< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصحيح و الأعم- أدلة وضع أسماء العبادات للأعم

 

ويمكن أن يستدل على أن أسماء العبادات قد وضعت للأعم من الصحيح والفاسد بأدلة أهمها أربعة كلها قابلة للمناقشة.

الدلائل الأربعة للاعمية اسماء العبادات

الدليل الأول صحة تقسيم العبادة إلى الصحيح والفاسد فتقول هذه صلاة صحيحة وهذه صلاة باطلة وهذا حج صحيح وهذا حج فاسد.

وفيه إن صحة التقسيم يمكن أن تفسر بأمرين:

الإشكال الأول أنه يوجد للفظ الصلاة معنى أعم قابل للانقسام إلى الصحيح والفاسد، وهذا ثابت بالوجدان ولا يحتاج إلى برهان.

الإشكال الثاني إن هذا المعنى الأعم حقيقي وليس استعمالاً مجازياً أو عنائياً، فإن أريد بالاستدلال الاستدلال على وضع العبادة للأعم بخصوص الأمر الأول فهذا لا يدل على المطلوب فإننا نسلم بالوجدان أن أسماء العبادات تستعمل في الصحيح والفاسد معاً وتطلق على الأعم لكن قد يكون الاستعمال في الفاسد استعمالاً مجازياً ونحن نريد إثبات الاستعمار الحقيقي لا الاستعمال المجازي فالاستدلال بخصوص الأمر الأول لوحده لا يفيدنا.

وإن أريد الاستدلال بمجموع فهذا ليس بصحيح لأن الأمر الثاني هو عين المتنازع فيه فمفاد الأمر الثاني أن المعنى الأعم حقيقي وليس مجازياً وهذا عين ما نحن نبحثه فتلزم المصادرة وجعل الدعوة دليلاً أي أنه يلزم الاستدلال بالشيء على نفسه وهذا ليس بصحيح.

إذا الدليل الأول ليس بتام.

الدليل الثاني استعمال ألفاظ العبادات كالصلاة في الأعم في كثير من الروايات كقوله ـ عليه السلام ـ : <يعيد> أعد صلاتك، الظاهر في وجود صلاتين صلاة باطلة وصلاة صحيحة، أو قوله ـ عليه السلام ـ : «دع الصلاة أيام أقرائك»[1] أي أن الصلاة تقع باطلة أيام الأقرب فاستعمال لفظ الصلاة في الصحيح والفاسد معاً دليل على وضع لفظ الصلاة للأعم.

وفيه إننا إذا علمنا بأن الاستعمال في العام فهنا يوجد احتمالان:

المناقشة الثانية- الاحتمال الأول الاستدلال بمجرد استعمال فبمجرد استعمال لفظ الصلاة والحج في الصحيح والفاسد معاً نستدل على وضع لفظ الصلاة والحج في الأعم، وهذا ليس بتام لأن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.

قد تقول: لم لا نلجأ إلى أصالة الحقيقة فنحمل الاستعمال في الأعم المحرز وجداناً على خصوص الاستعمال الحقيقي ببركة أصالة الحقيقة فإذا شككنا أن هذا الاستعمار في الأعم حقيقي أو مجازي حملنا هذا الاستعمار على خصوص الاستعمال الحقيقي لا المجازي.

وفيه إن أصالة الحقيقة إنما تجري في ظرف الشكّ في المراد لا فيما إذا علمنا بالمراد وشكّ في أنه حقيقي أو مجازي كما في مورد بحثنا فإننا نقطع بأنه أراد العموم والأعم من الصحيح والفاسد فالمراد واضح لدينا إنما الشك في الاستعمال أنه حقيقي أو مجازي فأصالة الحقيقة لا تثبت كون الاستعمال حقيقاً.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول إذا تمسكنا بمجرد الاستعمار لا خصوص الاستعمال الحقيقي.

المناقشة الثانية-الاحتمال الثاني الاستدلال بكون استعمال اللفظ في الأعم استعمالاً حقيقياً وبلا عناية وبلا تجوز، وهذا معناه الاستدلال بالشيء على نفسه فهذه مصادرة إذ جعلت الدعوة دليلاً.

هذا كله إذا علمنا بالوجدان أن الاستعمال في الأعم وشككنا أنه استعمال حقيقي أو مجازي وأردنا إثبات الحقيقة فعندنا شيء معلوم وهو الاستعمال وعندنا شيء مشكوك وهو كونه حقيقياً.

وتارة نفرض العكس أي أننا عرفنا وعلمنا بوجداننا أن هذا الاستعمال حقيقي ولا عناية فيه، لكننا شككنا هل هذا استعمال في خصوص الصحيح أو استعمال في الأعم من الصحيح والفاسد؟ فإذا أقمنا البرهان والدليل على أنه استعمال في الأعم يثبت بالوجدان أن هذا اللفظ حقيقة في الأعم لا الأخص.

ولكن هذا بحسب الحقيقة ليس استدلالاً وإنما هو منبه لا أكثر أي أننا كنا عالمين بالاستعمال في الأعم وبأن الأعم حقيقة لكننا احتجنا إلى منبه يثير علومنا.

إذا عندنا صورتان متعاكستان:

الأولى أن نعلم بالاستعمال في الأعم بالوجدان ونشك في كونه استعمالاً حقيقياً.

الثانية بالعكس أن نعلم بأن الاستعمال حقيقي لكن نشك أنه في الأعم أو الأخص.

ففي الصورة الثانية إذا علمنا بأن الاستعمال حقيقي يعني هذا علم وجداني ما يحتاج إلى دليل فيأتي الدليل الذي يدل على أن اللفظ قد استعملت في الأعم لكي تنبهنا إلى العلم الموجود عندنا من أن لفظة الصلاة قد استعملت في معنى الصلاة الأعم بين الصحيح والفاسد.

إذا الدليل الثاني ليس بتام.

الدليل الثالث أن يقال كما ادعى المحقق الأصفهاني[2] إن سيرة المخترعين على الوضع للأعم هذا عكس الدليل الثالث للأخص الدليل الثالث الأخص يقول: سيرة المخترعين على الصحيح الدليل الثالث والأعم بالعكس دعوة معاكسة سيرة المخترعين على وضع الألفاظ للأعم.

قال ـ قدس الله نفسه الزكية ـ : أنه جرت سيرة المخترعين الوضع للأعم لكن لا من ناحية الأجزاء بل من ناحية الشرائط فمثلاً يصنع الطبيب معجوناً مركباً من عشرة مشروطاً تأثيره بالشرب بعد الطعام أو عند حرارة الهواء أو غير ذلك، فذلك المعجون يسمى باسمه حتى لو خولفت تلك الشرائط. نعم، لا يسمى باسمه عند تخلف بعض الأجزاء فهذا أعمي من حيث الشرائط وصحيح من حيث الأجزاء>.

خلاصة كلام المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني ـ رحمه الله ـ المركب كالدواء صحيحي من حيث الأجزاء فلو تكون الدواء من عشرة أجزاء وتخلف جزء واحد ما يصدق عليه أنه دواء فالمركب صحيحي من حيث الأجزاء لكنه أعمي من حيث الشرائط، مثلاً هذا الدواء لا تشربه إلا بعد الأكل أو تشربه على الريق إذا ما شربته على الريق أو إذا اشترط أن تشربه بعد الأكل وشربته من دون أن تأكل يصدق أنه دواء.

فقال ـ رحمه الله ـ أسماء العبادات التي اخترعها الشارع هذه الأسماء صحيحة من حيث أجزاء وأعم من حيث الشرائط كالدواء، الدواء لا يصدق عليه أنه دواء إذا اختل شرطٌ فمركب ومعجون الدواء خاص وصحيح من حيث الأجزاء لكنه أعم من حيث الشرائط يصدق على أنه دواء التزمت بالشرط أو لم تشترط.

وفيه

أولا ما تقدم في جواب الدليل الثالث للأخصي من أن سيرة المخترعين خاصة وليست عامة، فلو سلمنا أن لهم طريقة فهي ليست شائعة وعامة بين الناس بحيث يعد سكوت المعصوم ـ عليه السلام ـ إمضاء لها، هذا لو سلمناه هكذا سيرة.

وثانياً هذا خلط بين شرائط الدواء وشرائط استعماله فالدواء الذي هو عينٌ خارجية يكون من شرطه المادة الفلانية والمادة الفلانية والمادة الفلانية بحيث لا يكون بدونها دواء وهذه شروط دخيلة في المسمى فهذا خلطٌ بين شرائط تحقق الدواء والمركب وبين شرائط استعمال الدواء كان يكون بعد الطعام أو على الريق حتى يؤدي مفعوله خارجاً، وما نحن فيه كأسماء العبادات من صلاة وصوم وحج ما نحن فيه ليست عينا خارجية وإنما بابها باب الأفعال فالصلاة والصوم والحج والزكاة فعل من الأفعال وكل شرائط الفعل هي شرائط نفس الفعل شرائط الصلاة شرائط الصوم شرائط الحج يعني بدونها لا يتحقق الحج ولا تتحقق الصلاة ولا تتحقق يعني ما يتحقق معجون الصلاة ما يتحقق معجون الحج من دون تحقق شرائط الفعل فالمخترع الشرعي كالصلاة والصوم والحج ما يتحقق إذا اختل أحد شروطه وبالتالي يمكن أن يدعى أنها داخلة في المسمى فمسمى الصلاة والحج والصوم تكون هذه الشرائط التي هي شرائط فعل دخيلة في تحققه.

إذاً الدليل الثالث ليس بتام.

الدليل الرابع دعوى تبادر الأعم عكس دعوة الدليل الرابع للأخصي الذي إدعى تبادر الأخص.

وفيه أن هذا التبادر المدعى يوجد فيه احتمالان:

الاحتمال الأول التبادر في عصر النصّ أي في عصر صحابة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ .

الاحتمال الثاني التبادر في زماننا أي أننا إذا سمعنا اللفظ يتبادر إلى ذهننا الأعم.

أما الاحتمال الأول وهو دعوة تبادر عصر النصّ كصحابة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ فنحن لم نكن موجودين في صدر الإسلام حتى ندرك أنه كان إلى ذهنهم المعنى الأعم للأخص فهذه الدعوة ليست تامة.

و أماالاحتمال الثاني دعوة تبادر الأعم في زماننا، فنقول: نحن كعرف إذا سمعنا لفظ الصلاة ندرك أنها قد استعملت في الأعم، فنقول: وما يدرينا أنها قد وضعت للأعم في عصر صحابة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ .

وقد يجاب إننا نتمسك بأصالة عدم النقل أي أن ألفاظ العبادات ومسمى العبادات وضعها الرسول في الأعم ووصلت إلينا كأعم، وإذا شككنا أن ما تبادر إلى ذهننا من أن أسماء العبادات استعملت في الأعم كانت للأخص ثم انتقلت إلى الأعم فحينئذٍ نتمسك بأصالة عدم النقل فنثبت أن أسماء العبادات قد وضعت للأعم منذ الصدر الأول.

وفيه إن أصالة عدم النقل أصل عقلائي لا يجري إذا وجد ملاكٌ يتطلب ويستدعي النقل، وفي المقام يوجد هذا الملاك فلنفترض أن أسماء العبادات وضعت في الصحيح في الصدر الأول من الإسلام، ولكن يوجد ملاك يستدعي النقل من الصحيح إلى الأعم، وما هو هذا الملاك؟ كثرة استعمال المتشرعة للألفاظ في الجامع الأعم فقد كثر في عهد المتشرعة استخدام ألفاظ العبادات في الأعم من الصحيح والفاسد، فهذا الملاك وهو كثرة استعمال المتشرعة للألفاظ في الجامع الأعم يحول دون التمسك بأصالة عدم الناقل لأن هذا الملاك مقتضي قوي مقتضي للناقل على تقدير وجوده فحينئذ حتى لو تبادر إلى ذهننا الأعم عند سماع ألفاظ العبادات فإننا لا يمكن أن نتمسك بأصالة عدم النقل لإثبات أن الفاظ العبادات قد وضعت في صدر الإسلام للأعم فلربما انتقلت من الصحيح إلى الأعم من الصحيح والفاسد ولا يمكن أن نتمسك بأصالة عدم النقل نظراً لوجود ملاك قوي يقتضي النقل.

إذاً الدليل الرابع ليس بتام.

الخلاصة والمحصلة النهائية قد اتضح أن الأدلة الأربعة التي أقيمت على أن العبادات وضعت لخصوص الصحيح ليس بتام، وأن الأدلة الأربعة التي ذكرت واستدل بها على أن ألفاظ العبادات وضعت للأعم ليست تامة، فما هو الحال؟ تعيين المرجع بعد بطلان أدلة الطرفين، ولابدّ أن نرجع إلى المسألة السابقة وهي وهي بحث الحقيقة الشرعية.

وهنا توجد ثلاثة احتمالات وعلى الاحتمالات الثلاثة يثبت الأعم لا الأخص:

الاحتمال الأول إذا بنينا في مسألة الحقيقة الشرعية على أن ألفاظ ومعاني العبادات كلها موجودة قبل الشارع المقدس والشارع المقدس كما لم يخترع المعاملات كذلك لم يخترع العبادات، فالحج كان موجوداً قبل مجيء الرسول والصلاة كانت موجودة والصوم كان موجوداً، وحينما جاء الرسول أمضى هذه العبادات وعدلها فبناءً على أن أسماء إمضائية وليست تأسيسية لا شكّ ولا ريب تكون هذه العبادات قد وضعت للأعم لا الأخص لأنها كانت موجودة قبل صدر الإسلام وقبل مجيء نبي الإسلام فكانت تستعمل في الأعم.

إذا بناء على الاحتمال الأول أن أسماء العبادات إمضائية وليست تأسيسية وليست اختراعية يتعين حمل ألفاظ العبادات على الأعم.

الاحتمال الثاني أن نلتزم أن أسماء العبادات تأسيسية وبوضع جديد لكن الوضع كان تعينياً وليس تعيني أي أن وضع الألفاظ للعبادات ومسمى العبادات لمعانيها نشأ ببركة كثرة الاستعمال لا تعمد الوضع.

ومن الواضح لمن تتبع الاستعمالات في كلمات الشارع يلحظ أن الاستعمال في الأعم كثيرٌ جداً بل لم نحرز الاستعمال في الصحيح بخصوصه ولا في مورد لأن الجامع الأعم ينطبق على الصحيح فيحتمل قريباً كون الاستعمال دائماً في الأعم وإرادة الصحيح من باب كونه مصداقاً للأعم وحصة منه.

إذا بناءً على الاحتمال الثاني وهو أن أسماء العبادات تأسيسية نشأت من الوضع التعيني يتعين القول بالأعم لأن أكثر الاستعمالات التي هي منشأ الوضع التعيني هي استعمالات في الأعم.

الاحتمال الثالث والأخير أن نلتزم أسماء العبادات قد وضعت بالوضع التعييني، وهنا الشهيد الصدر اختلف كلامه في بعض تقريراته ففي تقرير السيد كاظم الحائري[3] قال: <فإثبات الوضع للصحيح أو للأعم في غاية الإشكال ولا طريق لنا إلى إثبات أحد الأمرين لكنه أضعف الاحتمالات كما بينا في بحث الحقيقة الشرعية فالظاهر كونها أسامي للأعم>.

وقال نفس هذا الكلام في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر[4] لكنه في تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ سيدنا الأستاذ[5] استظهر بحقّ كونه في الأعم إذ قال ما نصّه: <إنه على هذا الفرض أيضاً يكون الأرجح هو القول بالأعم لأن تداول الأسامي في استعمالات الشارع كان سابقاً على تبيان الأجزاء والشرائط والتي اقتضت المصلحة التدرج في بيانها فلو كان هناك وضع تعييني من قبل الشارع فالأرجح أنه كان في الأعم لأن الوضع للصحيح بما هو صحيح غير محتمل ولواقع الأجزاء والشرائط التي هي مبهمة لم تعرف بعد لا يناسب غرض الواضع والواضع لما هو مبين فعلاً يوجب تغير الوضع>.

خلاصة وزبدة كلام الشهيد الصدر على ما أفاده سيدنا الأستاذ سيد محمود الهاشمي في تقريره للدورة الثانية يقول: تارة نحن نتكلم عن استعمال أسماء العبادات، وتارة نتكلم عن أجزاء وشرائط العبادة ومن الواضح أن استعمال أسماء العبادات كان شائعاً والشارع وضع هذه الأسماء لكن بيان الأجزاء والشرائط تأخر فيما بعد لتدريجية الأحكام بل بعد ذلك الفقهاء جاؤوا وقالوا هذا جزء وهذا شرط، وبما أنه المتداول في ذلك الزمان استعمال اللفظ للأعم فهذا ينسجم أن الشارع يضع اللفظ ويعينه في الأعم وبعد ذلك يبين الأجزاء والشرائط للخاص.

إذاً بناء على أن الوضع وضع تعييني أيضا يرجح أن يكون وضع ألفاظ العبادات للأعم لأن الوضع لخصوص الصحيح يستدعي بيان الشرائط والأجزاء وهذا قد تأخر.

أقول ما ذكر قد يكون من باب أنه منبه ولا يصلح أن يكون دليلاً، فقد يضع الشارع لفظة العبادة كالصلاة أو الحج لخصوص الصحيح ثم بعد ذلك يقول سأخبركم فيما بعد عن أجزاء وشرائط الصحيح ومعالم الصحيح، وكون المتداول هو الوضع للأعم لا يستدعي أن يجري الشارع على نفس ذلك، لكن تقدم في بحث الحقيقة الشرعية إن موارد الوضع التعييني قليلة جداً وأكثر الموارد قد وضعت بالوضع التعيني فيرجع أن تكون أسماء العبادات قد وضعت للأعم لا خصوص الصحيح والله العالم.

هذا تمام الكلام في الصحيح والأعم في العبادات، الصحيح والأعم في المعاملات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo