< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:جلسة89.المقدمة-الصحيح والأعم- الجهة الرابعة تصوير ثمرة النزاع بين الصحيحي والأعمي

 

ثمرة النزاع

وقد ذكرت عدة ثمار نقتصر على بيان ثمرتين:

الثمرة الأولى
إجراء البراءة بناءً على القول بالأعم وإجراء أصالة الاشتغال بناءً على القول بالصحيح.

المقدمتان

وتصوير هذه الثمرة يحتاج إلى بيان مقدمتين كلاهما لا يخلو من الإشكال، فتكون النتيجة النهائية عدم صحة هذه الثمرة[1] .

المقدمة الأولى
أن يدعى بأن القول بالوضع للأعم يستلزم كون الجامع جامعاً تركيبياً، وأن القول بأن وضع للصحيح يستلزم كون الجامع جامعاً بسيطاً على ما إدعاه صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ من استحالة الجامع التركيبي على الصحيح، فكأن القول بأن الوضع للأعم ملازم للقول بأن الجامع تركيبي كما أن القول بالوضع للصحيح ملازمٌ للقول بأن الجامع عنوان بسيط[2] .

المقدمة الثانية
إذا شكّ في وجوب السورة مثلاً وعدم فإن كان الواجب جامعاً تركيبياً بمعنى أن المركب بنفس أجزائه كان معروضاً للوجوب وقد جعل الوجوب على نفس الأجزاء فحينئذ يكون المقام من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر لأن الوجوب ينبسط على نفس الأجزاء فنشك إن الصلاة الواجبة هل هي الصلاة ذات التسعة أجزاء بدون السورة أو هي الصلاة ذات العشرة أجزاء مع إضافة السورة؟! فنشك في انبساط الوجوب على الجزء العاشر وهو السورة، وهذا من موارد الشك في أصل التكليف إذ نشك في أصل وجوب الشيء وأصل الجزئية.

ومن الواضح أن مورد جريان البراءة الشرعية هو الشكّ في التكليف لا الشكّ في المكلف به.

ومن الواضح أنه في موارد دوران الوجوب بين الأقل والأكثر الارتباطيين كالتسبيحة والثلاث تسبيحات أو التسعة والعشرة هذا ينحل إلى ماذا؟ وجوب الأقل وهو التسعة أو التسبيحة وشكّ في وجوب الزائد وهي التسبيحتان أو الجزء العاشر فيكون من موارد الشك في أصل التكليف وأصل الجزئية فيكون مجرى للبراءة الشرعية.

إذاً مفاد المقدمة الثانية أن الجامع إذا كان تركيبياً فهو مجرى لجريان أصالة البراءة، وأن الجامع إذا كان بسيطاً فهو مجرى لأصالة الاشتغال لأنه يكون من موارد الشكّ في المحصل فمعروض الوجوب ليس نفس الأجزاء التسعة أو العشرة بل إن الوجوب قد عرض على عنوان واحد بسيط كعنوان اللاهوت أو عنوان الصلاة، وهذا العنوان الواحد البسيط لا ينسحب ولا ينبسط على الأجزاء، فمعروض الوجوب واحدٌ بسيطٌ وهو عنوان الصلاة غاية ما في الأمر نشك في محصل عنوان الصلاة، فهل يحصله ويحققه الأجزاء التسعة أو يحصله ويحققه الأجزاء العشرة؟ فيكون من موارد الشك في المحصل.

ومن الواضح أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ باليقيني فاشتغال الذمة بوجوب الصلاة يستدعي الاحتياط والإتيان بالأجزاء العشرة، واشتغال الذمة بالتسبيح يستدعي الاحتياط والإتيان بالتسبيحات الثلاث.

خلاصة المقدمة الثانية

إذا كان الجامع تركيبياً كان مورداً لجريان أصالة البراءة، وإذا كان الجامع بسيطاً كان مورداً لجريان أصالة الاشتغال.

فلنجمع كلتا المقدمتين

المقدمة الأولى مفادها إن القول بالأعم يستلزم القول بالجامع التركيبي، وإن القول بالصحيح يستلزم القول بأن الجامع بسيط.

المقدمة الثانية الجامع التركيبي مجرى لأصالة البراءة والجامع البسيط مجرى لأصالة الاشتغال.

النتيجة بمجموع المقدمتين

بناءً على القول بالأعم يكون الجامع تركيبياً فيكون مجرى لأصالة البراءة، وبناءً على القول بالصحيح يكون الجامع بسيطاً، وبالتالي يكون مجرى لأصالة الاشتغال.

فتكون هذه الثمرة أنه بناءً على القول بالأعم تجري البراءة، وبناءً على القول بالصحيح تجري أصالة الاشتغال.

الإشكال على كلتا المقدمتين

لكن كلتا مقدمتين محل إشكال.

أما المقدمة الأولى
وهي القول بأن الوضع للأعم يستلزم أن يكون الجامع تركيبياً، وأن الوضع للصحيح يستلزم أن يكون الجامع بسيطاً فهذا الأمر غير صحيح، وقد تقدم في البحوث السابقة حينما ناقشنا صاحب الكفاية، وقلنا إن الجامع التركيبي معقول على كلا القولين، وأن الجامع التركيبي متصورٌ ومعقولٌ بناءً على القول بالصحيح وبناءً على القول بالأعم.

كما تطرقنا أيضاً إلى أن الجامع البسيط لو تعقلناه وقلنا بإمكانه بناءً على القول بالصحيح فأيضاً يمكن تصوره وتعقله بناءً على القول بالأعم إذ نبدل القضية من قضية تنجيزية إلى قضية مهملة.

وهذا تقدم في السنة الماضية هذا أول درس من السنة الجديدة تتمة لأبحاث السنة الماضية.

إذاً الجامع التركيبي والجامع البسيط كلاهما معقولٌ بناءً على القولين فلا ملازمة في البين فتسقط المقدمة الأولى وهي الملازمة بين القوم بالأعم وأن يكون الجامع تركيبياً والملازمة بين القول في الصحيح وأن يكون الجامع بسيطاً هذا تمام الكلام في مناقشة المقدمة الأولى.

مناقشة المقدمة الثانية
وهي أن الجامع التركيبي مجرى للبراءة والجامع البسيط مجرى لأصالة الاشتغال.

فقد ناقش فيها المحقق الخراساني صاحب الكفاية[3] يراجع حقائق الأصول.

ومفاد كلامه ـ قدس الله نفسه الزكية ـ هو أن البراءة تجري على كلا التقديرين سواء كان الجامع تركيبياً وسواء كان الجامع بسيطاً، فإذا كان الجامع تركيبياً فالمسألة واضحة إذ يدور الأمر إذا كان الجامع تركيبياً بين الأقل والأكثر الارتباطيين ويؤول مرجعه إلى علم بالقدر المتيقن وهو الأقل وشكّ في الأكثر وهو الزائد، وهذا من موارد الشكّ في أصل التكليف بالزائد والجزء فيكون مجرى للبراءة الشرعية وهذا واضح لا غبار عليه.

الجامع البسيط على نحوين

إنما الكلام في جريان البراءة الشرعية بناءً على كون الجامع بسيطاً، فقال صاحب الكفاية[4] ـ رحمه الله ـ ما ملخصه: إن الجامع البسيط على نحوين:

النحو الأول أن يكون الجامع البسيط موجوداً بوجودٍ طولي مغايرٍ لوجود الأجزاء.

مثال ذلك:

جامع القتل وجامع الموت موجودٌ هذا الجامع القتل والموت مغايرٌ لوجود الضرب، فالقتل والموت فرع الضرب إذ لو لم يضرب لما مات، فجامع القتل وجامع الموت بسيط وهو في طول الضرب وليس نفس الضرب فالجامع طولي مغاير لنفس الأجزاء فجامع القتل والموت لنفس الضرب ونفس هذه الأجزاء لكن القتل والموت فرع تحقق الضرب أي فرع وجود هذه الأجزاء.

هذا النحو الأول أن يكون الجامع بسيطاً ومغايراً للأجزاء بل هو في طول الأجزاء.

النحو الثاني
أن يكون الجامع البسيط موجوداً بنفس وجود الأجزاء بحيث يحمل الجامع البسيط على الأجزاء بالحمل الشائع الصناعي لكونه منتزعاً منها.

ومن الواضح أن الجامع الانتزاعي موجودٌ بوجود أصل وجود منشأ انتزاعي.

إذاً اتضح هذان النحوان جامع بسيط مغاير لنفس الأجزاء

أما النحو الأول

وهو النحو الأول، جامع بسيط موجود هو عبارة عن نفس الأجزاء هذا النحو الثاني، إذا اتضح هذا يقول صاحب الكفاية: إن الجامع البسيط إن كان من النحو الأول وهو الجامع الطولي المغاير لنفسه الأجزاء فحينئذٍ يكون الشكّ في الجامع شكاً في المحصل.

يعني هل هذا الضرب يحصل الموت أو لا؟ هل هذا الضرب يحصل القتل أو لا؟ فيكون مورده من موارد الشكّ في المحصل.

ومن الواضح أن أصالة الاشتغال تجري في موارد الشكّ في المحصل، إذاً النحو الأول من الجامع البسيط مجرى للاشتغال.

وأما النحو الثاني

وهو أن يكون الجامع موجوداً بنفس أجزائه فهذا يعني أن الجامع البسيط ينبسط على نفس وجود الأجزاء فهذا الجامع هو عين وجود الأجزاء، فيكون الشكّ شكاً في سعة دائرة هذا الوجود المنبسط وضيقه، فيؤول إلى أن الأجزاء مردده بين الأقل والأكثر، فنشكّ في أن هذا الجامع من النحو الثاني وهو الجامع البسيط الموجود بنفس وجود أجزائه هل يوجد في الإطار الواسع من الأجزاء أو يوجد في الإطار الضيق من الأجزاء؟ فيرجع إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر لأن الجامع مردد بين الوسيع والضيق، فيكون من موارد الشكّ في أصل الوجوب لا المحصل فيكون مجرى لأصالة البراءة.

وبالتالي اتضح أنه يمكن جريان البراءة الشرعية في الجامع البسيط فيما إذا كان الجامع البسيط من النحو الثاني.

فتكون النتيجة البراءة الشرعية جرت في التركيبي لدورانه بين الأقل والأكثر وجرت أيضاً في الجامع البسيط فيما إذا كان من النحو الثاني لدورانه بين الأقل والأكثر والسعة والضيق.

والتحقيق في المقدمة الثانية هو أن يقال:

أن الجامع إذا كان تركيبياً فمن الواضح أنه من موارد جريان البراءة الشرعية لأنه من موارد جريان الأمر والوجوب بين الأقل والأكثر فيرجع إلى الشكّ في جزئية الجزء العاشر فيكون مجرى للبراءة، وأما إذا كان الجامع بسيطاً فقد ذكر صاحب الكفاية نحوين من أنحاء الجامع البسيطـ، وذكر الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ خمسة أنحاء للجامع البسيط.

وخلاصة المناقشة
التي ستأتي إن شاء الله في الدرس القادم أنه بناءً على الجامع البسيط يوجد تفصيل بين الأنحاء الخمسة، فبناءً على النحو الأول والرابع والخامس تجري البراءة الشرعية، وبناءً على النحو الثاني والثالث تجري أصالة الاشتغال.

تفصيل الكلام في الأنحاء الخمسة للجامع البسيط يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo