< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع والثمانون: المقام الثالث هل يراد في الصحة جميع الأجزاء والشرائط أم لا؟

 

تكلمنا عن معنى الصحة وأنها بمعنى التمامية بناءً على مبنى صاحب الكفاية والسيد الخوئي، وأنها بمعنى الواجدية للخصوصية بناءً على مبنى الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وهو ما نميل إليه.

من هنا يقع الكلام الصحة سواء كانت بمعنى التمامية أو الواجدية نرى أن لها حيثيات متعددة فإن الشيء لا يكون صحيحاً على الإطلاق وإنما يكون صحيحاً إذا حفظ فيه الأجزاء والشرائط كما لو حفظ فيه قصد القربى، قصد امتثال الأمر، حفظ فيه القيود اللبية كعدم النهي عنه، عدم وجود مزاحم، فيما إذا افترض أن عدم المزاحم وعدم المانع دخيلٌ وشرطٌ في الصحة.

هنا نسأل هل يشترط في مسمى الصحة توفر جميع هذه الأجزاء والشرائط أم أنه يشترط في الصحة توفر بعض الأجزاء وبعض الشرائط دون البعض الآخر كالشرائط اللبية، كعدم المزاحم؟ فلكي يتحقق مسمى الصحة ونقول: <هذه الصلاة صحيحة> هل يشترط توفر جميع الأجزاء والشروط ولكن بعض الشروط لا نشترطها في تحقق مسمى الصحة؟ مثل: <الشروط اللبية> كأن لا تبتلى هذه الصلاة بمزاحمة الإزالة أو إنقاذ غريق أم أنه لكي يتحقق مسمى الصحة لابدّ من توفر جميع الأجزاء والشرائط مطلقاً؟ هذا هو بحثنا في المقام الثالث من الجهة الثانية.

ويقع البحث في أربع نقاط:

النقطة الأولى الأجزاء، ومن الواضح أن توفر جميع الأجزاء مأخوذٌ في تحقق مسمى الصحيح لأن الصلاة والصوم والحج ما لم تتوفر جميع أجزائه لا يراه الصحيحي صحيحاً.

إذاً من الواضح جداً في النقطة الأولى أن توفر جميع الأجزاء مأخوذٌ في تحقق مسمى الصحيح عند الصحيحي فلا يصدق على العبادة أنها صحيحة ما لم تتوفر على جميع الأجزاء.

النقطة الثانية هل يشترط توفر جميع الشرائط؟

الجواب: من الواضح أيضاً أن <المشروط عدمٌ عند عدم شرطه> فلا يتحقق يوجد المشروط إلا إذا تحققت وتوفرت الشروط، إذاً لا بدّ من اشتراط توفر الشروط لتحقق مسمى الصحة، فكلٌ من الأجزاء والشرائط مقومٌ للمركب. نعم، مقومية كلٍ منها بحسبه فمقومية الجزء تدخل كقيدٍ في المركب فالمركب متقومٌ بالأجزاء، فالجزء يدخل في المركب كقيدٍ بخلاف الشرط فإن قيد الشرط خارجٌ عن المركب، وإنما يدخل التقيد، قال صاحب المنظومة: <تقيدٌ جزءٌ وقيدٌ خارجي> فمثلاً: الصلاة فيها أجزاء وهي القراءة والذكر والركوع والسجود والقيام والقعود هذه كلها أجزاء، وهذه الأجزاء داخلة في قوام الصلاة وداخلة كقيود في مركب الصلاة، ومن دون توفر هذه القيود لا يتحقق مركب الصلاة بخلاف الشروط كالطهارة، واستقبال القبلة، فإنه لو صلى مستدبراً أو صلى بدون طهارة فإن مركب الصلاة قد تحقق لتوفر الأجزاء والشروط كالاستقبال أو الوضوء هذه الشروط وهذه القيود خارجة عن حقيقة مركب الصلاة، والذي يدخل تقيد الصلاة بالطهارة وتقيد الصلاة بالاستقبال، وهذا هو الفارق والمائز الحقيقي بين الأجزاء والشرائط.

فالأجزاء تدخل كقيود ضمن المركب بخلاف الشروط فإنها قيود لكنها خارج المركب والذي يدخل تقيد المركب بالشروط وليس نفس القيود التي هي عين الشروط، والتقيد أمرٌ ذهني ولحاظ ذهني ولا وجود له في الخارج فتقيد الصلاة بالطهارة وتقيد الصلاة بالاستقبال هذا لحاظ ذهني أي أن الصلاة تلحظ مع الطهارة وأن الصلاة تلحظ ذهناً مع الاستقبال.

إلى هنا اتضح أن مسمى الصحة لا يتحقق ولا يصدق عند الصحيحي إلا إذا توفر تمام الأجزاء والشرائط فالأجزاء والشرائط قيود لكن مقومية كل قيد بحسبه فمقومية الأجزاء هي الدخول في قوام المركب، ومقومية الشرائط أن التقيد بها يدخل في المركب لا أن نفس هذه الشروط والقيود داخلة في المركب.

وقد نقل السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري إشكالاً في المقام ورد عليه[1] ، وحاصل هذا الإشكال: إنه لا يعقل أن يدعى دخل الشرائط في المسمى في عرض دخل الأجزاء في المسمى لأن مرتبة الأجزاء ومرتبة الشرائط طوليتان، فالأجزاء تعبر عن المقتضي المشروط، والشرائط تعبر عن القيود التي أخذت كشرط في المقتضي المشروط، وهناك طولية بين الشرط والمشروط فالشرط والمشروط ليسا في عرضٍ واحد، وإنما توجد بينهما طولية، فالمشروط يترتب على الشرط، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه.

إذاً مرتبة الأجزاء مرتبة المقتضي، ومرتبة الشروط كالطهارة والاستقبال بالنسبة إلى الصلاة هي مرتبة الشرائط، وهذه المرتبة مرتبة الشرائط متأخرة عن مرتبة المقتضي ومرتبة الأجزاء، أولاً تتوفر الأجزاء ثم بعد ذلك يبحث عن توفر الشرائط، فكيف يعقل أخذهما معاً أي الأجزاء والشرائط في عالم التسمية في عرضٍ واحد بحيث نقول يشترط في التسمية بالصحة توفر جميع الأجزاء والشرائط مع أنه لا عرضية بينهما بل بينهما طولية ـ واضح الإشكال؟ خطوة خطوة درجة درجة ـ .

وأجاب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ عن هذا الإشكال الذي نقله عن تقريرات الشيخ الأعظم مطارح الأنظار بأنهما ـ الأجزاء والشرائط ـ وإن كانا طوليين لكن لا مانع من أن يوضع لفظٌ واحد للأمرين الطوليين، فهناك طولية بين الابن والأب، وهناك طولية بين الأب والجدّ، ولا مانع من وضع لفظٍ واحدٍ لهما كأن تقول: <الجدين> وتطلق على الجدّ وجدّ الجدّ، الجدّ وأب الجدّ، وتقول: <جدان> لفظ واحد، وقد أطلق على أمرين طوليين، فكون الشرط في طول المقتضي، وكون الشرط فرع الأجزاء بحسب عالم ففي الخارج أولاً تتوفر الأجزاء، ثانياً تتحقق الشرائط، لا ينافي كون الشرط في عرض الجزء في عالم التسمية بالصحة.

والكلام في المقام هو هذا فإنه وإن كان الشرط في طول وفرع الجزء فبينهما طولية وترتبية في عالم الوجود الخارجي، ولكن لا مانع في التسمية من أن نطلق عليهما لفظاً واحداً، فنقول: إذا توفرت جميع هذه الأجزاء كالركوع والسجود وجميع هذه الشرائط كالصلاة والاستقبال كانت الصلاة صحيحةً.

لكن السيد الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ناقشهما بحق[2] .

وخلاصة مناقشته:

إن هذا خلق بين ذات الشرط والجزء وبين تأثير الجزء والشرط، فلو لاحظنا ذات الشيئين لا توجد بينهما طولية بل توجد بينهما عرضية، فالأجزاء كقراءة سورة الفاتحة والركوع والسجود والقيام والقعود في عرض بعضها البعض، كذلك الشرائط كالطهارة والاستقبال، وجود نفس الطهارة، ووجود نفس الاستقبال في عرض وجود قراءة سورة الفاتحة، وفي عرض وجود الركوع.

فإذا لحظنا الوجود يكون بين جميع الأجزاء والشرائط عرضية. نعم، لو لحظنا حيثية تأثير الأجزاء والشرائط، هنا توجد طولية، يعني تأثير الاستقبال وتأثير الطهارة لا يحصل إلا بسبق تأثير الركوع والقيام والسجود والقراءة والذكر، إذاً لا نسلم وجود طولية بين ذات الأجزاء والشرائط بل توجد عرضية بين ذات الأجزاء والشرائط.

نعم، توجد الطول في عالم التأثير فتأثير الشرط لا يتحقق إلا بتقدم المشروط الذي هو ماذا؟ المقتضي، فالشرط يحقق المقتضى بعد تقدم المقتضي، والمقتضي هو الأجزاء، والمقتضى هو أثرٌ من آثار توفر الشرط، إذاً توجد طولية في عالم التأثير لا في عالم الوجود، فأصل إشكال الشيخ الأعظم الأنصاري على ما نسب إليه من وجود طولية ليس بتام فلا يأتي جواب السيد الخوئي الذي سلم بوجود طولية إلا أنه لا مانع ولا تمنع هذه الطولية من إطلاق اسم واحد على أمرين طوليين.

والصحيح أنه بين الأجزاء والشرائط توجد عرضية، ولا توجد طولية.

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية.

النقطة الثالثة اشتراط قصد القربة وقصد امتثال الأمر، وهنا يوجد مبنيان:

المبنى الأول لا يعقل أخذ قصد القربى وقصد امتثال الأمر في متعلق الأمر نظراً لوجود إشكال الدور المعروف، فإذا التزمنا الأول من استحالة أخذ قصد القربى فحينئذ لا ينبغي أن يقال إن قصد القرب دخيل في مسمى الصحة لأنه شرطٌ غير معقول، فكيف يدخل في المسمى؟! لأن الصحيحي لابدّ أن يصور معنى للصحيح ومسمى صحيح يكون معقولاً، فكيف يدخل في هذا المسمى شرطاً غير معقول؟!

فبناءً على المبنى الأول من استحالة أخذ قصد القربة أو امتثال الأمر في متعلق الأمر لا يعقل دخالة قصد القربى أو قصد امتثال الأمر في مسمى الصحة.

وأما بناءً على المبنى الثاني من إمكان أخذ قصد القربى أو قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر ففي هذه الحالة يعقل أخذ قصد القربى وقصد امتثال الأمر في متعلق الأمر.

هذا تمام الكلام في النقطة الثالثة.

النقطة الرابعة والأخيرة الشروط اللبية يعني لا يصرح بها لكنها تفهم لباً وهو أن الإتيان بالصلاة مشروطٌ بعدم وجود مزاحم آخر كإنقاذ غريق أو إزالة النجاسة عن المسجد التي هي واجبة فوراً أو عدم النهي عن هذه الصلاة، فهنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يضاعف الشرط اللبي إلى المسمى، فيقال: يشترط عدم المزاحم عن الصلاة، يشترط عدم النهي عن الصلاة، فيضاف الشرط اللبي إلى نفس مسمى الصلاة، وينسب الشرط اللبي لا إلى الأجزاء والشرائط بل يضاف وينسب إلى نفس المسمى كالصلاة أو الصوم أو الحج.

ففي هذه الحالة لا يعقل أخذه في المسمى لأن هذا فرضه فرض تمامية المسمى في المرتبة السابقة، يعني يوجد مسمى في مرتبة سابقة وهو الصلاة الصحيحة، الصيام الصحيح، الحج الصحيح، ثم أخذ فيه عدم وجود مزاحم أو عدم وقوع نهي عنه.

وتارة الاحتمال الثاني أن يكون هذا الشرط اللبي ليس مأخوذاً في نفس المسمى، وإنما قد أخذ في نفس الأجزاء والشرائط التي حققت المسمى، فيقال هكذا: تجب القراءة والركوع والسجود والقيام والاستقبال والطهارة غير المنهي عنها، أو هكذا يقال: تجب القراءة والركوع والسجود والطهارة والاستقبال غير المزاحم.

وهنا لا مانع من أخذ الشروط والقيود اللبية في نفس الأجزاء والشرائط التي تحقق المسمى فهذا أمرٌ معقول ويعقل أخذه في دائرة التسمية.

هذا تمام الكلام في النقاط الأربعة للمقام الثالث من الجهة الثانية.

وخلاصة المقام الثالث:

هل يراد في مسمى الصحة أخذ جميع الأجزاء والشرائط؟

الجواب: نعم، تؤخذ جميع أجزاء والشرائط.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية.

الجهة الثالثة في تصوير الجامع يأتي عليها الكلام.


[1] محاضرات في أصول الفقه، تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض، ج، ص136، طبع النجف.
[2] بحوث في علم الأصول، تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، ج3، المجلد 1، ص17.السيد كاظم الحائري، مباحث الأصول، ج1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo