< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الخامس والثمانون: الجهة الثالثة في تصوير الجامع

 

ويقع الكلام في مقامين:

المقام الأول تصوير الجامع على الصحيحي.

المقام الثاني تصوير الجامع على الأعمي.

المقام الأول تصوير الجامع بناء على مبنى الصحيحي

قد يقال: إن تصوير الجامع بناءً على مبنى الصحيح يبتلى بإشكالاتٍ على جميع وجوه تصوير الجامع فلا توجد صيغة خالية عن الإشكال، وبالتالي لا يمكن تصوير جامع صحيحي خالٍ من الإشكال، لأن الجامع إما أن يكون مركباً وإما أن يكون بسيطاً، وإذا كان بسيطاً إما أن يكون ذاتياً وإما أن يكون عرضياً، وإذا كان ذاتياً فإما يراد الذاتي في باب الكليات الخمسة من علم المنطقة وإما أن يراد الذاتي في مصطلح باب البرهان، فهذه صور واحتمالاتٌ أربعة، وبناءً على هذه الاحتمالات الأربعة وهذه التصويرات توجد إشكالات.

فلو صورنا الجامع أنه مركب أو أنه بسيط عرضي أو أنه بسيط ذاتي من باب الكليات الخمسة أو أنه بسيط ذاتي من باب البرهان فجميع هذه الصور والاحتمالات الأربعة مبتلاة بالإشكال فلا يتم تصوير الجامع الصحيحي.

لكن الصحيح كما سيأتي هو اختيار القول الأول وأن الجامع مركب، وسنأتي بتصوير إن شاء الله يثبت أن تصوير الجامع على أنه مركب عارٍ وخالٍ من الإشكال فيتعين أن يكون الجامع جامعاً تركيبياً، ولنتطرق إلى هذه الاحتمالات الأربعة، وقد ذكرها الشهيد الصدر[1] ـ رحمه الله ـ .

إذاً تصوير الجامع بناءً على القول بالصحيح لا يخلو من احتمالات أربعة وكلها غير معقولة.

الاحتمال الأول أن يكون الجامع جامعاً تركيبياً بحيث يكون الجامع عبارة عن مجموع الأجزاء والشرائط والخصوصية فتقول: الصلاة هي عبارة عن الكيفية المركبة من ركوع وسجود وقيام وقعود وقراءة وذكر وتذكر الأجزاء الأحد عشر للصلاة فلو صورت الصلاة بأي جامع تركيبي فإن أتم جامعٍ سيكون صحيحاً في الصلاة التامة وسيكون فاسداً في صلاة القصر.

وهكذا الصلاة المشتملة على القراءة صحيحة بالنسبة للفصيح وليست واجبة هذه القراءة بالنسبة إلى الأخرس، وهكذا الصلاة المشتملة على وجوب القيام والقعود واجبة وجامع بالنسبة إلى من يستطيع القيام والقعود، ولكن القيام والقعود ليس واجباً على المضجع الذي لا يستطيع النهوض والقيام والقعود فأي جامعٍ تركيبي صورته سيكون صحيحاً في حالة وفاسداً في حالةٍ أخرى فالجامع المركب لا يعقل أن يكون جامعاً صحيحاً على الإطلاق بل يكون جامعاً صحيحاً في صورة وحالة وفاسداً في حالة أخرى.

إذاً لا يتعقل تصوير جامع تركيبي صحيحي يتصف بالصحة دائماً وفي جميع الحالات، إذاً الاحتمال الأول ليس بتام.

الاحتمال الثاني أن يكون الجامع بسيطاً ويكون ذاتياً من باب الذاتي في باب الكليات الخمسة كالإنسان فإن الإنسان نوعٌ وهو ذاتي وهذا الذاتي وهو الإنسان ينطبق على جميع مصاديقه كزيد وعبيد وبكر وخالد فكما ينطبق جامع الإنسان الذي هو جامعٌ بسيط وليس مركباً وجامعٌ ذاتي فكما ينطبق على سائر أفراده كذلك ينطبق عنوان الصلاة وهو عنوانٌ بسيط ينطبق على الركوع والسجود والقيام والقعود وسائر أجزاء الصلاة، وكما أن عنوان الإنسان ذاتي لزيد وعمرو وبكر وغيرها من مصاديق الإنسان كذلك الصلاة ذاتي للركوع والسجود والقيام وغيرها، ولها مصاديق متعددة كصلاة الاخرس وصلاة المضجع وصلاة القصر وصلاة التمام.

إذاً الاحتمال الثاني يرى أن الجامع عنوانٌ بسيطٌ ذاتي من باب مصطلح الذاتي في كتاب الكليات الخمسة في علم المنطق.

لكن هذا التصوير غير صحيح وغير معقول لأن أي فرد من أفراد الصلاة كصلاة الأخراس أو المضجع أو المسافر أو المتم هذه الأفراد والمصاديق هل ينطبق عليها الجامع نظراً لطروء نحو وحدةٍ على الجامع بحيث توحد جميع أجزاءه وتكسبه لون الوحدة أو أن هذا الفرد بما هو متكثر من ركوع وسجود يكون مصداقاً للجامع الذاتي البسيط؟

إذاً يوجد احتمالان لا ثالث لهما:

الاحتمال الأول أن يكون الفرد بما هو واحد مصداقاً للجامع.

الاحتمال الثاني أن يكون الفرد بما هو متكثر مصداقاً للجامع.

وكلا هذين الاحتمالين غير معقول.

أما الاحتمال الأول فهو خلفٌ إذ أن هذا الفرد ليس واحداً، وإنما هو متكثف فيه أجزاء كثيرة ركوع وسجود وقيام قعود، والأفراد أيضاً كثيرة صلاة الأخرس وصلاة المضجع وصلاة المسافر أفراد بما هي ليست واحدة ذاتاً بل متكثرة ذاتاً فإذا التزمنا بأنها واحدة فهذا يعني أن عنوان الوحدة قد طرأ على هذه الأفراد، وهذا خلف فرض كون الجامع بسيط ذاتاً بل أصبح بسيطاً عرضاً.

وإن قلنا إن هذه الأفراد وهذا الفرد أصبح مصداقاً للجامع لا لطروء عنوان الوحدة على الفرد حتى نقول: ويلزم أن يكون الجامع عرضياً لا ذاتياً بل هذا الفرد بما هو متكثر أصبح مصداقاً للجامع.

فهذا يلزم منه لازمٌ مستحيلٌ لا يمكن الالتزام به لأن الفرد الكثير بما هو كثير وقبل أن يكتسب صفة الوحدة لا يكون مصداقاً للبسيط بما هو بسيط إذ كيف يكون الفرد الذي هو متكثر حقيقةً مصداق للجامع البسيط حقيقةً هذا مستحيلٌ.

إذاً الاحتمال الثاني وهو أن يكون الجامع عنواناً بسيطاً ذاتياً من الذاتي في باب الكليات الخمسة ليس بصحيح لأن الفرد إما أن يكون مصداقاً للجامع لطروء صفة الوحدة فيكون الجامع عرضياً وهذا خلف افتراض كونه ذاتياً، وإما أن يكون الفرد بما هو متكثر مصداقاً للجامع البسيط وهذا مستحيل لأن الفرد الكثير بما هو كثير لا يكون مصداقاً للجامع البسيط إلا إذا طرأ عليه عنوان الوحدة.

إذا الاحتمال الثاني ساقطٌ كالاحتمال الأول.

الاحتمال الثالث أن يكون الجامع عنواناً بسيطاً ذاتياً من باب الذاتي في باب البرهان كذاتية الإمكان لزيد وعبيد وسائر أبناء الإنسان فالإمكان ذاتي لزيد وعبيد وسائر الممكنات ولا يراد من الذات أنه داخل في ذاتيات عبيد وزيد وكاظم وكنعان وعدنان وقحطان هذا من باب يصير ذاتي الكليات الخمسة بل المراد بالذاتي في باب البرهان أنه مفهوم منتزع وأنه لازمٌ للماهية فالإمكان لازمٌ لماهية زيد وعبيد كما أن الزوجية لازمةٌ للأربعة، فنقول: الزوجية ذاتيٌ لأربعة والفردية ذاتيةٌ للثلاثة أي أن الفردية لازم والثلاثة ملزوم، والزوجية لازم والأربعة ملزوم.

فبناءً على الاحتمال الثالث نقول: الجامع جامعٌ بسيط وذاتي من باب الذاتي في البرهان في كتاب البرهان أي أمرٌ انتزاعي ينتزعه الذهن وهو عبارة عن لازمٍ للماهية فالجامع جامع الصلاة نسبته إلى الأفراد الخارجية كصلاة الأخرس والمقعد والمسافر نسبة عنوان الزوج إلى الأربعة يعني الصلاة لازمٌ ذاتي للأفراد المختلفة، والمراد بالذاتي يعني انتزاعي يعني ننتزع مفهوم الصلاة من الكيفية التي يقوم بها الأخرس والكيفية التي يقوم بها المسافر.

إذاً الاحتمال الثالث يفترض أن يكون الجامع الصحيحي ـ لا تحرمنا من لذة العلم ـ جامعاً انتزاعياً بسيطةً ويكون من لوازم الماهية كما أن الإمكان من لوازم الإنسان.

لكن هذا الاحتمال باطلٌ، ويبرهن على استحالته، بأن: لازم الماهية معلول لتلك الماهية لأن كل لازم معلولٌ للملزوم، وفي المقام الصلاة مركبة من ماهيات ماهية الركوع والسجود والقيام والقعود من ماهيات متعددة ومتغايرة، فكيف يكون الأمر البسيط وهو الصلاة جامع الصلاة البسيط كيف يكون هذا اللازم معلولاً لمتكثرٍ وهو الصلاة المركبة؟ إذ يلزم من ذلك أن يكون جامع الصلاة البسيط وهذا اللازم البسيط معلولاً لمجموعةٍ من الماهيات لأن الملزوم هو الكيفية المكونة من عشرة أجزاء أو إحدى عشر جزء صارت الأجزاء الأحد عشر للصلاة ملزوم وهي علة وجامع الصلاة البسيط معلول، إذا العلة متكثرة مجموع الأجزاء الأحد عشر الملزوم علة واللازم وهو الجامع البسيط معلول، ويستحيل معلولية البسيط للمركب، فكيف تكون العلة مركبة والمعلول جامعاً بسيطاً؟! إذا هذا الاحتمال ساقطٌ.

الاحتمال الرابع أن يكون جامع بسيطاً أيضاً لكن لا يكون ذاتياً من باب الكليات الخمسة كما في الاحتمال الثاني، ولا يكون ذاتياً من باب البرهان كما في الاحتمال الثالث، وهو بسيطٌ وليس مركبا كما في الاحتمال الأول، بل هذا الجامع البسيط على الاحتمال الرابع يكون عرضياً كعروض النفس الملائكي وعروض الأنس بالله وعروض الانتهاء عن الفحشاء والمنكر فإنها أمور عرضية تعرض على الصلاة كعروض البياض على الجسم وعروض الفوقية على الجسم.

لكن هذا الاحتمال ساقطٌ أيضاً إذ أن عروض الفوقية على الجسم إنما يكون في اللحظة الأخيرة فالجسم هو جسمٌ عنوان الفوقية يتحقق إذا جعل الجسم فوق الكتاب مثلاً فعنوان الفوقية لا يثبت للجسم من البداية بل يثبت له بعد الوضع، وهكذا عنوان البياض لا يثبت للجسم إلا في لحظة طروء وعروض البياض على الجسم، وهكذا مورد بحثنا فإن الصلاة إذا قلنا إن الصلاة هي عبارة عن النفس الملائكي العارض أو العروج العارض فإن العروض والعروج والنفس الملائكي لا يحصل من بداية الصلاة إلى نهايتها وإنما يحصل بعد الشروع في الصلاة وتعرض الحالات الملكوتية والعرفانية.

إذاً الصلاة من بداية التكبير إلى نهاية التسليم لا تعرض عليها هذه الحالة الطارئة فلا تستحق اسم الصلاة، فيلزم من ذلك أن الكيفية من التكبير إلى التسليم تستحق قسم الصلاة في مرتبة متأخرة عن مرتبة ذات الصلاة، والحال أننا نلتزم أنها هي صلاة بما هي هي لا بأمر يطرأ عليها في مرتبةٍ متأخرةٍ عن وجودها.

إذا الاحتمالات الأربعة كلها ساقطة:

الاحتمال الأول أن الجامع تركيبياً.

الاحتمال الثاني أن يكون الجامع ذاتياً من باب الكليات الخمسة.

الاحتمال الثالث أن يكون الجامع ذاتياً من باب البرهان.

الاحتمال الرابع أن يكون الجامع عرضياً.

إذا لم يثبت التصوير صحيح للجامع.

التخلص المختار وقد ذهب الشهيد الصدر[2] ـ رحمه الله ـ إلى وجود تخلصٍ مبرهن عليه وهو ليس ببعيد إذ نلتزم بأن الجامع ليس بسيطاً بأنحائه الثلاثة الذاتية أو العرضية بل الجامع نفرضه جامعاً تركيبياً وعويصة الإشكال على الجامع التركيبي من أننا لا نجد جامعاً ينطبق على جميع صور الصلوات كصلاة الأخرس والمسافر نشأت من نقطة وهي أن كل جزء من الأجزاء هل هو مأخوذٌ في هذا الجامع التركيبي أو ليس مأخوذاً؟ فإذا أخذنا الجزء كفاتحة الكتاب فتصير صلاة غير الأخرس تامة وصلاة الأخرس ناقصة، أو الوضوء هل أخذ في الصلاة أو لا؟ تصير صلاة المتوضئ تامة وصلاة المتيمم غير تامة.

وهذا الإشكال نشأ من الالتفات إلى جانب الوجود وأخذه بنحو لا يقبل التجزئة والتحليل.

وبالتالي يوجد أمران:

إما أن نأخذ الفاتحة أو لا نأخذ الفاتحة، إما أن نأخذ الوضوء أو لا نأخذ الوضوء، إما أن نأخذ شرط الاستقبال أو لا نأخذ شرط الاستقبال.

لكن يمكن دفع ذلك بأننا نأخذ جانب الوجود ونحلله إلى حصص بلحاظ العدم ـ هذا من إبداعات الشهيد الصدر ـ فهذا الوجود الواحد كفاتحة الكتاب له عدة حصص وأنحاء لا من ناحية الوجود بل من ناحية العدم، فتقول: الفاتحة بشرط عدم النسيان أو الفاتحة بشرط عدم الاضطرار أو الفاتحة بشرط انعدام الاختيار.

فتارة تنعدم سورة الفاتحة انعدام النسيان، وتارة تنعدم انعداماً اضطرارياً، وتارة تنعدم الفاتحة انعداماً اختيارياً، وهكذا يجوز في الصلاة.

بالتالي تقول هكذا: من واجبات الصلاة سورة الفاتحة إذا لم تنعدم انعداماً اختيارياً بالتالي يلا شوف هذا الجامع صلاة الأخرس صحيحة لأن الفاتحة انعدمت انعداماً اضطرارياً لا اختيارياً، صلاة من نسي قراءة سورة الفاتحة أيضاً صحيحة لأن الفاتحة انعدمت نسياناً لا اختياراً.

فبمثل هذه الشروط العدمية التي حصصت الجزء وقسمته إلى عدة حصص يمكن تصوير جامع للصلاة الصحيحة، فنقول: الصلاة الصحيحة هي الصلاة المؤلفة من أحد عشر جزءً منها القيام إذا لم يترك اختياراً، فتدخل صلاة المضجع وصلاة من لا يستطيع القيام لأنه لم يترك الصلاة اختياراً بل تركها اضطراراً.

وهكذا نجمع الأفراد الصحيحة كلها ونخرج الفرد الباطل، فتكون هناك حصص عديدة للعدم فأي حصة حكم في الرسالة العملية وفي الفقه ببطلانها نجعلها ضمن حصص العدم، ونقول: الجامع التركيبي ضيقٌ من ناحية العدم لا من ناحية الوجود.

إذاً بهذا التصوير للجامع الصحيحي يمكن تصوير الصحيح ويثبت تصوير صحيح للجامع الصحيح بأن نقول: الجامع هو عبارة عن الوجود التركيبي الذي له عدة أجزاء وشرائط قد حصصت وقيدت بشروط عدمية.

يبقى تطبيقات لذلك يأتي عليها الكلام.


[1] تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، بحوث في علم الأصول، ج2، المجلد 1، ص19.السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، بحوث في علم الأصول، ج1، ص193.السيد كاظم الحائري، ج1، مباحث الأصول، ص316.
[2] بحوث في علم الأصول، ج3، ص22، تقرير الشيخ حسن عبد الساتر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo