< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/11/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن والثمانون: المقام الثاني في تصوير الجامع على الأعمي

 

قد اتضح أنه يمكن تصوير الجامع على الصحيحي، وسيتضح أن شاء الله تعالى أنه أيضاً يمكن تصوير الجامع على الأعمي، إلا أن صاحب الكفاية ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ أفاد أن تصوير الجامع على الأعمي في غاية الإشكال[1] .

ووجه هذا الإشكال أن تصوير الجامع على الأعمي إما أن يكون جامعاً بسيطاً أو جامعاً مركباً، وعلى كليهما أورد صاحب الكفاية الإشكال، وسيتضح أنه يمكن دفعه.

الاحتمال الأول أن يكون الجامع بسيطاً على حدّ الجامع البسيط الذي إدعاه المحقق الخراساني في الصحيحي، ولكن لا يوجد بناءً على القول بالأعم أثرٌ مشتركٌ بين الصلوات الصحيحة والفاسدة حتى يستكشف من وحدة الأثر وحدة المؤثر، فإن الصلاة الفاسدة، والحج الفاسد، والعبادة الفاسدة لم يقم دليلٌ على تأثيرها بنحو العلة الناقصة فضلاً عن نحو التامة.

وبناءً على ذلك لا يمكن استكشاف الجامع البسيط ببرهان أن الواحد لا يصدر إلا من واحد، فمن هنا استشكل صاحب الكفاية في الجامع البسيط على الأعمي مع أن صاحب الكفاية قد تصور الجامع البسيط بناءً على الصحيحي وأنكره بناءً على الأعمي.

الاحتمال الثاني أن الجامع الأعمي مركباً بحيث تؤخذ بعض القيود، ويقال أنها متى ما حفظت فالجامع محفوظٌ في ضمنها.

وبناءً على هذا الاحتمال الثاني وهو أن يكون الجامع الأعمي مركباً، يوجد احتمالان وتصوران، فيمكن تصوير الاحتمال الثاني على أحد نحوين:

النحو الأول أن تؤخذ أجزاءٌ بعينها وذواتها من قبيل الأركان الخمسة في الصلاة، وهي: النية وتكبيرة الإحرام والقيام المتصل بالركوع والركوع والسجود، ويقال بأن الأركان الخمسة هي الجامع فمتى ما وجدت وجد الجامع والصلاة موجودة، ومتى ما فقد أحد الأركان الخمسة فالصلاة معدومة.

إذاً الاحتمال الأول تؤخذ أجزاء معينة بذاتها كذات الأركان الخمسة.

الاحتمال الثاني أن يؤخذ مقدارٌ من الأجزاء معينٌ عدداً لا ذاتاً بأن يقال أن الصلاة مؤلفة من أحد عشر جزءً والصلاة وجامع الصلاة عبارة عن خمسة من هذه الأحد عشر ولا تعين هذه الخمسة أنها خصوص الأركان الخمسة كالركوع والسجود والقيام والنية وتكبيرة الاحرام.

فيقال في النحو الثاني إن الجامع هو عبارة عن خمسة أجزاء لا بعينها أي خمسة ضمن أحد عشرة جزءً فالجامع محفوظٌ فإذا جيء بالخمسة فالجامع محفوظ، وإذا قلت الأجزاء عن خمسة فالجامع غير محفوظ.

لكن صاحب الكفاية ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ أشكل على الجامع التركيبي وهو الاحتمال الثاني بكلا نحويه بأن هذا لازمه إطلاق لفظ الصلاة بشكلٍ مجازي لا حقيقي لأن لفظ الصلاة يطلق على الصلاة الصحيحة تامة الأجزاء والشرائط وكذلك يطلق على بعض الأجزاء إطلاقاً عنائياً من باب إطلاق اللفظ الموضوع للجزء وهو خصوص الخمسة، وإرادة الكل أحد عشر جزءً.

فلفظ الصلاة موضوعٌ للجامع التركيبي حسب الفرض، والجامع التركيبي هو إما الأركان الخمسة ذاتاً كما في الاحتمال الأول أو الأجزاء الخمسة عدداً لا ذاتاً كما في الاحتمال الثاني.

إذاً الجامع يطلق على البعض وهو خصوص الخمسة، ويطلق على الكل سواءً كان أحد عشر، عشرة، تسعة فيكون إطلاق لفظ الصلاة على المجموع المركب من الأركان الخمسة وغيرها إطلاقاً مجازياً.

وناقش الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ في إشكال صاحب الكفاية، فإشكال صاحب الكفاية بناءً على الاحتمال الأول وهو كون الجامع بسيط على الأعمي، وقال أنه لا يعقل تصوير الجامع بشكلٍ بسيط بناءً على القول بالأعم، وإن أمكن تصوير الجامع البسيط بناءً على القول بخصوص الصحيح.

إلا أن الشهيد الصدر ناقش في ذلك، وقال: يمكن تصوير جامع بسيط بناءً على القول بالأعم، كأن نقول: إن جامع الصلاة هو اللاهوت، ونفرق الصحيح والأعم باللاهوت بالفعل واللاهوت في زمانٍ ما، فمثلاً: الصلاة الصحيحة وهي الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط يصدق عليها أنها لاهوت بالفعل، وأما الصلاة التي ليس فيها قراءة كصلاة الأخراس فإنه يصدق عليها أنها لاهوت في زمنٍ ما ومن فاعلٍ معين وهي خصوص الأخرس، وليست لاهوتاً بالفعل من غير الأخرس كالصحيح القادر على القراءة.

إذاً يمكن تصوير جامع بسيط انتزاعي وهو عنوان اللاهوت، فيقال: الصلاة الصحيحة، والحج الصحيح، هو للاهوت بالفعل، والصلاة الفاسدة أو الصلاة الأعم من الصحيح والفاسد موضوعة لجامع الانتزاع وهو اللهوت في زمان ما ومن فاعلٍ معين، فمثلاً: صلاة الجالس أو المومئ غير القادر لاهوتٌ في زمن عجزه، وليست لاهوتاً من القادر المستطيع.

إذاً يمكن تصوير جامع بسيط بناءً على القول بالأعمي إذا قبلناه على الصحيحي.

هذا تمام الكلام في ردّ إشكال الآخوند الخراساني على الاحتمال الأول أن يكون الجامع بسيطاً.

وأما إشكال الآخوند الخراساني على الاحتمال الثاني وهو أن يكون الجامع مركباً على الأعمي فقد حاول السيد الخوئي[2] ـ رحمه الله ـ الإجابة عنه، ببيان أن لا بشرط له معنيان:

المعنى الأول أن يلحظ الشيء لا بشرط من ناحية شيء آخر بحيث أن الشيء الآخر على فرض وجوده يكون أجنبياً عنه وعلى فرض عدمه يضر عدمه به، من قبيل ملاحظة الماء لا بشرط من ناحية الكأس، فإن معنى هذا أنه لو وجد الماء في الكأس فالكأس أجنبي عن الماء، ولو لم يوجد الكأس ووجد الماء على الأرض فلا يضر هذا بمائية الماء.

هذا النحو الأول من اللابشرطية يعني لو وجد الشرط لا يدخل في القوام، فالشرط وجوده وعدمه سيان.

المعنى الثاني أن يلحظ الشيء لا بشرط بالإضافة إلى شيءٍ آخر بحيث يكون عدمه غير مضر كما هو الحال في المعنى الأول، ولكن إذا وجد فإن وجوده يكون دخيلاً وليس أجنبياً، من قبيل ما لو قلنا: إن الكلمة ما تكونت من حرفين فصاعداً، فلفظ قم يصدق عليه أنه كلمة لأنه تألف من حرفين فقط القاف والميم، ولكن لفظ زيد أيضاً كلمة لأنه تألف من حرفين على الأقل.

لكن هذا لا يعني أننا نكتفي بخصوص حرف الزاء والياء وحرف الدال لا دلالة له بل تمام الحروف الثلاثة الزين الزاء والياء والدال لها دخلٌ في تحقيق معنى زيد.

إذاً المعنى الثاني لـ اللابشرط هو أن لا يكون ووجود الزائد مضراً كما أن الكأس لا يكون مضراً بالماء، ولكن إذا وجد الزائد كان له مدخلية في المعنى بخلاف الكأس لو وجد فليست له مدخلية في الماء، ولكن تألف كلمة زيد من ثلاثة حروف له دخلٌ في تحقيق معنى زيد.

إذا اتضح هذا يقول السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ : الجامع الأعمي التركيبي الملحوظ في المقام، هل هو من قبيل المعنى الأول؟ يعني لحاظ الماء بالنسبة إلى الكأس أو هو من قبيل الثاني أنه من قبيل قم وزيد أنه إذا وجد الزائد كان دخيلاً.

يقول السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ : الجامع التركيبي للأعمي هنا هو من قبيل الثاني أي أنه إذا عدم الزائد لا يضر، وإذا وجد كان دخيلاً ولا يكون أجنبياً.

وبالتالي نقول هكذا:

الصلاة مؤلفة من خمسة أركان إن عدم ما عدا الخمسة من الأجزاء الأحد عشر فهذا لا يضر، ولكن إن وجد فهو دخيلٌ في قوام الصلاة فهو ليس من قبيل الماء بالنسبة إلى الكأس بل من قبيل لفظ زيد وعيسى وبقية الأسماء التي كلما زاد حرف دخل في القوام.

ثم ناقش الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ أستاذه السيد الخوئي بنقاش دقيق وعميق[3] يقول الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ في مناقشة السيد الخوئي يقول:

تارة نحن نلحظ الجانب العرفي وتارة نلحظ الجانب الدقي في العلوم، إن لحظنا الجانب العرفي فما ذكره السيد الخوئي صحيح وواقع، فبعض الأشياء الزائدة إن حذفت لا تضر، ولكن إن وجدت فإما لا تدخل في القوام كالكأس بالنسبة إلى الماء، وإما تدخل في القوام كحروف زيد الثلاثة التي هي دخيلة في معنى زيد.

فـ الـلابشرطية العرفية نعم يمكن تقسيمها إلى هذين القسمين، ولكن لو لحظنا مفهوم اللا بشرط بنحو دقيق في علم المنطق والأصول فما ذكره السيد الخوئي ليس بتام بل يجب الاقتصار على خصوص النحو الأول دون النحو الثاني، لأن أخذ شيء لا بشرط من ناحية شيءٍ آخر معناه الإطلاق في مقابل التقييد.

نحن نقول هكذا الماهية إما بشرط شيء وإما بشرط لا وإما لا بشرط يعني الماهية إما مقيدة بشرط شيء أو مقيدة بشرط لا أو غير مقيدة أصلاً، فمرجع اللا بشرط إلى الإطلاق في مقابل التقييد إما تقيد الماهية إما بشرط شيء وإما بشرط لا أو لا تقيد الماهية وتجعل الماهية مطلقة.

إذاً مرجع اللابشرط إلى الإطلاق في مقابل التقييد.

وبالتالي نسأل ما هو معنى الإطلاق؟ هل الإطلاق معناه جمع القيود أو الإطلاق معناه رفض القيود؟ أي هل الإطلاق أمرٌ وجودي أو أمرٌ عدمي؟

مثلاً: إذا قلت: الماءُ مطلقٌ، لفظ الماء مطلق، فهل معناه أنك تجمع جميع قيود الماء يعني الماء في الإناء، الماء في القنينة، الماء في النهر، الماء في البحر، الماء في الغدير، فهل معنى الماء المطلق هو عبارة عن جمع القيود يعني تجمع جميع قيود وأصناف الماء؟ أو المراد بالماء المطلق رفض القيود يعني الماء من دون تقييده بالغدير ومن دون تقييده بالنهر ومن دون تقييده بالبحيرة ومن دون تقييده بالإناء ومن دون تقييده بالقنينة؟

الصحيح أن الإطلاق هو عبارة عن رفض القيود يعني الإطلاق أمرٌ عدمي وليس أمراً وجودياً، فإن قلت: إن الإطلاق عبارة عن جمع القيود يعني صار مرجع الإطلاق إلى أمر وجودي، وإن قلت: إن الإطلاق عبارة عن رفض القيود يعني صار الإطلاق معنى عدمي.

إذا اتضح هذا فلنطبق ما أخذناه على موطن بحثنا، بحثنا ماذا؟ أن لفظ العبادات موضوع للصحيح أو الأعم، وبحثنا في وضعه للأعم بحثنا الأركان الخمسة للصلاة، وذكرنا تصويرين في الاحتمال الثاني، ذكرنا نحوين:

النحو الأول الأركان الخمسة بشرط لا.

النحو الثاني الواجبات الخمسة بشرط لا.

هنا نأتي نقول هكذا:

إذا قلنا الأركان الخمسة بشرط لا من ناحية البقية يعني بشرط لا من ناحية التشهد والتسليم إلى آخره كلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن اللابشرط هنا من جهة النحو الثاني من اللابشرط يعني مثل الكلمة الأقل هي من؟ حرفين، الكلمة هي ما تألف من حرفين فصاعداً بحيث الحرف الزائد إذا انضم إلى الحرفين كان له مدخلية في تحقق المعنى.

هنا نقول هكذا: الصلاة هي ما تألفت من الأركان الخمسة على الأقل يعني لو ضم لها التشهد، لو ضم لها التسليم، لو ضم لها الذكر، فهذا يعني أن هذه الأمور مؤثرة، هذا الكلام مرجعه إلى جمع القيود يعني الأركان الخمسة: النية وتكبيرة الإحرام والقيام متصل بالركوع والسجود والركوع أضيف إليها قيد التشهد، أضيف إليها قيد التسليم، أضيف إليها قيد الذكر، هذا مرجعه إلى جمع القيود مثل: ماء النهر، ومائل البحيرة، وماء القنينة، هذا مرجعه إلى ماذا؟ إلى جمع القيود.

ونحن لا نؤمن بأن معنى الإطلاق هو عبارة عن ماذا؟ هو عبارة عن جمع القيود.

وأما لو التزمنا بأن الإطلاق حقيقته رفض القيود فهذا معنى أنه الأركان الخمسة لم نلحظها تارة مقيدة بالتشهد والتسليم ولم نلحظها تارة أنها غير مقيدة بالتشهد والتسليم، يعني لحظنا الأركان الخمسة فقط من دون أن نلحظ تقييدها وعدم تقييدها.

ومعنى ذلك أن عدمها غير مضر ووجودها لا يكون دخيلاً.

إذاً إذا التزمنا بأن حقيقة الإطلاق هي عبارة عن رفض القيود يتعين خصوص المعنى الأول وهو من قبيل ضم الماء إلى الكأس، فالكأس إن عدم لا يضر بتحقق الماء، وإن وجد لا يكون دخيلاً في تحقق عنوان الماء، هكذا الأركان الخمسة إن وجدت ولم يوجد التشهد فلا يضر بالصلاة، وإن وجدت الأركان الخمسة ووجد التشهد فالمفترض أن نلتزم أنه غير دخيل في تحقق العنوان لأننا لو التزمنا أن وجود التشهد أو التسليم أو الذكر له أثر في تحقق عنوان الصلاة، فهذا يرجع إلى ماذا؟ إلى أن الإطلاق جمع للقيود.

إذاً ما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من معنى اللابشرطية بنحوٍ لو وجد لكان دخيلاً ولو فقد لا يضر هذا يكون متعقل عرفي، لكن هذا يتعقل إذا قلنا بأن الإطلاق معناه جمع القيود لا إذا قلنا أن الإطلاق معناه رفض القيود.

يبقى الكلام في الصحيح، ما هو الصحيح؟ هل يمكن الالتزام بوجود جامع، هذا الجامع يتم بناءً على القول بالأعم أو لا؟

الجواب: نعم، يمكن تصوير جامع انتزاعي، بأن نقول هكذا العنوان: ما زاد على الخمسة من أجزاء الصلاة فحينئذ إن وجد الستة يصدق عليها الصلاة، إن وجدت ثمانية يصدق عليها أنها صلاة.

فبناءً على التصوير الأول نقول: ما زاد على الأركان الخمسة في الصلاة، وبناءً على النحو الثاني نقول: ما زاد على خمسة أجزاء غير معينة في الصلاة.

فهنا يصير جامع تركيبي معقول وينطبق على تمام مراتب الصلاة وعلى تمام أجزاء الصلاة.

يبقى الكلام يا أخي يا أخي حتى أجزاء الصلاة لها مراتب طولية، الركوع في ركوع من قيامه، وركوع من جلوس، وركوع بالإيمان، وهكذا السجود، فهنا أيضاً نأخذ الجامع بين المراتب الطولية ولو بالجامع الانتزاعي يعني ركوعٌ ما على سبيل البدل، سجودٌ على سبيل البدل.

وبالتالي يمكن تصوير جامع انتزاعي بناءً على الأعمي بأن نقول هكذا:

الجامع التركيبي بناءً على الأعم هو الصلاة التي تزيد على خمسة أجزاء يصدق هذا على الصلاة الصحيحة ويصدق أيضاً على الصلاة الفاسدة.

النتيجة النهائية:

الجامع التركيبي معقول بناءً على الصحيح ومعقولٌ أيضاً بناء على الأعم، هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة.

الجهة الرابعة تصوير ثمرة النزاع، إن أعطانا الله عزّ وجل عمر في السنة القادمة نكمل البحث.


[1] حقائق الأصول، السيد محسن الحكيم، ج1، ص58 إلى 60.
[2] محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص158 إلى 160.
[3] بحوث في علم الأصول، تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، ج3، المجلد الأول، ص36.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo