< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جلسة96.انتصار الشهيد الصدر للمشهور ومناقشته السيد الخوئي ـ ره ـ

 

كان الكلام في الجهة الثانية من الصحيح والأعم في المعاملات، قلنا إن النزاع بين الصحيحي والأعمي في المعاملات هل هو مبني على وضع أسماء المعاملات للأسباب أو وضعها للمسببات؟

ذهب المشهور إلى أن النزاع بين الصحيحين والأعمي في باب المعاملات مبني على وضعها للأسباب دون المسببات لأن السبب مركبٌ من أجزاء وشرائط فيتصف بالتمامية والنقصان، وبالتالي يتصف بالصحة والفساد فيمكن أن يقول الصحيحي بأن لفظ البيع قد وضع لخصوص العقد المستجمع لتمام الأجزاء والشرائط كما أن الأعمي يمكن أن يدعيه أن البيع موضوع للجامع بين العقد الواجد والفاقد للأجزاء والشرائط.

وأما لو قلنا بأن الألفاظ المعاملات موضوعة للمسببات فلا معنى لوقوع النزاع فيها نظراً لأن المسبب هو نتيجة المعاملة ونتيجة المعاملة بسيطة فنتيجة الطلاق هو البينونة ونتيجة النكاح هي ثبوت العلقة الزوجية ونتيجة البيع ثبوت الملكية ونتيجة العتق تحقق الحرية وهذه مسببات بسيطة ليس فيها أجزاء ولا تقيد بشرائط فلا معنى لوقوع النزاع فيها.

هذا ما أفادة المشهور.

لكن السيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ ذكر معنيين للأسباب والمسببات:

المعنى الأول معنى السبب هو الإنشاء الصادر من المكلف ومعنى المسباب حكم العقلاء أو حكم الشارع بالتملك بعوض في البيع.

المعنى الثاني معنى السبب هو المبرز للإنشاء سواء كان هذا الإبراز بالقول أو بالفعل كما في البيع المعاطاتي ومعنى المسبب هو الإبراز والاعتبار النفساني الشخصي القائم في نفس البائع فالبائع حينما يبيع الكتاب بدينار يعتبر في نفسه أنه قد ملك الدينار وأن زيد الذي اشترى منه الكتاب قد ملك الدينار.

مناقشة السيد الخوئي علي قول المشهور

ثم يناقش السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ المشهور، ويقول:

بالنسبة إلى المعنى الأول للسبب والمسبب هذا غير وارد في المقام لأن المعنى الأول يرى أن السبب هو الإنشاء الصادر من المكلف والمسبب حكم العقلاء أو حكم الشرع وليس هذا فعلاً للبائع، وكلامنا في المعاملات بلحاظ البائع لا بلحاظ حكم العقلاء أو حكم الشارع، فنحن ندرس أفعال المكلفين في سائر المعاملات.

لذلك لا مكان لبحث أن النزاع بين الصحيحي والأعمي في المعاملات هو بالحاظ المسبب أصلاً لا يمكن ولا يعقل أن يدرس هذا الأمر.

أما بالنسبة الى المعنى الثاني نعم لو التزمنا بالمعنى الثاني والمصطلح الثاني الذي يراه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن السبب هو عبارة عن المبرز للإنشاء قولاً أو فعلاً، والمسبب هو الاعتبار النفساني الشخصي القائم بالمكلف، ومن الواضح أن المسبب بناءً على المعنى الثاني والمصطلح الثاني فعلٌ من أفعال المكلف لأن الاعتبار النفساني قائمٌ بشخص البائع وبشخص المتعامل فيمكن حينئذ أن نبحث أن أسماء المعاملات موضوعة للسبب وهو المبرز للإنشاء قولاً أو فعلاً أو المسبب وهو الاعتبار النفساني الذي هو فعل من أفعال البائع.

إذاً خلاصة مناقشة السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ للمشهور أن كون النزاع بين الصحيحي والأعمي في السبب أو المسبب فرع إمكانية هذا البحث وبناءً على المصطلح الأول لا يمكن أن يبحث النزاع في المسببات لأن المسببة بناء على المصطلح الأول حكم العقلاء أو حكم الشارع وهو ليس حكم من أحكام البائع وليس فعل من أفعال البائع والمتعامل.

نعم، يمكن أن يبحث هذا البحث بناء على المصطلح الثاني لأن كلا من السبب والمسبب يكون من المكلف فالسبب هو المبرز للإنشاء قولاً أو فعلاً وهو فعل من أفعال المكلف والمسبب هو الاعتبار النفساني القائم في نفس المتعامل كالبائع وهذا فعل من أفعال المكلف.

إذا قال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ كما يمكن أن يتصور النزاع في الأسباب أن يتصور النزاع في المسببات بناء على المعنى الثاني لا المعنى الأول.

مناقشة السيد الصدى علي مناقشة السيد الخوئي

وانبرى له تلميذه الوفي الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ وخلاصة ما أفاده هو أن كلام السيد الخوئي فيه أمران:

الأمر الأول صحيح وهو ما أفاده بناءً على المعنى الثاني، فلو اخترنا المعنى الثاني فحينئذٍ كما يعقل النزاع في الأسباب يعقل أيضاً تصور النزاع في المسببات، لأن معنى السبب ومعنى المسبب على المصطلح الثاني من أفعال المكلفين ويعقل تصور النزاع في ذلك، إذاً هذا الأمر الأول صحيح.

الأمر الثاني وهو ما أورده السيد الخوئي على المشهور بناءً على المصطلح الأول ليس بصحيح وليس بتام.

والسرّ في ذلك أن السبب بناء على المعنى الأول هو الإنشاء الصادر من المكلف، والمسبب بناء على المعنى الأول هو حكم العقلاء أو حكم الشارع بالتمليك بعوض في البيع، وهذا المسبب له مباشرٌ وله مسبب، والمباشر هو نفس العقلاء إذا حكموا أو نفس الشارع إذا حكم.

ولكن هذا الحكم من العقلاء أو من الشارع حكم تسبيبي للبائع فالبائع بحسب الحقيقة ينسب إليه فعلان:

الفعل الأول مباشر وهو الإنشاء الذي هو السبب.

الفعل الثاني غير مباشر وهو فعل تسبيبي وهو التمليك بعوض.

وبعبارة أخرى:

نتيجة المعاملة وهي تمليك بعوض لها فاعلان فاعل تسبيبي وهو البائع وفاعل مباشري وهو الشارع تماماً كالإحراق الذي هو فعل مباشر للنار وفعل تسبيبي لملقي الورقة والفعل التسبيب مقصودٌ ضمناً في مقام إنشاء المعاملة فإنه كل معاملة في ضمنها يقصد التسبيب إلى النتيجة وهذا مطلب دقيق وعميق.

إذ قد يتخيل ويتوهم في المعاملات إن تمام ما يوقعه البائع والمشتري هو ماذا؟ إنشاء الإيجاب وإنشاء القبول أي اعتبار اللفظ لفظ الإيجاب بعت ولفظ القبول قبلت.

وهذا ليس بصحيح إذ أنه قد تتحقق الملكية من دون إنشاء القبول والإيجاب كما هو الحال في البيع المعاطاتي فإن البائع حينما يعطي البضاعة والمشتري حينما يعطي الثمن فإنه لم يأتي بلفظ معتبر ولكن بهذه المعاملة أبرز الملكية، فهو يقول: أملكك البضاعة، والمشتري يقول: أملكك الثمن.

إذا اللفظ جعل طريق إلى أمر عميق وهو اعتبار الملكية، اللفظ من إيجاب وقبول موجود بوجود استطراقي للتسبب بهذا اللفظ إلى اعتبار قانون هذا القانون مقر من قبل الشارع والعقلاء.

فإذا يراد أنه باللفظ مجرد التوصل إلى النتيجة التكوينية يعني صار الكتاب ملك لزيد وصار الدينار ملك لعبيد هذا يتحقق حتى بالمعاطاة من دون حاجة إلى لفظٍ هذا يتحقق بمجرد التوافق والتراضي من دون حاجة إلى إيجاد لفظٍ.

إذاً هناك نكتة مهمة جداً وهي إيجاد الإلزام من الطرفين بحيث يكون البائع ملزماً بتسليم البضاعة والمشتري ملزماً بتسليم الثمن، هذا الإلزام تسليم الثمن والمثمن يرجع إلى قانون أسبق فوق إرادة الطرفين هذا القانون مجعول من قبل الشارع المقدس أو الشارع العقلائي فالاعتبار هنا إنما هو استطراق إلى تطبيق قانون ملزم لابد من افتراضه في المرتبة السابقة وإلا كان لغواً صرفاً.

إلى هنا توصلنا إلى ماذا؟

إلى أنه بناء على المصطلح الأول كما أن السبب من أفعال البائع المتعامل كذلك المسبب هو أيضاً من أفعال البائع المتعامل، فالسبب بناء على المصطلح الأول هو الإنشاء الصادر من المكلف والإنشاء سواء كان لفظاً كقوله بعت أو كان معاملة كما في معاطاة مجرد التعاطي فعل من أفعال المكلف.

وكذلك المسبب، ما هو المسبب بناء على المعنى الثاني؟ حكم العقلاء أو حكم الشارع، فإننا نقول إن حكم العقلاء وحكم الشرع والمباشر للمسبب فعل مباشر للشارع أو العقلاء وأيضاً هو فعل تسليبي من قبل البائع المتعامل.

وبالتالي حكم العقلاء أو حكم الشارع فيه حيثيتان:

حيثية المباشر وهو نفس الشارع،
وحيثية السبب الذي أدى إلى مباشرة الشارع أو العقلاء لحكمهم/ وهذا التسبيب فعل من أفعال المكلفين.

إذاً كما يمكن ويعقل أن يكون النزاع في الأسباب لأنها من أفعال المكلفين يمكن ويعقل أن يكون النزاع أيضاً في المسببات لأنها أيضاً من أفعال المكلفين لأن المسبب بمعنى حكم العقل حكم العقلاء أو حكم الشارع هذا المسبب من ناحية المباشر يكون الشارع أو العقلاء لكن من جهة التسبيب هو فعل ينسى إلى البائع المتعامل فيعقل وقوع النزاع فيه، ولا داعي إلى المصطلح الثاني الذي جاء به السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

فإذا أمكن هكذا نستظهر نقول:

النزاع بين الصحيحي والأعمي معقولٌ في السبب لأن السبب مركب ومقيد بشروط فيعقل فيه الصحيح والأعم بينما المسبب الذي هو فعل تسبيبي للبائع وإن كان من فعل البائع لكن المسبب وهو نتيجة المعاملة أمرٌ بسيط ولا يعقل النزاع في الأمر البسيط.

الحقّ والإنصاف كلام الشهيد الصدر متين تامٌ لا غبار عليه وهو موافق للمشهور ـ رضوان الله عليه ـ .

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية واتضح أن النزاع بين الصحيحي والأعمي في المعاملات يتصور في الأسباب دون المسببات والله العالم.

الجهة الثالثة يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo