< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

16 ربيع الثاني 1445

الموضوع: جلسة98. الجهة الرابعة للصحيح و الأعم في المعاملات-تأييد الشهيد الصدر للميرزا النائيني ومخالفته للسيد الخوئي ـ ره ـ في الجهة الرابعة

 

كان الكلام في الجهة الرابعة للصحيح والأعم في المعاملات تطرقنا إلى كلام مشهور ذكره المحقق النائيني[1] ومفاده:

تمسك الأعمي بإطلاق دليل احل الله البيع

إن الأعمي الذي يمكن أن يتمسك بإطلاق الدليل لنفي الجزئية أو الشرطية إنما يمكن أن يتمسك بالإطلاق إذا كان الدليل في مقام إمضاء السبب وهو الإنشاء لا ما إذا كان الدليل في مقام إمضاء المسبب وهو النتيجة، فدليل الإمضاء إما أن يكون ناظراً إلى السبب وإما أن يكون ناظراً إلى المسبب، سبب المعاملة الإنشاء فقد ينشئ البيع صبي أو بالغ عن اختيار أو عن غير اختيار بلفظٍ أو بمعاطاة، فالأسباب متعددة.

اذا كان الدليل ناظرا الى السبب

فلو كان دليل الإمضاء كقوله عزّ من قائل: ﴿أحل الله البيع﴾[2] ناظراً إلى أسباب البيع فحينئذٍ الأعمي الذي يرى إمكان التمسك بالإطلاق لنفي جزئية جزء أو شرطية شرط فحينئذ إذا شكّ الأعمي في اشتراط الصيغة العربية أو اشتراط تتابع الإيجاب والقبول فحينئذ يمكن أن يتمسك بإطلاق قوله تعالى: ﴿أحل الله البيع﴾ لإثبات صحة البيع المعاطاتي أو الذي ليس فيه تتابع فيما إذا كان الدليل دليل الإمضاء ناظراً إلى السبب.

اذا كان الدليل ناظرا الي المسبب

وأما إذا كان دليل الإمضاء ناظراً إلى المسبب وهو النتيجة، ما هي نتيجة البيع؟ مبادلة مال بعين نتيجة انتقال الثمن من ذمة المشتري إلى البائع وانتقال المثمن من ذمة البائع إلى المشتري هذه النتيجة بسيطة وواحدة وليست متعددة، فلو قلنا ﴿أحل الله البيع﴾ يعني أحل الله نتيجة البيع يعني أمضى الله مبادلة المال بالعين فإذا كان دليل الإمضاء ناظراً إلى المسبب وشككنا في صحة البيع المعاطاتي أو صحة البيع من الصبي فحينئذ لا يمكن أن نتمسك بدليل الإمضاء بإطلاق دليل الإمضاء لأن الإطلاق ناظرٌ إلى المسبب والمسبب واحد نتيجة واحدة وليس متعدداً كما هو الحال بالنسبة إلى الأسباب.

هذا ما أفاده الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ واستشكل في هذا المطلب سيد المحققين سيد أساتذتنا السيد الخوئي[3] [4] .

إدعاء السيد الخوئي على صحة التمسك للأعمي

وادعى السيد الخوئي أن دليل الإمضاء سواء كان منصباً على السبب أو المسبب فإنه يمكن التمسك بإطلاقه لإثبات صحة البيع بجميع أفراده سواءً كان معاطاتياً أو صدر من مكره فلا يفرق بين دليل الإمضاء أن يكون ناظراً إلى السبب أو المسباب.[5]

والسر في ذلك:

أن دليل الإمضاء إن كان ناظراً إلى السبب فهذا متفق عليه وأنه يمكن التمسك بالإطلاق، وإن كان ناظراً إلى المسباب فالمسبب عند الأصوليين هو عبارة عن الإمضاء العقلاء والإمضاء الشرعي، والإمضاء الشرعي يتعلق بالإمضاء العقلائي، فإذا أمضى العقلاء المسبب أولاً وأمضى الشارع المقدس الإمضاء العقلائي ثانياً، فإن هذا الإمضاء ينحل إلى أفراد متعددة بعدد الأسباب فإن العقلاء إذا أمضوا المسبب وهو النتيجة مبادلة مال بعين فإن هذا المسبب ينطبق على عدة أفراد وعدة مصاديق وعدة أسباب فمن أسباب تمليك المال بالعين الإنشاء اللفظي والإنشاء المعاطاتي والإنشاء من المكره فهناك إنشاءات متعددة أمضاها العقلاء، فإمضاء المسبب ينحل إلى عدة مصاديق وعدة أسباب.

إذاً المراد بإمضاء المسباب في موطن بحثنا هو الإمضاء الشرعي ثانياً للإمضاء العقلائي والإمضاء العقلائي ينحل بعدد الأسباب المسببة لذلك المسبب.

وبالتالي كما يمكن للأعمي أن يتمسك بالإطلاق لنفي الجزئية أو الشرطية إذا شكّ فيهما وكان دليل الإمضاء من النحو الأول ناظرٌ إلى السبب كذلك يمكن أن يتمسك بالإطلاق إذا كان ناظراً إلى المسبب النحو الثاني.

مناقشة الشهيد السيد الصدر على السيد الخوئي

وناقشه الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ، وتحقيق الكلام يتم في مرحلتين:

المرحلة الأولى أن نفهم معنى إمضاء السبب ومعنى إمضاء المسبب.

المرحلة الثانية بعد أن نفهم معنى السبب والمسبب لابدّ أن نرى هل يوجد إطلاق في إمضاء المسبب أو لا يوجد إطلاق لكي نتمسك به؟

معنى السبب والمسبب

المرحلة الأولى فهم معنى السبب ومعنى المسبب وبالتالي فهم معنى إمضاء السبب وإمضاء المسبب.

أما السبب فمعناه واضح وهو الإنشاء وأما إمضاء المسبب فقد ذكر السيد الخوئي أن معناه هو الإمضاء الشرعي للإمضاءات العقلائية فهو يدعي وجود إمضائين أولاً إمضاء عقلائي للمسبب، ثانياً إمضاء شرعي لذلك الإمضاء العقلائي.

وفيه:

أولاً لننقل الحديث إلى الإمضاء العقلائي، ونقول: إن العقلاء إما أن يمضوا السبب وإما أن يمضوا المسبب فإذا أمضوا المسبب فهل يوجد قبل إمضاء العقلاء للمسبب إمضاء سابق أو لا؟

والجواب: لو التزمنا بوجود إمضاء سابق فهنا سيحصل التسلسل، وإن التزمنا بعدم وجود إمضاء سابق فهذا هو الصحيح، إذ أن الإمضاء العقلائي لا يكون مسبوقاً بإمضاء وكذلك الإمضاء الشرعي لا يكون مسبوقاً بإمضاء، وهذا ما سنذكره في المناقشة الثانية.

ثانيا المناقشة الثانية إن المراد بإمضاء المسبب هو عبارة عن إعطاء القدرة على النتيجة فالمشرع سواء كان إلهياً أو عقلائي إذا أمضى مسبباً من المسببات فهذا يعني أنه قد أعطى القدرة على النتيجة قال تعالى: ﴿أحل الله البيع﴾[6] وهذا مفاده إن النتيجة الحاصلة من مبادلة البيع وهو مبادلة مال بعين صحيحة فالله عزّ وجل يقول: <أقدرت العباد على مبادلة المال في مقابل العين ولم أقدرهم على مبادلة المال في مقابل النفس كما في بيع وشراء العبيد>.

فمعنى إمضاء المسبب هو ماذا؟ الإقدار على النتيجة أي يا عبادي قد مكنتكم من بيع الأعيان ومن مبادلة المال بالعين بخلاف إمضاء السبب إمضاء السبب ليس معناه إعطاء القدرة على السبب. نعم، إمضاء المسبب إعطاء القدرة على المسبب فإذا كان المعطي لهذه القدرة هو الشرع فالمسبب شرعي، وإذا كان المعطي لهذه القدرة هو العقلاء فالمسبب عقلائي فمعنى إمضاء السبب يعني إعطاء القدرة على النتيجة بخلاف إمضاء السبب، السبب هو الإنشاء ليس المراد إمضاء السبب يعني إعطاء القدرة على الإنشاء يعطيك القدرة على الإنشاء المعاطتي أو الإنشاء اللفظي ليس معنى إمضاء السبب هو إعطاء القدرة على الإنشاء لأن القدرة موجودةٌ خارجاً فلا يحتاج إلى إعطاء هذه القدرة من قبل الشارع أو من قبل العقلاء.

معنى إمضاء السبب جعل السبب صحيحاً فإذا أمضى الشارع البيع اللفظي ولم يمضي البيع المعاطاتي فهذا يعني أنه جعل الإنشاء اللفظي سبباً صحيحاً للمعاملة وجعل الإمضاء المعاطاتي والفعلي غير صحيح ولا يوجب تحقق البيع.

هذا تمام الكلام في المرحلة الأولى

واتضح أن معنى إمضاء السبب جعل السبب صحيحاً وليس جعل القدرة على السبب، وأن معنى إمضاء المسبب هو جعل المكلف قادراً على تحقيق المسبب، وجعله قادراً على إيجاد المسبب لا يتوقف على إمضاء سابق سواء كان الإمضاء شرعياً أو عقلائياً فالمشرع سواء كان إلهياً أو عقلائياً إذا صحح نتيجة البيع فإنه يسنن ويقنن جواز التمليك بعوض وأن المكلف قادر على مبادلة مال بعين.

واتضح من المرحلة الأولى أن ما ذكره السيد الخوئي من أن دليل إمضاء المسبب معناه الإمضاء الشرعي ثانياً للإمضاء العقلاء أولاً ليس بصحيح، وأن معنى إمضاء السبب هو الإقدار على إيجاد سواء كانت نتيجة عقلائية أو نتيجة شرعية.

هذا تمام الكلام في المرحلة الأولى معنى إمضاء السبب ومعنى إمضاء المسبب.

معني امضاء السبب والمسبب

المرحلة الثانية تترتب على المرحلة الأولى

إذا فهمنا معنى دليل إمضاء المسبب والتزمنا بأن المستفاد من الدليل كقوله عزّ وجل: ﴿أحل الله البيع﴾ هو إمضاء المسبب فيصير دليل إمضاء أحل الله البيع بقوة قولنا إني أقدرت العباد من التمليك بعوض وهذا التمليك بعوض واحد وبسيط ولا ينحل هذا التمليك إلى عدة تمليكات بعدد أسباب التمليك، وأن هناك تمليك بالإنشاء اللفظي وتملك بالإنشاء القولي وتمليك بالإنشاء عن الاختيار وتمليك بالإنشاء عن إكراه فالشيء الواحد لا يقبل تمليكين بعوض في عرض واحد.

فإذا المستفاد من دليل إمضاء المسبب هو أن الشارع أقدر المكلف على التمليك تمليك المال بعوض.

نعم، المكلف عنده قدرات متعددة على الأسباب قدرة أن يملك بالمعاطاة، قدرة أن يملك باللفظ، قدرة أن يملك عن اختياره، قدرة أن يملك باضطراره هناك أسباب كثيرة إلى هذا التمليك لكن ليس هذا مستفاد منه دليل إمضاء المسبب دليل إمضاء المسبب يستفاد منه إعطاء قدرة واحدة بالنسبة إلى كل موضوع موضوع فيما إذا كان متعلق الدليل هو المسبب، وهذه القدرة الواحدة يكفي في صدقها أن يكون بعض الأسباب نافذاً، وقد يكون بعض الأسباب الأخرى ليست نافذة.

فإعطاء القدرة على تمليك مال بعوضٍ لا يعني أن كل أسباب البيع نافذة منها ما هو نافذ وهو الإنشاء اللفظي والإنشاء عن الاختيار ومنها ما هو ليس بنافذ كالإنشاء عن إكراه أو الإنشاء المعاطاة.

فإعطاء القدرة على إيجاد المسبب لا يعني أن كل سبب صحيح وأن المكلف قادر على مبادلة مال بعين بكل سبب.

إذا ما أفاده الميرزا النائيني هو الصحيح وهو أن الصحيحي إذا شكّ في جزئية جزء أو شرطية شرط وكان دليل إمضاء المعاملة ناظر إلى السبب حينئذ يمكن أن يتمسك بالإطلاق، وأما إذا كان دليل إمضاء المعاملة ناظر إلى المسبب فحينئذ لا يمكن للصحيحي أن يتمسك بالإطلاق لأن دليل الإمضاء ناظرٌ إلى المسبب إعطاء القدرة على التمليك وإعطاء القدرة على التمليك لا يعني إعطاء القدرة على كل سبب سبب وتصحيح كل سبب سبب هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة.

الجهة الخامسة يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo