< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصحيح والأعم - هل أسامي العبادات موضوعه لخصوص الصحيح أم للأعم؟

 

الجهة الخامسة-وضع أسامى العبادات

الجهة الخامسة في تحقيق أصل المطلب وهو أنه هل أسامي العبادات موضوع بخصوص الصحيح أو للأعم من الصحيح والفاسد؟

اختار سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ أن أسماء العبادات موضوعة للأعم، وذكر للاستدلال على ذلك جملة من الرواية.

السر في ركون الي الروايات

فما هو السر في ركون السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى الروايات في هذه المسألة الأصولية مع أنه ينبغي تحقيق وتنقيح المسمى والجامع، فما هو مسمى العبادة؟

وقد أفاد سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ وعافاه في تقرير بحث الشهيد الصدر[1] : بأن الذي يبدو من كتاب محاضرات أصول الفقه وهو تقرير المرجع الكبير الشيخ محمد إسحاق الفياض السيد الخوئي أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لا يؤمن بالجامع بين الأفراد الصحيحة، ويؤمن بوجود جامع خصوص الأعم ففي الأعم من الصحيح والفاسد يوجد جامع، وأما في خصوص الصحيح لا يؤمن بوجود جامع، وبالتالي فإن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ليس بحاجة بعد ذلك إلى إقامة الدليل على الأعم نظراً لوجود جامع الأعم إذ بعد فرض عدم الإيمان بالجامع بين الأفراد الصحيحة والإيمان بوجود جامع للأعم من الصحيح والفاسد ينحصر الأمر في دعوة تسمية للأعم فكأنما الرجوع إلى الروايات إنما هو لتشخيص حدود الأجزاء والشرائط التي لا بد من تواجدها في المسمى لا لتشخيص أو أصل كون الصلاة اسماً للصحيح أو الأعم. [2]

إذا الرجوع إلى الروايات لتشخيص حدود الأجزاء والشرائط المعتبرة في تحقق المسمى وليس الرجوع إلى الروايات لكي نرى أن العبادات وضعت للأعم أو للأخص.

مثال الصلاة

وأفضل مثال نبحثه هو مثال الصلاة فهل لفظ الصلاة الوارد في الآيات والروايات موضوع لخصوص الصلاة الصحيحة المؤلفة من أحد عشر جزءً وعدة شرائط أو لفظ الصلاة موضوع للأعم من الصلاة الصحيحة والفاسدة وهكذا لفظ الحج هل هو موضوع لخصوص لفظ لخصوص الحج الصحيح أو موضوع للأعم من الحج الصحيح والحج الفاسد؟

اختار السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن لفظ الصلاة والحج وغيرهما من العبادات موضوع للأعم من الصحيح والفاسد.

الشارع هو المرجع في مسمى العبادات

وقال ـ قدس سره ـ : <إن الصلاة موضوعه للأركان الأربعة بنحو الجامع اللا بشرط>، وقال في مقام تقريب ذلك: إن أسماء العبادات تأسيسية وموضوعة على يدّ الشارع وليست إمضائية كأغلب المعاملات فالشارع هو المرجع في تشخيص مسمى العبادات لذلك نرجع إلى الروايات لنعرف المسمى في العبادات المختلفة.

المتحصل من الروايات

والمتحصل من الروايات الواردة في كتاب الصلاة وأجزائها وشرائطها أن لفظ الصلاة موضوع للأركان الأربعة وهي تكبيرة الإحرام والركوع والسجود والطهور، فما هو مدرك هذه الأركان الثلاثة؟

أما بالنسبة إلى التكبير فقد دلت بعض الروايات على كون التكبير افتتاحاً للصلاة[3] ، كما أن الأركان الثلاثة الأخر وهي الركوع والسجود والطهور قد دل عليها جملة من الروايات ونصت على أن الصلاة ثلثها ركوع وثلثها سجود وثلثها طهور[4] .

ولكننا قد نقع في مشكلة وهي أنه إذا كانت الصلاة مؤلفة من ثلاثة أثلاث فلا معنى للرابع وهو تكبيرة الإحرام، إذ أن الصلاة مؤلفة من ثلاثة أجزاء وبتحقق الأجزاء الثلاثة يتحقق مركب الصلاة فلا معنى لإدخال تكبيرة الإحرام.

لكن يقال أنه بدون تكبيرة الإحرام لا صلاة فتكبيرة الإحرام مدخلٌ لتحقق عنوان الصلاة فإذا تحقق هذا العنوان لابدّ من التأكد من تحقق أجزائه وهي الركوع والسجود والطهور.

إذاً الصلاة متقومة بأربعة أركان، وهي: التكبير والركوع والسجود والطهور، فلفظ الصلاة موضوع للأعم من الصلاة الصحيحة المتوفرة على هذه الأركان الأربعة ومن الصلاة الفاسدة إذا توفرت على هذه الأركان الأربعة، ومتى ما اختل واحد من هذه الأربعة فلا صلاة وإن وجدت بقية الأجزاء.

 

الجهتان في كلام السيد الخوئي

إذاً كلام السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ ينحل إلى جهتين إحداهما سلبية والأخرى إيجابية.

الجهة الأولى

سلبية وهي أن غير هذه الأمور الأربعة ليس دخيلاً في مفهوم الصلاة ومسماها فأي ليس فيها تكبير أو طهور أو ركوع أو سجود فلا يصح أن نطلق عليه مسمى الصلاة هذه جهة سلبية.

الجهة الثانية

إيجابية وهي أن هذه الأمور الأربعاء التكبير والطهور والركوع والسجود دخيلة في مفهوم الصلاة ومسماها.

أما الجهة السلبية فهي موضع خلاف السيد الخوئي وبين القائلين بالصحيح،
وأما الجهة الإيجابية فيتفق السيد الخوئي مع القائلين بالصحيح فكل منهما الصحيحي والأعمي يشترط في صدق مسمى الصلاة تحقق الأركان الأربعة فأي صلاة ليس فيها تكبير ولا ركوع ولا سجود ولا طهور ليست بصلاة بناءً على القول بالصحيح وبناءً على القول بالأعم فالجهة الإيجابية أي إيجاب الأجزاء والأمور الأربعة لمسمى الصلاة هذا مسلم عند الصحيحين وعند الأعمي.

لابد من بحث الدليل على الجهة السلبية

لكن موطن الخلاف في الجهة السلبية فلا بدّ من بحث الدليل على الجهة السلبية، ودعوى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن لفظ الصلاة وأمثالها من العبادات قد وضعت للأعم من الصحيح والفاسد وهذا مرهون بإثبات الجهة السلبية لا الجهة الإيجابية أي أن الصلاة التي لا تتوفر على التكبير والركوع والسجود والطهور لا يستحق مسمى الصلاة مع أنه ليس في كلام السيد الخوئي ما يدل على أن غير هذه الأربعة غير دخيل في مسمى الصلاة،

الإستدلال على الجهة السلبية بوجوه ثلاثة

وغاية ما يمكن أن يتوهم الاستدلال به على الجهة السلبية أحد وجوه ثلاثة:

الإستدلال على الجهة السلبة-الوجه الأول

أن يقال أن غير هذه الأمور الأربعة ليس ركناً بمعنى أن الإخلال بغير الأربعة سهواً لا يبطل الصلاة وهذا يعني أن غير الأربعة ليس دخيلاً في مسمى الصلاة بحيث أنه لا صلاة بدون قراءة، لا صلاة بدون قيام، لا صلاة بدون تشهد أو تسليم، فيعرف أن مسمى الصلاة يتحقق إذا تحققت الأركان الأربعة التكبير والركوع والسجود والطهور، وما عدا هذه الأمور الأربعة فليس بدخيل في صدق مسمى وعنوان الصلاة.

عدم تمامية هذا الوجه

ولكن هذا الوجه ليس بتام، وقد بينا وجه عدم التمامية حينما تطرقنا إلى تصوير الجامع على الصحيحي فمن قال أن من التزم أن أسماء العبادات موضوعة لخصوص الصحيح يقول أنه بمجرد سقوط جزء سهواً تبطل الصلاة فهذا لا يلتزم به بعض من قال بالصحيحي بل إن الصحيحي يدعي وجود جامع للصحيح عند التذكر فيقول القراءة والتشهد والتسليم واجب عند التذكر ومغتفر عند السهو والنسيان، فيقول هذه الأجزاء الأحد عشر غير الأركان دخيلة في المسمى ودخيلة في جامع العبادة عند التذكر، وفي حال النسيان فإن الصلاة تصح لو نسي القراءة أو لو نسي سجدة أو لو نسي التشهد.

مسألتان، فقهية وأصولية

إذا عندنا مسألتان: مسألة فقهية ومسألة أصولية.

المسألة الفقهية وهي أن الصلاة بلا تشهد إذا صدرت من الناسي فهي صلاة صحيحة والقائل بالصحيح لا يستشكل في صحة الصلاة التي نسي التشهد فيها.

ومسألة أصولية وهي أن الجزء جزء عند التذكر لا عند النسيان، فالجزء داخلٌ في مسمى العبادة وجامع العبادة عند التذكر لا عند النسيان، وهذه مسألة أصولية.

إذاً الوجه الأول ليس بتام.

الإستدلال على جهة السلبة-الوجه الثاني من يستقري الروايات الشريفة يرى أنها تنص على دخل هذه الأمور الأربعة في المسمى ولا نصّ على غيرها، وبذلك يستكشف عدم دخول غيرها، فمن يتتبع الروايات الشريفة يلحظ أنها تنص على أن التكبير والركوع والسجود والطهور دخيل في مسمى الصلاة وإنما عدا هذه الأربع ليس دخيلاً في مسمى الصلاة، ولم نرى الروايات تشير إلى أمر خامس دخيل في مسمى الصلاة فنفهم أن ما عدا الأربعة ليس دخيلاً في مسمى الصلاة.

وفيه لاحظ الدقة هذا الوجه موقوفٌ على أمور وهو أن يتعلق غرض الشارع ببيان تمام ما له دخل في المسمى وأنى لنا بإثبات ذلك من قال أن الشارع المقدس غرضه دائماً يبين المسمى ويبين جميع الأجزاء الداخلة في المسمى الشارع غرضه بيان الواجب وتمام ما له دخل في الواجب وفرق في البين بين الأمرين بين أن يبين الواجب وما يدخل في الواجب وبين أن يبين المسمى وما يدخل في المسمى، الشارع نحن نحرز أن غرض بيان الواجب الصلاة واجبة وما له دخل في بيان الواجب كل ما يدخل في بيان وجوب الصلاة والحج والزكاة والخمس ولكننا لا نحرز أن الشارع دائماً يبين المسمى، ما هو مسمى الخمس؟ ما هو مسمى الحج؟ ما هو مسمى الصلاة؟ هذا يحتاج إلى دليل.

ولو رجعنا إلى صحيحة حماد بن عيسى غريق الجحفة لوجدنا أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان ما له دخل في الواجب لا ما له دخل في المسمى.

ولا بأس نذكر هذه الرواية لترقيق القلب حماد بن عيسى غريق الجحفة من الفقهاء الكبار عاصر الباقر والصادق والكاظم ـ عليهم السلام ـ دخل على الإمام الكاظم ـ عليه السلام ـ قال يا ابن رسول الله ادع لي بزوجة وخادم ودار والحج في كل عام فرفع الإمام ـ عليه السلام ـ يديه إلى السماء، وقال: اللهم ارزقه زوجته وخادماً وداراً والحج خمسين سنة، قال: فلما قال خمسين سنة علمت أنني لا أعمر أكثر من خمسين سنة.

يقول: واستجاب الله دعائه فهذه الدار اشتريتها وزوجتي خلف الستار وهذا خادمي حججت نيفا وأربعين حجة إلى أن أكمل الخمسين فلما جاء العام الحادي والخمسون ذهب إلى الحج نزل الجحفة ميقات أهل الشام والمغرب لكي يغتسل ويعقد إحرامه فجاء السيل وجرفه فسمي بغريق الجحفة.[5]

هذا من الفقهاء الكبار أيام الإمام الباقر والصادق ـ عليه السلام ـ حماد بن عيسى هذا دخل على الإمام الصادق والكاظم هو من الكبار في الطبقة الوسطى الإمام الصادق والكاظم الفقهاء الكبار للباقرين زرارة ومحمد بن مسلم عموماً الشاهد هنا دخل على الإمام الصادق فقيه كبير قال: يا حماد قم وصلي صلاة الإمام قال: يا ابن رسول الله أنا احفظ كتاب حريز، حريز بن عبد الله السجستاني عنده كتاب خاص بماذا؟ بالصلاة.

أنا احفظ كتاب حريز يعني في صغري وشبابي كل كتاب حريز حافظنه.

فقال الصادق ـ عليه السلام ـ : لا عليك يا حماد قم وصلّ.

قام وصلى حماد فلما انفتل من صلاته، قال: ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه الخمسين سنة والستين سنة وهو لا يحسن صلاة واحدة.[6]

الإمام أراد أن يؤدب حماد أنت وين وصلت إلى الفقاهة؟ لكن أعتني بعبادتك هنا الفقهاء يحملون على التمامية أن يحسن صلاة واحدة ليس المراد الإتيان بتمام الأجزاء والشرائط لا المراد الصلاة بخشوع هذا المراد بإتقان الصلاة وأن تكون حسنة.

هذا تمام الكلام في الوجه الثاني.

الوجه الثالث يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo