن الإنشاء فلا يعقل أن يكون الغرض الداعي للبائع والمشتري من الاعتبار هو التوصل إلى السيطرة التكوينية فالسيطرة التكوينية لا ربط لها بالاعتبار.

الاحتمال الثاني أن يكون الغرض من الاعتبار هو التوصل إلى إلزامات قانونية وهذه الإلزامات القانونية هي فوقية وملزمة للطرف المقابل، فكلٌ من البائع والمشتري يستهدف بهذا الاعتبار التوصل إلى إلزامات أعلائية فوقانية ضماناً لسلامة النتيجة.

فالبائع يريد أن يلزم المشتري بدفع الدينار والمشتري يريد أن يلزم البائع بدفع الكتاب حتى لا يعدل أحدهما ويفر من المعاملة، فعندئذ لو أراد أحدهما العدول والهروب والفرار فحينئذ يوجد قانون قاهر إلزامي بحيث لا يسمح له بالعدول والفرار عن المعاملة.

المسبب هو الإلزام

وهذا الإلزام الفوقاني نسميه المسبب، وهذا المسبب والنتيجة هو عبارة عن جعل جاعل واعتبار معتبر وسنة مسنن، فهذا الجاعل إما أن يكون الشارع الإلهي أو الشارع العقلائي، وقد يكون المشرع هو نفس البائع والمشتري بحيثية عقلائيتهما لا بحيثية تعاملهما.

إذا لابد من الالتزام بهذا العنصر الثالث في السبب وهو قصد التسبيب إلى المسبب.

 

خلاصة الدرس إلى هنا

إلى هنا أخذنا أن المراد بالسبب ما تألف من ثلاثة عناصر:

الإنشاء أولاً، والاعتبار ثانياً، وجدية الاعتبار ثالثاً، والمراد بجدية الاعتبار قصد التسبب بالسبب إلى إيجاد المسبب فيقع الكلام في المسبب يوجد فيه احتمالان:

الاحتمال الأول السيطرة التكوينية، وهذا ليس بتام لأن السيطرة التكوينية ليست فرع علم اعتبار وجديته.

الاحتمال الثاني الإلزام القانوني والقهر المعاملاتي وهذا هو المسبب، فلو لم يحصل العنصر الثالث في السبب وهو قصد إيجاد المسبب والتوصل إليه لما حصل المسبب وهو الإلزام القانوني إذ أنه بانتفاء العنصر الثالث تصبح المعاملة هزلية غير جدية في نظر العقلاء ولا يترتب عليها أي أثر.

إذا جدية المعاملة ليست بالاعتبار فقط بل بجدية الاعتبار ولا يكون الاعتبار جدياً إلا إذا قصد المتعامل التسبب إلى الإلزامات الفوقانية، وبهذا يكون السبب مكوناً من ثلاثة عناصر: الإنشاء والاعتبار وجدية الاعتبار.

ويكون المسبب بحسب الحقيقة هو عبارة عن ذلك المتسبب به وهو الإلزامات الفوقية والقهر القانون بمعنى أن المسبب هو الجعل القانوني على طبق ما أراده المتعاملان وتسببا إليه سواء كان هذا الجعل من قبل الشارع أو كان الجعل من قبل الشارع العقلائي.

إلى هنا تم الكلام في المقام الأول وفيه نقطتان:

الأولى ما هو السبب؟ وقلنا مكون من ثلاثة أمور.

الثانية ما هو المسبب؟ وقلنا أنه عبارة عن الإلزام القانوني الفوقاني.

المقام الثاني هل أسماء المعاملات موضوعة للأسباب أو المسببات؟ وهذا هو موطن بحثنا المقام الأول مقدمة تمهيدية لموطن بحثنا الذي هو المقام الثاني.

وقد اتضح أنه لا يوجد تقابل بين السبب والمسبب بل إن كلا منهما فردٌ لمفهوم واحد ومحل فارد وهو التمليك بعوض في معاملة البيع أو تمليك المنفعة بعوض في معاملة الإجارة، فهناك مفهوم واحد في معاملة البيع وهي تمليك عين كالبيت بعوض مالي وهكذا في الإجارة هناك مفهوم واحد تمليك منفعة الدار في مقابل عوض مالي فمفهوم البيع ومفهوم الإجارة وسائر المعاملات مفهوم واحد، ولكن قد يختلف اللحاظ.

ومن هنا نقول: إن التمليك بعوض يعني تمليك العين بعوض في البيع له فردان وتمليك المنفعة بعوض في الإجارة له فردان وإن كان المفهوم واحد وهذان الفردان أحدهما في أفق السبب في أفق الشخص المتعامل، والثاني في أفق المسبب وفي أفق الشارع.

فهذان فردان لمفهوم واحد أحدهما موجود مباشري للمكلف، والثاني موجود تسبيبي للمكلف، فالمكلف البائع والمشتري المؤجر والمستأجر له فعلان فعل مباشري هذا ما هو الفعل المباشري؟ ناظر إلى السبب، وفعل تسبيبي يسبب النتيجة يسبب الإلزام بالبيع يسبب الإلزام بالإجارة.

إذا المتعامل قام بمعاملة واحدة لكن في هذه المعاملة عندهم فعل مباشر وهو القيام بالسبب إنشاء البيع أو الإجارة وعندهم فعل تسبيبي سببا وأوجدا نتيجة البيع وهي تمليك العين بمال، وسبب نتيجة الإيجار تمليك منفعة السكنى في مقابل مال.

ماهو معنى أسماء المعاملات؟

فبالإمكان أن يقال إن أسماء المعاملات ليست موضوعة للسبب ولا موضوع للمسبب بل موضوعة لذلك المفهوم المجرد من خصوصية السبب والمسبب المعاملات كالبيع والإجار والرهن والمضاربة أسماء موضوعة لمفاهيم عرفية مجردة عن الفعل المباشري الذي هو في مرتبة السبب، ومجردة عن الفعل التسبيبي الذي هو في مرتبة المسبب.

وهذا واضح بالوجدان ولا يحتاج إلى برهان إذ أنه لا عناية في إطلاق لفظ البيع على السبب والمسبب معاً، فتطلق على السبب أنه بيع وتطلق على المسبب أنه بيع، تطلق على إنشاء البيع من إيجاب وقبول أنه بيع، وتطلق على نتيجته والتسلط على الكتاب والدينار أنه بيع، مما يعني أنهما سنخان لمفهوم واحد.

الترقي عن مفهوم جامع بين السبب و المسبب إلى مفهوم عرفي

إلى هنا ماذا وصلنا النتيجة؟ إلى هنا نتيجة الآن نترقى عنها.

إلى هنا توصلنا إلى أن أسماء معاملات موضوعة لمفهوم جامع يجمع بين السبب والمسبب فأسماء المعاملات ليست موضوعة لخصوص السبب حتى ينفتح باب النزاع بين الصحيح وليست موضوعة لخصوص المسبب حتى ينغلق باب النزاع بين الصحيحي والأعمي بل أسماء المعاملات موضوعة لمفهوم هذا المفهوم جامع يجمع بين السبب والمسبب.

بل يمكن أن يترقى ويقال إنه بحسب النظر العرفي والواقعي فإنه وإن كان السبب موجوداً في أفق المتعامل والمسبب موجود في أفق الشارع فهما وجودان متغايران.

لكن هذه دقة عقلية زائدة وبحسب النظر العرفي لا يوجد معنى جامع يجمع بين السبب والمسبب بل يوجد معنى واحد عرفي وبالتدقيق العقلي نأخذ حيثية السبب بلحاظ المسبب وهو المتعامل، ونأخذ حيثية المسبب بلحاظ حيثية أخرى وهي الشارع سواء كان إلهياً أو عقلائياً.

لكن بالنظر العرفي الأداتي يلحظ أن السبب بما هو أداة لإيجاد المسبب أن هذا السبب فاني في المسبب فالسبب بما هو إيجاد للمسبب يكون شيئا واحداً إذ أن إيجاد الشيء لا يزيد على ذلك الشيء بل إيجاد الشيء هو عين وجوده لا أنه توجد اثنينية بين إيجاد الشيء وبين وجود الشيء.

الحقّ والإنصاف هذا معنى عرفي.

الآن شخص ذهب إلى مكتب الرهن العقاري يريد يجري معاملة، قال: بعتك الفلا بمليون دينار، قال: قبلت، قال: مدّ يدك صفقا افترقا وجب البيع، لا يرى العرف أنه الإيجاب وصفق اليدين سبب وملكية الفيلا للمشتري وملكية المليون دينار للبائع مسبب.

بل العرف لا يرى عندنا إيجاد وهو الصفق والإيجاب والقبول و موجود وهو الفيلا والمليون دينار لا يرى ذلك، إيجاد هو عين الوجود عين وجود هذه النتيجة.

وهذه النتيجة التي توصل إليها الشهيد الصدر في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول الجزء الثالث صفحة ثمانية وثمانين،[1] وذكرها أيضاً السيد كاظم الحائري في مباحث الأصول الجزء الأول صفحة ثلاثمائة وواحد وثمانين هي ما توصل إليها سيد أساتذتنا المحقق المدقق السيد أبو القاسم الخوئي في محاضرات في علم أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض الجزء ثلاثة وأربعين من موسوعة الإمام الخوئي صفحة مئتين وعشرين. [2]

الحق والإنصاف هذا استظهار عرفي أسماء المعاملات موضوعة لمفهوم واحد يتوافق عليه العرف وهي أن المعاملة التي يصير فيها مبادلة عين بمال هي بيع والمعاملة فيها مبادلة منفعة بمال هي إيجار.

وأما لحاظ السبب أو لحاظ المسبب هذه تدقيقات عقلية هذه حيثيات يلحظها الذهن بتشقيقاته العقلية والشارع يخاطب العرف ولا يخاطب الدقة العقلية.

هذا تمام الكلام في الجهة السابعة واتضح أن أسماء المعاملات ليست موضوعة لا للأسباب ولا للمسببات فلا نزاع.

هذا تمام الكلام في الصحيح والأعم.

يأتي بحث جديد الاشتراك يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo