< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوجه الثالث الاستدلال برواية الصلاة ثلثها

 

محل البحث: المقدمة – الصحيح والأعم- وضع أسامى العبادات-الجهة السلبية المستفاد من الروايات-الإستدلال على الجهة السلبية على وجوه- الوجه الثالث

الإستدلال على الجهة السلبية في كلام السيد الخوئي- الوجه الثالث

الوجه الثالث للجهة السلبية الاستدلال بروايات «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود»[1]

تقريب الاستدلال:

إن هذه الرواية تنفي دخل أي شيء سوى هذه الثلاثة إذ لا يكون للشيء أكثر من ثلاثة أثلاث، فلو بقينا نحن وإطلاق الرواية لقلنا إن تكبيرة الإحرام أيضاً لا تدخل في مسمى الصلاة لأن مسمى الصلاة وفقاً لرواية التثليث يتوقف على ثلاثة أجزاء، وهي: الركوع والسجود والطهور.

لكننا نقيد رواية التثليث بما دلّ على أن تكبيرة الإحرام ركن فيبقى ما عدا الأمور الأربعة من أجزاء الصلاة خارجاً عن مسمى الصلاة.

الإشكال على الاستدلال للوجه السلبي بالرواية ثلاثة اثلاث

وفيه إننا لو سلمنا أن الدليل دلّ على ركنية تكبيرة الإحرام إلا أن هذا الدليل إذا افترضنا أنه يقيد رواية التثليث فإن التثليث ينثلم ويزول ولا يبقى مجال للتمسك برواية التثليث لنفي دخل باقي الأجزاء والشرائط في مسمى الصلاة.

فالكلام في المقام يختلف عن الكلام في الإطلاق فلو جاءتنا رواية مطلقة أكرم العلماء ثم جاءتنا رواية مقيدة لا تكرم الفساق فإن عموم العام وهو وجوب إكرام العلماء يبقى في غير موارد التقييد أي يبقى في إكرام العلماء غير الفساق هم العلماء العدول.

فحجية المطلق تبقى وإن وقع التقييد والتخصيص لكن لسان رواية التثليث يختلف فإنها تنص على أن قوام الصلاة ثلاثة وبمجرد افتراض وجود جزء رابع ينثلم التثليث، فحينئذ لا يمكن تقييد رواية التثليث بما دل على دخالة تكبيرة الإحرام في مسمى الصلاة، إذ أن الحصر في رواية التثليث إنما ثبت بعنوان التثليث، ومن الواضح أن عنوان الثلثية ينثلم حقيقة بافتراض وإضافة أمر رابع سواء أضيف أمر خامس أو لا، فحينئذ لا مجال لتقييد رواية التثليث بروايات تكبيرة إحرام.

نعم، لو حملنا الثلث على معنى آخر فلا نحمل الثلث على الجزء الحقيقي لمسمى الصلاة بل نحمل الثلث من حيث على الثلث من حيث المعنى أي أنه بمثابة الثلث لشدة الأهمية من قبيل ما يقال: إن سورة التوحيد ثلث القرآن، سورة الفاتحة ثلث القرآن هذا لا يعني أن القرآن مقسم إلى ثلاثة أجزاء وجزء منه سورة التوحيد وثلثين بقية القرآن، وإنما المراد سورة التوحيد فيها توحيد الله عزّ وجل وهذا المعنى العظيم بمثابة ثلث القرآن إذا أن القرآن جاء لإثبات وحدانية الله تبارك وتعالى.

فكذلك يقال الصلاة على ثلاثة أثلاث الركوع والسجود والطهور يعني هذه الثلاثة لها مكانة كبيرة ولها معنى كبير في الصلاة وبهذا المعنى تنتفي الجزئية إذا انتفت الجزئية بعد لا يمكن إثبات الأركان الأجزاء الأربعة الدخيلة في مسمى الصلاة.

هذا تمام الكلام في الجانب السلبي الذي يفهم من كلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وإن كان السيد الخوئي لم يتطرق إلى الجانب السلبي، وقد صرح الشهيد الصدر بأن السيد الخوئي قد تطرق إلى الجانب الإيجابي ولم يتطرق إلى الجانب السلبي[2] .

راجعت فلم أجد تطرق إلى الجانب الإيجابي تطرق السيد الخوئي إلى رأي الأعلام الثلاثة الميرزا النائيني والأصفهاني والمحقق العراقي.

إلى هنا انتهينا من الجانب السلبي وهو أنه نسلب جزئية غير الأربعة في مسمى الصلاة فنقول مسمى الصلاة يثبت بالأمور الأربعة تكبيرة الإحرام الركوع السجود والطهور، فالجانب الإيجابي أن هذه الأمور الأربعة توجب تحقق مسمى الصلاة.

وأما الجانب السلبي ما عدا هذه الأمور الأربعة كالقراءة والذكر والطمأنينة عدمه لا يسلب مسمى الصلاة.

اتضح أن الجانب السلبي لم ينهض الدليل عليه، ويقع الكلام في الجانب الإيجابي وهو مقومية الركوع والسجود والطهارة والتكبيرة لمسمى الصلاة.

 

الأمرين في الجانب الإيجابي

ويقع الكلام في أمرين:

الأول مقومية الأثلاث الثلاثة لمسمى الصلاة.

الثاني مقومية تكبيرة الإحرام لمسمى الصلاة.

وسيتضح أنه لم ينهض دليلٌ روائي على دخل هذه الأمور الأربعة في مسمى الصلاة.

 

الكلام في الجانب الإيجابي-أما الأمر الأول

وهو مقومية الركوع والسجود والطهور في مسمى الصلاة فيمكن استفادتها من الرواية المثلثة.

يحتمل في الرواية الأمران:

وفيه إن كلمة في هذه الرواية الصلاة ثلثها الركوع وثلثها السجود وثلثها الطهور يحتمل فيها أمران:

الامر الأول الصلاة المأمور بها.

الأمر الثاني مسمى الصلاة.

أما الأمر الأول فلو استظهرنا أن المراد بالصلاة الصلاة المأمور بها بدعوى انصرافها إلى الصلاة المعهودة والمطلوبة يعني الصلاة التي أمرك الله بها، الصلاة التي يطالبك الله بها ليس المراد مسمى الصلاة بل المأمور به من قبل الله هو الصلاة المثلثة.

فإن استظهرنا الأول أي الصلاة المأمور بها فالرواية تصبح أجنبية عما نحن فيه لأننا نبحث الأمور الدخيلة في المسمى ولا نبحث متعلق الأمر.

وإن استظهرنا المعنى مسمى الصلاة فإن التزمنا بأن الصلاة في رواية التثليث تحمل على مسمى الصلاة وعنوان الصلاة يعني عنوان الصلاة ما يثبت إذا لم يثبت أحد الثلاثة فإذا حملنا رواية التثليث على مسمى الصلاة فلابد أن نحمل رواية لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب على نفس هذا المعنى وهو دخالة الصلاة في المسمى.

الرواية عن محمد بن مسلم بسند صحيح عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة إلا أن يقرأ بها>[3] .

فلا بدّ من حمل الصلاة هنا على المسمى يعني مسمى الصلاة لا يصدق إلا بفاتحة الكتاب فتدخل فاتحة الكتاب في مسمى الصلاة، وبالتالي الداخل في قوام المسمى يصبح خمسة لا أربعة.

إشكال

قد يقال إن الأربعة وهي الطهور وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود تدخل مطلقاً في حالة التذكر والنسيان معاً بخلاف فاتحة الكتاب فإنها تثبت في خصوص حال التذكر ولا تثبت في حال النسيان ولا تثبت في حق الأخرس.

والجواب قد اتضح فيما سبق أن الجامع بناءً على الصحيح يمكن أن يكون بعض الأجزاء دخيلاً فيه على حالة وغير دخيل في حالة أخرى، فيقال: صلاة المتذكر هي ما جمعت أحد عشر جزءً ومنها فاتحة الكتاب بينما صلاة الناسي والأخراس والأبكم مكونة من عشرة أجزاء والفاتحة ليست جزءً منها.

إلى هنا اتضح أن روايات التثليث لا تنهض بدخول الثلاثة في قوام مسمى الصلاة وبذلك ينتهي الأمر الأول.

يحتمل في الرواية الأمران-الأمر الثاني ما دل على مقومية التكبير في مسمى الصلاة فيمكن استفادتها من رواية أن الصلاة فاتحتها التكبير، فكأن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ حملها على المسمى.

ولكن لو راجعنا روايات تكبيرة الإحرام لوجدناها على ستة طوائف ولا يصلح شيء منها لإثبات المطلوب وهو دعوة أن تكبيرة الإحرام داخلة في مسمى الصلاة.

الطوائف الستة في تكبيرة الإحرام

الطائفة الأولى ما دلّ على إجزاء تكبيرة واحدة في افتتاح الصلاة من قبيل رواية زرارة: <وتجزئك تكبيرة واحدة>.[4] .

ومن المعلوم أن الإجزاء إنما يكون بلحاظ امتثال الأمر لا بلحاظ صدق المسمى فلا تدل رواية الإجزاء على دخالة تكبيرة الإحرام في مسمى الصلاة، الإجزاء فرع الامتثال لا فرع الدخول في المسمى.

الطائفة الثانية ما دلّ على أن التكبير أنف الصلاة كما عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : <ولكل شيءٍ أنف، وأنف الصلاة التكبير>[5] .

لكن الطائفة الثانية لا تدل لعدم التمامية سنداً ودلالة.

أما من ناحية السند فقد وقع لهذا الحديث سندان:

السند الأول سهل بن زياد عن النوفل عن السكوني ولو وثقنا سهل بن زياد فإن النوفلي لم يثبت توثيقه، والسند الآخر محمد بن سعيد عن السكوني ومحمد بن سعيد لم يثبت توثيقه أيضاً.

ولو تنزلنا وقلنا بصحة الرواية عملاً بكلام الشيخ الطوسي في كتاب العدة من أن الطائفة عملت بروايات السكوني وغضضنا النظر عن ضعف السند وقويناه فإن دلالة الرواية ليست تامة لأن الأنفية لا تدل على المقومية للمسمى وقد يبتر أنف الشيء ويبقى الشيء شيئاً لأن الأنف ليس بداخل في قوام الشيء وحينما دخل الفرنسي إلى أرض مصر الحبيبة جدعوا أنف أبو الهول وبقي أبو الهول أبو الهول من دون أن يتغير.

الطائفة الثالثة ما دل على أن التكبير مفتاح الصلاة كرواية ناصح المؤذن عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث <فإن مفتاح الصلاة التكبير[6] .

هذا نصّ الرواية قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ هذا ناصح المؤذن: <إني أصلي في البيت وأخرج إليهم. قال: اجعلها نافلة ولا تكبر معهم في الصلاة فإن مفتاح الصلاة التكبير>.[7]

لكن هذه الرواية ضعيفة سنداً بناصح، وضعيفة دلالة لأن مفتاح الشيء بحسب الفهم العرفي لا يكون داخلاً في قوام الشيء ومسمى فالمفتاح ليس داخل في قوام الباب بل إن المفتاح أشبه بالشيء الخارج عن حقيقة الباب كمفتاح الدار فإنه خارج عن قوام الدار.

الطائفة الرابعة ما دل على حصر افتتاح الصلاة بالتكبير قوله ـ عليه السلام ـ : <الله أكبر لا تفتح الصلاة إلا بها>[8] .

وهذه الرواية ضعيفة سنداً مرويه عن أنس بن مالك وهي رواية نبوية ولو تمت سنداً لتعدد أسانيدها الضعيفة لقلنا أنه لفظة لا الواردة فيها يحتمل أن تكون نافية ويحتمل أن تكون ناهية فإن حملناها على النفي فيصير معنا الله أكبر لا تفتح الصلاة إلا بها فقد يقال بظهور الرواية في أن ابتداء الصلاة لا يكون إلا بالتكبير فهي تدل على الافتتاحية ولا تدل على أن التكبير داخلة في مسمى الصلاة.

ولو حملناها على النهي لا تفتح الصلاة إلا بها فهي تدل على الأمر بافتتاح الصلاة بالتكبير ولا تدل على أن التكبير داخل في مسمى الصلاة.

الطائفة الخامسة ما دلّ على أن تحريم الصلاة بالتكبير كما عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ <افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم>[9] .

وهذه الرواية لا ربط لها بمسألة تحريم المنافيات بالتكبير وأن التكبير داخل في المسمى وعدمه هي تدل على أن تحريم الصلاة وحرمتها بالتكبير ولا تدل على أن التكبير داخل في مسمى الصلاة.

الطائفة السادسة والأخيرة وهي أقوى والطوائف الستة دلالةً وهي ما دلّ على أنه لا صلاة بدون افتتاح كرواية عمار <سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: يعيد ولا صلاة بغير افتتاح>[10] .

فقد يقال إن قوله ـ عليه السلام ـ : <لا صلاة بغير افتتاح يدل على نفي المسمى بغير الافتتاح>.

وفيه حلاً ونقضاً

الجواب الحَلي

أما الحل فهذه الرواية اقترنت بما يصلح للدلالة على القرينية فيكون المراد بالنفي النفي بلحاظ الوظيفة لا النفي بلحاظ المسمى لأن الرواية هكذا ورد فيها <يعيد الصلاة> والإعادة ناظرة إلى وظيفة المكلف فأطلق لفظ الصلاة على الفاقد للافتتاح، لأن الصلاة هنا أريد بها الصلاة بلحاظ الوظيفة لا الصلاة بلحاظ المسمى وإلا أصلاً بدون تكبيرة الإحرام ما يصدق عليها أنها هي صلاة والإمام يقول: <لمن لم يكبر يعيد الصلاة> يعني يعيد الصلاة التي وظيفته أن يأتي بها، فهنا أطلق لفظ الصلاة بلحاظ الوظيفة لا بلحاظ المسمى والقارينة على ذلك لفظت يعيد التي هي ناظرة إلى الوظيفة الشرعية العملية للمكلف.

الجواب النقضي

وثانياً النقض بقوله ـ عليه السلام ـ : <لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب[11] ، وبقوله ـ عليه السلام ـ : <لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة>[12] .

وغير ذلك من الروايات الوار بلسان لا صلاة لمن لم يأتي بكذا.

فإن استظهرنا من هذه الروايات نفي المسمى يلزم أن يدخل في المسمى فاتحة الكتاب وأن يدخل في مسمى أن يقيم صلبة يعني أن يقوم بشكل معتدل لأنه ما يصدق على أنه قائم تدخل كلها.

وإن التزمنا أنها ليست داخلة في القوام فلنلتزم أيضاً بأن تكبيرة الإحرام ليست داخلة في القوام.

الخلاصة

اتضح من الطوائف الستة أنها لا تدل على أن تكبيرة الإحرام داخلة في قوام مسمى الصلاة، وبالتالي اتضح أنه لم ينهض دليل على الأمر الإيجابي ولم ينهض دليل على الأمر السلبي، وهذا تحليل لكلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ الذي قال بأن أسماء موضوعة للأعم لا الصحيح.

واتضح أن الجهة السلبية والإيجابية لم ينهض دليل عليهما الإثبات الجامع للأعمي يبقى الكلام في جامع الصحيح.

أدلة القول بأن أسماء العبادات قد وضعت للصحيح أهمها أربعة يأتي عليها الكلام.

 


[2] تقرير السيد كاظم الحائري، مباحث الأصول، ج1، ص340..تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، ج3، من المجلد الأول، ص50.والمحاضرات
[5] وسائل الشيعة، ح4، الباب6 من أعداد الفرائض..وأيضاً الباب1 من تكبيرة الإحرام، ح6، وسائل الشيعة، ج4، ص24 و 25
[6] الوسائل، ج6، من تكبيرة الإحرام، ح7..وأيضاً رواها كاملة في ج8، الباب6 من صلاة الجماعة، ح7، ص304

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo