< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

20 ربيع الثاني 1445

 

الموضوع: جلسة 100.المقدمة-الصحيح و الأعم-الجهة السادسة تحقيق المسألة بناءً على وضع ألفاظ المعاملات للأسباب دون المسببات

 

تقدم الكلام وقلنا أسماء المعاملات إذا كانت موضوعة للمسبب فحينئذ ينغلق البحث في الصحيحي والأعمي وأما إذا كانت المعاملات موضوعة للسبب فينفتح البحث.

وضع اسماء المعاملات

هل أن أسماء المعاملات موضوعة لخصوص الصحيح أو الأعم؟ وهذا ما سنبحثه في الجهة السادسة وسيتضح أننا لو التزمنا بأن أسماء المعاملات موضوعة للأسباب فإن الصحيح أنها موضوعة للأعم دون خصوص الصحيح.

المفروض انها وضعت للأسباب

إذاً نحن في الجهة السادسة نفترض أصلاً موضوعي وهو أن أسماء المعاملات موضوعة للأسباب دون المسبب إذ لو بنيناه على أن أسماء المعاملات موضوعة للمسببات فحينئذ سينغلق البحث، فلكي نفتح البحث نفترض أصلاً موضوعاً وهو أن أسماء المعاملات قد وضعت للأسباب دون المسببات، فيقع الكلام والبحث في أن الصحيح هو ما ذهب إليه الصحيحي أو ما ذهب إليه الأعمي.

وبعبارة أخرى: هل الصحة مأخوذة في العبادات أو المعاملات أو ليست مأخوذة، فبحثناً فعلاً في المعاملات فهل أخذت الصحة في المعاملات أو لا؟ فإذا لم يثبت أن الصحة قد أخذت في المعاملات فحينئذ نحمل أسماء المعاملات على الأعم من الصحيح والفاسد.

الكلام في المقامين

ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول الصحة الشرعية.

المقام الثاني الصحة العقلائية.

فهل أخذت الصحة الشرعية أو العقلائية في أسماء المعاملات أو لا؟

الصحة الشرعية

ولنشرع في المقام الأول الصحة الشرعية ولا شك ولا ريب أن الصحة الشرعية لم تؤخذ في المعنى الموضوع له أسماء المعاملات لأن ظاهر حال الشارع بما هو فرد من مجتمع له لغته وأعرافه وقوانينه وأحكامه أنه يمضي هذه اللغة من جهة وهذه الأعراف والقوانين من جهة أخرى.

الأمران في ظاهر الحال

إذاً يوجد أمران في ظاهر حال الشرع:

الأمر الأول أن الشارع المقدس قد أمضى لغة المجتمع الذي يعيشه، ولو كانت له لغة خاصة لنصّ عليها.

الأمر الثاني ظاهر حال الشارع أنه أمضى أعراف وقوانين وأحكام المجتمع الذي يعيشه ولو كان له حكم خاص لردع عن أحكام ذلك المجتمع وأسس عرفاً وقانوناً جديداً.

ومن الواضح أن الشارع عند مجيئه كانت هناك لغة عند العرب تستعمل مفردات مثل البيع الرهن الإجارة وغير ذلك في معانيها هذا من جهة.

ومن جهة أخرى هناك أحكام تترتب على البيع والإيجار والرهن في تلك البيئة العربية فتارة يكون البيع صحيحاً وتارة يكون فاسداً بحسب عرف ذلك الزمان.

الشارع امضى الجنبتين

فهذه المعاملات تتألف من أجزاء وشرائط أقرها ذلك المجتمع الذي يكون الشارع المقدس فرداً منه، وظاهر حال الشارع أنه أمضى كلتا الجنبتين:

الجنبة الأولى جنبة اللغة.

الجنبة الثانية جنبة الحكم.

ففي اللغة أمضى تسمية أسماء المعاملات على طبق التسمية اللغوية فيستعمل لفظ البيع في نفس المعنى الذي كان يستعمل فيه العرب لفظة البيع، ويمضي ما يراه العرف حلالاً أو حراماً.

وبحسب الجنب الثانية فظاهر حال الشارع أنه أمضى أعراف وقوانين وأحكام ذلك المجتمع بقرينة عدم الردع، ولو لم يكن يمضيها لردع عنها.

مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿أحل الله البيع وحرم الربا﴾[1] فقد كان البيع متداولاً في الجاهلية وأمضاه الشارع المقدس بقوله: ﴿أحل الله البيع﴾ كما كان الربا متداولاً في ذلك الزمان لكنه حرمه قائلاً: ﴿وحرم الربا﴾ ففي قوله تبارك وتعالى: ﴿حرم الربا﴾ توجد جنبتان:

الجنبة الأولى مضي الشارع على تسمية الربا في المعنى الذي كان يستعمله أرباب الجاهلية، وقد أمضى هذه التسمية ولم يضع لفظة الربا لمعنى آخر غير معنى مجتمع الجاهلية آنذاك.

الجنبة الثانية لكن في الجنبة الثانية وهي حكم الربا الذي كان حلالاً في عرف الجاهلية لم يمضه الشارع المقدس وردع عنه ولم يردع عنه لاستكشفنا حلية ذلك.

وهكذا فإن الشارع قد أمضى البيع لكنه نهى عن البيع الضرري أو البيع عن إكراهٍ، وبالتالي نتمسك بظهور استخدام الشارع للبيع في نفس معنى البيع لكننا نرفع اليد عن حكم البيع في البيع الذي نهى عنه كالبيع الضرري أو البيع عن إكراهٍ.

إذاً نتمسك بالظهور الأول ظهور استعمال الشارع لألفاظ المجتمع الذي عاش فيه، ونرفع اليد في الحيثية الثانية عن أحكام وقوانين بعض المعاملات التي ردع الشارع عنها.

إذاً ظهور الشارع في إمضاء اللغة والتسمية كلفظ البيع والربا لا يعني إمضاء الشارع لحكمها بل لابد من ملاحظة كلمات الشارع وأنها هل تردع عن التسمية أو تردع عن حكم التسمية؟

فقوله تعالى: ﴿أحل الله البيع وحرم الربا﴾ قد أمضى تسمية البيع والربا معاً لكنه أمضى حكم البيع وردع عن حكم الربا، وهذا الظهور يكون دليلاً على أن الشارع لم يتصرف تصرفاً لغوياً جديداً في هذه الألفاظ ولم يؤسس هذه الألفاظ فدور الشارع في المعامل ليس دور التأسيس لألفاظ ومفردات المعاملات بل دور الشارع في المعاملات هو دور الإمضاء لما كان عليه العرف القائم آنذاك ولما عليه العقلاء في اللغة.

فإذا أمضى جرينا على ما جرى عليه العقلاء، وإذا ردع لم يثبت ما جرى عليه العقلاء، إذاً لم تثبت الصحة الشرعية فالشارع المقدس لم يأخذ الصحة الشرعية كقيد في مسمى المعاملات فعنوان ومسمى المعاملات ليس مأخوذاً فيه الصحة الشرعية، وبالتالي أسماء وعناوين ومسميات المعاملات هي موضوعة للأعم من الصحة الشرعية والفاسد الشرعي.

هذا تمام الكلام في المقام الأول واتضح أن أسماء المعاملات موضوعة للأعم من الصحيح شرعاً والفاسد شرعاً ولم تؤخذ الصحة الشرعية في مسمى المعاملات أبداً.

الصحة العقلائية

المقام الثاني الصحة العقلائية فكما أن الصحة الشرعية لم تؤخذ في مسمى المعاملة فكذلك الصحة العقلائية لم تؤخذ في مسمى المعاملات فلفظ البيع بناءً على وضعه للسبب هو موضوع لطبيعي الإنشاء الجامع بين الحصة الصحيحة عقلائياً والحصة الفاسدة وغير الصحيحة عقلائياً.

الوجهان لخصوص الصحيح عقلائيا

وتقريب هذه الدعوة هو أن وضع اللفظ لخصوص الصحيح عقلائياً له أحد وجهين كل منهما ليس بتام، فما هو الوجه في أخذ الصحة العقلائية في أسماء المعاملات؟

وجهان:

الوجه الأول أن يكون اللفظ موضوعاً لواقع الصحيح أي لواقع تلك الأجزاء والشرائع بأسمائها وخصوصياتها من دون أخذ قيد الصحة كقيد في المسمى.

فمثلاً لفظ البيع موضوع لواقع مبادلة المال بعوضٍ إذا توفر الإيجاب والقبول وتتابعهما والاختيار فقيد الصحة وشرط الصحة لم يؤخذ كقيد في مسمى البيع بل وضع لفظ البيع لواقع الأجزاء المقومة لمصطلح البيع، هذا الوجه الأول.

الوجه الثاني أن لفظ المعاملة قد أخذ فيه الصحة العقلائية فالصحة العقلاء قد أخذت كقيدٍ في اسم المعاملة لا واقع المعاملة فلفظ البيع قيد بقيد وهو كونه صحيحاً عند العقلاء وبدون توفر الصحة العقلائية لا يصدق مسمى البيع أو الرهن أو الإيجار.

الإشكال في الوجهين

وكلا هذين الوجهين لا يخلو عن إشكالٍ.

أما الوجه الأول وهو أن يكون لفظ المعاملة موضوعاً لواقع المعاملة الصحيحة ولم يؤخذ كقيد في مسمى المعاملة الصحيحة فيلزم منه أن يتغير الوضع بتغير الأحكام العقلائية بحيث تتغير اللغة في أسماء المعاملات تبعاً لتغير هذه الأحكام لأن العقلاء تتغير أحكامهم فيما يعتبرونه جزءً أو شرطاً في صحة المعاملة.

فمثلاً لو كان لفظ البيع موضوعاً عند العقلاء لواقع البيع المؤلف من أجزاء أربعة ثم تغير إلى أجزاء خمسة كما لو زاد جزءً أو تغير إلى أجزاء ثلاثة فيما لو نقص جزء فكل المعاملات من بيع أو رهن أو إجارة على امتداد عمود الزمان تتغير أجزاؤها وشرائطها بحسب أعراض ذلك المكان والزمان.

فإذا التزمنا أن لفظ المعاملة موضوع لواقع المعاملة الصحيحة وقد تغير واقع المعاملة الصحيحة فهذا يلزم منه تغير ألفاظ المعاملة بحسب تغير واقعها أي يلزم منه تعدد الوضع تبعاً لتغير حكم عقلاء لأن المحاكم العقلائية تتغير مع مرور الزمان وتشترط شروط أو وقد تلغيها وقد تزيد عليها فيلزم من ذلك أن يتغير الوضع تبعاً لتغير أحكام العقلاء.

ومن المعلوم وجداناً أن الوضع اللغوي ثابتٌ ومستقرٌ ولا يناسبه تغير وتبدل في عالم التشريع وعالم الصحة والبطلان فالوجه الأول ليس بتامةٍ وبعيدٌ غاية البعد إذا لم يثبت الوجه الأول أن أسماء المعاملات موضوعة لواقع المعاملة الصحيحة.

الوجه الثاني أن نلتزم أن الصحة العقلائية قد أخذت في مسمى المعاملة وعنوانها كقيدٍ أو شرط لا أن لفظ المعاملة قد وضع على واقع المعاملة الصحيحة.

هذا لا يرد عليه ما ورد على الوجه الأول من لزوم التغير لأن مفهوم الصحة مفهوم واحد ومحفوظ في جميع الحالات وإنما الاختلاف في المصاعد فمفهوم الصحة تارة ينطبق على أربعة أجزاء وتارة على ثلاثة وتارة على خمسة فلا يلزم بناء على الوجه الثاني لزوم تعدد الوضع وتغير اللغة تبعاً لتغير الأحكام العقلائية.

ولكن يلزم على الوجه الثاني لازم لا يمكن الالتزام به وهو أن يكون مفهوم الصحة مستفاداً من نفس لفظ البيع فإذا قلت بيعٌ رهنٌ إيجارٌ فهذا يعني بيع صحيح إيجار صحيح رهن صحيح فتستفاد الصحة العقلائية من نفس أسماء المعاملات لأن الصحة العقلائية قد أخذها العقلاء كقيد وشرط في مسمى وعنوان المعاملة.

وقد اتضح فيما تقدم أن مفهوم الصحة غير مفهوم حتى بناءً على الصحيحي فمن يلتزم أن ألفاظ العبادات أو المعاملات موضوعة للصحيح يلتزم أن معنى المعاملة شيء ومعنى الصحة شيء آخر فمعنى العبادة كالصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج شيء ومعنى الصحة شيء آخر.

وكذلك في المقام معنى المعاملة كالبيع والرهن والإيجار والمضاربة شيء ومعنى الصحة شيء آخر فالصحة لا تستفاد من لفظ الصلاة والصوم كما لا تستفاد من لفظ البيع والرهن ونحوها من ألفاظ العبادات والمعاملات.

ولا يتبادر معنى الصحة من هذه الألفاظ بالوجدان، وهذا لا يحتاج إلى برهان.

تريدون منبه وجداني؟ إذا اجتمعنا لزواج وواحد بعقدون له ما جابوا شيخ يعقد إليه قام هو بيعقد أو أبوه بيعقد الناس يقولون هذا الولد أو الأبو، يسون عقد صحيح لو باطل يعرفون لو ما يعرفون فيطلقون عقد النكاح على الأعم من الصحة والفاسد.

هذا منبه وجداني على أن قيد الصحة لم يؤخذ عقد النكاح، وأن عنوان ومسمى النكاح لم يؤخذ فيه الصحة فلو كان لفظ البيع أو المعاملة موضوعاً لمفهوم الصحيح عند العقلاء للزم الترادف بين لفظ المعاملة والصحة العقلائية، وهو خلاف الوجدان ولا يحتاج إلى برهان.

إذاً الوجه الثاني وهو أخذ الصحة العقلائية كقيدٍ وشرط في مسمى المعاملة ليس بصحيح.

إذا ثبت أن كلا الوجهين ليس بتام فالمعاملة لم يوضع اسمها لواقع المعاملة الصحيحة كما عليه الوجه الأول، ولم تؤخذ الصحة العقلائية كقيدٍ وشرط في المعاملة، وبالتالي لم يثبت أن أسماء المعاملات بناءً على وضعها للأسباب أنها موضوعة لخصوص الصحيح منها،

فنلتزم بأن أسماء المعاملات موضوعة للجامع بين الصحيح والفاسد، فمهما تغيرت أحكام العقلاء وشروطهم فاسم المعاملة ثابتٌ وبهذا يتضح أن الحقّ هو أن أسماء المعاملات كأسماء العبادات موضوعة للصحيح والأعم لا لخصوص الصحيح، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الجهة السادسة.

الجهة السابعة يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo