< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/11/10

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السادس والثمانون: تطبيقات جامع الصحيح

 

ذكرنا أنه يمكن تشكيل جامع للعبادة الصحيحة فالجزء والشرط وإن كان واحداً من ناحية الوجود لكن يمكن تحصيصه لأن له أنحاء العدم فسورة الفاتحة جزءٌ من مركب الصلاة لكن هذا الجزء وهو الفاتحة يمكن تقسيمها إلى عدة حصص بلحاظ أنحاء العدم، فالفاتحة قد تنعدم انعداماً نسيانياً، وقد تنعدم انعداماً اضطرارياً، وقد تنعدم انعداماً اختيارياً، وهكذا كل جزءٍ وكل شرطٍ يمكن تحليله إلى عدة حصص متعددة بلحاظ حالات الترك ودواعيه.

بناءً على هذا يمكن أن نقول: إن الجامع الصحيحي هو الفعل المركب الذي لا تصدق عليه انعدامات معينة، ويمكن تضييقه بلحاظ حصص العدم لا بلحاظ حصص الوجود، فنقول: الصلاة هي عبارة عن المركب من عبادة مركبة من أحد عشر جزءً وعدة شرائط من هذه الأجزاء الفاتحة بشرط عدم تركها اختياراً.

إذا أمكن تصوير جامع للصحيحي نذكر تطبيقات لهذه الأجزاء والشرائط المختلفة ويمكن تقسيم أجزاء الصلاة وشرائطها إلى خمسة أقسام:

القسم الأول الجزء أو الشرط الذي يكون ركناً كالركوع والسجود في الصلاة بحيث إذا فقد هذا الركن لا يتصور مع فقده صحة العمل العبادي أصلاً، مثل ماذا؟ هذا الركوع والسجود واجب ركني في الصلاة لكن في مورد بحثنا القسم الأول إذا انتفى ينتفي الشيء، مثل ماذا؟ مثل قصد القربى وإسلام المصلي.

فإذا انتفى قصد القربى أو كان المصلي كافراً فإن هذه الصلاة لا تتصف بالصحة أبداً، هذا القسم الأول لا تتأتى فيه عويصة الإشكال في الجامع لأنه لا محذور في أخذ هذا الجزء أو الشرط في المركب فيمكن أخذ نية القربى كشرط وإسلام المصلي كشرطٍ في جامع الصلاة، وكل فعلٍ فاقد لقصد القربى أو الإسلام فهو باطلٌ عاطل، ولا يلزم أي محذور في ذلك.

إذاً القسم الأول تام الجزء أو الشرط الذي يكون ركناً كقصد القربى أو إسلام المصلي، ذاك الركوع والسجود وإلا كيفية الركوع والسجود قد تسقط بالنسبة إلى الإيماء والعاجز.

القسم الثاني أن يكون للجزء أو الشرط بدلٌ عرضي تخييري بحيث المكلف مخير إن شاء فعل هذا وإن شاء فعل ذاك كالتخيير في الركعة الثالثة والرابعة بين التسبيحات وقراءة الفاتحة أو التخيير بين الغسل والوضوء.

بناءً على أن كل غسلٍ يجزئ عن الوضوء، وفي هذا القسم أيضاً لا تتأتى عويصة الإشكال لأنه بالإمكان تصوير الجامع بين البدل والمبدل وأخذ البدل والمبدل جزءً في المركب التركيبي، فواجد الجامع صحيحٌ دائماً، وفاقده بعد فرض الركنية فاسدٌ دائماً.

القسم الثاني أيضاً ليس فيه إشكال، يقول: تجب عليك الصلاة التي جزؤها في الركعة الثالثة أو الرابعة إما التسبيح وإما قراءة الفاتحة، تجب عليك الصلاة إما بالوضوء أو الغسل المجزئ عن الوضوء.

القسم الثالث أن يكون لجزء أو الشرط بدلٌ عرضي معين وليس تخييرياً بمعنى أن المكلف له إن شاء أتى بهذا وإن شاء أتى بذاك بل المراد أنه إما أن يأتي بهذا في حالة أو يأتي بذاك في حالة أخرى، من قبيل الغسل والوضوء، بناءً على أن الغسل وظيفية للمحدث بالحدث الأكبر والوضوء وظيفة للمحدث بالحدث الأصغر فإن كان محدثا بالأصغر تعين الوضوء وإن كان محدثاً بالأكبر تعين الغسل.

وبالتالي لو صلى مع الوضوء وكان محدثاً بالأكبر بطلت صلاته ولو صلى بالغسل ولم يكن محدثاً بالأكبر بل كان محدثاً بالأصغر أيضاً بطلت صلاته.

وهذا أيضاً من قبيل الركعات الرباعية والثنائية بالنسبة إلى الحاضر والمسافر فإنه يجب القصر على المسافر فلو صلى أربع ركعات في سفره بطلت صلاته، وهكذا لو صلى الحاضر ركعتين ولم يأتي بالأربع بطلت أيضاً صلاته.

من هذا القسم يبدأ الإشكال وعويصة الإشكال تتصور بما يلي:

هل نأخذ في الجمع التركيبي الغسل خاصة دون الوضوء أو الوضوء خاصة دون الغسل أو هل نأخذ في الجامع التركيبي لصلاة الظهر والعصر والعشاء خصوص أربع ركعات أو خصوص ركعتين؟ إذا أخذنا الغسل بخصوصه خرجت الصلاة الوضوئية، وإذا أخذنا الوضوء بخصوصه خرجت الصلاة مع الغسل؟

ولكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال: بأخذ قيود بأن نقول الجامع هو الغسل إن كان محدثاً بالأكبر والوضوء أن كان محدثا بالأصغر والواجب هو أربع ركعات إن كان حاضراً، وركعتان إن كان مسافراً.

إذاً الجامع يدور بين الغسل المسبوق بالحدث الأكبر والوضوء المسبوق بالحدث الأصغر، فالجامع التركيبي هو الجامع بين هاتين الحصتين من الغسل والوضوء ليس الجامع لمطلق الغسل والوضوء، وهذا الجامع ينطبق على الصحيح دائماً ولا ينطبق على الفاسد.

القسم الرابع أن يكون للجزئي بدلٌ لكنه ليس عرضياً بل هو بدلٌ طولي، من قبيل التيمم مع الوضوء، وقراءة فاتحة الكتاب مع إشارة الأخرس أو الركوع القيامي مع الركوع الجلوسي أو مع الركوع الإيمائي، وفي مثل ذلك أيضاً يمكن حلّ العويصة بما حلت به العويصة في القسم الثالث، بأن نقول:

الجامع هو الجامع التركيبي الركوع القيامي والركوع الجلوس.

فإن قيل: بأن هذا الجامع ينطبق على الفاسد كما لو ركع المختار ركوعاً جلوسياً.

نقول: إن الجامع نقيده في مقام الانتزاع، فنقول: تجب الصلاة هكذا يجب يجب الركوع على القادر ويجب الركوع الجلوس على غير القادة، تجب قراءة الفاتحة على من يستطيع النطق وتجب الإشارة على الأخرس الذي لا يستطيع النطق.

إذاً روح هذا القسم الرابع هي روح القسم الثالث الفارق في العرضية والطولية في القسم الثالث توجد عرضية بين البدل والمبدل، في القسم الرابع توجد طولية بين البدل والمبدل، لكن تخريجة القسم الثالث كالقسم الرابع.

القسم الخامس إذا فرض أن الشرط أو الجزء تصح الصلاة بدونه أحياناً بلا بدل أصلاً كما في حالات التقية فلو صلى مع العامة وأسقط البسملة ولم يقرأ البسملة في الصورة التي تلي الفاتحة، فصلاته صحيحة إذا صلاها تقية مع أنه لم يأتي ببدل للبسملة لا بدل عرضي ولا بدل طولي، والتخلص من هذه العويصة أصعب وأكثر إشكالاً من الأقسام المتقدمة، فهل الدخيل في المركب هو البسملة بالخصوص أو الدخيل في المركب هو الجامع؟

فإن قيل: إن الدخيل في المركب هو الجامع بين البسملة والتقية فحينئذ يقال: إن هذا ليس بصحيح لأن البسملة وإن كانت جزءً من مركب الصلاة إلا أن التقية ليست جزءً من أجزاء الصلاة، وليست شرطاً من شرائط الصلاة إذ أن التقية حالة خارجية وليست جزءً أو شرطاً ولا فعلاً من أفعال المكلف حتى يؤخذ الجامع ما بين البسملة والتقية.

ومن هنا أصبح القسم الخامس أكثر عويصة من سابقيه.

وقد ذكر الشهيد الصدر صيغتين للتخلص من هذا الإشكال[1] .

الصيغة الأولى أن هذا الجامع التركيبي أخذ فيه هذا الوصف وهو أن لا يكون الجامع التركيبي فاقداً فقداً اختيارياً للبسملة لأن من يصلي بلا تقية ويسقط البسملة يكون مركب الصلاة قد فقد البسملة فقداً اختيارياً فلا ينطبق عليه جامع الصلاة، لكن من يصلي تقية ويسقط البسملة فهذه الصلاة المركبة يصدق عليها أنها اشتملت على جميع الأجزاء لأن البسملة لم تفقد فقداً اختيارياً وإنما فقدت تقيةً، إذاً هذا الجامع يشمل الصلاة بكلا شكليها: الصلاة في حال التقية بدون بسملة، والصلاة مع فقدان التقية مع البسملة.

خلاصة المحاولة الأولى نقول هكذا: الجزء ليس هو مطلق البسملة، الجزء البسملة مع عدم فقدها اختياراً، فإذا فقدتها اضطراراً أو تقيةً لا مانع من ذلك لأن الحصة لم تتحقق الحصة المطلوبة البسملة مع عدم فقدها اختياراً.

هذه التخريجة أوفق بالتخريجات السابقة، مثل ما قلناه مثلاً بالنسبة إلى قراءة الفاتحة بالنسبة إلى الأخراس، نقول: المطلوب قراءة الفاتحة مع عدم تركها اختياراً فلو تركها اضطراراً أو نسياناً؟ لا مانع من ذلك.

الصيغة الثانية أن يقال أن المأخوذ في الجامع التركيبي هو الجامع ما بين البسملة وتقيد الصلاة بالتقية والتقيد فعل من أفعال المكلف، ويقع تحت الأمر في باب الشروط، وهذا الجامع يعقل جزئيته بنحو التخيير أي أنه جامعٌ بين وجود البسملة وبين فقد البسملة المقرون بالتقيد مع التقية.

كما يقول صاحب المنظومة: تقيدٌ جزءٌ وقيدٌ خارجي، القيد وهو التقية خارج مركب الصلاة لكن تقيد الصلاة بالتقية هذا التقيد لحاظ ذهني لكن تحت اختيار المكلف فعل من أفعال المكلف فيصير الجامع هو بين البسملة عند عدم التقية وترك البسملة عند تقيد الصلاة بالتقية.

فنفس التقية هي الشرط هذا خارج مركب الصلاة لكن تقيد الصلاة بالتقية هذا فعل من أفعال المكلف، والتقيد بالتقية يعقل أن يكون جزءً في الصلاة كما كان التقيد بالطهارة جزءً من الصلاة، والمراد بالجزئية هنا الشرطية يعني يشترط في الصلاة استقبال القبلة، يشترط في الصلاة، أن تتطهر، يشترط في الصلاة مع البسملة أن لا تكون تقية، ويشترط في ترك البسملة في الصلاة أن تكون الصلاة بقيد التقية.

وبهذا الصيغة الثانية يندفع الإشكال عن القسم الخامس، وقد اتضح أن تصوير الجامع التركيبي على الصحيحي معقول في جميع الأقسام الخمسة، ويعقل للصحيحي أن يقول بأن الواضع وضع اللفظ للصحيح.

هذا تمام الكلام في التخريج الأول والتخلص الأول لتصوير الجامع الصحيحي لأنه ذكرت احتمالات أربعة في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وتقرير السيد محمود الهاشمي، وذكرت احتمالات خمسة في تقرير السيد كاظم الحائري، وكان لبّ الإشكال أن هذه الاحتمالات الأربعة أو الخمسة لا يمكن فيها تصوير الجامع الصحيحي.

وقد تخلص السيد الشهيد باختيار الاحتمال الأول وهو أن يكون الجامع تركيباً وليس بسيطاً.

ثم جاء بهذه التخريجة أنه في الجامع التركيبي لا يلحظ جانب الوجود فقط للأجزاء والشرائع بل يلحظ تحصص هذه الأجزاء والشرائط بلحاظ عدم قيود وشروط أخرى فيمكن تحصيص الأجزاء والشرائط.

هذا التخلص الأول للشهيد الصدر ـ أعلى الله ومقامه الشريف ـ .

التخلص الثاني للمحقق الخراساني صاحب الكفاية يأتي عليه الكلام.


[1] بحوث في علم الأصول، الشيخ حسن عبد الساتر، ج3، المجلد 1، ص28.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo