< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع والثمانون: تخلص الآخوند الخراساني (صاحب الكفاية)

 

لقد اتضح تصوير الجامع للصحيحي ممكنٌ وأنه عبارة عن جامع تركيبي وليس جامعاً بسيطاً لكن صاحب الكفاية ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ أراد أن يدفع عويصة إشكال الجامع التركيبي فالتزم بأن الجامع الصحيح هو جامع بسيط وليس جامعاً مركباً، وهذا الجامع منتزع من الأفراد الصحيحة المختلفة في أجزائها وشرائطها.

ويمكن توضيح ما أفاده صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ ومرجعه إلى مقدمتين:

المقدمة الأولى أن المستفاد من الأدلة الشرعية أن الصلوات الصحيحة على اختلاف أجزائها وخصوصياتها إلا أنها تشترك جميعاً في أثرٍ واحدٍ نوعي، مثل: الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وأثر الانتهاء عن الفحشاء والمنكر نثبته بالدليل الشرعي بما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

خلاصة المقدمة الأولى:

المستفاد من الأدلة الشرعية أن جميع الصلوات على اختلاف خصوصياتها لها أثرٌ واحد وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.

المقدمة الثانية إذا ثبت اشتراك جميع الصلوات الصحيحة في أثرٍ واحدٍ نوعي نثبت بالبرهان العقلي أنه لابدّ من فرض جامعٍ واحدٍ صحيح يشمل ويعم جميع الصلوات وجميع الأفراد من الصلوات، لأن الواحد لا يصدر إلا من واحد كما ثبت في البرهان الفلسفي، وحيث إن الأثر واحد وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر فيلزم أن يكون المؤثر واحداً إذ لو كان المؤثر متعدداً بحيث كان كل صلاة لخصوصيتها تؤثر بلحاظي خصوصيتها للزم تأثير الكثير في الواحد ولزم صدور الواحد من الكثير وهو مستحيل.

إذ كيف يؤثر الكثير وهو الأفراد المتكثرة في خصوصياتها من الصلوات تؤثر أثراً واحداً وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.

إذاً لابدّ من فرض مؤثر واحد وهو جامع الصلاة البسيط الذي يعم جميع مصاديق الصلاة فجميع مصاديق الصلاة تلتقي وتشترك في جامع نوعي واحد، وهذا الجامع لابدّ أن يكون بسيطاً نظراً لما بين من استحالة الجامع التركيبي، إذاً لا بدّ أن يكون بسيطاً.

وبذلك انتهى صاحب الكفاية إلى أن جامع الصلاة الصحيحة إنما هو جامع بسيط وليس جامعاً مركباً.

إذاً من الواضح أن الجامع الذي جاء به صاحب الكفاية بسيطٌ وليس مركباً، ومن الواضح أيضاً أن هذا الجامع جامعٌ ذاتي وليس جامعاً عرضياً إذ أن هذا الجامع مؤثرٌ والانتهاء عن الفحشاء والمنكر أثرٌ من آثار هذا الجامع فهذا الجامع ليس في مرتبة المعلول حتى يكون أمراً عرضياً وإنما هو في مرتبة المؤثر والعلة فلابدّ أن يكون جامعاً ذاتياً.

إذاً انتفى الاحتمال الأول وهو أن يكون الجامع تركيبياً وانتفى فالاحتمال الرابع وهو أن يكون الجامع بسيطاً عرضياً فيدور الأمر بين الاحتمال الثاني وهو الجامع البسيط الذي يكون ذاتياً من باب الكليات الخمسة، أو احتمال الثالث وهو أن يكون الجامع بسيطاً ذاتياً من باب الذات في البرهان أي أنه أمر انتزاعي من باب لزوم اللازم للملزوم.

إذاً مقصود صاحب الكفاية أن يكون الجامع بسيطاً لا مركباً كما في الاحتمال الأول ولا يكون عرضياً كما في الاحتمال الرابع فيدور بين الاحتمال الثاني وهو الذاتي في باب الكليات الخمسة أو الاحتمال الثالث وهو الذاتي في باب البرهان.

وقد اعترضوا على تخلص المحقق الخرساني صاحب الكفاية بعد اعتراضات نذكر اعتراضين منها:

الاعتراض الأول إن الواحد على ثلاثة أقسام واحدٌ بالشخص وواحدٌ بالنوع وواحدٌ بالعنوان.

تفصيل ذلك:

الأول الواحد بالشخص وهو الواحد بالعد بمعنى شخص واحد من قبيل زيد أو عبيد أو عمرو أو خالد.

الثاني الواحد بالنوع، والمراد به النوع الواحد أي له ماهية نوعية واحدة تشترك في ذاتياتها، وهذه الذاتيات محفوظة في تمام أفرادها، مثل: النار، الماء، التراب، فإن الماء له أفرادٌ كثيرة: ماء النهر، وماء البحيرة، والنار لها أفراد كثيرة النار التي في الطين والنار التي في التراب، ولكن جميع النيران وجميع أفراد النار تلتقي في حيثية نوعية واحدة، وهكذا جميع أفراد التراب، وجميع أفراد الطين والحجر وما شاكل ذلك فهي واحدة بالنوع.

الثالث الواحد بالعنوان.

والمقصود به وحدة العنوان الانتزاعي المنطبق على أفراد كثيرة، فمثلاً: عنوان الطويل والعريض والضعيف والمتين والأبيض والأسود هذه عناوين تنطبق على أفراد متعددة عدداً وماهية، فالطويل يصدق على عدة أفراد من الإنسان إذا توفر فيهم صفة الطول فهناك تكثر في الأفراد، وهناك تكسر في الماهية قد يكون الشارع طويلاً، الإنسان طويلاً، الجدار طويلاً.

إذاً الواحد بالعنوان يجمع أفراد مختلفة ومتكثرة عدداً ونوعاً وحتى ماهيتةً.

إذا اتضحت هذه المقدمة، قالوا: إن قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد إنما هي مختصة بخصوص الأول وهو الواحد الشخصي نظراً لقانون السنخية بين المؤثر والمؤثر، وبين العلة والمعلول، وبين السبب والمسبب، وبما أن العلة واحدة فمعلولها لا بدّ أن يكون واحداً من سخنها، فقاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد مختصةٌ بخصوص الواحد الشخصي دون الواحد النوعي أو الواحد العنواني.

وقال بعضهم: إن قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد تشمل الأول والثاني دون الثالث فكذلك في الواحد النوعي نظراً لقانون السنخية بين العلة والمعلول، وبما أن المؤثر واحدٌ بالنوع لابدّ أن يكون المؤثَر واحداً، فالعلة والسبب واحد وهو الواحد النوعي فلا بدّ أن يكون المعلول والمسبب واحداً.

لكن الواحد العنواني لا تجري في هذه القاعدة لأن العنوان عبارة عن جامع انتزاعي فالذهن يأتي بالماهية المقشرة كالبرتقالة حينما تقشرها فإنك تزيل لبّ البرتقالة الأولى والثانية والثالثة وتبقي اللبّ فالتقشير عبارة عن الاحتفاظ بما به الاشتراك كـ لبّ البرتقالة وحذف ما به الامتياز قشر كل برتقالة على حدة.

هكذا أيضاً بالنسبة إلى الواحد الانتزاعي تأتي بمفهوم الطول تنتزعه من الإنسان والطريق والشجرة والجدار ثم تلغي الامتياز أن هذا إنسان وهذا طريق وهذه شجرة، وتبقي ما به الاشتراك وهو الطول.

إذاً العنوان الانتزاع صار بحثنا فلسفة وليس أصول قد ينتزع من الحقائق المتباينة والوجودات المختلفة بحسب الخارج، ولكن نسبة العنوان الانتزاعي وهو المفهوم إلى منشأ انتزاعه نسبة المعلول إلى العلة، يعني الجامع الانتزاع في رتبة المعلول، يعني الواحد الانتزاع في مرتبة المعلول ومنشأ الانتزاع في مرتبة العلة بخلاف الواحد بالشخص والواحد بالنوع فإن مرتبته مرتبة العلة والسبب لا مرتبة المعلول والمسبب.

إذاً قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد خاصةٌ بخصوص الواحد بالشخصي أو الواحد بالنوع ولا تشمل الواحد بالعنوان والانتزاع.

إذا تم ذلك نأتي إلى موطن بحثنا وهو صغرى بحثنا إن الانتهاء عن الفحشاء والمنكر أثرٌ مترتبٌ على الصلاة.

سؤال: الانتهاء عن الفحشاء والمنكر هل هو واحد بالشخص؟

لا.

س: هل هو واحد بالنوع؟

كلا، وألف كلا.

إنه واحدٌ بالعنوان والانتزاع نحن انتزعنا عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر من الأفراد المختلفة للصلاة.

إذاً عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر واحدٌ عنواني انتزع من كمالات الصلاة ومن التمسك بالعروة الوثقى في الصلاة وفي أفراد الصلاة المختلفة.

إذاً تطبيق هذه القاعدة من قبل صاحب الكفاية خطأ لأن قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد تختص بخصوص الواحد الشخصي والواحد النوعي دون الواحد العنواني، وصغرى بحثنا وهي الانتهاء عن الفحش والمنكر من مصاديق الواحد العنواني إذاً القاعدة لا تطبق على الواحد بالعنوان.

إذاً ما ذهب إليه صاحب الكفاية ليس بتام.

الاعتراض الثاني للسيد أبو القاسم الخوئي[1] ـ رحمه الله ـ .

إذا الشهيد الصدر قبل الاعتراض الأول على صاحب الكفاية ولن يقبل الاعتراض الثاني على صاحب الكفاية، وسيأتي إن شاء الله أننا لا نقبل صاحب الكفاية من الأساس ولسنا بحاجة إلى كلا هذين الاعتراضين.

الاعتراض الثاني وحاصله إنه في موطن بحثنا لا يمكن أن نفترض أن المؤثر هو الأثر الوحداني وهذا الجامع البسيط لأن معنى افتراض أن المؤثر هو الجامع البسيط أن خصوصية كل فردٍ من الأفراد الصحيحة غير دخيلةٍ في الأثر وهذا غير صحيح.

ولتوضيح المطلب، حينما تقول: إن النار توجب الإحراق والإضاءة فهذا يعني أن الإحراق مسببٌ ومعلولٌ والنار سببٌ ومن الواضح أن أفراد النار كثيرة فتوجد النار التي في التراب، وتوجد النار التي في البركان، وتوجد النار التي في الفحم، وتوجد نار جهنم والعياذ بالله، ومن الواضح أن كل فردٍ فردٍ من أفراد النار له خصوصيته أفهل تقيس نار جهنم على نار الفحم قياس مع الفارق.

لكن صفة الإحراق ليست خاصة بخصوص هذا الفرد من النار أو ذاك الفرد من النار يعني الذي يؤثر في تحقق الإحراق والاحتراق ليس الخصوصية الخاصة لنار جهنم وليس الخصوصية الخاصة لنار الفحم، خصوصيات الأفراد من النار والمصاديق لا داخلة لها في تحقق الأثر الواحد وهو الإحراق وإنما نفس النار نفس جامع النار هو يوجب تحقق صفة الإحراق.

هذا الكلام إذا طبقناه على مورد بحثنا، وقلنا: عندنا مصاديق كثيرة وأفراد كثيرة للصلاة، عدنا صلاة المسافر ركعتان، وصلاة الحاضر أربع ركعات، والانتهاء عن الفحشاء والمنكر هذا أثرٌ واحدٌ لجميع هذه الصلوات، وأن الموجب لتحقق هذا الأثر وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر هو جامعُ الصلاة كما أن المؤثر في الإحراق جامع النار كذلك جامع الصلاة هو المؤثر في تحقق الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.

وبالتالي هذه الخصوصيات الموجودة في أفراد الصلوات لا تؤثر، وهذا غير صحيح، لأن تأثير صلاة المسافر غير تأثير صلاة الحاضر، تأثير صلاة الأخرس غير تأثير صلاة المضجع، هكذا أفاد المحقق الخوئي ـ رحمه الله ـ .

لكن الشهيد الصدر أشكل على السيد الخوئي قائلاً: إن صاحب الكفاية لا يبني على أن يكون الجامع تركيبياً، والبناء على تأثير الخصوصيات مبني على أن التركيب من أجزاء وشرائط خاصة له تأثير في تحقق الأثر، وصاحب الكفاية لا يبني على ذلك.

ومن هنا لجأ صاحب الكفاية إلى قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد، وإلا لو كان صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ يرى إمكان الجامع التركيبي لاقتصر على خصوص المقدمة الأولى أنه دلت الأدلة على أن الصلاة بجميع أفرادها لها أثرٌ واحد وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، ولم يحتاج إلى المقدمة الثانية الواحد لا يصدر إلا من واحد، فذكره لقاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد لأنه يرى أن الجامع بسيط لا مركب.

وإشكال السيد الخوئي مبني على أن يكون الجامع مركباً لا بسيطاً إذا يوجد خلاف مبنائي بين السيد الخوئي وصاحب الكفاية.

المهم أطلنا كثيراً ولا داعي لكل هذه الإطالة.

والصحيح بنظرنا أننا نبحث مقدمات علم الأصول ونبحث مباحث الألفاظ ومباحث الألفاظ أمور اعتبارية جعلية أو أمور عقلية فلسفية دقية أفتونا مأجورين، اعتباريه.

وقاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد ناظرة إلى الواحد الحقيقي لا الواحد الاعتباري وإنما يدرسها الفلاسفة عند دراسة الوجود وأن الوجود الواحد حقيقةً هل لا يصدر إلا من واحد؟ وهل لا يصدر منه إلا واحد؟ فمورد قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد إنما هي ناظرة إلى الواحد الحقيقي لا الواحد الاعتباري، ونحن ندرس في الأصول الواحد الاعتباري والاعتبار سهل المؤونة.

إذاً أصل إجراء هذه القاعدة في غير محله إذ أن مورد جريان قاعدة الواحد يصدر إلا من واحد هو الواحد الحقيقي الفلسفي لا الواحد الاعتباري، ومورد بحثنا الواحد أو المتعدد اعتباراً والاعتبار سهل المؤونة.

لذلك المعتبر قد يعتبر صدور الواحد من واحد وقد يعتبر صدور الواحد من الكثير وقد يعتبر صدور الكثير من واحد والاعتبار سهل المؤونة.

إذا تخلص صاحب الكفاية ليس بتام، والصحيح بنظرنا ما ذهب إليه الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو تصوير الجامع على الصحيحي واتضح أنه ممكنٌ وأنه جامع مركب وليس بسيط.

المقام الثاني في تصوير الجامع على الأعمي يأتي عليه الكلام.


[1] محاضرات في أصول الفقه، الشيخ الفياض، ج1، ص144 و 145.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo