< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصحيح والأعم في المعاملات- الصحة في المعاملات شرعية وعقلائية

 

الصحيح والأعم في المعاملات يقع الكلام في عدة جهات:

الجهة الأولى الصحة في العبادات شرعية فقط بينما الصحة في المعاملات شرعية وعقلائية.

العبادات مشروطةٌ بقصد القربة إلى الله تبارك وتعالى فلكي تكون العبادة صحيحة لا بدّ أن يقرها الشارع المقدس، إذاً الصحة في باب العبادات التي هي تأسيسية من تأسيس الشارع المقدس هي صحة شرعية.

الصحتان في باب المعاملات

لكن في باب المعاملات الصحة صحتان:

صحة شرعية وصحة عقلائية

لأن المعاملات كانت موجودة قبل تشريعات الشارع المقدس فكما أن للشارع المقدس أحكاماً في المعاملات كذلك للعقلاء أحكام في المعاملات.

الصحة المأخوذة في المعاملات

فالصحة العقلائية في مقابل الفساد العقلائي والصحة الشرعية في مقابل الفساد الشرعي، ومن هنا يقع النزاع بين الصحيحي والأعمي في المعاملة فهل المأخوذ في المعاملات هو الصحة الشرعية أو الصحة العقلائية؟

ذهب سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[1] إلى أن النزاع في المعاملات إنما يكون في خصوص الصحة العقلائية بحيث أن الصحيحي يدعي بأن الصحة العقلائية مأخوذة في البيع والأعمي يدعي بأن لفظ البيع موضوع للأعم من البيع الصحيح والفاسد أي الصحيح العقلائي والفاسد العقلائي. [2]

وأما الصحة الشرعية فلا ينبغي الإشكال عند الاثنين. الصحيح أعمي في أنها غير مأخوذة وليست محلاً للنزاع لأن الصحة الشرعية لو كانت مأخوذة في البيع للزم أن يكون معنى أدلة الإمضاء كقوله عزّ وجل: ﴿أحل الله البيع﴾ تصحيح الصحيح وهذا لغو من الكلام.

خلاصة الإشكال:

لو أخذت الصحة الشرعية في البيع للزم حمل قوله تبارك وتعالى: ﴿أحل الله البيع﴾ أي أحل الله البيع الصحيح أي صحح الله البيع الصحيح، وهذا لغو من الكلام.

الاحتمالان في كلام السيد الخوئي

وهذا الكلام قابل للتأمل وغريب عجيب لأنه ما هو المراد بالصحة الشرعية حتى لا نتعقل أخذها في مدلول لفظ البيع، هل المراد مسمى الصحة؟ أو المراد واقع وحقيقة الصحة؟ احتمالان:

أما الاحتمال الأول وهو أن يكون المراد عنوان الصحة الشرعية ومسمى الصحة الشرعية بحيث يكون لفظ البيع معنى الصحيح شرعاً، ويكون هناك ترادف بين لفظ البيع والصحيح شرعاً فهذا لا يعقل أن يكون مأخوذاً موضوعاً في دليل الإمضاء لأن مرجع الدليل إلى قولنا: إن الله صحح الشيء الصحيح وهذا لغو.

وبهذا المعنى كما لا يعقل أخذ الصحة في مسمى المعاملات كذلك لا يعقل أخذ لفظ الصحة في مسمى العبادات، ففي باب العبادات لا يعقل أن يكون موضوع الأمر هو الصلاة الصحيحة بما هي صحيحة لأن الصحيح معناه العبادي المطابقة للأمر فليس مراد الصحيح من أخذ الصحة هو عنوان الصحة ومسمى الصحة هذا لا يكون لا في العبادات ولا في المعاملات إذا حملت الصلاة على الصحيحة يعني صحح الله الصلاة الصحيحة صحح الله الصوم الصحيح صحح الله البيع الصحيح صحح الله الإيجار الصحيحة.

إذا الاحتمال الأول وهو حمل الصحة الشرعية على عنوان الصحة ومسمى الصحة بحيث يؤخذ العنوان والمسمى في مدلول اللفظ مدلول الأمر بالعبادة أو المعاملة هذا غير صحيح وليس هذا هو مراد الصحيحي أو الأعمي.

الاحتمال الثاني أن يكون المراد واقع الصحيح فالمراد بالبيع الصحيح واقع الأجزاء والشرائط التي لها دخلٌ في صحة البيع شرعاً، ولا إشكال في المقام.

فلو فرض أن المؤثر في البيع هو عبارة عن التمليك بعوض المشتمل على اللفظ الصادر من البائع والمشتري، واشترطنا الإيجاب واشترطنا القبول واشترطنا موالاة ومتابعة القبول للإيجاب وغير ذلك من الشرائط فيكون معنى البيع الصحيح واقع الأجزاء والشرائط التي توجب صحة البيع شرعاً، وأي إشكال في هذا؟!

فيكون معنى البيع في دليل الإمضاء أحل الله البيع وحرم الرباهو عبارة عن التمليك بعوض الذي يكون ضمن شرائط معينة كالتلفظ بالإيجاب والقبول وموالاة القبول للإيجاب وغير ذلك من الشرائط.

إذاً بناءً على هذا المعنى للصحة أن المراد بها ليس مسمى وعنوان شرعاً بل واقع وحقيقة الصحة شرعاً يعني واقع الأجزاء والشرائط الموجبة لصحة المعاملة في الشرع المبين هذا المعنى واضح وتام.

وبالتالي كما يجري النزاع في المعاملات في الصحة العقلائية كذلك أيضاً يجري النزاع في الصحة الشرعية فيمكن تصوير النزاع بين الصحيحي والأعمي في باب المعاملات، بحيث يقول الصحيح إن المولى وضع لفظ البيع للتمليك بعوض الذي فيه تمام الأجزاء والشرائط المعتبرة شرعاً، والأعمي يقول إن الشرع قد وضع لفظ للتمليك بعوض الأعم من الجامع للجميع الأجزاء والشرائط أو الذي اختل فيه أحد الأجزاء والشرائط فلا مانع من ذلك.

إذاً على كلا القولين دليل الإمضاء معقول.

النتيجة النهائية في الجهة الأولى أنه يمكن تصوير الصحيح والأعم والنزاع بين الصحيحي والأعمي بناءً على الصحة الشرعية وبناء على الصحة العقلائية.

الجهة الثانية هل النزاع بين الصحيح والأعم في المعاملات مبني على وضع المعاملات لخصوص الأسباب أو على وضعها للمسببات؟

ذهب المشهور إلى أن النزاع بين الصحيحي والأعمي في باب المعاملات إنما يكون في خصوص ما إذا بنينا على أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب دون المسببات لأن السبب باعتباره مركباً من أجزاء ومقيداً بشرائط فيتصف بالتمامية والنقصان وبالتالي يتصف بالصحة والفساد.

فالبيع مثلاً فيه أجزاء وفيه شرائط توجب تحقق الملكية التي هي مسبب فلو لم يتلفظ بالإيجاب أو القبول أو لم يتابع ويوالي بين الإيجاب والقبول أو لم يملك عيناً بعوض فعند فقدان بعض الأجزاء أو الشرائط أي نقصان بعض أجزاء وشرائط السبب يصدق على البيع أنه فاسد فالصحة والفساد والتمامية والنقصان إنما يتحققان في خصوص السبب دون المسبب إذ أن المسبب أمرٌ بسيط دائماً.

فمسبب البيع تحقق ملكية العين ومسبب الإيجارة ملكية المنفعة ومسبب العتق تحقق الحرية ومسبب الزواج تحقق العلقة الزوجية ومسبب الطلاق تحقق الفراق والبينونة، فالمسببات للمعاملات من عقود وإيقاعات دائماً تكون بسيطة وليست مركبة فيها أجزاء أو شرائط حتى يعتريها النقصان والتمام.

فلا معنى لأن يتصف المسبب بالصحة تارة والفساد تارة أخرى فالنزاع في ألفاظ المعاملات لا معنى له في المسببات وإنما يعقل النزاع بين الصحيحي والأعمي فيما إذا التزمنا بأن ألفاظ المعاملات قد وضعت لخصوص الأسباب دون المسببات هذا ما ذهب إليه المشهور.

مناقشة السيد الخوئي علي قول المشهور

وناقش في ذلك سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[3] .

وقد فصل ـ رحمه الله ـ بين معنى السبب والمسبب وذكر معنيين للسبب والمسبب، وعلى أحد هذين المعنيين يتم ما ذهب إليه المشهور وعلى المعنى الآخر لا يتم ما ذهب إليه المشهور، فالمشهور ذهب إلى صحة النزاع بين الصحيح والأعمي في خصوص السبب دون مسبب. وعلى المعنى للسيد الخوئي كما يصح النزاع في السبب يصح النزاع أيضاً في المسبب، فما هما المعنيان؟

المعنى الأول الاصطلاح الأول أن يكون معنى السبب هو الإنشاء الصادر من المكلف، ومعنى المسبب هو حكم العقلاء أو حكم الشارع بالتمليك بعوض.

المعنى الثاني معنى السبب هو المبرز والمظهر للإنشاء سواء كان قولاً كما في العقود أو كان فعلاً كما في المعاطاة، ومعنى المسبب ليس هو حكم العقلاء أو حكم الشارع كما تقدم في المعنى الأول بل المسبب هو الاعتبار النفساني الشخصي القائم في نفس البائع فالبائع حينما يبيع الكتاب من زيد أو عبيد يعتبر ويبني في نفسه على أن زيد أو عبيد ملك الكتاب بعد أن دفع إلي الدرهم، فهنا يوجد اعتبار نفساني في نفس البائع وهو أن المشتري قد تملك العين في مقابل تملك البائع للثمن.

أما المعنى الأول للسبب والمسبب فهو غير وارد في المقام، ما هو المعنى الأول؟ السبب نفس الإنشاء وليس المبرز للإنشاء كما في المعنى الثاني والمسبب حكم العقلاء أو حكم الشارع.

فالمسبب بناء على المعنى الأول لا يكون من أفعال البائع إذ أن حكم العقلاء أو حكم الشارع ليس من أفعال البائع بل من أفعال العقلاء أو الشارع المقدس فلا يحتمل أن يقال بأن لفظ البيع موضوع للمسبب إذ لا إشكال في أنه موضوع لما يكون فعلاً من أفعال البائع ولهذا ينسب إلى البائع فيقال: باع زيد، فلو كان موضوعاً للمسبب بالمعنى الذي هو فعل الشارع أو فعل العقلاء لكان خلافاً للوجدان الذي لا يحتاج إلى برهان إذ أننا نقول: باع فلان سيارته، باع فلان داره، فتنسب العملية إلى البائع ولا تنسب إلى الشارع المقدس أو العقلاء.

إذا بناء على المبنى الأول بناء على المصطلح الأول وهو أن المراد بالسبب الإنشاء والمراد بالمسبب حكم العقلاء أو حكم الشارع لا يعقل أن يكون النزاع في المسبب لأنه ليس حكماً للبائع بل يكون النزاع في خصوص السبب لأن الإنشاء قد يكون فيه أجزاء وشرائط.

أما المعنى الثاني ولكن بناء على المصطلح الثاني من أن السبب هو المبرز والمظهر للإنشاء، والمسبب ليس هو حكم العقلاء وحكم الشارع كما عليه المصطلح الأول بل المسبب الاعتبار النفساني في قلب، ومن الواضح أن الاعتبار النفساني من أفعال البائع فهذا المسبب وهو الاعتبار النفساني من أفعال البائع القائم بالمعاملة لا من أفعال الشارع أو العقلاء.

وبالتالي

يعقل أن يتصف بالصحة والفساد، فهذا الاعتبار النفساني إن كان قد صدر من البائع بلا إكراه وأبرز بلفظ دال عليه حكم بصحته، وإن كان هذا الاعتبار النفساني قد صدر ممن ليس له اعتبار كما في البيع الفضول حكم بفساد البيع.

إذاً النزاع بين الصحيحي والأعمي كما يجري بناءً على أن أسماء المعاملات موضوعة للأسباب ذلك يجري بناءً على أن أسماء المعاملات موضوعة للمسببات من دون وجود فارق في البين.

خلاصة ما ذكرناه في الجهة الثانية:

ذهب المشهور إلى أن النزاع بين الصحيحي والأعمي في المعاملات إنما يمكن أن يقع في خصوص أسباب المعاملات التي هي الإنشاء دون مسببات المعاملات التي هي أمر بسيط غير قابل للأجزاء والشرائط فحصروا الخلاف والنزاع في خصوص السبب دون المسبب.

لكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ذهب أن النزاع كما يمكن أن يكون في السبب يمكن أن يكون في المسبب، وأننا في النزاع في المسبب إنما يكون بناء على المصطلح الأول من حمل السبب على الإنشاء وحمل المسبب على حكم العقلاء أو حكم الشارع الذي هو ليس من أفعال البائع والمتعامل.

وأما إذا حملنا الأسباب والمسببات على المصطلح الثاني من أن السبب هو المبرز للإنشاء والمسبب الاعتبار النفساني القائم بذات البائع فإنه كل من السبب والمسبب من أفعال البائع وقابل للأجزاء والشرائط أي أنه قابل للتمام والنقصان والصحة والفساد، وبالتالي كما يصح النزاع بين الصحيح والأعم في الأسباب كما عليه المشهور كذلك يصح في المسببات كما عليه السيد أبو القاسم الخوئي.

إلى هنا كما يقول أحد أساتذتنا مناقشة كلام السيد الخوئي الدرس القادم إن شاء الله تراجعون محاضرات السيد الخوئي تقرير الشيخ الفياض وتقريرات الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر.

خلاصة المناقشة:

المشهور حينما قالوا لم يلتزموا بالمعنى الثاني الذي ذكره السيد الخوئي وإنما نظروا إلى المعنى الأول ويمكن أيضاً على المعنى الأول ذكر تخريجه تفصيل مناقشة كلام السيد الخوئي يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo